أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

مايو 13، 2022

الأغذية الخارقة Super Food

 

في مرحلة تاريخية موغلة في القِدم، كان البرونز أهم عنصر في الطبيعة، ثم صار الحديد.. وفي مراحل لاحقة كانت الفضة أغلى من الذهب، ولم يكن أحد حينها يعرف الماس، ولو عثر أحدهم على قطعة ماس عن طريق الصدفة لن يكلف نفسه عناء حملها.. وفي مرحلة أخرى كان ملح الطعام أغلى سلعة، يتم مقايضتها بأي شيء ترغب بشرائه.. الصديق طارق البكري يقول إن التجار الفلسطينيين في أربعينيات القرن الماضي كانوا يتبادلون مع ألمانيا كل 500 صندوق من برتقال يافا مقابل أحدث سيارة لشركة مرسيدس..

ما أعنيه هنا أن أي سلعة تتحدد قيمتها بشكل مختلف في كل مرحلة، بحسب أهميتها وندرتها.. وبحسب طريقة تسويقها، والدعاية المروجة لها..

الموضوع ليس تحديد سعر السلعة وحسب، بل في تقدير أهميتها وخصائصها، والتي ستختلف من زمن إلى آخر، مثلا، حتى منتصف القرن الماضي كان مبيد ال DDT يستخدم على نطاق واسع لمكافحة بعوضة الملاريا، وعلى البشر لتخليصهم من القمل، اليوم هو محرم دوليا حتى على النباتات. وكذلك مادة الهيروين، كانت أكثر وصفة طبية لمعالجة الصداع، ثم تبين أنها من أخطر أنواع المخدرات.

في وقت غير  بعيد، كانت المعكرونة ومشتقات الباستا، والآيس كريم، والهمبرغر تقدم على أنها أغذية خارقة، ربما لأنها كانت جديدة في ذلك الوقت، اليوم تقول نفس الشركات الدعائية أنها أغذية مضرة، وتسبب السمنة..

اليوم، في عالم التجارة والبزنس تلعب الدعاية التجارية أهم وأخطر دور في الترويج لأي بضاعة، وتحديد ثمنها، حتى لو كانت غير مهمة، وكانت أول مرة في حياتك تسمع بها، وقد عشت ردحا من الزمن ولم تستخدمها، رغم ذلك تستطيع الدعاية إقناعك بأنها أهم سلعة، وأن حياتك متوقفة عليها، وأنه يتوجب عليك اقتناؤها الآن وفورا، وإلا سيفوتك خير عظيم، وستخسر فوائد لا حصر لها، أو تجد نفسك متخلفا عن روح العصر، وغير متابع "للترندات" الرائجة..

مثال على ذلك ما يسمى بالأغذية الخارقة، حيث تظهر كل بضعة سنوات أغذية جديدة، وفواكه غريبة، وأكلات لم نكن نعرفها من قبل، تظهر فجأة، ثم تختفي كما اختفت سابقاتها، مفسحة المجال لمنتجات وأكلات أحدث.. وهي في الغالب أغذية مستوردة، وأسعارها مرتفعة، وحتى أن أسماءها غريبة.. ومع ذلك في كل مرة نقبل عليها، ونشتريها مهما غلى سعرها..

وقد شاهدت حلقة خاصة عن الموضوع قدمها طبيب الباطنية المقيم في بريطانيا، د. محمد منصور بعنوان Super food، يقول فيها أن الشركات المسوقة لهذه الأغذية تجني مكاسب خرافية، وأرباح كبيرة تقدر بمليارات الدولارات..

تقدم تلك الشركات دعايات ترويجية لتلك الأغذية على أنها تكافح الأمراض، وتحقق معجزات، وتخسس الوزن، وتجدد الشباب، وتقوي الطاقة الجنسية، وتضمن موفور الصحة والعافية..

تقوم تلك الدعايات على فكرة اللعب على الوتر الحساس: الصحة، من منا لا يهتم بصحته؟ وتخفي خدعتها تحت عنوان الوقاية، والتي لا نستطيع إثباتها، حيث سنعتقد أننا نجونا من السرطان لأننا نتناول الفراولة بكثرة على سبيل المثال.

أساليب وتقنيات عديدة تمارسها شركات الدعاية والإعلان لترويج بضاعتها، حيث تتلاعب في عقل المستهلك، بخدع تستهدف عقله الباطن، وتحاكي غرائزه، وتستغل حاجاته ورغباته، فمثلا، تقوم بين فترة وأخرى للترويج لمنتجات غذائية معينة بوصفها "أغذية خارقة"، وغالبا ما تكون هذه المنتجات غير متوفرة في ذلك البلد، مثلا الموز في البلاد التي لا تزرعه يقدم على أنه غذاء خارق، بينما في البلاد المنتجة له لا أحد يتكلم عن فوائده. فالأغذية المتوفرة بكثرة، والتي تكون أسعارها رخيصة في بلدك، وتحتوي نفس القيمة الغذائية والعلاجية، يصعب الترويج لها بأنها خارقة، ونفس المنتجات حين تكون نادرة في بلاد أخرى هناك يتم الترويج لها بأنها ذات قدرات غير عادية في علاج أمراض مستعصية، وبالتالي بيعها بأسعار مرتفعة.

مثلا "الشاي الأخضر"، في البلاد التي لم تعتد على تناوله يتم تقديمه على أنه  مهم لتخسيس الوزن والوقاية من السرطان، والسكر والضغط.. بينما في بلاد أخرى يكون الحديث عن الشاي الأسود، بوصفه مشروب ساحر وراقي.. مع العلم أن الشاي الأخضر هو من نفس النبتة، ولكنه لم يتعرض لمعاملات تصنيعية تحوله إلى شاي أسود.

الأمر نفسه ينطبق على السكر البني، والأرز البني، فكلاهما من نفس النبنة، فالسكر كان بنيا ثم تعرض لمعاملات تصنيعية فصار أبيضا، وكذلك الأرز: كان بنيا ثم تعرض للتقشير فصار أبيضا.. بمعنى أن القيمة الغذائية واحدة، مع فروقات بسيطة لها علاقة بفترة التخزين ومدة الصلاحية والطعم..

وكذلك الأغذية الخالية من الجلوتين، أو من اللاكتوز، أو التي تحتوي بديل بروتين الصويا.. الخدعة هنا أنها أكثر صحية. هي مناسبة لحالات مرضية معينة، أي الذين يعانون من حساسية الجلوتين، أو عدم قدرة هضم اللاكتوز، ولكن لا داعي لاستهلاكها من قبل الأصحاء..

لا شك أن البروتين، والفيتامينات، والعناصر المعدنية مهمة جدا للصحة، وتقي من الكثير من الأمراض، لكنها متوفرة في الأغذية الطبيعية التي نتناولها يوميا، لكن شركات التصنيع الغذائي قامت بتسويقها على شكل مستحضرات طبية ومكملات غذائية بغرض التجارة.. قد تكون تلك المستحضرات مفيدة لمن يعانون من نقص في عنصر ما، وفي حالات معينة، لكنها غير ضرورية للأصحاء، ولمن يتناولون غذاءا متنوعا، فضلا عن احتواء بعض مساحيق البروتين على سموم وعناصر ثقيلة ومسرطنات.

تستخدم تلك الشركات الدعائية خدعة تقوم على مغالطة الاحتكام للسلطة، وهو أسلوب معروف يتم فيه إقناع المتلقي بأية فكرة من خلال الاحتكام لمن يمثلون سلطة (دينية، علمية، سياسية..) وهنا يتم استحضار مشاهير وعلماء وأطباء للترويج لأي سلعة، والمتلقي سيقتنع بها لأنها صادرة عمّن يعتقد أنه مختص وخبير.. كما تلجأ إلى أسلوب المؤتمرات العلمية (الممولة) التي تستقطب مختصين لترويج لمنتج، أو لدواء، وكذلك تمويل أبحاث "علمية" بغرض الوصول إلى نتائج محددة سلفا، مع إهمال وإغفال الأبحاث العلمية الأخرى التي تتعارض مع تلك النتائج.

الأرباح المتحققة من وراء تلك الخدع الاستهلاكية لا تعود فقط إلى الشركات التصنيعية، أو لسلسلة الموردين والتجار.. تعود أيضا إلى شركات الدعاية والإعلان، والتي باتت صناعة عملاقة تدر أرباحا بالمليارات..

وأخيرا، الصحة في الأغذية المتنوعة، وبكميات معتدلة، وإتباع العادات الصحية: نوم عميق، مشي، شرب الماء، التعرض للشمس، حركة دؤوبة، النشاطات الاجتماعية.. وهذا يكفي..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق