أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

مايو 20، 2019

الحروب الدينية ونهاية العالم



تسببت إصلاحات مارتن لوثر (1483-1546) بموجة من الحروب الدينية في عموم أوروبا، أدت لانقسام العالم المسيحي بين كاثوليك وبروتستانت، ومن بعدها تعمّقت الخلافات بين المذهبين في مسائل عديدة، من بينها الموقف من اليهود؛ إذ آمن تيار أصولي متشدد من الكنيسة البروتستانتية (البيوريتانية) بأن قيام دولة إسرائيل مسألة دينية، باعتبارها تجسيدا لنبوءات الكتاب المقدس، وتشكل المقدمة لمجيء المسيح المخلص، وبالتالي رأت أن من واجبها مساعدة اليهود على العودة إلى "أرض الميعاد"، ثم انتشرت فكرة "عودة المسيح" في أنحاء أوروبا، وارتبطت بضرورة إعادة اليهود أولاً إلى فلسطين. الأمر الذي أدى فيما بعد إلى بروز ما عُرف بالصهيونية المسيحية.

ثم حدث انقسام آخر داخل المسيحية الصهيونية، ففي بدايات القرن التاسع عشر ظهرت مدرستان: البريطانية، تقول بأن اليهود سيتحولون للمسيحية قبل عودتهم لفلسطين. والأميركية، تقول بأن اليهود سيعودون إلى فلسطين كيهود، ثم يتحولون للمسيحية.
والملفت للنظر، والغريب في الموضوع أن المسيحية الصهيونية تدعم اليهود الإسرائيليين لغاية غريبة: "تحويلهم للمسيحية"، أي القضاء على اليهودية عمليا.. والأغرب أنها تسعى لذلك تمهيدا لخوض حرب هرمجدون، التي سيُقتل فيها ملايين اليهود!
ولكن فكرة المسيح المخلص، لم تبق محصورة في إطار الدراسات اللاهوتية، بل أصبحت في قلب السياسة، ومحركة للحروب والصراعات؛ ومن أشهر السياسيين البريطانيين الذين تبنوا هذا الفكر اللورد "آرثر بلفور"، مهندس وعد بلفور (1917).
كانت "المسيحية الصهيونية" في البدايات تدعم عودة اليهود إلى فلسطين من منطلق روحي/ ديني بحت؛ من حيث تحقيق النبوءة، والعلاقة بين اليهود وتحقيق الوعد القائم على عودة المسيح المخلص، أي في إطار الاجتهادات اللاهوتية. ولكن، في السياسة أخذت المصلحة النفعية تتوارى خلف الستار الديني، وأصبحت أفكار عودة اليهود تُستغل للمصالح الاستعمارية البريطانية في فلسطين، التي ارتبط موقعها بالمتطلبات الأساسية للإمبراطورية. أي أن "الدين وحده لم يكن كافيا؛ فمشاعر البيورتانيين الغامضة، والتآخي الروحي مع اليهود ما كانت لتؤدي إلى نتائج عملية لولا تدخل المصالح السياسية". فمنذ "كرومويل" وحتى "ترامب" كان أي اهتمام استعماري بفلسطين، وأي دعم لليهود دافعه الحقيقي هو المصالح الاستعمارية، ولكن بغطاء الدين، حتى لو كان في ذلك استغلالا لليهود.

الصديق حسن البطل كتب في عاموده في هذا السياق: "ثبت أن الأصوليات الدينية الثلاث: اليهودية، والمسيحية، والإسلامية صنو بعضها البعض"، أي فيما يتعلق بنبوءة المخلص، وأسطورة حرب نهاية العالم.. وأشار لكتاب فرنسي صدر حديثاً، يقول إن جورج بوش الابن كان يكذب بشأن حربه على العراق، فلم يكن يبحث عن أسلحة الدمار الشامل، بل كان يبحث عن "تابوت العهد" في بابل!!  وكان متحمسا للحرب، بسبب تصديقه خرافة خوض حرب يأجوج ومأجوج! فقد كان يتلقى "رسائل مشفّرة من الربّ"، حسب زعمه.

في الإسلام، لم يرد في القرآن الكريم ما يشير إلى عودة المسيح، أو ظهور المهدي، أو حرب نهاية التاريخ.. بيد أن كتب التراث تضمنت الكثير عن هذه المواضيع.. في كتب السُـنّة والشيعة على حد سواء..
جاء على الصفحة الرسمية للشيخ ابن باز: "المهدي المنتظر صحيح، وسوف يظهر في آخر الزمان قرب خروج الدجال، يخرج المهدي ويقيم العدل في الناس سبع سنوات، وينزل في وقته عيسى ابن مريم". وينكر بن باز "المهدي" الذي ينتظره الشيعة، ويقول عنه: "خرافة لا أساس لها ولا صحة لها، وأن المهدي المنتظر هو من بيت النبي، من أولاد فاطمة".

أما الأدبيات الشيعية فتحدثت عن اختفاء الإمام المهدي في سرداب في مدينة سامراء، هربا من الاضطهاد العباسي، قبل أكثر من ألف عام، وأنه سيظهر في آخر الزمان.. فالشيعة ينتظرون "المهدي"، ويعلقون عليه آمالهم بأنه سيخلصهم من البؤس والهوان، وسينشر العدل في ربوع الأرض.. وسيكون ظهوره آخر حلقة في مسلسل الصراع الدائم بين الحقّ والباطل..
ومن أهم علامات قرب ظهوره: كثرة القتل، وسفك الدماء، وانتشار الفساد في الأرض.. ولأنَّ البعض نفذ صبرهم وهم ينتظرون خروجه؛ ولم يعد يكفيهم الدعاء له بالقول: "عجل الله فرجه"؛ إذ تحول الأمر لديهم إلى هاجس مسيطر، يحثهم على العمل على تعجيل عودته.. وقد وصل الأمر لدى بعض المتطرفين الدعوة لنشر الفساد والإكثار من القتل.. بهدف تعجيل ظهور المهدي، فظهرت ميليشيات متطرفة باسم جنود إمام العصر، والوعد الإلهي.. وهؤلاء عاثوا في الأرض فسادا..
في تاريخنا الحديث ظهر أكثر من مهدي، منهم صاحب جهيمان العتيبي (1979). وقبل فترة، ادعى إمام مسجد طهران "كاظم صديقي" أن الإمام المهدي المنتظر، له ارتباط مباشر مع "خامنئي" المرشد الأعلى، وأن هذا الارتباط يتم عبر الهاتف. وفي موسم "عاشوراء" زعم نشطاء بأنهم يتيحون الفرصة لمن أراد إجراء مكالمة هاتفية (عبر الواتس) مع المهدي المنتظر..
تصلح خرافة "المسيح المخلص"، أو "المهدي المنتظر".. لتكون سلوانا للمعذبين، وتعويضا للفقراء والمظلومين عن بؤسهم.. وذريعة لليائسين والكسالى بأن الفرج سيأتي من الرب، على يدي المخلص.. وتغذي السلطات الحاكمة والأثرياء الفاسدون هذه الفكرة، لأنها بديلا معنويا عن العدالة الاجتماعية.. ولأنها تجعل المظلومين قانعين بوضعهم المزري..
وهي خرافة خطيرة في ظل تنامي الأصوليات الدينية، وصعود اليمين المتطرف، ممن يؤمنون بالحرب الفاصلة بين الحق والباطل.. فقد سيطرت أسطورة "هرمجدون" على مخيلة العديد من رؤساء أمريكا، منهم جونسون، وريغان، وبوش.. وكل قادة اليمين المسيحي يؤمنون بأن العالم يوشك أن ينتهي، والمسيح قادم، والملايين سيُقتلون في هَرْمجَدُّون، وأن روسيا هي "يأجوج ومأجوج". وقد يخوض المأفون ترامب الحرب على إيران، مدفوعاً بمستشارين من أصولية مسيحانية تصور له بأنها يأجوج ومأجوج، لمنعها من اجتياز الحافة النووية.
فالحرب الفاصلة بين الأصوليتين المسيحانية واليهودية ضد الأصولية الإسلامية، أو حرب هرمجدون التي سيخوضها المؤمنون ضد الكفار، التي ستنهي الشر من العالم.. أو حرب المسلمين الأخيرة ضد كل الكفار والمشركين.. وأي حرب دينية شمولية في المستقبل لن تنهي أي شر، ولن تقضي على أي شرير.. بل ستجلب ما لا حصر له من الأشرار، ولن تجلب سوى دمار البشرية الشامل، وربما دمار الكوكب برمته، وستفتح أبواب جهنم على مصراعيها.. على الجميع..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق