أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

أبريل 28، 2019

ما حدث في جفنا



عشية عيد الفصح، اقتحمت مجموعة من الغوغاء قرية جفنا، وبحركات استعراضية، أطلقوا النار في الهواء، وتفوه بعضهم بعبارات طائفية وعنصرية..

وفي أعقاب الحادث، أصدر أهالي جفنا بيانا للرأي العام، قالوا فيه إن "مجموعة من المنفلتين، الذين يفتقرون للحس الوطني والإنساني قاموا بالتهجم على بيوت ومحال وممتلكات أهالي قرية جفنا، ودعوا أهالي القرية لدفع الجزية"، وأضاف البيان: "تم التهجم على القرية، وترويع الأطفال والنساء وإطلاق الأعيرة النارية والمولوتوف والحجارة على البيوت من قبل رعاع منفلتين، وعلى رأسهم أحد الشخصيات الاعتبارية المتنفذة في محافظة رام الله".

جاء هذا على خلفية مشكلة بين مواطنة من جفنا وآخر ابن مسؤول، ووفقا لما ورد في بيان أهالي جفنا: "ذنبنا أن إحدى نساء القرية لجأت للشرطة والقانون لحمايتها من اعتداء تعرضت له أثناء قيادتها لسيارتها في الشارع العام، أثناء عودة أطفالها من المدرسة وعرض حياتها وحياة أبنائها للخطر، وقامت المباحث بتوقيف المعتدي للتحقيق، الأمر الذي أثار نقمة والده وعائلته"..

وتعقيبا على الاعتداء صرح رئيس الوزراء محمد إشتية بأن المسيحيين ليسوا جالية، بل هم مكون رئيسي من شعبنا. وشدد على رفض المصطلحات التي تثير الفتنة بين المسلمين والمسيحيين. فيما أكدت محافظ رام الله والبيرة ليلى غنام على أن الممارسات التي قام بها أفراد بحق أهالي جفنا مرفوضة، وسيتم التعامل مع الجناة بأعلى درجات الضبط وفقا للقانون، مشددة على التعليمات الدائمة من القيادة على حفظ كرامة كل إنسان فلسطيني وأمنه وسلامته.

من ناحية أمنية، هذا الاعتداء بمثابة أول امتحان لحكومة "إشتية"، لتثبت مدى مقدرتها وجديتها في التصدي للاعتداءات على المواطنين، وخرق القانون بهذا الشكل الفاضح.. وللأسف لم تفصح الحكومة عن طبيعة الإجراءات التي اتخذتها، على الأقل لطمأنة الرأي العام، خاصة وأن أهالي جفنا عبروا عن استيائهم من "تقاعس الأجهزة الأمنية ليلة الاعتداء، وتأخرها لأكثر من ثلاث ساعات في الحضور لحماية الآمنين ووأد الفتنة".

لم أذكر اسم الشخصية "الاعتبارية" التي قادت الاعتداء، لثلاث أسباب: أولها أنني فعلا لا أعرف من هو، والثاني، حتى لو عرفت اسمه، لن أذكره، حتى لا أمنحه شرف كتابة اسمه في مقالة لي، رغم أني سبق وأن كتب مقالات عن الحشرات، والبهائم، والظواهر الغريبة، والأمراض النفسية.. والثالث: ترفع عن ذكر اسم الجاني، لأن المسألة ليست شخصية، وحتى لا يعتقد الآخرون، أن هذا الشخص هو الوحيد الذي يجسد التخلف والغباء في المجتمع..

في مذبحة نيوزلندا المروعة، كان أفضل وأذكى رد من قبل رئيسة الوزراء، أنها امتنعت عن ذكر اسم المجرم، وهذا بحد ذاته كان أكبر عقوبة للمجرم، حيث كان يطمح في الحصول على الشهرة والتعاطف..

ما أود قوله هنا، أن الاعتداء الآثم لم يكن برقا في سماء صافية.. وليست حالة شاذة في مجتمعنا (كما يردد الإعلام).. سبقه اعتداءات كثيرة، كانت صبغتها طائفية، لولا الوعي الوطني العام، والإدراك المسؤول من قبل الأغلبية، لاتسعت دوائر العنف الطائفي في كل مرة.. والأهم، أن ردات فعل المعتدى عليهم (المسيحيين) كانت مسؤولة، وإنسانية، وواعية، فلم ينجروا إلى العنف، ولم يبادلوا التحريض بالتحريض، واكتفوا بعضّ الجرح بكبرياء وصمت، حتى لا تتسع دوائر العنف، ولا تنشب فتنة طائفية، ستقود إلى خراب البلد..

من يعتقد أن بلدنا محصنة ضد الطائفية فهو مخطئ، نحن ببساطة لسنا أذكى من السوريين واللبنانيين والعراقيين.. الذي دمروا بلدانهم بأيديهم تحت شعارات طائفية غبية.. كل ما في الأمر أن تلك البلدان تنطوي على تعددية طائفية وإثنية، وأنّ تساوق أمراء الطائفية مع المخططات الخارجية المعادية قد أطلق شرارة الفتنة في تلك البلدان، حتى جعلتها قاعا صفصفا، وبلقعا خرابا، تنعق فوقها الغربان..

هنا في فلسطين، أعتقد جازما (وأرجو أن يكون اعتقادي خاطئا) أنّ في داخل كل واحد منا وحش طائفي، رابض ومختبئ في أعماقنا، منا من نجح بقتل هذا الوحش، ومنا من نجح بترويضه، ومنا من يخبئه للأيام.. أي سيطلقه في اللحظة المناسبة..  

شخصٌ ما طلب صداقتي على الفيس، وباستعراض ملفه الشخصي، وجدته يعرف عن نفسه (مسلم سُـنّي).. فهمنا مسلم، ولكن لماذا سُـنّي؟! منذ ألف سنة وأزيد لم تحدث أي فتنة طائفية بين السُـنة والشيعة في فلسطين، والسبب ربما الوحيد أنّ الأغلبية من السُـنة، وبالتالي لم يكن ورادا في العقل الجمعي مسألة معاداة الشيعة.. إذا، لماذا اليوم يصر هذا الشخص (وغيره آلاف مؤلفة)، على استحضار الوحش الطائفي، بالتركيز على مسألة الانتماء السني، في الوقت الذي هذه المسألة غير مطروحة أساسا!!

يتغنى الإعلام المصري صبح مساء بالوحدة الوطنية، وبالتعايش الإسلامي المسيحي.. وفي حقيقة الأمر كلما دق الكوز بالجرة، اقتحمت جموع الغوغاء قرى وأحياء المسيحيين، واعتدوا عليهم، وكسروا نوافذهم، وحرقوا بيوتهم.. وفي كل مرة تقف الحكومة مكتوفة الأيدي، وتكتفي ببعض المعالجات الأمنية البائسة..

في الموصل، كان المسيحيون والمسلمون جيران، وأصدقاء، وزملاء عمل، يتعايشون بأمن وسلام.. وعندما جاءت داعش، وطردت المسيحيين، واستباحت أعراضهم، واستولت على بيوتهم، ونهبت أموالهم، وتركتهم في عرض الصحراء (كذلك فعلت بالأزيديين)، وقف المسلمون مكتوفي الأيدي، لم يحركوا ساكنا، لم يدافعوا عن جيرانهم، بل ومنهم من شارك في الاعتداءات، وكأنَّ كل التاريخ المشترك، من التعايش والتسامح كان فقاعة هواء، ومجرد كذبة..

اعتداء جفنا الآثم، إذا لم يتم استئصاله من جذوره، ومعالجته وطنيا، ومعاقبة الجناة بأقصى العقوبات.. سيكون مجرد حلقة في مسلسل من الفتن والانفلات الأمني، والانهيار المجتمعي.. تماما كما حدث في دول الجوار..

المسألة ليست مجرد حادثة أمنية، إنها تنبئ بما هو مخبأ في النفوس، من فكر داعشي، متطرف متعصب.. فكر إقصائي، يرفض الآخرين، ويعتبر من هم خارج طائفته من أهل النار، وكفار، ومضللين، وليس لهم إلا القتل، أو النفي، أو الرضوخ أذلاء صاغرين (تحت مسمى التسامح الديني، والذي لا يعدو عن كونه وهم، وشعار كاذب)..

على وزارة الأوقاف منع ومحاكمة كل خطيب جمعة يتفوه بأدعية وعبارات طائفية حاقدة..

ما حدث في جفنا عيب، وعار، والسكوت عنه جريمة..



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق