أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

يناير 01، 2019

سنة جديدة


في نهاية كانون أول من كل عام، تنطلق احتفالات رأس السنة، ويستعد الناس لاستقبال عام جديد، وهكذا.. ولكن كيف ومتى عرف الإنسان أنّ هذا اليوم بالذات هو آخر أيام السنة؟

لكل كوكب سنته الخاصة، وإذا استخدمنا سنتنا الأرضية مقياسا افتراضيا سنجد أن السنة في عطارد تساوي 87 يوما من أيامنا، وفي نبتون تعادل 165 سنة أرضية.. أما كوكب الأرض فتكتمل سنته حين يكمل دورته حول الشمس، وهذه تحتاج 365 مرة يكمل فيها دورته حول نفسه، ومن هذه الدورات وبسببها نشأت الفصول الأربعة، وتشكلت المناخات المختلفة، والتي بدورها لعبت دورا فارقا في استقرار الإنسان ونشوء الحضارات..

لكن الأرض في دورتها السنوية لا تعرف يوما محددا، لتقول في مثل هذا اليوم بدأت أول مرة بالدوران حول الشمس، وكذلك نظام الطبيعة، أما سكان الأرض وكائناتها الحية، فكل نوع منها سنته الخاصة؛ الطيور مثلا تدرك متى يقترب الشتاء (أو الصيف)، لتبدأ هجرتها السنوية من الشمال إلى الجنوب (وبالعكس)، وبالتالي لا نعلم حقيقة أين موطنها الأصلي؛ فهي تمضي ما يقارب ثلث السنة في الشمال، ومثله في الجنوب، وما تبقى من أيام تستغرقه في الطيران. الثديات (باستثناء الإنسان) تبدأ سنتها بموسم التكاثر، وهنا لكل حيوان سنته الخاصة، القطط مثلا تبدأها في شباط.. النباتات متساقطة الأوراق تنهي عامها في الخريف، ثم تدخل في طور السكون، إلى أن تنقضي أربعينية الشتاء، ومثلها أنواع عديدة من الزواحف والثديات التي تبدأ عامها بعد أن تنهض من سباتها الشتوي في مطلع الربيع..

في أعماق البحار لا تعرف الأسماك الليل من النهار، ولا تدرك الفرق بين الفصول، لكنها كلما اقتربت من السطح تبدأ بالإدراك والتأقلم، وتتأثر بشكل خاص بالتيارات البحرية المدارية، التي تؤثر على حركاتها الجماعية..

الإنسان، لكونه عاقلا، لم يقبل أن يظل أسير الطبيعة، ورهن تقلباتها القاسية، ومع ملاحظته حركة الحيوانات ومواسم تكاثرها ورحلاتها وحاجته لصيدها، ثم مع اكتشافه الزراعة، صار بحاجة لتوقيت يضبط إيقاع حياته، وينظمها..

اعتمد الإنسان في تحديد التقويم السنوي على حركتي الشمس والقمر، وقد حصل هذا مع نشوء الحضارات القديمة، فقسَّم السنة إلى 12 شهرا متساوية. لكن بدايات التقويم كانت تعتمد عموما على بدء تولي سلالة معينة الحكم؛ في الصين مثلا بدأ التقويم عام 2637 ق.م، وهي سنة تولي الإمبراطور الأسطوري "هوانجدي" الحكم.

في مصر القديمة، يعود التقويم إلى سنة 4241 ق.م، وقد قسَّم المصريون السنة إلى اثني عشر شهراً متساويا، ثم أضافوا خمسة أيام للشهر الأخير، هي أيام النسيء، واتخذوا الاعتدال الخريفي بداية السنة، لأنه شهر العمل والزرع وفيضان النيل، وقد استمر الأقباط على نفس التقويم.

أما اليونان فلديهم تقويمان؛ الأول يبدأ من تاريخ وفات الإسكندر سنة 323 ق.م. والثاني يبدأ سنة 312 ق.م بانتصار سُلوقس على بابل.. 

وللفرس أيضا تقويمان؛ القديم وضعه يزدجرد آخر ملوك الساسان، ويبدأ 16 حزيران 632 م. والثاني وضعه الشاعر عمر الخيام في عهد جلال الدين، سلطان خراسان، ويبدأ في 15 آذار 1079م. وتبدأ السنة الفارسية بعيد النَّيروز. ولضبط التقويم كانوا يضيفون في كل 120 سنةً شهراً كاملاً على السنة يسمونه شهرزاد.

 أما الرومان فقد اعتبروا سنة 753 ق.م بداية لتاريخهم، وهي سنة بناء روما، وقد أدخلت على هذا التقويم تعديلات كثيرة، حتى استقر في صورته الحالية المعبر عنها بالتقويم الجريجوري، وكان الأباطرة يطلقون أسماءهم أو أسماء الآلهة على الأشهر.

أما العرب فقد استخدموا السنة الشمسية والأشهر القمرية، ولضبط الفرق بينهما اعتمدوا النسيء والكبس، وقد اتخذوا بناء الكعبة بداية لتاريخهم (نحو سنة 1871 ق.م)، وأيضا سيل العرم (حوالي 120 ق.م)، وعام الفيل سنة 571م، وغير ذلك. وبعد الإسلام اعتمد التقويم الهجري بنفس أسماء الأشهر كبداية لهذا التاريخ، ولكن بعد إلغاء النسيء والسنة الكبيسة.

أما التاريخ العبري فيبدأ بسنة 3760 قبل الميلاد، وهي سنة الخلق كما يزعمون، فحسب العهد القديم فإن عمر الأرض ستة آلاف سنة فقط. وقد أُختير هذا التاريخ الموغل في القدم لأسباب أيديولوجية ترتبط بمحاولات خلق أصول تاريخية لليهود.

إذا كانت تلك تقويمات الشعوب، فلكل إنسان سنته الخاصة، تبدأ بيوم ميلاده (كما لكل فصيل ذكرى انطلاقته).. تذكره بتقدمه في العمر، لكن رأس السنة الميلادية ما اتفق عليها سائر البشر، لتكون بدايات انطلاقاتهم الجديدة..

انتهت السنة الماضية 2018 (كما انتهت سابقاتها) بعبارات التهكم والرغبة الملحة بانتهاء العام سريعا، ووصفه بأنه كان مليئا بالمشاكل والإحباطات والأحزان.. ربما اثنين أو ثلاثة من أصدقائي عبروا عن رضاهم من العام الفائت.. ربما تكون هذه الممارسة لتبرير الفشل والإخفاق، أو لافتتاح العام الجديد بروح متفائلة وإيجابية.. 

في سهرة رأس السنة، نتسمر خلف الشاشات، نستمتع بمشاهد الاحتفالات والألعاب النارية التي تبدأ من نيوزلندا، ثم تنتقل كل ساعة إلى عاصمة جديدة، حتى تنتهي بالغرب الأمريكي.. ثم نستمع لتنبؤات العام الجديد، بعض المنجمين يتذاكون بطريقة مكشوفة: "ستشهد السنة القادمة سقوط أمطار غزيرة على بعض المرتفعات"، "ستشهد شوارع العاصمة مزيدا من حوادث السير المروعة".. وبعضهم يكون أكثر ذكاء وحنكة، فيتنبأ بأحداث سياسية وهزات اقتصادية، أحيانا تصيب، وأحيانا تخيب.. نرغب بشدة بتصديق بعض التنبؤات، مثل "سينتهي عهد ترامب ونتنياهو بفضائح فساد".

معظم الناس يحبون قراءة الطالع، ويهتمون بشكل خاص في "الأبراج"، ويفرحون جدا إذا سمعوا أن السنة الجديدة ستحمل مفاجآت سارة، وسيجنون أموالا، وسيترقون في مناصبهم.. هذا يعطيهم أمل، ويشحن طاقاتهم الإيجابية، ويشجعهم على العمل.. لكن البعض يبالغ في التأثر بالأبراج، فلا يكتفي بالتفاؤل والتشاؤم، بل يحدد علاقاته ومخططاته وفقا لما تقوله الأبراج..  

بعد التنبؤات، تنهال رسائل التهنئة على صفحات التواصل الاجتماعي، ونظرا لضيق الوقت، وكثرة الأصدقاء صارت الرسائل جاهزة، بعبارات مكررة..

البعض يربط مخططاته ومشاريعه مع بداية العام الجديد؛ من يريد البدء بحمية لتخسيس الوزن، أو البدء بممارسة الرياضة، أو الإقلاع عن التدخين، أو تعلم مهارة جديدة.. هذا حسنٌ، ولكن من كان جادا في ذلك، لا يحتاج ليوم معين، أو ميقات محدد..

نتمنى للجميع عاما مليئا بالسعادة والنجاح..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق