أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

ديسمبر 10، 2018

ما لم يحدث من قبل



لم يحدث في تاريخ الصراعات أن سمح عدو ما بإدخال رواتب ومخصصات لأعضاء الجهة التي تقاتله.. قد يتفق الطرفان المتقاتلان على هدنة، أو على إدخال مواد إغاثية ومساعدات إنسانية، أما رواتب لجنود ومنتسبين لمنظمة معادية، فهذه سابقة حصلت لأول مرة، حين سمحت إسرائيل بدخول الأموال القطرية لحماس، سيما وأنها تصنفها منظمة "إرهابية"، وتسعى مع حليفتها أمريكا على إدانتها رسميا في الأمم المتحدة! ألا يدل ذلك على أن إسرائيل وقطر تبذلان وسعهما لإدامة الانقسام، وإبقاء غزة منفصلة عن الضفة؟ والغريب أيضا أن إدخال الأموال جاء مشروطا بحصول إسرائيل على تواقيع وبصمات من سيتقاضون رواتبهم!

سيقول البعض إن أموال السلطة تأتي عبر إسرائيل، وهذا غير دقيق تماما؛ فالسلطة تعتمد في موازنتها على أموال الضرائب الفلسطينية، والمساعدات العربية، ومساعدات الدول المانحة، وتنظَّم هذه العملية بموجب بروتوكول باريس، باعتبار أن الطرفين (الفلسطيني والإسرائيلي) وقعا على اتفاقية أوسلو.. وهي أموال تصرف على عموم الشعب، وليست حكرا لأتباع تنظيم معين.

ولم يحدث من قبل أن تدخل سفير دولة عربية في الشأن الداخلي الفلسطيني، وتصرف كما لو أنه المندوب السامي؛ يجتمع بقادة الفصائل، ويوبخهم، ويأمرهم بالهدوء، كما يفعل العمادي..

ومنذ انطلاقة الثورة، لم يحدث لجموع شعبنا أن تحولت إلى طوابير من الناس المقهورين، ينتظرون فتات مخصصات، ومساعدات غذائية وعينية، كما لو أنهم متسولين، كما يحدث في غزة الآن.

سبق لشعبنا أن رفع صور لقادة وزعماء عرب (عبد الناصر، صدام، حسن نصر الله)، وكان هذا بسبب مقارعتهم لإسرائيل (بغض النظر عن سلبياتهم)، اليوم تُرفع في أهم ميدان في غزة صور حمد، وتميم، وأردوغان.. مع أنهم يقيمون علاقات علنية ممتازة مع إسرائيل..

ولم يحدث سابقا أن صارت القضية الفسطينية والشعب الفلسطيني جزءاً من لعبة المحاور الإقليمية، فقد قاتلت فصائل منظمة التحرير بكل بسالة للحفاظ على القرار الوطني المستقل، ولجعل فلسطين أعلى وأسمى من الخلافات الإقليمية، وبمنأى عن محاورها.. اليوم، لتركيا، وإيران، وقطر، والسعودية، ومصر وغيرها كلمتها الفصل فيما يخص القضية، وتحديدا فيما يتعلق بمستقبل وواقع قطاع غزة..

وسبق لفتح أن شهدت انشقاقا داخليا (1983)، تقاتل فيه الأخوة، وهذا شيء مؤسف حقا.. لكنها كانت معركة للدفاع عن القرار الوطني المستقل، أُجبرت فتح على خوضها ضد أنظمة الوصاية.. ولم تؤثر على وحدانية الموقف الفلسطيني، ولا على وحدانية تمثيل منظمة التحرير، ولم تترافق مع عمليات سجن، وتعذيب، وسحل، وإلقاء الناس عن أسطح العمارات، ودق مسامير في أقدامهم، وتفتيت ركبهم وتحويلهم إلى "ذوي احتياجات خاصة".. ما قامت به حماس هو شق للإجماع الفلسطيني، والاستحواذ على جزء من الجغرافيا الفلسطينية، وتقسيم ما بقي من الوطن..  

منذ الخمسينيات، وحتى قبل عشر سنوات، كان الهم الوطني والسياسي هما الشغل الشاغل للأغلبية الساحقة من الشباب الفلسطيني، فكل شاب تقريبا كان يجد نفسه منتظما أو مقربا من حزب ما، أو فصيل معين.. اليوم، معظم الشباب تائهين، وغير مبالين، وقد فقدوا ثقتهم بكل التنظيمات، وصاروا مشغولين بمشاريعهم وعوالمهم الخاصة.. والانقسام أحد الأسباب..

ولم يحدث من قبل أن صار حلم الشباب الفلسطيني الهجرة إلى الخارج، حتى لو ركبوا البحر، وهم على يقين بأن البحر ابتلع مئات من قبلهم.. من الذي أوصلهم إلى هذه الحالة؟

ولم يحدث من قبل، أن قام شرطي فلسطيني بقمع مظاهرة شعبية سلمية، سواء كانت ذات مطالب سياسية معارضة، أو مطالب مدنية حقوقية.. كما جرى في السنوات الأخيرة في مدن الضفة الغربية، وفي قطاع غزة، على حد سواء.. 

ولم يحدث للقضية الفلسطينية أن تراجعت إلى هذا المستوى؛ حتى باتت آخر بند يتم نقاشه على الأجندة الدولية..

في الواقع، أسباب وعوامل كثيرة ومتداخلة ساهمت في إيصال القضية الفلسطينية إلى هذا المستوى.. ومن الظلم تحميل كامل المسؤولية لطرف واحد، أو لشخص بعينه.. ثم تبرئة البقية.. هذا النهج غير علمي، وغير صحيح، بل ويؤدي إلى مزيد من الكوارث والتراجع.. الجميع يتحمل المسؤولية، إلا من أراد التنصل منها، وإلقائها على غيره.. وهذا ما يحصل حاليا، للأسف الشديد..

لنترك جانبا تأثير العوامل الخارجية (إسرائيل وتجبرها، أمريكا وانحيازها التام، تواطؤ المجتمع الدولي، الضعف العربي...) هذه كلها موجودة، ومهمة.. ولكن، هنالك عامل في غاية الأهمية والخطورة، هو العامل الذاتي، أي الأداء الفلسطيني العام، على جميع المستويات القيادية والرسمية والحزبية والفصائلية والشعبية...

اتفاقية أوسلو (وهي الجهة الأسهل للإتهام، والمفضلة عند الكثيرين) بالرغم من كل نواقصها وسلبياتها كان من الممكن أن تتخذ مسارا آخر مختلف كليا، كان ممكنا أن تفضي إلى دولة، أو على الأقل ألا تؤدي إلى كل هذه الكوارث.. لو كان أداؤنا كفلسطينيين أفضل، وأذكى، وأكثر إخلاصا..

لو أن فتح قدمت نموذجا صالحا للحكم، لما حصل ما حصل في انتخابات 2006.. وما تبع ذلك من مصائب..

لو أن الشعب كله انخرط في مقاومة شعبية كما فعل في الانتفاضة الأولى، لما قدمنا كل هذه التضحيات والخسائر، والتي جاءت بنتائج متواضعة جدا.. ولو أن المقاومة المسلحة كانت تتم بتناغم وانسجام مع العمل السياسي، وضمن رؤية واضحة، لحققنا منجزات عظيمة تتناسب مع تلك التضحيات العظيمة..

لو أن حماس اتحدت مع فتح، واعترفت بمنطمة التحرير، وكفت عن محاولات إلغائها ووراثتها، لو فعلت ذلك من البداية لكنا في وضع مختلف كليا.. لما حصل الاقتتال الداخلي، ولما حصل الانقسام..

باختصار، لم يسبق لثورة في العالم أن انتصرت وهي برأسين، وقيادتين، وبرنامجين... اقرؤوا التاريخ، ستجدون عشرات الأمثلة..

وبوضوح أكثر.. "فتح" لديها برنامج تحرر وطني فلسطيني.. و"حماس" لديها برنامج مكرس لتنفيذ أجندة الإخوان المسلمين، وبرنامج الإسلام السياسي.. وهذا جوهر الخلاف، وجوهر المشكلة..

للفصيلين الكبيرين (فتح وحماس) تضحيات كبيرة، وأخطاء كبيرة.. والخطيئة الأكبر استمرار الانقسام.. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق