أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

أغسطس 01، 2018

لماذا عهد التميمي؟



في كل مرة يركز فيها الإعلام على شخصية ما، سواء شهيد، سجين، عالم، فنان.. ينقسم الناس من حولها بين مؤيد ومعارض، وهذا طبيعي، فليس هنالك إجماع على أي شخص في العالم.. لكن الانقسام الذي حدث بشأن عهد التميمي مستغرب ومتسهجن..
البعض يراها شجاعة، وألحقت إهانة في الجيش الإسرائيلي.. وآخرون يرونها ممثلة، وغيرهم يقولون إن الإعلام أعطاها أكثر من حجمها..

عهد، صبية فلسطينية، من أسرة مناضلة، صفعت وركلت جنديين إسرائيليين كانا يعتديان على حرمة بيتها، وهذا عمل جريء، ليس بإمكان أي أحد الإقدام عليه بهذه السهولة، وهذه ليست المرة الأولى التي تتصدى عهد بنفسها لجنود الاحتلال، فهنالك العديد من الأفلام التسجيلية القصيرة التي توثق جرأتها. وهذا أمر يحسب لها ولعائلتها التي أدركت أهمية الإعلام، وأهمية إبراز الصورة، فكانت دوما تحرص على مرافقة الكاميرا كلما شاركت في فعاليات المقاومة الشعبية.. ليس من أجل الاستعراض؛ بل من أجل التوثيق، وإطلاع العالم على حقيقة ما يجري في الأراضي المحتلة..

ما قامت به عهد، رغم جرأته؛ إلا أنه جزء يسير من تاريخ نضالي ممتد، خاض خلاله الشعب الفلسطيني بأكمله كافة أشكال المقاومة، بدءأ من إلقاء الحجارة والمولوتوف، وحتى خطف الطائرات، مرورا بعشرات العمليات الفدائية والمعارك الملحمية، ولا حاجة لنا باستعراض مئات الأمثلة والحالات البطولية لشبان وصبايا وأطفال وكهول قدموا نماذج فريدة وفي غاية الشجاعة من الفداء والتضحية.. ولا شك أنه خلال هذه المسيرة المخضبة بالدماء والتضحيات قُتل وسُجن وجُرح وشُرد الآلاف..

عشرات من هذه الحالات تم إبرازها إعلاميا، وصارت جزءاً من الحكايات الشعبية، وتغنى في الأهازيج والمواويل، ويُعاد إبرازها في كل مناسبة، ومنهم من صار رمزا وأيقونة للكفاح الوطني.. ما يعني أن عهد ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة.. وفي المقابل لدينا آلاف الحالات التي طواها النسيان، ولم ينتبه إليها أحد..

مسألة التركيز الإعلامي، أحيانا تلعب الصدفة دورا كبيرا فيها، أي مصادفة وجود كاميرا وقت الحدث، لكن الأمر ليس بهذه البساطة، فلا بد من توفر عناصر إضافية، حتى يقوم الإعلام بتسليط الضوء على الحدث، أو على الشخص.. مثلا في نفس الوقت الذي ركز الإعلام على لحظة الإفراج عن عهد، كانت الأسيرة الفلسطينية البطلة ياسمين أبو سرور على موعد مع الحرية، والتشابه بين الحالتين أن المفرج عنهن صبايا، وقضين نفس المدة في السجن! ومع ذلك لم تحظَ ياسمين بنفس التغطية الإعلامية! مع أنها مناضلة وتستحق التكريم.

مع التقدير والتبجيل لكل المناضلين والمناضلات، سواء من قام بعمل بطولي استثنائي، أو لمجرد صموده وثباته فوق أرضه، وتحمله معاناة الاحتلال اليومية؛ إلا إن التركيز الإعلامي على حالات معينة مسألة في غاية الأهمية.. فأولا من المستحيل إبراز جميع الحالات (دون التقليل من شأنها) وثانيا، لأن الإعلام علم قائم على مرتكزات معينة.. وفي حالة عهد، لنتذكر بداية أنها لم تسعى للشهرة، بل الإعلام من أشهرها، ولا دور لها في ذلك، وليس ذنبها أن الإعلام أبرزها وأهمل آخرين..

ما يميز حالة عهد، أنها أولا طفلة (16 عاما في المقاييس العالمية طفلة).. وبالتالي هي فرصة لفضح الممارسات الإسرائيلية التي تستهدف الأطفال، والتذكير بوجود مئات الأطفال في المعتقلات الإسرائيلية.. وثانيا لكونها فتاة، وفي هذا تعزيز إضافي لإظهار مكانة ودور المرأة في الكفاح الوطني، وأهمية وجودها في المجتمع، وكسر الصورة النمطية للمرأة التي تختزلها بدور "أخت الشهيد"، "زوجة الأسير"، "أم البطل"... أي كونها ملحق بالرجل، وليست كائنا مستقلا.. النقطة الثالثة نجدها في سلوك أسرة عهد، حيث لم تكتفي الأسرة بالموافقة الضمنية على انخراط الأبناء في فعاليات المقاومة؛ بل بدفعهم إلى ذلك، وبينما نجد عائلات في مجتمعات مجاورة تخجل من الفتاة التي تتعرض للاعتقال، بل وأحيانا تتبرأ منها، أو تقتلها.. هنا نجد والد عهد يفخر بها، وفي ذلك تقديم صورة مشرقة وتقدمية للأسرة الفلسطينية.

عهد شقراء، وجميلة (كل المناضلات جميلات)، لكن عهد كسرت الصورة النمطية البائسة والعنصرية التي طالما رسمها الغرب لنا، الذي أراد اختزال الجمال بالبشرة البيضاء، واحتكاره بالأوروبيين وأحفادهم.. فها هي عهد بنت الأرض الفلسطينية تنافسهم في ميدانهم، ولذلك حرصت إسرائيل على جلب مجندات لحراسة عهد في المحكمة.. قريبات من عمرها وشكلها، لتجميل صورة المحكمة القبيحة، ونفي صفة العصابية الذكورية عنها، والتمويه على أنها محكمة احتلالية غير شرعية..

وعهد أيضا غير محجبة، وهي بذلك سلبت المحكمة الإسرائيلية سلاحا خطيرا، هو ربط ما قامت به عهد من مقاومة مشروعة للمحتل بالإرهاب.. حيث يمزج المخيال العالمي بين الحجاب والجماعات الجهادية، التي يتصورها "إرهابية"..

عهد كانت أسيرة، وإبراز قضية عهد إبراز لقضية الأسرى ككل، أي تذكير المجتمع الدولي (والمجتمع الفلسطيني قبله) بقضية الأسرى ومعاناتهم، ومعاناة أسرهم، وضرورة إققال هذا الملف.

ما قامت به عهد، أحد أشكال المقاومة الشعبية، وهنا نجد أن صفعة جندي على يد فتاة ألحقت إهانة بجيش الإحتلال، الأمر الذي عجزت عنه الجيوش العربية.. ما يعزز نجاعة وأهمية المقاومة الشعبية، خلافا للمعتقد الساذج عند البعض أنها مقاومة ناعمة، وهزيلة، ولا تؤثر.. لنكتشف أنها عمل بطولي في غاية الأهمية..

إضافة لما سبق؛ فإن عهد أصبحت قدوة وملهمة لجيلها، شباناً وشابات.. ما يعني أن جذوة الكفاح باقية ومستمرة، رغم تراجع دور فصائل المقاومة، وهي بذلك تشكل رافعة معنوية مهمة، ليس للفلسطينيين وحسب، بل وللأمة بأكملها..

عهد تحولت إلى أيقونة، ورمز نضالي.. وهذه مسألة ضرورية، لأن العالم يتعاطى بسهولة وبإيجابية أكثر مع الرموز، أكثر من تعاطيه مع الأخبار.. وهذا يعطي الكفاح الوطني الفلسطيني دافعية، تساعد على تعميم الرواية الفلسطينية، وإبراز الوجه الإنساني الحضاري للكفاح الفلسطيني، وكشف الوجه القبيح للاحتلال..

عهد حرة.. ليس لأنها تحررت من المعتقل، بل لأنها حرة.. ولأنها إيذان بعهد جديد.. ومع ذلك، ينبغي الحذر في التعاطي مع قضية عهد، فهي إنسانة قبل أي شيء، وصبية صغيرة، وتجربتها غضة، وأخشى تحميلها فوق طاقتها..

هنيئا لعهد ولعائلتها، وإن شاء الله سيتحرر كل الأسرى والمعتقلين، وتظل بلادنا حرة..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق