أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

مايو 02، 2018

لقطات من الدورة الأولى للمجلس الوطني



في ظل انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني في دورته الثالثة والعشرين، نكمل استحضار الأجواء التي سادت انعقاده في جلسته الأولى في القدس، قبل أكثر من نصف قرن، وكما كتبها المرحوم أحمد الشقيري في مذكراته..

تم تشكيل لجنة تحضيرية مهمتها تسمية أعضاء المجلس الوطني، الذي سيعقد أول اجتماعاته في 28-5-1964، في فندق انتركونتننتال على جبل الزيتون في القدس، وقد تم توجيه الدعوة للملوك والرؤساء لحضور الجلسة.

القيادة السورية اعترضت على أسلوب اختيار أعضاء المجلس، وأصرت أنه يجب أن يتم ذلك من خلال الانتخابات فقط! السعودية ظلت رافضة لاستقبال الشقيري، أو التعاطي مع فكرة إنشاء المنظمة. وكانت السفارات الأمريكية في عمان والرياض وعواصم أخرى قد وجهت رسائل تحذير ورفض لفكرة إنشاء المنظمة، بحجة أن الشقيري عميل للسوفييت، وقد عرض صورة عن تلك الرسائل موظف كبير في الخارجية الكويتية.

توجه الشقيري إلى عمّان، لإقناع الملك حسين بافتتاح أعمال المجلس، إلا أن الملك الذي ظل متحفظا ومتخوفا من فكرة إنشاء المنظمة، كان قد توجه إلى العقبة، تهربا من حضور المؤتمر، فلحقه الشقيري إلى هناك بصحبة بهجت التلهوني، ولتليين موقف الملك، ألمح الشقيري إلى إمكانية عقد المجلس في القاهرة بدلا من القدس، وحينها واقف الملك على الحضور.

حضر المؤتمر الأول 450 عضوا، من مختلف تجمعات الشعب الفلسطيني.. وباستثناء السعودية، شارك في الافتتاح جميع وزراء الخارجية العرب، وممثل عن الرئيس عبد الناصر، والأمين العام لجامعة الدول العربية، وقد وصلوا عبر مطار قلنديا. وحينها عسكرت الدبابات الأردنية حول الفندق وفي الطرق المؤدية إليه، لحراسة موكب الملك حسين الذي سيفتتح المؤتمر.

وفي كلمته، قال الشقيري: إن الكيان الفلسطيني لا يبنيه الملوك والرؤساء، ولا تبنيه الجامعة العربية، إنما يبنيه الشعب الفسطيني بدمه وعرقه.

انتخب المجلس الشقيري رئيسا، وكلاً من حكمت المصري وحيدر عبد الشافي نائبين للرئيس، ونقولا الدر (من شفا عمرو) أمينا للمؤتمر. ثم انتخب اللجنة التنفيذية، كما أقر النظام الأساسي للمنظمة، والميثاق القومي، وأعلن عن البدء بتشكيل جيش التحرير الفلسطيني، ومؤسسات المنظمة المختلفة، والهيئات المنبثقة عنها..

فمثلا تمت الاستعانة برئيس أركان الجيش السوري سابقا شوكت شقير، لوضع خطة متكاملة لإنشاء جيش التحرير الفلسطيني، تنظيما وتسليحا.. كما استعين بخبراء إعلاميين لصياغة برنامج إعلامي، وإنشاء إذاعة وجريدة، واستعين بخبراء ماليين لإدارة الصندوق القومي، وتم اختيار عدد من الباحثين والمفكرين لتأسيس مركز الأبحاث.. وهكذا.

يقول الشقيري إن من بين أكبر المعضلات التي واجهته، تسمية أعضاء المجلس، حيث أن الشخصيات الوطنية التي يرضا عنها الشعب هي نفسها التي لا ترضا عنها الحكومات، وعليه أن يحل هذا التناقض، بحيث لا يجلب عداوة الحكومات ولا يخسر ثقة الشعب.

 وأيضا استمرار التشكيك ووضع العراقيل، سواء من الحكومات، أم من قطاعات الشعب الفلسطيني المختلفة، فمثلا، يقول الشقيري: ظل الحاج أمين الحسيني يرسل البرقيات للملوك والرؤساء والهيئات الدولية لعرقلة جهود إنشاء المنظمة، والتشكيك بمصداقيتها، وللتأكيد على أن الهيئة العربية العليا هي الممثل الشرعي للفلسطينيين.

وأيضا، عندما اختير عبد المجيد شومان لرئاسة الصندوق القومي، قال البعض أن المنظمة هيئة برجوازية رجعية، وعندما استأجرت المنظمة ساعات بث من إذاعة الشرق الأوسط، قال البعض هل نحتاج إذاعة وخطابات؟ وعندما تقرر إنشاء مكاتب للمنظمة في العواصم المختلفة، اعترض البعض قائلين: هل نحتاج سفراء ومكاتب ونفقات بلا داعي؟ وعندما أُنشئ أول معسكر تدريب في النصيرات ليكون تابعا لجيش التحرير، قال البعض أن هذا جيش نظامي مثل الجيوش العربية، لإفشال حرب العصابات والعمليات الفدائية... هذا فضلا عن تناقضات التيارات العقائدية والأحزاب السياسية، وتدخلات الأنظمة العربية، ومحاولاتها زج شخصيات تابعة لها، والتأثير على القرار الفلسطيني، والهيمنة على المنظمة.

في مؤتمر القمة العربي الثاني الذي عقد في الإسكندرية (أيلول 1964)، قال الملك فيصل، وكان حينها رئيسا للمؤتمر، إن المجلس الوطني الذي عُقد في القدس لا يمثل كل الفلسطينيين، وأن الشقيري تجاوز صلاحياته، والمهام التي كلفه بها المؤتمر، والتي لا تتجاوز دراسة الوسائل لإنشاء الكيان الفلسطيني، ولم نطلب منه إنشاء هذا الكيان بنفسه. وأضاف إنه يريد إنشاء كيان فلسطيني بطريقة ديمقراطية، وبالانتخابات!!

وكالعادة، تدخل الرئيس الجزائري، وقال إن إجراء الانتخابات غير ممكنة حاليا، وأن الحركات الثورية تستمد شرعيتها من الكفاح، وطالب المؤتمر بالاعتراف بمنظمة التحرير، كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني.

كانت العراق أول دولة تتبرع لجيش التحرير بمبلغ مليون دينار، تبعتها الكويت، ليصل مجموع التبرعات خمسة ونصف مليون دينار. ويؤكد الشقيري أنه من العام 1964 حتى العام 1971، كانت كل دولة عربية قد تخلفت خمس أو ست مرات عن دفع التزاماتها للمنظمة أو لجيش التحرير.

كان الملك حسين قد جلب بطائرته أربعة وستين صندوقا من عنب الخليل، قدمها في نهاية المؤتمر هدية للملوك والرؤساء والوفود المشاركة.

مع نهاية العام 1965، بدأت معالم منظمة التحرير تتضح، وأخذت هيئاتها تتشكل، وقد انتزعت اعتراف الجامعة العربية بها.. وما هي إلا عشر سنوات على تأسيسها حتى كانت الأمم المتحدة تعترف بها عضوا مراقبا، ويدخلها ياسر عرفات ومسدسه على خاصرته، ملوحا بغصن الزيتون، ومهددا ببندقية الثوار..

بقية القصة معروفة، لكن السؤال المطروح: هل أنشأت الدول العربية المنظمة لتزيل عن كاهلها حمل القضية الفلسطينية، وتسلمه لمنظمة فلسطينية، أرادت منها أن تكون تابعة لها، وأن تظل ضعيفة وكسيحة، وأن يظل قرارها مرتهنا بيد الحكومات.. أم أن الزعيم عبد الناصر الذي لولاه لما أنشأت المنظمة، كان يحلم فعلا بالتحرير، وهو على قناعة، بأن تحرير فلسطين لن يكون إلا على يد الفلسطينيين، ومن أجل ذلك يجب أن يكون لديهم كيان سياسي، ومنظمة تمثلهم، وقيادة وطنية تتحدث باسمهم..

وماذا لو نجحت الأنظمة العربية بالهيمنة على المنظمة؟ كيف سيكون شكلها، وخطها السياسي، ومساراتها، لولا دخول فتح والجبهة الشعبية والديمقراطية، وبقية الفصائل الفدائية؟

والسؤال الأهم: كيف نعيد لمنظمة التحرير ألقها، وروحها الثورية، ونصوّب مساراتها؟ وهذا السؤال مطروح أمام المجلس الحالي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق