أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

يناير 17، 2018

ماذا يحدث في السعودية؟


تشهد السعودية تحولات غير مسبوقة في مجال الحريات الشخصية وحقوق المرأة، والحد من هيمنة المؤسسة الدينية.. البعض يرى أنها محاولات لتحسين صورة المملكة في الخارج، ولإرضاء الغرب، وإقناعه بأن الأوضاع الاجتماعية في السعودية تتماشى مع متطلبات حقوق الإنسان، وآخرون قالوا بأنها تأتي في سياق ما يعرف بـ "رؤية  2030" الهادفة لإنقاذ الاقتصاد السعودي المتدهور نتيجة تراجع أسعار النفط، والحرب على اليمن، أو للتغطية على إخفاقات السعودية في العراق وسورية بعد هزيمة الجماعات الأصولية.. وآخرون قالوا بأنها للتغطية على توجهات المملكة نحو التطبيع مع إسرائيل، وآخرون اعتبروها محاولات لتهيئة الأرضية لولي العهد السعودي والحاكم الفعلي للمملكة "محمد بن سلمان" لتسلم مقاليد الحكم بعد والده، وإظهاره بصورة المصلح.

بغض النظر عن مدى صحة تلك التحليلات، لفهم دوافع المملكة في سلوكها الجديد، ما أحاوله في هذه المقالة رصد تلك التحولات، ومعرفة مدى تأثيرها على المجتمع السعودي، وعلى مستقبل المنطقة، سيما وأن السعودية ظلت لثلاثة عقود على الأقل الرافعة الأهم للإسلام السياسي، وبالتالي رصد تأثير تلك التحولات على مستقبل الحركات الإسلاموية.

تناولنا في مقالة سابقة تأثير "جهيمان" على التحولات الاجتماعية والدينية في المملكة، وأيضا تأثير كل من انتصار الثورة الإيرانية، واندلاع الحرب الأهلية في أفغانستان (وجميع هذه الأحداث وقعت في العام 1979)، والتي دفعت النظام لتبني الخطاب الديني المتشدد، وإلى إطلاق يد المؤسسة الدينية (الوهابية)، والتشديد على المجتمع السعودي، ومحاولات النظام تصدير الوهابية إلى العالم الإسلامي.

بعد هذا التاريخ، أخذت المملكة تنحو نحو مزيد من ترسيخ مفاهيم الوهابية المتزمتة، وفرضها على المجتمع، والتي تمكنت من فرض سلسلة من التحريمات والتقييدات على المجتمع، كان من أبرز مظاهرها: فرض ما يشبه الإقامة الجبرية على المرأة، إلزامها بالعباءة والنقاب، منعها من قيادة السيارة، ومن المشاركة في الفعاليات الاجتماعية، والتقييد عليها في مجالات العمل والحركة، ومنعها من استصدار جواز سفر أو فتح حساب بنكي أو السفر إلا بموافقة ولي أمرها (الذكر)، ومنع الاختلاط، والحفلات، وتحريم الموسيقى والفنون والسينما والرسم والنحت..

كل هذه التحريمات كانت برعاية وحماية هيئة الأمر بالمعروف، التي كانت لها سلطات كبيرة، تصل إلى سَجن وجَلد كل من تراه "عاصيا" لأوامرها.. حتى أنها صارت تتجاوز السلطات الرسمية (الشرطة)، ولو تُرك الأمر لها أكثر لفرضت تحريمات لا تخطر على البال، فمثلا، حارب رجال الدين الوهابيون في بدايات تأسيس المملكة كل الاختراعات الجديدة، وخاصة الراديو والتلفزيون والصحف.. وبصعوبة بالغة تمكن الملك عبد العزيز من إقناعهم بها.. (أنظر مطالب جهيمان، وعلى ماذا كان يعترض).

وهذه السياسة المتشددة أبقت المملكة في عزلة عن العالم، وخارج سياق التطور الإنساني، وأوجدت مجتمعا مغلقا محافظا، أفضى إلى إنتاج آلاف من الإرهابيين، الذين تورطوا في حروب أفغانستان، والبوسنة، والشيشان، والعراق، وسورية، وحتى في هجمهات 11 أيلول في منهاتن، والعديد من العمليات الإرهابية، بما فيها داخل السعودية نفسها، وضد النظام (أعلى نسبة من المقاتلين الأجانب في سورية والعراق وغيرها كانت من نصيب السعودية). كما حفزت التوتر الطائفي داخل البلاد وخارجها، وأوجدت حالة من التمييز بين أبناء المجتمع في الاستخدام بالدوائر الحكومية والرسمية، وأساءت إلى سمعة المملكة؛ التي ظلت تُصنف لسنوات متوالية في المراتب الدنيا في مجالات حقوق الإنسان.

اليوم، بدأ الوضع يختلف تدريجيا: ثمة تفكير جدي لحل "هيئة الأمر بالمعروف"، و"الشرطة الدينية"، وحتى التفكير بإلغاء لقب "خادم الحرمين الشريفين" عن الملك السعودي. بدأت التحولات برفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارة، واستمرت مع تصويت مجلس الشورى على قرار يتيح للمرأة إصدار فتاوى، والسماح للمرأة بحضور المباريات في مدرجات كرة القدم، والسماح بتنظيم حفلات غنائية لفنانين وفنانات أجانب، وبث أغاني المطربات على شاشة التلفزيون، وفتح صالات السينما، وإنشاء الهيئة العامة للترفيه، والتوجه نحو السياحة، وتحويل خمسين جزيرة في البحر الأحمر لمنتجعات فاخرة، وتخفيف القيود على التجمعات الشبابية، بما يسمح بحضور أكبر للمرأة..

وفي تصريح للأمير محمد بن سلمان قال بأنه: "يريد أن يعود بالمملكة إلى الإسلام الوسطي، أي إلى ما كنّا عليه؛ الإسلام المعتدل المنفتح على العالم وعلى جميع الأديان"، مضيفاً "لن نضيع 30 سنة من حياتنا بالتعامل مع أفكار مدمرة، سوف ندمرها اليوم وفوراً". وتابع: "سوف نقضي على التطرف في القريب العاجل".

إلى الآن، مازال الصراع المبطن الذي تشهده السعودية بين مؤسساتها وتياراتها الدينية مستمراً، والمثير أن كثيرا من رجال الدين تساوقوا مع النهج الجديد، وأخذوا يبررون له (ومنهم العريفي)، وإذا نجح النظام الجديد في مسعاه، فإن المملكة مقبلة على تغيرات أعمق وأشمل؛ لن تظل هيئة الأمر بالمعروف مطلقة اليدين، وحينها ستبدأ التحولات الاجتماعية بالتفاعل بصورة طبيعية (وربما متسارعة).. وقد تصبح مدن مثل جدة والرياض شبيهة بدبي.. وإذا ما شملت تحولات النظام نشاطها في العالم الإسلامي، فإن أهم وأكبر مصادر الإسلام السياسي (وخاصة الأصولي) ستتضاءل، وستختفي بالتدريج.. وهذه الحركات ستضعف وتتراجع، فالأمر ليس مجرد تمويل وتسليح (سلامة أمريكا وقطر)؛ ثمة حاجة ملحة للوقود البشري، والفتاوى الدينية، والدعوات للجهاد.. وهذه كانت من اختصاص السعودية.

والأسئلة المطروحة: هل هذه الإصلاحات حقيقية، وكافية للقول بأن السعودية في طريقها للديمقراطية؟ وهل تستطيع المملكة التخلي عن الفكر الوهابي، وإقصاء رجال الدين، وفقهاء الوهابية عن مؤسسة الحكم، والقضاء على نفوذهم؟ وهم الذين طالما منحوا النظام مشروعيته الدينية؟ أسئلة ستجيب عنها مقبل الأيام.. ومبدئيا؛ بكل تأكيد سيتم تحجيم المؤسسة الدينية والفكر الوهابي في السعودية، لكن النظام لن يتنازل كلياً عن هذه الورقة التي تضفي عليه "شرعية دينية" في الداخل، وإلى حد ما في الخارج.


بالإضافة للإصلاحات الدينية والتحسين المتنامي في الأوضاع الاجتماعية، قام الأمير محمد بن سلمان، بخطوة جريئة، تمثلت بحبس وتقييد ومصادرة ممتلكات عدد كبير من الأمراء والأثرياء بتهمة الفساد.. وبغض النظر عن دوافعه لذلك، إلا أن هذه الخطوة لاقت استحسان الجمهور، وبذلك، حظى بدعم المجتمع، وخاصة الشباب الذين يمثلون أغلبية المجتمع، ويعلقون آمالاً كبيرة عليه، ويرون أنه يمثل جيلهم الشاب، ولديه خطط طموحة جداً تبعث على التفاؤل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق