أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

يناير 16، 2018

لماذا إسرائيل متفوقة؟

المدخل السليم للإنتصار على أي عدو، هو فهمه أولاً، ومعرفة إمكانياته وقدراته ونقاط قوته وضعفه.. على أن يكون فهما موضوعيا بدون شعارات عنترية وعبارات إنشائية لا تغير من الواقع شيئا، بل تقود إلى بناء إستراتيجيات خاطئة، و"تقدير موقف" على أسس غير صحيحة (وتلك خطيئة الإعلام العربي بشكل عام)..

لا نحتاج لشروحات طويلة للوصول إلى استنتاج بسيط مفاده بأن "إسرائيل"، دولة قوية ومقتدرة على أكثر من صعيد.. ما نحتاجه هنا تحليل الأسباب التي جعلتها تمتلك هذه القوة..

العامل الأول هو طبيعة الكيان الإسرائيلي، والدور الوظيفي المنوط بها..

إسرائيل ليست بمفردها؛ فآلتها العسكرية وقوتها الاقتصادية ودورها السياسي ما هي إلا حلقة ضمن نظام عالمي استعماري، وجزء من معادلة سياسية دولية تدعمها وتحميها وتمدها بأسباب الحياة: الولايات المتحدة الأمريكية؛ وإسرائيل نشأت أساسا في سياق مشروع إمبريالي، وفرت لها بريطانيا بدايةً كل ما تحتاجه لتصبح دولة، أمدتها بالسلاح، جلبت مئات الآلاف من اليهود، رعت بناء مؤسساتها، ووفرت لها الحماية الدولية، وفي نفس الوقت جردت الفلسطينيين من كل مقومات المواجهة، كانت سلطات الانتداب تسجن كل من يحمل سكينا بطول نصلة أكثر من 10سم، حتى لو كان سكين مطبخ، وتحكم بالإعدام على من تجد بحوزته رصاصة فارغة.. إلى أن سلّمت العصابات الصهيونية فلسطين على طبق من فضة.. ثم واصلت أوروبا دعم إسرائيل، ألمانيا تدفع لها الأموال (بحجة التعويضات عن جرائم النازية)، وفرنسا بنت لها مفاعلاتها النووية، فيما واصلت أمريكا تقديم معونات تصل إلى ثلاثة مليارات دولار سنويا بشكل مباشر، إضافة لمليارات أخرى على شكل مساعدات عسكرية وأمنية، فضلا عن حمايتها في مجلس الأمن (استعملت الفيتو 43 مرة لصالح إسرائيل)..

وفي الواقع، جميع الدول التي تلقت دعماً أمريكيا (وأوروبيا) في سياق الحرب الباردة، ولمواجهة الاتحاد السوفييتي، حققت نجاحات كبيرة، وبنت نماذج متقدمة، مثل ماليزيا، هونغ كونج، تايوان، كوريا الجنوبية.. دون الاستهانة بالعوامل الذاتية لتلك الدول..

ولكن، وللإعتراف بالحقيقة، ليس الدعم الخارجي وحده سبب قوة إسرائيل، هذا جزء من الحقيقة.. ثمة أسباب ذاتية لا تقل أهمية.. وسنصيب كبد الحقيقة إذا قلنا بان هؤلاء الخمسة ملايين يهودي قد تمكنوا بجدارة من الصمود طوال هذه الفترة وسط بحر من الكراهية والعداء (حتى لو كان إعلاميا)، وتمكنوا من إقامة كيانهم، وتنظيم هذا الكيان، وتثبيت أنماط معينة في المجالات السلوكية والثقافية والسياسية والحزبية، تميزوا فيها عن العرب، وربما تفوقوا أيضا في كثير من المجالات، ومن غير الموضوعية أن نوعز هذا التفوق إلى الدعم الأمريكي اللامحدود فقط، فمع أنه موجود فعلا، إلا أن هناك أسبابا أخرى وجيهة – لا مجال لذكرها بالتفصيل – يمكن تلخيصها بكلمة واحدة: (التنظيم).

الجيل الأول من المهاجرين اليهود (اليشوف)، أتوا من أوروبا، بعد أن عاشوا فيها أجيالا متواصلة، وخبروا تطوراتها الفكرية وإرهصات نهضتها؛ فأتوا ومعهم خلاصة الحضارة الأوروبية، كانوا متعلمين، لذلك، أدركوا منذ البدايات أهمية العلم.. فأنشؤوا الجامعة العبرية (1925)، ومنذ وقت مبكر أدركوا أهمية مأسسة وتنظيم وجودهم، فأسسو الوكالة اليهودية، والصندوق القومي اليهودي (1908)، لتنظيم عمليات الاستيطان، وأسسوا نظام الكيبوتسات (المستوطنات الزراعية العسكرية)، و"الهستدروت" (1920) (اتحاد النقابات العمالية)، ونظموا التشكيلات العسكرية..

بعد قيام الكيان الإسرائيلي، كان أول قرار اتخذه "بنغوريون" (حزيران 1948) تدمير وإغراق سفينة "ألتلنا" التابعة للمنظمة الإرهابية الصهيونية "إيتسل"، المحملة بالأسلحة، موضحا أنه لا يسمح بوجود منظمات يهودية مسلحة غير الجيش..

على صعيد آخر، اهتمت إسرائيل بالصناعة وتوطين التكنولوجيا، وكانت مصرة على أن تكون منتجاتها بأعلى المواصفات، والهدف من ذلك كان سياسيا بالدرجة الأولى: التأكيد على تفوق إسرائيل، وأنها تنتمي للمنظومة الغربية المتقدمة، وتعمل بمعاييرها ومقاييسها، ولتقديم الإنموذج والصورة التي تسعى لتكريسها في الذهنية العربية، وأمام العالم.. وفي هذا المجال، أصبحت إسرائيل من الدول الأولى على مستوى العالم في بعض الصناعات المتخصصة (التكنولوجيا، الأسلحة، الماس، الصناعات الزراعية).

لدى إسرائيل جيش مجهز ومدرب، يتواصل بين أركانه بواسطة الأقمار الصناعية.. وفي مجال الأمن، إسرائيل أكثر كيان في العالم مصاب بهوس الأمن.. كل شيء يخضع لسلطة الأمن..

لكن، من وجهة نظري سر قوة إسرائيل يكمن في نظامها "شبه الديمقراطي".. لا أستطيع أن أصفه بالديمقراطي؛ لأن الديمقراطية لا تتعايش مع العنصرية والعدوانية.. ممارسات إسرائيل تجاه العرب، وحتى تجاه اليهود الشرقيين والفلاشا والمهاجرين الجدد تتسم بالعنصرية (ممارسات أبارتهايد)، وسلوكها تجاه المناطق التي تحتلها عدواني مفرط بعدوانيته، يفتقر لأبسط القواعد الإنسانية.. ولكن نظامها يمتلك أهم مكونات الديمقراطية: قضاء قوي، لديه سلطة حبس رئيس الدولة أو رئيس الوزراء إذا تورط بقضايا فساد (كتساف، أولمرت)، مع أنه مسيس، وظالم تجاه الفلسطينيين خاصة. وأيضا صحافة قوية، تمنح مساحة واسعة من حريات التعبير (باستثناء القضايا التي تقرر بشأنها أجهزة الأمن)، ونظام تداول للسلطة، وإجراء الانتخابات في مواعيد لا تقبل التأجيل.. وتلك أهم العناصر التي تمنح القوة والمنعة لأي نظام سياسي..

العامل الآخر الذي لا يقل أهمية، هو شعور الإسرائيليين الدائم بالخطر الخارجي، وهذا ما تشتغل عليه الدولة بشكل حثيث (أي صناعة الرعب)، وهذا الأمر جعل "المجتمع الإسرائيلي" يتوحد داخليا، ويتحد لمواجهة ما يحيق به من أخطار.. جعله منساقا بشكل أعمى للخطاب الرسمي التحريضي، الذي يشيطن الأعداء، وجعله يؤجل إخراج تناقضاته الداخلية، ويكبح تفاعلاته الطبيعية (التي تحدث في كل المجتمعات الإنسانية)، لأن هذه التناقضات قد تُحدِث تصدعات خطيرة في بنية المجتمع، وقد تسمح بنشوء تيارات جماهيرية عريضة مناوئة لسياسات الدولة العدوانية..

وأخيرا، لعب الضعف العربي (والتآمر كذلك) دورا مهما في تقوية شوكة إسرائيل..


المبالغة في تصوير قوة إسرائيل، ستبث الإحباط واليأس، وستغذي روح الهزيمة.. والاستهانة بقوتها سيقود إلى مزيد من الهزائم.. إسرائيل ليست نمرا من ورق، هي دولة قوية دون شك، ولكن يمكن هزيمتها..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق