أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

سبتمبر 08، 2017

تحولات سيد قطب


عاش "سيد قطب" ستون عاماً (1906~1966)، العشر الأواخر منها هي الأهم، والتي أنتج فيها أشهر وأخطر أعماله، والتي مثلت نموذجا فريدا لتحوله من النقيض إلى النقيض..
ورغم عشرات الكتب التي تناولت حياته وفكره، ما زالت السنتين اللتان قضاهما فى أمريكا تشكل لغزا غامضا، ليس لأن المعلومات عنها شحيحة وحسب؛ بل لأنها مثلت بداية التغير الجوهري في شخصيته.. قبل ذلك، كان شاعراً شفافا ورومانسيا، ومن رواد صالون العقاد، وذو فكر ليبرالي تحرري.. بعدها تحول إلى أصولي متشدد متزمت يدعو للعنف، لدرجة أنه صار بمثابة الأب الروحي للحركات الجهادية التكفيرية..   

في كتابه، "سيد قطب، المجتمع المصري جذوره وآفاته"، يقدم لنا "آلان روسيون" نماذج مهمة من كتابات وأفكار سيد قطب قبل انضمامه للإخوان المسلمين، نختار منها مثلا: «لنختلط بالإفرنج ما استطعنا، ولنقرأ ما كُتب في لغاتهم من وصف للبيت الإفرنجي ومباهجه، ثم لنحاول في صبر طويل محاكاتهم في إحياء بيوتنا، وبث روح الفرح والنشاط بين جدراننا»، وهو لا يمتدح معيشة الأجانب وحسب، بل وينتقد المجتمع المحلي.. فكتب: «ومن التقاليد القاسية، قسوة المجتمع على المرأة التي تسقط ولو مرة واحدة. غالبية البغايا يجئن من الجنوب، والمعروف أن أهالي الصعيد لا يتسامحون في جرائم العرض، بينما يتسع صدر أهالي الريف لمثل هذه الفتاة ولو قليلا، ويتسع صدر المدينة لها كثيرا فتجد هذه الفتاة الفرصة لتلافي غلطتها».
ويدافع قطب عن المرأة قائلا: «عاشت المرأة في عصور الظلام. وظل مجتمعنا جافا كئيبا موحشا، وكان لهذا أثرا سيئا في أخلاقنا وتقاليدنا وفنوننا وكل مظاهر نشاطنا». كما انتقد قطب عزل المرأة عن الحياة: «احتجاب المرأة عن المجتمع يلهب الغرائر، ويحرمها العلاج اليومي البطئ بالنظر والسماع والاختلاط البريء، ويدعو إلي إروائها بطرق ملتوية هابطة في معزل عن الرقباء». ثم يعلو صوته: «لا استطيع أن أدعو إلى احتجاب المرأة، ولا أطيق هذا الاحتجاب في عصرنا الحاضر». وفي دفاعه عن الاختلاط يمضي قائلا: «وسوف يختار أحفادنا زوجاتهم من زميلات الدراسة وصواحب النادي ورفيقات الطريق وسيكونون سعداء في حياتهم، موفقين في زيجاتهم، لأنهم درسوا خطيباتهم ولاءموا بينهم وبين عصرهم»... ويعلو صوته أكثر مدافعا عن الفن: «لا أستطيع أن أسلم لحظة واحدة بقص أجنحة الفن الجميلة التي يسمو بها الواقع عن المحدود، وكل دعوة إلى قص أجنحة الفن الجميلة إنما تصدر عن ضيق في النفس وارتكاس إلى الطور الحيواني في حياة الإنسان قبل أن تنبض في نفسه الحاسة الفنية التي تنزع به حتما إلى التحليق فوق الواقع والانفلات من ضرورات العيش وأثقال المادة».
ثم يقدم قطب رؤية جميلة للإسلام السمح فيقول: «الإسلام ليس دينا جامدا، إنما هو دين مرن يحتمل السير به في مختلف الأحوال». وفي موضع آخر دعا رجال الدين تخليص الإسلام من الصورة البائسة التي جعلته مقترنا بالحزن: "فعساهم يغيرون نغمة الأسى المصطنع، وينسون مؤقتا ازدراء الحياة والحط من شأنها». ودعا للإنخراط في مشروع الحياة الجميل: «ومتى أحببنا الحياة واحترمناها وجدنا في نفوسنا عناصر كثيرة للفرح الإنساني الأصيل».
ثم يواصل سيد قطب تحديه للمتطرفين قائلا: «نحن نظلم هذا الدين، ونشوه غايته الكبري حين نجعله دينا أخرويا فحسب، وتقف غايته على إعداد الناس للآخرة فحسب، ونجعل من همه تصغير الحياة الدنيا، بمعنى احتقارها وإهمالها وترك العمل لها». 
وفي مقال نشره في جريدة الأهرام، بتاريخ 10 تموز 1938 بعنوان «خواطر المصيف - الشواطئ الميتة»، دافع عن ارتداء المايوه على الشواطئ.. ودعا لإطلاق الشواطئ عارية.. ومؤكدا أن الجسم العاري على الشاطئ ليس فيه فتنة، ولا يثير إلا الإعجاب الفني.. واصفا من يرون غير ذلك بأنهم يعيشون الصورة المشوهة في أذهانهم. كتب سيد قطب في المقال: «إن الذين يتصورون العري على الشاطئ فى صورته البشعة الحيوانية المختلفة واهمين، (..) ليس فى الجسم العاري على "البلاج" فتنة لمن يشاهده ويراه فى متناول عينه كل لحظة، وفتن الأجسام هناك وهي المنتشرة فى "البرنس أو الفستان"، أما (المايوه) فهو لا يجذب ولا يثير، وإن أثار شيئا فهو الإعجاب الفنى البعيد بقدر ما يستطاع عن النظرة المخوفة المرهوبة! كنت أحسبنى وحدي فى هذه الخلة، ولكنى صادفت الكثيرين، ممن لم يوهبوا طبيعة فنية، ولا موهبة شعرية فلاحظت أن "الأجسام" تمر أمامهم عارية فلا تثير انتباههم، بينما تتسع الحدقات وتتلفت الأعناق إذا خطرت فتاة مستترة تخفى الكثير وتظهر القليل. فالذين يدعون إلى إطالة "لباس" البحر وإلى ستر الأجسام بالبرنس، إنما يدعون فى الواقع إلى إثارة الفتنة النائمة وإيقاظ الشهوات الهادئة، وهم يحسبون أنهم مصلحون (..) أطلقوا الشواطئ عارية لاعبة، أيها الغيورون على الأخلاق، فذلك خير ضمان لتهدئة الشهوات الجامحة، وخير ضمان للأخلاق».
وفى عدد تموز 1946 من مجلة "الكاتب المصري"،  كتب قطب مقالا بعنوان «النقد والفن» تكلّم عن تجليات الحب؛ حب الحياة وحب الطبيعة وحب الأسرة وحب الوطن. وتحدث عن «نساء أجمل من طلعة السماء».. وفي عدد شباط 1946 من نفس المجلة،  كتب مقالا بعنوان "أغاني شيراز"، وفيه ينقل ماكتبه حافظ الشيرازى عن الخمر، ومذكرا ببيت أحمد شوقي «رمضان ولىّ هاتها يا ساقي.. مشتاقة تسعى إلى مشتاق»..    
وفي روايته "أشواك" (1947)، وهي أشبه بسيرة ذاتية، يشرح معاناته النفسية بعد قصة حب فاشلة تتخللها لقاءات غرامية. وهذه واحدة من كتاباته التي يحاول الإخوان إخفاءها، باعتبارها نتاج المرحلة "الجاهلية" لقطب. ومما يحاول الإخوان أيضاً إخفاءه في سيرة قطب، قصة إلحاده والتي كتب عنها عام 1939: «ظللت أحد عشر عاماً ملحداً، حتى عثرت على الطريق إلى الله، وعرفت طمأنينة الإيمان»، وكان كتابه "التصوير الفني في القرآن" (1939)، مليئًا بأحط النعوت لأنبياء الله...
لن نعلم على وجه اليقين، لماذا تغير سيد قطب مرة واحدة؛ فالموضوع يحتاج للكثير من البحث والتنقيب، والتحليل النفسي.. فشله في الحب ثلاث مرات، وعزوفه عن الزواج، صدمة الحضارة وما شاهده في أمريكا.. كلها مجرد تخمينات.. وكل هذا من التفاصيل التي تهم الباحثين المتخصصين.. ما يهمنا هو تأثيره على الأجيال فيما بعد..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق