أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

سبتمبر 04، 2017

نماذج بائسة لتطبيق الشريعة


في أيلول 1983، أعلن "جعفر النميري" قراره بتطبيق الشريعة الإسلامية في عموم السودان، وبعدها، ظلت الشريعة من الثوابت السياسية السودانية طوال فترات الحكومات اللاحقة.
وفي نيسان 1992، تمكنت حركة "طالبان" من هزيمة كافة الفصائل الأفغانية (المجاهدة)، وإعلان سيطرتها على أفغانستان، وتطبيقها الشريعة على عموم البلاد، وقد استمر حكمهم حتى الغزو الأمريكي خريف 2001.
وفي نيسان 2009 أقرّ البرلمان الصومالي قانون تطبيق الشريعة في الصومال، وفي نفس الفترة أيضاً، وبعد حرب ضروس بين الحكومة والطالبان أقرّ الرئيس الباكستاني "زرداي" اتفاقية "تطبيق الشريعة" في منطقة "وادي سوات "والتي أبرمتها الحكومة مع حركة "طالبان باكستان" وجماعة "تطبيق الشريعة المحمدية".
وفي نيجيريا تم تطبيق الشريعة في ولايات الشمال ذات الأغلبية المسلمة منذ خريف 1999 على يد الحاج أحمد يرماساني.
وفي غزة، فرضت حركة حماس سيطرتها على القطاع، وتفردت بالحكم منذ صيف 2007. وفي مصر نجح الإخوان المسلمون في إيصال مرشحهم "محمد مرسي" للرئاسة، في انتخابات 2012، ودام حكمهم للبلاد سنة كاملة، لينتهي في حزيران 2013، إثر موجة احتجاجات شعبية عارمة، استغلها الجيش لإقصاء الرئيس، وإنهاء حكم الإخوان.
وفي صيف 2014، اجتاحت قطعان الدواعش الموصل، واحكموا سيطرتهم عليها، وأعلنوا عنها عاصمة للدولة الإسلامية التي امتدت حتى الرقة شمال سورية، ونصبوا أبوبكر البغدادي خليفة عليها، واستمر حكمهم حتى صيف 2017، حيث هزمهم الجيش العراقي، وأعاد السيطرة على المنطقة.
اليوم وبعد كل هذا الوقت، يمكننا القيام بتقييم أولي لتجارب تلك الحركات الإسلامية في الحكم، وأن نتساءل: ما هو حصاد تطبيق الشريعة في تلك المناطق؟ وهل تمكنت تلك الأنظمة من صياغة حياة بلدانها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا على هدى الشريعة، وبطريقة تلبي حاجات الناس؟
عند الإجابة، سنلاحظ أولاً أن أغلب المناطق التي تم تطبيق الشريعة فيها أو التي تشهد حراكا سياسيا قويا بهذا الاتجاه، تُعد من بين أكثر مناطق العالم بؤسا وفقرا وتخلفا، وتعمها حالة من الفوضى والإقتتال الداخلي، ويعيش سكانها تحت خط الفقر، وفي بيئات عشوائية وغير صحية.. والملاحظة الثانية أن من يسعى لتطبيق الشريعة، سواء كانت الأنظمة أم الحركات الإسلامية فإنها عوضا عن السعي لإيجاد حل لمشكلات هؤلاء الناس وتحسين مستويات معيشتهم، فإن جُل اهتمامها يتركز في البداية على نظام العقوبات، وبعد فترة قصيرة سرعان ما تصطدم بالأسئلة الكبرى فتعجز عن الإجابة عليها، وللتغطية على فشلها فإنها تتحول فورا إلى أنظمة استبدادية تحكم شعوبها بمنطق القوة والبطش.
وبالربط بين الملاحظتين، وباستعراض بعض الأمثلة نطرح السؤال المركزي: هل استفادت هذه الشعوب من تطبيق الشريعة؟ وهل كان منهج هذه الأنظمة والحركات يمثل الإسلام الصحيح؟؟
لنبدأ بالسودان، الذي منذ أن صار النميري "الرئيس المؤمن" وحتى عهد "الخليفة" البشير، ظلَّ محكوما بالفقر والمجاعات والجفاف والتخلف وحروب الإنفصال في الجنوب والشرق.. بالرغم من أنه بمقدوره أن يكون سلة الغذاء للعالم العربي!! ومع كل هذه الأزمات صب النظام اهتمامه بملابس الناس ومقاساتها، فقد أمرت المحكمة بجَلد الصحافية "لبنى" أربعون جلدة بتهمة ارتدائها "بلطلون"!! وقامت الشرطة بجلد فتاة مسيحية خمسون جلدة، واسمها "سيلفا" (16 عاما)، والتهمة إرتداء "تنورة"!
العراق، ومنذ الغزو الأمريكي يشهد صراعا طائفيا دمويا، وكل طائفة تسعى بكل ميليشياتها وانتحارييها وفقهائها إلى إلغاء الآخر وإقامة شرع الله على المنطقة التي حررها من أعدائه!! وفي النتيجة ضاعت البلاد وخسر المواطنون ديارهم وأمنهم وممتلكاتهم وحتى أرواحهم.
في غزة، رغم الحصار، وتدهور الاقتصاد، وتفشي البطالة والفقر، وانقطاع الكهرباء، وإغلاق المعابر، وازدياد حالات الانتحار... إلا أن أولويات حماس كانت فرض رؤيتها التربوية والاجتماعية الخاصة على المجتمع: منع الاختلاط، ارتداء الحجاب، منع الرجال من ارتداء المايوه, ونشر شرطة الفضيلة.. وكل ذلك مقدمة لأسلمة المجتمع، من خلال فرض "قانون العقوبات" الذي تجاوز في بعض بنوده ما جاء في نظام الطالبان.
في نيجيريا، تراجعت ثلاثة ولايات عن تطبيق الشريعة، وتصاعدت حدة الاتهامات المنددة بانتهازية الطبقة السياسية التي تزعم أنها تطبق الشريعة، وذلك بعد تجربة بائسة تعمدت بأنهار من الدم، بعد أن تأكد الناس من كذب المتاجرين بالدين.. وفي النتيجة ظهرت حركة "بوكوحرام" (2004) بزعامة محمد يوسف، والتي تلقب بحركة طالبان النيجيرية، والتي تسعى للإنفصال وتأسيس ما تسميه "دولة إسلامية طاهرة" شمال البلاد، ولكن عن طريق خطف النساء والمطالبة بفدية!
أما الصومال وأفغانستان ووادي سوات فهي مناطق تتشابه إلى حد كبير في استفحال حالة الفوضى والحروب الأهلية والدمار والخراب الذي يعمها، إلى جانب التدخل الأجنبي وزيادة نفوذ أمراء الحرب، وتفشي الأمية والفقر والمرض وغياب شبه تام للقانون، وانعدام مشاريع التنمية وانسداد آفاق المستقبل أمام الشباب الذي يعاني من نسب عالية من البطالة.
فرغم الحروب الأهلية التي لم تترك وراءها منـزلاً خلا من قذيفة، أو عائلة بلا قتيل أو معاق، ورغم الرعب الجماعي وقسوة الظروف الاجتماعية، إلا أن الطالبان أصرت على تقديم نموذج مختلف وفريد من نوعه في الحكم، صار هذا النموذج قرينا لكل ما يُقال عن الإستبداد والقمع والتخلف والقهر الاجتماعي بأبشع صوره.
وتصل المأساة ذروتها عند الحديث عن الصومال، فرغم الخراب والدمار؛ لم تكتفِ "محاكم التفتيش" بمشاهد البؤس، ولا بصور الجوع والحرمان، وأفواج المشردين، وعصابات القرصنة.. فبدأوا بقطع الأيادي والأرجل والجَلد والصلب والرجم.. كما حدث للطفلة المغتَصبة، التي رُجمت حتى الموت في "كيسمايو"!
أما دولة داعش؛ فكانت نظاما دمويا تسلطيا، وتجمعا للموتورين والمكبوتين جنسيا، وصارت مثلا للإستبداد والقهر والتخلف..
هذه النماذج التي مثلتها محاكم التفتيش الصومالية، والطالبان الأفغانية، والسلفية الجهادية، والقاعدة، وبوكو حرام، والنصرة، وداعش وغيرها تزعم أنها طبقت الإسلام! لكنها جعلت تطبيق الشريعة أهم من الإنسان، وتناست أن الناس الذين تطبقها عليهم جائعون، وبالكاد يجدون الخبز والدواء، ويعيشون في بيئات ينعدم فيها الأمن والنظام، في بيوت متهالكة لا تقيهم بردا ولا تمنع عنهم حرا، ولا تحميهم من رصاص المتقاتلين وبطشهم، وأن كل نظرياتهم عن تطبيق الشريعة وممارساتهم لها لم تزد هؤلاء إلا فقرا وتخلفا.

وهذا لا ينفي وجود نماذج ناجحة مثل تركيا (أردوغان)، وماليزيا (مهاتير).. ونماذج أخرى لأحزاب لم تصل للحكم، ربما تقدم صورة ناصعة للإسلام..  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق