أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

مايو 13، 2016

هموم القـرّاء وأخطاء الكُتّاب


يمكن أيضاً قلب العنوان؛ فللطرفين أخطاء وهموم؛ أخطاء القرّاء نسبية، ومتغيرة، وهي مقبولة مقارنة بأخطاء الكتّاب.. منها مثلا أن القُـرّاء يريدون أحيانا من الكاتب أن يكون صورة عنهم، وعلى شاكلتهم، يحكي فقط عما يريدونه هم؛ مثلا، لامني أحد القراء ذات مرة: "شاطر تكتبلي عن الاحتباس الحراري، والانتخابات الأمريكية، اكتب عن البندورة اللي صارت أغلى من التفاح، عن معاشات المعلمين، عن الشباب اللي مش لاقية شغل"... هنا قد يقع الكاتب في خطأ محاولة إرضاء القراء، ليس لأن أذواق القراء غير متوقعة، وأحيانا صادمة، بل لأن الكاتب حينها سيفقد أسلوبه وتفرده.. وقد يقع في خطيئة تجاهل همومهم، فيصبح متعاليا، يطل على الناس من برجه العالي..


بعض مواقف القراء تأتي معيقة لخيال الكاتب وإبداعاته..ذات مرة انتقدني قارئ على قصة البطل الذي مات عشر مرات: "يعني هاي مبالغة مش معقولة، مبينة إنها كذبة".. وقارئة أخرى لامتني على قصة رجل اضطر للإنتحار مع زوجته: "يا ألله شو حزنت عليهم، صابتني كآبة"، فقلت لها إنها مجرد قصة متخيلة، فانتفضت قائلة: "خيالية!! الله لا يوفقك.. أسبوعين وأنا مريضة ومكتئبة، وبالآخر طلعت قصة خيالية!!".. أو مثلا حين يسأل أحدهم: "شو قصدك يعني بعبارة (وصوتي الذي أذاب في ثناياه حنيني)؟!".. يا أخي هذا تعبير مجازي، أو صورة شعرية، ما بتنشرح.. تحتاج تذوق فقط.. والمشكلة حين يكتب أي قاص أو روائي أو شاعر عن أحاسيسه أو ما يجول في خاطره؛ فيعتقد القراء أنه يكتب عن تجربته الشخصية الخاصة، فإذا كتب عن لوعة الفراق مثلا، تأتيه التعليقات: "خير وين المدام مسافرة؟".. وإذا كتب عن الألم والمعاناة الإنسانية، "سلامتك والله، شو صار معك؟".. وإذا كتب عن المرأة والجمال وإغواء الجسد، ومتعة الروح، وعفوية الأخطاء الإنسانية... سيلاقي حملة من التقريع والنصائح الأبوية، معززة بأحاديث نبوية شريفة تنهى عن الفحشاء والمنكر...

في الخمسينات والستينات كان على كل حزب سياسي أن يتبنى شعارا ثلاثيا، مثل: (وحدة، حرية، إشتراكية)، (دم، حديد، نار)، (حرية، عدالة، تنمية)... ويجب أن تكون كلمات الشعار على قافية معينة، أو بجَرْس موسيقي معين، وإذا رغب حزب ما بطرح شعار أحادي أو ثنائي، فلن يجد له أتباعا ومريدين، لأنه شعاراته ناقصة.. بنفس الآلية يفكر بعض الكتاب.. فإذا أراد أن يكتب عن ظاهرة ما، فعليه أن يجمع كل الشعارات التي على نفس القافية، خذلك هالمثال: أراد كاتب انتقاد الغلاء وركود الاقتصاد، فكتب:"الأسعار غالية، والأسواق خالية، والنساء عارية...". الجملة الأخيرة التي لا علاقة لها بالموضوع؛ إما أنها من أجل القافية، أو أنها أتت  كإسقاط فكري..  

إذا انتقد كاتب ما التنسيق الأمني مثلا، أو بعض مظاهر الفساد في السلطة، على الفور سيرد عليه بعض السلطويين: "يا أخي روح شوف حماس شو عاملة في غزة"... طيب يا أخي الكاتب ليس مضطرا دائما للمقارنة بين حالتين، كما أن أي مقال من المفترض أن يركز على قضية واحدة فقط.. وإذا انتقد جبهة النصرة مثلا، سيعترض عليه البعض؛ "ليش ما تكتب عن جرائم الأسد!".. طيب، هل مطلوب من الكاتب في كل مرة انتقاد الأسد؟ حتى لو كتب بوست قصير مكون من فقرة واحدة!!

بعض الكتّاب يقعون في فخ الحياد المفتعل.. إذا انتقدوا المعارضة يجب عليهم أن ينتقدوا النظام تلقائيا!! طيب يمكن أن يكون موقف النظام أفضل من المعارضة، ويمكن أن يكون الموقف الشعبي متخلفا.. الحياد مطلوب من الدفاع المدني والصليب الأحمر، أما الكاتب فيجب أن يكون لديه موقف شجاع وموضوعي، وليس خطأً ولا نفاقاً أن يمتدح ظاهرة معينة في السلطة، فليس هناك سلطة على خطأ دائم.. وكما أن كثرة المديح تزلف وتملق؛ فإن الانتقاد الدائم يصبح موقفا عدميا.. أما خطيئة الكتّاب الشعبويين؛ فهي مجاراة الرأي العام، بدلا من تنويرهم وتحمّل ما قد يجره موقفهم الصادم من انتقادات.. ربما لأن هذا أسلم وأريح.. في مقابل بعض الكتّاب الذين يتبعون سياسة خالف تُعرف، فيعترضون على أي شيء، لمجرد الاعتراض.. وهناك أيضا الكتّاب الذين يخافون من الاقتراب من المقدس والمحرم والتابو، ويفضلون المكوث في المناطق الآمنة.. مقابل من يفتعلون المشاكل، وينتقدون بشكل سطحي واستعراضي واستفزازي بغرض لفت الانتباه..

الكاتب، أو المثقف أو الفنان خلافاً للصورة المتخيلة عنه؛ هو إنسان عادي، حتى لو نال جائزة أفضل فنان في مجرة درب التبانة.. سيظل في داخله هشا، يعيش صراعا نفسيا مريرا، وقد يكون مهزوزا، وقد يضعف، وقد يمارس عكس ما يكتب، وقد يبدو مجنونا، أو غريب الأطوار، سواء في هندامه، أم في مظهره.. وهذه كلها صفات إنسانية، قد تكون هي أجمل ما فيه، وقد تكون هي سر عبقريته.. المشكلة أن القراء يخيب أملهم بكاتبهم المفضل، أو بفنانهم المحبوب حين يتعايشون معه، ويرونه على طبيعته... حين يسقط من عليائه إلى أرضهم.. ومع ذلك، هنالك مشكلة حقيقية في هذا المجتمع المغلق؛ هي في تعايش الأدباء والمثقفين والفنانين فيما بينهم.. في نظرتهم تجاه بعضهم.. وهذا موضوع شائك، يطول الحديث عنه..



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق