أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

يوليو 24، 2015

استكمال للخاطرة الفيسبوكية


يمكن أن تكون صفحات الفيسبوك انعكاسا بشكل ما لواقع مجتمعاتنا، فيها إبداعاتنا، إخفاقاتنا، أمراضنا النفسية، تجلياتنا، آلامنا، شطحاتنا، إداعاءاتنا المزيفة، وقصصنا الحقيقية ... كل شيء تقريبا. وهنا سأحاول رصد ثلاث حالات:
ا
لحالة الأولى، ظاهرة التدين المزيف، ولست هنا لأشقَّ عن القلوب، ولا أتحدث عن المؤمنين الحقيقيين؛ بل أتحدث عمّن يقتحمون حياتنا ويفرضون أنفسهم علينا أوصياءاً ووعاظا؛ وهم في العالم الافتراضي تماما كما هم في العالم الواقعي؛ يقوم البعض منهم بالمبالغة في إظهار تدينه، من خلال تأدية طقوس شكلية معينة، مع الحرص على إبرازها أمام الناس، بمظهر التقي الورع، وهو في حقيقة الأمر يخفي شيطانا بداخله، أو أنه يحاول التمويه على تعدياته على حقوق الناس، أو الاستغفار بالعلن عن انتهاكه لحرمات الله في السر .. أو التركيز على الجانب السهل من التدين، الذي لا يكلف شيئا سوى تأدية حركات بسيطة، عوضاً عن التدين الحقيقي الذي يعتمد أساسا على جهاد النفس، ونقاء السريرة، وعمل الخير، وحب الآخرين، والصدق مع الذات ... ففي هذا الجانب، يقوم البعض بنشر حديث شريف، أو آية كريمة، ليريح نفسه من مشقة اتباع وتطبيق نفس الآية أو الحديث التي نشرها، أي اللجوء للبدائل الوهمية (الشكلية)، أو البحث عن الأجر والثواب، ظنا منه أن هذا يعفيه من مسؤولياته الحقيقية، أو يغفر له ذنوبه بحق الآخرين.


وهذا الأمر ينطبق حرفيا على غير المتدينين، الذين ينشرون أقوالا وحكم لشخصيات مشهورة، لإظهارها كما لو أنها تمثلهم شخصيا، أو أنهم على هذا المستوى من الحكمة والوعي والحس الإنساني الرفيع .. أي تقمص شخصية نفس الشخص الذي نطق بتلك المقولة .. طبعا، هذا لا ينطبق على الجميع (التعميم لغة الحمقى) ولا يعني أبدا أنه من الخطأ نشر آيات قرآنية، أو مقولات مأثورة .. فهي حتما ستفيد أحدا ما، وستدله على طريق الصواب .. لكن أيضا، المغالاة، والدعوة للمثالية والكمال هي تحميل للنفس فوق طاقتها، وبما لا ينسجم مع طبيعتها الآدمية، هي التفكير بمنهج الوعاظ المتعالي المنفصل عن الواقع. يعني لنكن بشراً عاديين، نخطئ ونصيب، وفينا الكثير من الهشاشة ومواطن الضعف، إلى جانب نقاط القوة.

الحالة الثانية، التي تكشف مدى سطحية مجتمعاتنا وسذاجة تفكيرها... يقوم شخص ما بنشر قصة معينة، أو اقتباس مقولة لخصم سياسي، أو نشر صورة والتعليق عليها، مع التحريض طبعاً... على الفور ستجد عشرات التعليقات والشتائم والأحكام القاطعة تنهال مثل السيل العرم ... دون أن يفكر أي منهم ولا حتى للحظة بمدى مصداقية القصة، وما هو دليلها، أو يتأكد من صحة المقولة، وما هي سياقاتها، أو أن الصورة حقيقية .. وهذا يعني أن أسهل شيء هو تحريض العامة، وشحنهم، وتوجيههم، وتشكيل رأي عام مؤقت. أحيانا تنقلب الآراء في الاتجاه المعاكس بكل سهولة وخفة، لأن العاطفة (المكبوتة والمتحفزة والمأزومة) هي التي تحرك وتقرر وتوجه. وأحيانا أخرى يكون من المستحيل تغيير رأي البعض، لأن التوجهات تُبنى انطلاقا من الأحكام المسبقة، وليس من القناعات. ففي الحالتين التفكير خارج الحسابات، لأن العقول في حالة سبات شتوي ..

الحالة الثالثة، الوقوع في فخ "اللايكات"، حيث تستهوي البعض فكرة حصد الإعجاب، فيبدأ بنشر كل ما يحقق له هذا الغرض، بغض النظر عن المضمون، وهذا يتطلب منه محاكاة الغرائز ودغدغة العواطف لأنها أسهل عليه من حث العقول على التفكير، وبالتالي الانسياق مع التيار الشعبوي. وفي هذا السياق نرى كل مواطن وقد صار محللا سياسيا وخبيرا اقتصاديا... وجاهزا للإفتاء والرد والمناكفة في أي قضية .. طبعا لا اعتراض على حق الجميع بحرية التعبير، لكن الكلمة مسؤولية وأمانة، للأسف، يتم الاستهانة بها بكل خفة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق