أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

مايو 21، 2015

روابي

منذ الإعلان عن مدينة روابي، ونحن نسمع عنها الكثير من الأقاويل المتضاربة، والإتهامات المتعلقة بالتطبيع، واستخدام بضائع مستوطنات، واستملاك أراضي من أصحابها، وأنه مشروع فاشل، تديره شبكة فاسدة من "الرأسمالية المتعفنة"، وأن المستفيد الوحيد منه طبقة الحيتان، والمتنفذين في السلطة ... ولأن من أثاروا تلك الأقاويل لم يقدموا لنا أدلة مادية، ولم يبرزوا أية مستندات أو وثائق، وكان خطابهم أشبه بالإشاعات؛ كان لا بد من التحقق مما يُقال، حتى لا نكون امتدادا للعقلية السلبية التي تحارب نجاح الآخرين، وهكذا، ومن أجل الإطلاع عن كثب على التجربة؛ لبَّينا دعوة كريمة لزيارة المدينة من صاحب الفكرة وعقلها المدبر الشاب الذكي المفعم بالحيوية"بشار المصري".

أمضينا قرابة الثلاث ساعات في جولة عامة على أنحاء المدينة ومرافقها، وتجولنا في ساحاتها وحاراتها، واطلعنا على مخططاتها، وللأمانة التاريخية، فقد خرجنا بانطباعات إيجابية مختلفة كلياً عمّا كان في مخيلتنا قبل الزيارة، وعندما انتهينا كان في فمنا جملة واحدة "ما رأيناه، مفخرة فلسطينية". ومع أنه من عادتي أن لا أكتب مباشرةً عن أي ظاهرة أو حدث كبير، وأرجئ ذلك ليوم أو أكثر حتى تنقشع سحابة الانبهار (أو الإستياء)، واستعيد توازني، وأرى الأمور  بموضوعية أكثر؛ إلا أنني هذه المرة لم أستطع صبرا.


تقع روابي على تلة مرتفعة، تتوسط المسافة بين القدس ونابلس، وبين البحر والنهر، تستطيع أن ترى منها أضواء يافا، وعشرات القرى والبلدات الفلسطينية، في مشهد طبيعي يحبس الأنفاس، وكما أشار زميلنا "حسن البطل"، فإن روابي تعتبر ثاني مدينة فلسطينية تُبنى بقرار وتخطيط فلسطيني مسبق، بعد مدينة اللد، وبهذا المعنى، فهي أول مدينة فلسطينية في العصر الحديث. وحسب شرح نائب المدير العام "أمير دجاني" فإن لروابي هدف سياسي مركزي، هو مواجهة الاستيطان على أرض الواقع من خلال بناء مدينة فلسطينية، تستوعب عشرات الآلاف من المواطنين، وتثبّتهم فوق أرضهم، وطبعا إلى جانب الأهداف الاقتصادية المتمثلة بتنشيط قطاع البناء وكل القطاعات الأخرى المتصلة به، وتوفير ما يزيد عن عشرة آلاف فرصة عمل، وأيضا بجعل روابي واجهة مشرقة لفلسطين، ومعلم حضاري يؤمّه الزوار والمتابعين من كافة أنحاء العالم.

وطالما أن المشروع بأكمله مملوك للقطاع الخاص، فإن غايته الرئيسية هي تحقيق الربح، وهي غاية مشروعة ولا خلاف على ذلك (إذا كان هامش الربح ضمن المعقول). ومثل كل المشاريع العملاقة، لا بد أن تقع بعض الأخطاء، وأن يتعرض للانتقاد، وأن يشعر بعض المحيطين به بالغبن (لأسباب مختلفة) وهذا كله ضمن الطبيعي والمتوقع .. ومع ذلك، وبدون الخوض في التفاصيل، فإن ما رأيناه في روابي مدهش بمعنى الكلمة، ويستحق الإعجاب والفخر .. وأهم نقطة بنظري لخّصتها مقولة مسؤولة التخطيط في الكيان الإسرائيلي التي كان في مخيلتها أن الفلسطينيين لا يصلحون أن يكونوا إلا مجرد عمّال في المستوطنات والمدن الإسرائيلية، حين زارت روابي انبهرت بحجم الإنجاز ونوعيته، وقالت: "تعلمتُ من روابي درسا في التخطيط" ..

البنية التحتية للمدينة مجهزة وفق أحدث المواصفات العالمية، وكل التفاصيل الفنية (الصغيرة والكبيرة) معدة بطريقة ذكية، وصديقة للبيئة، وعصرية، وهي محوْسبة بالكامل، فضلا عن قدرتها المدهشة على الموائمة بين العراقة، والحداثة، وإبراز التراث الفلسطيني، وجمالية التصميم، ومراعاة المعايير الفنية الدقيقة، والتخطيط الإستراتيجي المنفتح على المستقبل.

الجميل في الموضوع، أن روابي أولت الجانب الثقافي والفني الاهتمام الكامل، من خلال تخصيص مباني لمركز ثقافي متكامل ومسرح وسينما ومتحف، وطبعا إلى جانب المسجد والكنيسة والمدارس، كما حرصت على المحافظة على جمال الطبيعة، وتوفير الحدائق والملاعب. أما المفاجأة؛ فكانت في التحفة المعمارية الرائعة: المدرج الكبير المبني على الطراز الروماني، الذي يتسع لأكثر من خمسة عشر ألف متفرج، أي أكبر من مدرج جرش الروماني بنحو أربع أضعاف ..


 روابي، لبِنة مهمة في مدماك الدولة الفلسطينية، وخطوة كبيرة نحو المستقبل، وهي قصة نجاح وطنية، تستحق التأمل، هي الفعل الواعي الوطني الصحيح (ليس الوحيد طبعا) في مواجهة المخططات الصهيونية، ليس فقط من خلال تعمير الأرض وحمايتها، وتشغيل الناس؛ بل وأيضا بإبراز الوجه الإنساني الحضاري في الرواية الفلسطينية، وإثبات قدرة الفلسطيني على الإبداع، والإعلان بلغة واضحة عن تمسك الفلسطيني بالحياة، لأنه يستحق الحياة الكريمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق