أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

أبريل 11، 2015

اليرموك .. جرحنا المفتوح


منذ فُرض الحصار على مخيم اليرموك، وأنا أقف متعثرا على تخومه، يرتجف قلبي كلما هممتُ بالكتابة عنه، ومثل آخرين كُثُر؛ تمتزج في دواخلي مشاعر الغضب والحزن والإحساس بالعجز .. والارتباك .. سيّما مع تضارب الأنباء الواردة من هناك، التي يصيغها كل طرف حسب توجهه السياسي وتبعا لموقفه من الصراع ..

في كل مرة أقرأ تعليقا، أو أستمع لتحليل حول ما يجري في اليرموك، ينتابني إحساس غامض بأنني ضالع في حصاره، وأتحمل مسؤولية سقوطه، فأشعر بخجل شديد من نفسي، وسخط على كل ما هو حولي .. وما فاقم من هذا الشعور هو سيل الكتابات العرم، وفيضانات الشعارات الثورية، وبراكين الغضب التي تتفجر على مواقع الفيسبوك خاصة، والتي تتهم الجميع بالتقصير، والخيانة، والتآمر ...

طبعاً، أتفهّم تماماً مشاعر التعاطف مع اليرموك، والحزن لما آلت إليه الأوضاع، والغضب من الأطراف التي شاركت في المأساة .. جميعنا نشعر بذلك؛ لكن توزيع الاتهامات جزافا، وكيل الشتائم في كل الاتجاهات، وتحميل المسؤولية دون تمييز .. تؤدي في النهاية إلى ضياع الحقيقة، والتستر على المجرم الحقيقي، وتضليل الرأي العام.

وهنا لا أزعم أننا قمنا بواجبنا على أكمل وجه، فنحن مهما فعلنا مقصرون؛ ببساطة لأن اليرموك ما زال يُذبح أمامنا .. وما زال جرحه مفتوحا .. ولكن أسلوب الهجوم (والتباكي) من قبل البعض أرى أنه محاولة لتبرأة الذات، على طريقة "قُل كلمتك وامشي".
وقبل أن نتهم أو نبرّئ أي طرف، من المهم جدا تحري الدقة، ليس حرصا على مشاعرنا وأحكامنا المسبقة؛ بل من أجل تحديد الأطراف التي فعلا تسببت وساهمت في مأساة اليرموك أولا، ثم الإسراع في إنقاذ ما يمكن إنقاذه ثانيا، حيث أن قطرة دم هناك، أو استغاثة جائع أهم من كل أيديولوجياتنا وشعاراتنا الكبيرة ...

وعلى صعيد تحديد الجهات التي تسببت بحصار اليرموك وتهجير سكانه، ومقتل المئات منهم، نطرح سؤالين: الأول: لماذا لم يفعل النظام ما بوسعه لفك الحصار عن المخيم، على الأقل من الجهة التي تتحكم فيها القيادة العامة ؟ ولماذا لا يقدم له المساعدات الإنسانية ؟ ولم يفتح ممرات آمنة ؟ بل فوق ذلك يقوم بقصفه من حين لآخر بالبراميل المتفجرة ؟! والسؤال الثاني: ماذا تفعل في مخيم اليرموك كل من: كتائب أكناف بيت المقدس، لواء الفاروق، أحباب الله، كتائب المجاهدين، كتائب الخلفاء الراشدين، لواء الإسلام، لواء الصحابة، أنصار بيت المقدس، الجهاد المقدس، ألوية أحفاد الرسول ... !!! وأخيرا "داعش" ..

كل هذه الكتئاب "تجاهد" في مخيم اليرموك !! والسؤال تجاهد من ؟؟ ولماذا في المخيم تحديدا !؟ ولاحاجة بنا أن نسأل: لماذا لم تقتل كل هذه المسميات مستوطنا واحداً ؟! ولم تطلق رصاصة باتجاه إسرائيل ؟!

ما الذي تريده هذه الفصائل المسلحة (وعلى رأسها داعش) من اليرموك ؟!! إقامة الخلافة، وتطبيق الحدود !!! ولكن، على من ؟ على كومة من الحجارة والخراب !! سكان اليرموك بعد سنوات من الحصار المشدد، وبعد أن قدموا أكثر من مائتي شهيد قضوا من الجوع والعطش، ومئات آخرون قضوا في السجون وتحت القصف وبنيران القناصة .. لا يحتاجون من يجبرهم على إطالة اللحية وارتداء الزي الأفغاني !!

إذا كان لهذه التشكيلات معركة مع النظام، أو معارك ضد بعضها البعض (كما هو حقيقة الأمر) فلتبعد نيران أسلحتها عن المخيمات. المخيمات الفلسطينية أعلنت والتزمت بحياديتها منذ اليوم الأول لتفجر الأحداث، لأن معركة الفلسطينيين الوحيدة مع إسرائيل، وليس مع أي طرف آخر.

وأيضا، وبنفس المستوى من الأهمية، على هذه التنظيمات (إذا كانت كما تزعم لها أهداف نبيلة) أن تُبعد نيرانها عن القرى والأحياء السكنية، لأن المدنيين لا ذنب لهم، وليس لهم مصلحة من هذه الصراعات .. الشعب السوري أوقف معركته منذ أن دخلت هذه التنظيمات على خط الثورة، وحولتها إلى إقتتال طائفي، وجعلت من سورية ساحة لصراعات إقليمية، وجعلت من نفسها أدوات لتنفيذ أجندات خارجية لا علاقة لها بمطالب الشعب السوري.

أما على صعيد تحمل المسؤوليات تجاه إنقاذ المخيم، ورفع الحصار عنه، فمن البديهي أن تتجه الأنظار تجاه النظام السوري أولاً، لأن الحصار والاقتتال يجري فوق الأراضي السورية، والنظام يحاصر المخيم من الجهة الشمالية. وأيضا تجاه منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، وهي المسؤولة عن حماية شعبها في الشتات .. ولكن، نعلم جميعا أن المخيم خارج عن سيطرة النظام، أما منظمة التحرير، فحتى لو امتلكت القوة العسكرية، فهل بوسعها تطهير المخيم من كل التنظيمات المسلحة، في الوقت الذي عجزت فيه الدولة عن ذلك ؟ طبعا هذا لا يعفي المنظمة من مسؤوليتها، وعليها أن تبذل جهدا أكبر على كافة المستويات، وعلى الفصائل الفلسطينية أيضا مهمات كثيرة، وعلى حماس أن تعلن بوضوح وصدق عن موقفها من "أكناف بيت المقدس"، وهناك الكثير من التفاصيل التي لا يتسع المجال لذكرها.

وندرك أيضاً، أنه من العبث توجيه نداءات استغاثة، لأنه ما من مجيب، بل ما من مستمع أصلا، والأطراف التي بوسعها عمل شيء حقيقي هي ذات الأطراف التي تسببت بحصار المخيم، وتسببت بخراب سورية وهي بكل وضوح تركيا وإيران والسعودية، ومن خلفهم إسرائيل والولايات المتحدة. وبدون حل سياسي ينهي الأزمة السورية ستظل المخيمات الفلسطينية تدفع الثمن.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق