أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

أبريل 26، 2015

48 سنة


اليوم أُكملُ عامي الثامن والأربعون، أقف من على هذا الشاهق الزمني فأرى خريطة سنواتي الفائتة مفرودة أمامي بأمكنتها وشخوصها وأحداثها، أتذكر كل من مرَّ بها زائراً أو عابرا، مقيما أو راحلاً، أتذكر من استشهدوا، ومن غيّبهم الموت، ومن حرمتهم السجون أحلى سنين عمرهم، وما زالوا خلف القضبان، ومن يشربون برد الغربة في المنافي البعيدة، ومن ضاعوا في عوالم النسيان، ومن سكنوا على ضفاف الروح إلى الأبد ..

أتذكرهم وأنا أستمع لأغنية "وردة" آآه لو أقدر أقول يا زماني .. إرجع بيَّ سنينك تاني .. ولكن، لو عاد بي الزمان، ماذا عساي سأفعل؟! على الأرجح سأعيش حياتي كما عشتها تماماً، سأسلك نفس الدروب، وسأحب كل من أحببتهم، وسأحزن على كل من فارقتهم .. ربما أغير قليلا في المواقيت وبعض الاختيارات .. المهم أني لست نادماً على شيء ..

في هذا العمر، أتساءل: إلى أي مدى اقتربتُ من إدراك معنى الحياة، وقيمتها !؟ وكم اقتربتُ من حل لغز الكون الأعظم ؟ وكم سبرتُ في أغواري ؟ وماذا فهمتُ منها !؟ عند هذا المفصل، أشاهد عن كثب أهدافي التي تحققت، وتلك التي تعثرت، وأحلامي التي بعثرها الزمان، وخيباتي الصغيرة والكبيرة، ومخاوفي التي صارت مجرد ذكرى .. ولكن ليس في قلبي جروحا ولا ندوب ..


اليوم، أطالع ذكرياتي الماضية، وأشتمُّ روائح أزقتها، أسمعُ صدى أغنياتها البعيدة، أقرأها كقصة جرت في زمن غابر، لشخص يشبهني تماما، أشعر كما لو أنها رحلة طويلة حافلة، أحيانا أحسّها مرت مثل ومضة خاطفة، وأحيانا أراها سيمفونية تناغمت ألحانها بسحر مفرط، وأحيانا أختنقُ بتفاصيلها وآلامها .. استعرض كل تلك التحولات التي جرت في نصف القرن الأخير، رغم أنها هزت أركان العالم، وغيّرت وجهه مرات عدة، وجرّت عليه المآسي والويلات، إلا أني كنتُ دوما أنسلُّ كالظل من بين الأزمات، أحمل السعادة في داخلي، وأتنقل بها بين الأمكنة والأزمان ..

 أين كنا ؟ وأين صرنا ؟ وأي الأوقات أجمل ؟ تجتاحني الأسئلة تباعاً، فأشعر بغيمة سابحة، أطير معها إلى ما وراء الأفق، في فضاء لا منتهي .. لتحررني منها .. وتخلصني من القلق، ومن أرق الوجود، ومعانيه الغامضة ..

في تلك السماء الصافية، بزرقتها المدهشة، سأعيش ما تبقى لي من عمرٍ مع حبيبتي، وأولادي، وكل أحبتي .. وذكرياتي، وأسئلتي، وأحلامي، وأشواقي .. أصدح بأغنيات الفرح، متشبثاً بالأمل، وبإنسانيتي، عاشقاً للحياة، والحرية .. وتلك هي رسالتي ..

في هذا اليوم أشعر أن قلبي مفعم بالحب، تغمرني أطياف نورانية، فأرى وجه حبيبتي باسما، فأبوح لها: سأظل لكِ عاشقاً حتى النفس الأخير، وسنمضي معاً إلى آخر المشوار، قلبان متعانقان، بروحٍ واحدة ...


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق