أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

فبراير 22، 2015

عجائب البشر


رغم أن عقول البشر تتشابه بالشكل والتركيب الكيميائي؛ إلا أنها مختلفة جدا من حيث آليات عملها، وطرائق تفكيرها، نتيجة خضوعها لعوامل مختلفة، سواء كانت موروثة، أم كانت مؤثرات خارجية، بيئية واجتماعية؛ وبالتالي سينشأ عن هذا الاختلاف تعدد لا نهائي في نوعيات الناس، وأمزجتهم وتوجهاتهم واهتماماتهم وقناعاتهم الفكرية.

فلو أخذنا عينة عشوائية لمجموعة من الناس، سنجد فيها تنوع لا حصر له، سنجد بينهم مغامر يهوى تسلق الجبال، وآخر يخشى ركوب بسكليت، من يمضي حياته في التدريب على مهارة ما، ومن يفضّل النوم على أي شيء آخر، من هو خفيف الظل، ومن تتعوذ بالشيطان حين تراه، من يحترم النساء، ومن يحتقرهن، ومن يحب الغولف، ومن يهوى الشطرنج، من يشجع برشلونة، ومن لم يشاهد مباراة طيلة حياته، من لديه القدرة على استيعاب النظرية النسبية، ومن حفظ بصعوبة بالغة جدول الضرب من 1 إلى 3، من هو مهووس بالنظافة، ومن يستحم مرة كل ستة أشهر، ومن هو نباتي، أو رياضي، عصبي، فضولي، مزاجي، عقلاني، عنيف، لطيف، طيب، لئيم، مرح، نكدي ...

وأحيانا في نفس البيئة والمؤثرات الاجتماعية ينجم اختلاف حاد بين المتلقين، فمثلا، قد يخرج من نفس المسجد شخصان، أحدهما يلاقيك بابتسامة صادقة ووجه طلق، ولا يتدخل في خصوصياتك، وآخر بوجه متجهم، نظراته فيها اتهام لك بالكفر، ويداه تتأهبان لفعل شيء ما مخيف. الأول فهم الدين بطريقة ميسرة، وأخذ منه الجانب المشرق المتسامح، والثاني يعتقد أن من واجبه أن يقتل كل من لا يشبهه بالفكر والعقيدة من بني البشر.

هذا التنوع سمة خاصة بالإنسان، ومن البديهي أن ينجم عنه الاختلاف، ومن ثم التنافس والصراع، ولولا ذلك لتوقف تطور الحياة عند اختراع النار، وهذا التناقض بين البشر موجود حتى في داخل الفرد؛ ويدفعه لتصرفات قد تبدو لنا غريبة ومستهجنة، لكنها بالنسبة إليه طبيعية جدا، لذلك يجب أن لا نستغرب عندما نرى عالما هنديا في مجال الذرة بإمكانه صنع قنبلة هيدروجينية، لكنه ينحني خاشعا أمام بقرة، ويتوسل لها أن تشفي ابنه من السرطان !! أو عالما مسلماً في علوم الفضاء والفلك، يؤكد أن القمر هبط ذات ليلة ظلماء على الأرض، وقسم نفسه إلى قسمين، كل قسم انتصب فوق إحدى جبال مكة، ثم عاد أدراجه إلى مساره في الفضاء قبل طلوع الفجر !! أو مهندسا أمريكيا بمقدوره تصميم مدينة، يؤمن بأن عمر الأرض ستة آلاف سنة فقط، كما جاء في الكتاب المقدس !!

أو شاب نرويجي لديه "جيرل فرند"، وأصدقاء طيبين، وأسرة محبة، وبيت يشبه الفيلا، وكلب ذكي، ومنحة جامعية، ووظيفة مؤكدة بعد التخرج، ويسكن في بلدة وادعة لا تقع فيها حتى حوادث السير، ومع ذلك يترك هذه الجنة ويأتي إلى "بلعين" لينضم إلى المتظاهرين ضد جدار الفصل العنصري، ويأكل رصاصة مطاطية في ذراعه، وقنبلة غاز في وجهه، ثم ينتقل إلى "بورين" ليشارك الأهالي في قطف الزيتون !!

أو فتاة سويدية، لديها كل أسباب النعيم، وحولها عشرة شبان على الأقل يتمنون ودها، وليس لديها أخ يصفعها إذا تحدثت مع ابن الجيران، ولا أب ينهرها إذا وقفت على الشباك، ولا ابن عم يقتلها إذا رفضت الزواج منه، وبوسعها جلب حبيبها إلى غرفتها، أو السفر معه إلى حيث يشاؤون، ومع ذلك تترك كل هذا النعيم وتتسلل من تركيا إلى دولة داعش، لتمارس هناك جهاد النكاح !!

أو شاب فلسطيني، يسكن في القدس، ويشاهد يوميا مخططات التهويد، ومصادرة الأراضي، ويمر من أمام جنود الاحتلال، وبالقرب من معسكرات الجيش، يتعرض للضرب على يد المستوطنين، والإهانة على الحواجز، ويرى الغضب في عيني جاره الذي هُدم بيته، والحزن الذي أدمى قلب أمه على أخيه الأسير، ومعاناة الناس بسبب الجدار، والدمار الذي خلفته حروب غزة، يترك كل هذا وراءه، ويذهب "للجهاد" في سورية، لينال "الشهادة" هناك !!

الناس تختلف أيضا في أشكالها ومظهرها، وحتى المظهر واللقب كثيرا ما يكون خادعا؛ فقد تجد طبيبا يصف لمرضاه حبة البركة، ومليونير يتحايل على عامل مسكين ليساومه على أجره، ومهندسا لا يعرف كيف يركّب أسطوانة الغاز، وصحافيا مشهورا يخطئ بالإملاء، وشاعرا كبيرا ينصب الفاعل ويرفع المجرور، وخبيرا زراعيا لا يعرف الزهرة من الملفوف. وقد تجد عامل نظافة يغنّي أحسن من وائل كفوري، وطالبا فقيرا يتبرع بمصروفه لجمعية خيرية، وربة بيت لديها براءة اختراع، وعجوز أمية تتحدث في الدين أحسن وأصدق من مائة داعية من مدمني الفضائيات.

هي الحياة كذلك؛ مدهشة، متنوعة، فيها كل ألوان الطيف، فيها العجيب والمألوف، فيها الجميل، والمثير للإشمئزاز، وكذلك البشر؛ مختلفون، متناقضون، متعددون .. صحيح أن مستويات ذكائهم ووعيهم متفاوتة، لكن أعلى درجات الغباء حين يجزم أي إنسان بأنه هو دون غيره صاحب النظرية الصحيحة والصواب المطلق، وأنه وجماعته فقط من يمثلون جانب الحق، وغيرهم على باطل ..


لو فهمنا تنوع البشر واختلاف عقلياتهم، واحترمنا هذا التنوع، لو اتبعنا طريق الحب بدلا من طريق الكراهية، لو اعترف كل إنسان بأخطائه، لو توقفنا عن عادة إطلاق الأحكام على الآخرين .. لتوقفت الحروب والصراعات .. ولعشنا معاً بأمن وسلام. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق