أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

أكتوبر 10، 2014

مرايا وشخصيات


تناول العشاء مع زوجته، ولغاية في نفسه حمل الأطباق وراح بها إلى المطبخ، فتح صنبور المياه، وغمس الليفة في سائل الجَلي، ونظر في زجاج النافذة المعتم، شاهد صديقيه ينظران إليه بشماتة وسخرية، وهما يقهقهان بصوت مرتفع: عامل حالك رجّال، ها !!
في الصباح، استحم بماء دافئ، ثم غطى وجنتيه بصابون الحلاقة، وهو ينظر للمرآة بنشاط، رأى صورته في الداخل تبتسم بخباثة، بأسنان صفراء ونظرة ماكرة لم ترق له، أدار وجهه للناحية الثانية، فرك أسنانه بعناية مشددة، حاول أن يُصفّي ابتسامته، إلا أن صورته ظلت على ما هي، ثم قالت له: على من ستنصُب هذا اليوم ؟!

فتح باب السيارة، وجلس خلف المقود، متجنبا النظر في أي مرآة، إلا أن المرآة الأمامية تقدمت نحوه مسرعة، فرأى نسختين من صورته بداخلها تتجادلان بصوت مرتفع ومزعج، همَّ بكَسرِ المرآة، إلا أن صورته اليمنى نبّهته أنه إذا كسرها سيموت هو. إذن، عليه أن يقتل إحدى الصورتين بداخله، أو يتعايش معهما، لكنه عندما وصل أول مفترق، أرسل صورتيه باتجاهين مختلفين، وخاطبهما بلهجة حاسمة: من يعود منكما محملا بالكمثرى والسفرجل سيعود معي للبيت.

في آخر الليل، وقف على أعلى تلة، يفصلها عن الجبل المقابل لها وادي سحيق .. صرخ بأعلى صوته: آه آه آه .. ارتدَّ الصدى على الفور: لا لا لا ..

في اليوم التالي، عندما خرجت جموع المواطنين في تظاهرة حاشدة، اندس بينهم بحماسة ظاهرة، وأخذ يهتف بأعلى صوته: يا عدو الشمس .. ارحل ارحل .. وفي غمرة اندفاعه أخرج هاتفه المحمول من جيبه والتقط لنفسه "سيلفي" .. ثم أكمل هتافه: خلقنا نعيش بحرية. بعد الظهر عاد للبيت منتشيا حمَّل صورته على الحاسوب، ثم كبَّرها ونظر إليها بتمعن، لم يستغرب كثيرا حين شاهد نفسه بزي جنرال يقف شامخا متأبطاً عصاه، ومن خلفه عشرات الهمرات الأمريكية، وحواليه، بضعة جيبّات لحرس الحدود، أمامه رتل من سيارات الأمن الوقائي، وعلى يمينه دبابتين، ومن فوق رأسه أباتشي وكلها تنتظر إشارة من اصبعه .. أما جموع المتظاهرين فكانوا في الجانب الآخر من الصورة، يهتفون بصوت متهدج: بالروح بالدم نفديك يا زعيم ..

وبعد أسبوع من تكرارا هذه الأحداث الغريبة، ارتدى بدلته الأنيقة، وذهب للطبيب، للإطمئنان لا أكثر، طلب منه طبيبه صورة أشعة لصدره، بعد عشرة دقائق، كان الطبيب المختص ورئيس قسم الباطنية وكبير الممرضين ومدير المسشتفى والمحاسب وعدد من طلبة الطب ينظرون بدهشة واشمئزاز للصورة .. ثم قالوا له بلهجة حاسمة، وبصوت واحد كما لو أنهم فرقة موسيقية مدربة: ليس لك إلا شاحنة البلدية لتخلصلك من أكوام النفايات التي في داخلك ..

لم يعرف أين الحقيقة من الخيال، وأيهما أصدق هو أم صورته !؟ صارح أصدقائه بما يؤرقه .. تفاجأ تماما عندما اعترف عشرة منهم على الأقل بأنهم يشاهدون يوميا ما هو أغرب من ذلك ..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق