أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

أغسطس 11، 2014

الحرب على الأطفال


في هذا العدوان الغاشم على غزة، إسرائيل هي التي بدأت الحرب، وهي التي اختارت التوقيت والمكان وحددت الأهداف، وبهذا المعنى؛ فإن الحرب تكون قد فُرضت على غزة فرضاً، ولم يكن أمام حماس ومعها بقية قوى المقاومة من خيار سوى قبول التحدي، والدفاع عن النفس. وهذا يعني أيضا أن إسرائيل لديها مخطط معين، تعمل على تنفيذه، صحيح أنه لا يمكن لها أن تنجز أهدافها بالكامل، إلا أنها وبسبب تفوقها المطلق بالقوة العسكرية، وفي ظل تواطؤ دولي، وصمت عربي، استطاعت أن تظل وإلى حد ما ممسكة بزمام المبادرة سواء من الناحية العسكرية، أم من الناحية السياسية؛ رغم تكبدها خسائر في الأرواح، وخسائر اقتصادية كبيرة، نتيجة الأداء البطولي والمميز لرجال المقاومة.

لدى إسرائيل أسبابا وأهدافا سياسية وإستراتيجية وراء كل حرب تخوضها، في هذه الحرب كانت المواجهة بين جيش نظامي مدجج بأعتى أنواع السلاح في مقابل ميليشيات شعبية (فصائل المقاومة) بأسلحة متواضعة، أي أن الحرب لم تكن حربا كلاسيكية بين جيشين، أو بين دولتين؛ بل كانت ضد قوى وتنظيمات وتشكيلات عسكرية موجودة بين الناس، وهؤلاء الناس هم الحاضنة التي توفر للمقاومة الغطاء والدعم اللوجستي، وفي مثل هذه الحالة يدفع المدنيون ثمنا باهظا، لأنهم عمليا شركاء في المقاومة، وبالتالي يصبحون في نظر العدو أهدافا "مشروعة".

وإسرائيل - كما هو معروف - تربي مواطنيها وجنودها على العقيدة الصهيونية التي ترى في الفلسطينيين (والعرب، وكل العالم) مجرد "أغيار"، و"غوييم" خُلقوا على الهامش، ومن أجل خدمة الشعب اليهودي، وبهذه النظرة العنصرية المتعالية لا يتبق في قلوب الجنود الإسرائيليين بقايا رحمة أو إنسانية، ويصبح الفلسطينيين بالنسبة لهم مجرد أرقام، وأهداف عسكرية، لذلك لا يتردد الطيار الإسرائيلي في قصف الأهداف المدنية، ولا يرف جفن لأي جندي وهو يصوب قذائف دبابته ومدفعيته نحو البيوت، حتى لو كانت مليئة بالأطفال والنساء والشيوخ (وهي بالضرورة كذلك). ومن جهة أخرى، وحتى تضمن الجبهة الداخلية، وتضمن عدم خروج مجموعات رافضة للحرب والقتل، تعمد الإعلام الإسرائيلي الرسمي عدم إظهار صور الضحايا الفلسطينيين، وخاصة من الأطفال، ولذلك، فإن الأغلبية الساحقة من الجمهور الإسرائيلي لم ترى من العدوان على غزة سوى صور سحب الدخان، والتفجيرات عن بعد.

يعتقد البعض أن استهداف البيوت والعائلات هو ناتج عرضي لا بد منه في سياق استهداف منصات الصواريخ والأنفاق التي يدعي الجيش الإسرائيلي أنها منتشرة بين الأحياء السكنية، وبجانب المدارس والجوامع .. بمعنى أن الهدف هو ضرب مواقع عسكرية قريبة من البيوت، ولكن وبسبب الكثافة السكانية تكون الضحايا من العائلات .. قد يكون جزء من هذا الطرح صحيح نسبيا، ولكن ومن وجهة نظري فإن استهداف البيوت والعائلات كان متعمدا، وعن سبق الإصرار والترصد، وليس ردة فعل على خسائر الجنود الإسرائيليين، ولا انتقاما من رجال المقاومة الذين تعجز عن مواجهتهم بسبب ظروف هذه الحرب غير العادية، ولا لأن الجيش فقد أعصابه وبدأ يتصرف بشكل جنوني .. فإذا كانت إسرائيل لديها مخططات لمدن وشوارع وأحياء غزة، ولديها كم هائل من الصور الجوية، سواء من الطائرات "الزنانة"، أو من الأقمار الإصطناعية، إضافة لأرشيف كامل من المعلومات الاستخبارية التي جمعته خلال سنوات طويلة، وتقوم بتحديثه يوميا من خلال عملائها .. فكيف يكون استهداف منزل أو مدرسة مجرد خطأ بالتهديف !؟ وهي (إي إسرائيل) التي طالما تفاخرت بقدرتها على رصد أي شخص مطلوب وإصابته بدقة حتى لو كان على دراجة !! إذن، وبلا أدنى شك كل الصواريخ التي سقطت على البيوت والمدارس بما فيها من أطفال وأناس أبرياء ولا دخل لهم بالمقاومة كانت صواريخ موجهة بدقة، ولأغراض سياسية وتكتيكية.

تستهدف إسرائيل الناس المدنيين لغرض القتل وإسقاط أكبر عدد ممكن من الضحايا، وبهدف التخريب، ولذلك راح ضحية هذه الحرب عشرات العائلات التي استشهد جميع أفرادها ولم يبق منهم أحد، حتى أنها استهدفت مدارس لوكالة الغوث يقيم فيها مئات المهجرين مع علمها بذلك، وحصولها على إحداثيات موقع المدرسة من قبل الوكالة .. وتريد من وراء ذلك فكفكة العلاقة بين الجماهير والمقاومة، أي جعل السكان المدنيين عبئا على المقاومة ووسيلة ضغط عليها، بدلا من كونهم داعما وسندا .. حتى يصل الأمر إلى خروج المظاهرات الشعبية التي تحمل المقاومة مسؤولية سقوط الضحايا .. وبذلك تعزل المقاومة عن محيطها الشعبي، وتستفرد بها، وتنزع عنها أهم عناصر قوتها، بل وتظهرها كما لو أنها السبب في الخسائر المدنية.

وتريد أيضا زيادة تكاليف الحرب على المقاومة، وزيادة الخسائر المادية والبشرية، وتدمير البنية التحتية، بحيث تفكر في المستقبل مائة مرة قبل استهداف المستوطنات والمدن الإسرائيلية بالصواريخ .. أي تريد كي الوعي الفلسطيني على مستوى الفصائل والأفراد، وبث الرعب والخوف في قلوب الفلسطينيين .. وإعادة تكوين الذهنية الفلسطينية بحيث تكون أكثر خضوعا وتسليما بقوة إسرائيل وهيمنتها وتفوقها، أي بجملة واحدة تريد قتل روح المقاومة الشعبية. وهذا هو جوهر الحرب النفسية التي استخدم فيها الجيش الإسرائيلي ترسانته العسكرية بما في ذلك أسلحة محرمة دوليا.

ولدى إسرائيل أيضا أهدافا أخرى تتجاوز نطاق الحرب نفسها، أي لمرحلة ما بعد الحرب، فهي تعلم أن ألفي شهيد وعشرة آلاف جريح وآلاف البيوت المدمرة تعتبر بحد ذاتها كارثة إنسانية واجتماعية كبرى، ستخلف ورائها ما لا حصر له من المشاكل والتعقيدات، فالشهيد إذا كان رب أسرة سيترك وراءه أطفالا بلا معيل، وهؤلاء قد يفقدون مستقبلهم الذي كانوا يحلمون به، والجريح إذا فقد أحد أطرافه، أو اصابه شلل أو إعاقة سيتحول إلى عالة على المجتمع، ومن فقدوا بيوتهم وممتلكاتهم سيحتاجون سنين طويلة لتعويض جزء مما فقدوه، وهذه المشاكل ستخلق نقاط ضعف في المجتمع، قد تسمح بزيادة معدلات الجرائم والتعديات وإثارة الفوضى والقلاقل، وستصبح بحد ذاتها قنبلة موقوتة، تهدد النسيج الاجتماعي والسلم الأهلي، وتعيق مخططات التنمية وإعادة الإعمار .. بحيث تظل غزة ولفترة طويلة غارقة في الأزمات والمشاكل.

هذه الحرب كشفت عن القناع الزائف الذي طالما حاولت إسرائيل التخفي من وراءه، وأظهرتها على حقيقتها البشعة، وأكدت أن الجيش الإسرائيلي بلا أخلاق، وبلا إنسانية ... جيش لا يتورع عن قتل أطفال ومدنيين وهم في بيوتهم، ولذلك، مهما ادعت إسرائيل رغبتها بالسلام، ومهما طرحت من أعذار واهية بأنها تدافع عن نفسها .. ستظل دماء 450 طفلا لعنة تطارها أبد الدهر، وستظل دماء ما يقرب الألفي شهيد جلهم من المدنيين وصمة عار على جبينها .. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق