أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

يناير 08، 2014

ثلاثة محطات، بكلام مباشر

بعض خطباء الجمعة، يتعاطون مع المصلين بعقلية المعلم الذي يتعامل مع طلبة الإبتدائي، وبعضهم دأب على تناول مواضيع غيبية بعيدة كل البعد عن واقع المجتمع وهموم الناس وقضايا الأمة، بسرديات جاهزة وبنفس العبارات المكررة. والنتيجة رغم آلاف الخطب التي سمعها الناس هي صفر؛ إذ يخرج المصلون من الجامع وينسون ما قاله الخطيب قبل أن يعبروا الشارع.
والمشكلة أن هؤلاء الوعاظ لم يفهموا طبيعة البشر على حقيقتها؛ وافترضوا أن للمسلم صفات الملائكة، فطالبوه بما لا طاقة له به، ونصحوه بما يتناقض مع نزعات المجتمع وتوجهاته، وأمروه أن ينـزع ثوبه الآدمي ليتقمص ثوباً آخر لا وجود له إلا في عالم الأحلام والمثاليات، فكان تأثير عظاتهم مقتصرا على عقله الظاهر فقط، (الذي امتلأ بهذه المواعظ منذ الصغر، وحفظها غيبا)، دون أن تؤثر في عقله الباطن، لأن ما يقولونه معاكس لقيم العرف الاجتماعي الذي نشأ فيه، مما أدى إلى تكون شخصية مزدوجة: أحدهما مخصصة لسماع المواعظ، فيما الثانية ظلت منفلتة حرة، تجري وراء أهداف الحياة العادية.
بعض مفتشي وزارة الشؤون الاجتماعية (وأيضا العاملون في لجان الزكاة) يتعاملون مع الفقراء والفئات الضعيفة كما لو أنهم من طينة أخرى غير طينة البشر العاديين؛ فإذا زاروا عائلة محتاجة ليدرسوا وضعها ويتأكدوا من حالها، ووجدوا في بيتهم تلفزيون، أو كنباية، أو ثلاجة، أو أي جهاز كهربائي، فسيعتبرونها عائلة مرفّهة برجوازية، ولا تستحق المساعدة !! أما إذا وجدوا رب العائلة يدخن، أو يتحدث بهاتف خلوي فسيطلبون منه دفع ضريبة دخل، وتكاليف الزيارة، وربما يتهمونه بالفساد.
قبل سنوات، طلبت مني عجوز ثمانينية وحيدة (هي الآن في الدار الآخرة) أن أتوسط لها عند مكتب الشؤون الاجتماعية، لاستعادة مخصصها الشهري، وهو مبلغ تافه أخجل أن أذكره، وعند مراجعة مدير المكتب برر لي وقف المساعدة عنها، أنهم وجدوا في حقيبتها تحويلة من أحد أقاربها بقيمة 100 دينار. طبعا المحترم افترض أن قريبها يرسل لها مبالغ شهرية، ولو أتعب نفسه بالسؤال لعرف أنها المرة الوحيدة  التي تحدث كل عشر سنوات.
بعض مفتشي الصحة المدرسية وخبراء التغذية، يزورون المدارس ويقدمون للطلبة نصائحهم وإرشاداتهم، وليتهم لا يفعلون؛ فالبعض منهم يعتقد أن المبالغة في الحرص، والتشديد في النصيحة يعطي نتيجة أفضل؛ فمثلا يطالبونهم بالامتناع كليا عن تناول المرتديلا والشييبس والمشروبات الغازية والسكاكر والحلويات (خاصة التي تحتوي على ألوان صناعية)، وعوضا عن كل هذا يطالبونهم بشرب الحليب فقط أو العصائر الطبيعية الطازجة والاكتفاء بما تطبخه أمهاتهم من أغذية صحية .. إلخ
والنتيجة التي تحصل عادة عكس ما هو مطلوب تماما، ولا عجب في ذلك، ليس لأن الممنوع مرغوب وحسب؛ بل لأن هذا الأسلوب لا يتناسب مع الطفولة، وما نطالبهم أن يمتنعوا عنه هو ما يحبونه، وما تهفو له نفوسهم، وبالتالي كان الأجدر أن ننصحهم بترشيد وتنظيم تناولهم لما يحبونه، مع العلم أن كثير من النصائح المتداولة غير دقيقة، لأنها منشأها روايات فيسبوكية ضعيفة، ولا يعتد بها علميا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق