أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

يناير 12، 2014

الحجاب والعقاب

للفقهاء قولهم الفصل في موضوع الحجاب، رغم أن بعض المفكرين الإسلاميين وأبرزهم د. جمال البنا، له رأي آخر، وأيضا الشيخ مصطفى راشد، الذي أكد بأن الحجاب ليس من أصول الدين، بل هو عادة اجتماعية، ونال شهادة الدكتوراه من الأزهر بناء على هذه المقولة. وطبعا من تعجبه المقولة سيأخذ بها، ومن لم تعجبه، أو وجدها تتعارض مع البديهيات التي نشأ عليها سيرفضها وسيلصق بصاحبها أبشع التهم.
على أية حال، لن نخوض في هذا الجدال الفقهي، لأنه ليس مجال المقال، بقدر ما سنتناول الموضوع من أبعاده التاريخية والاجتماعية.
في التاريخ القديم، تعرضت المرأة لشتى صنوف الاضطهاد، وتم التعامل معها على أنها أدنى مرتبة من الرجل، وكان الحجاب أحد أشكال إخضاعها لسلطته؛ على سبيل المثال الزرادشتية ألزمت المرأة حتى تدخل المعبد أن تضع لثاما على وجهها كي لا تلوث أنفاسها (النجسة) النار المقدسة، وكانت تطالب المرأة بالطاعة التامة لزوجها، وتفرض عليها عند استيقاظها كل صباح أن تقف أمام زوجها وتنحني له تسع مرات. وفى أثينا القديمة كان يتم عزل النساء حتى لا يراهُنَّ الرجال من غير أقربائهن المقربين. أما الإغريق فكانوا يحبسون نساءهم في غرفة موصدة محكمة الحراسة يقف على مدخلها كلب ضخم، وإذا اضطرت للخروج وجب أن يكون في صحبتها رجل مسن. كما قامت نظريات أرسطوطاليس على تصوير المرأة كمجرد تابعة وضرورة اجتماعية، بوصفها أدنى فطرياً وبيولوجياً من الرجل. وكان وأد البنات معروفاً لدى اليونان والرومان، عن طريق تركهن للموت في الخلاء، بينما كان العرب البدو أكثر رحمة بهن؛ إذ كانوا يدفنون المولودة حية. وفي القانون الروماني يحق للصبي إذا بلغ الرابعة عشرة أن يتحرر من الوصاية، بخلاف الأنثى التي يجب أن تظل خاضعة للوصاية طوال حياتها، أما اليهود فقد كانوا من السباقين في اضطهاد المرأة، فمثلا تعترف المشناة للرجل بالحق أن يبيع ابنته القاصرة أَمة، أو أن يزوجها لمن يشاء، كما عززت اليهودية فكرة الحجاب إلى درجة أن نساء بعض الطوائف يلتزمن به حتى وهن في المطبخ، تطبيقا لما جاء في العهد القديم.
ولعل هذا يعود إلى أن الذين وضعوا أحكام المرأة وألزموها بالحجاب من بيزنطة وروما وأثينا القديمة، ومن جاء بعدهم حتى عصرنا الراهن تعاطوا مع المرأة بوصفها أنثى فقط، أي بتجريدها من بُعدها الإنساني، وبالتالي صارت قضية الزى ترتكز أساسا على أنوثة المرأة، وليس على احتياجاتها ورغباتها كإنسان؛ ولما كانت هذه المرأة ضعيفة ومستلبة فلن يكون هناك أي حاجة لاستشارتها.
هذا مع العلم أن العرب قبل الإسلام غطوا رؤوسهم اتقاء للحر وقيظ الصحراء وغبارها، وكان هذا للنساء والرجال على حد سواء. والسؤال هنا: هل ثمة فرق بين المرأة الأنثى والمرأة الإنسان !؟ الإجابة ببساطة تكمن في ذكورية اللغة وذكورية المجتمع الذي يتعامل مع الرجل بوصفه إنسانا، على عكس المرأة، ويغطي على هذا الفرق بغطاء سميك من الدوغما ؟! فالرجل يتحدث عن حاجاته ورغباته وقضاياه دون الحاجة للتذكير بأنه ذكر؛ لأن المجتمع والقانون والسلطة أعطته كل ما يريد كذكر وإنسان، بينما المرأة تم حصرها في إطار الأنوثة، ومن ثم تم تكبيلها من خلال هذا الإطار بكل القوانين والأعراف التي فُصِّلت لصالح الرجل.
في المجتمعات المتحضرة يتم التعامل مع الإنسان بوصفه مواطنا، أي بتكريس البُعد الإنساني للفرد، دون النظر إليه كذكر أو كأنثى؛ بل كإنسان له إرادته الخاصة وشخصيته وكيانه وحقوقه وعليه واجباته. ومع ذلك ظلت المرأة في المجتمعات الغربية في مراحل صيرورتها وتحدثها تتجاذبها عاطفتها كأنثى، وعقلها كإنسان، صحيح أنها نجحت إلى حد ما في بعض الحالات أن تحقق التوازن بينهما. لكنها وفى الوقت نفسه كانت في كثير من الأحيان تغالي وتبالغ في إبراز الجانب الأنثوي فيها، وساعدها المجتمع في ذلك بصورة عامة،إذ تخيل بأن الحرية الجنسية دلالة على حرية المجتمع وتحرره من قيود الماضي، وأن الجنس رمز لسعادة الإنسان وتمتعه بالحياة، وكانت النتيجة أولاد بآباء مجهولين، وأمراض جنسية متعددة، وشركات نهمة وظفت جسد المرأة لزيادة أرباحها، بعد أن نزعت عنها صفتها الإنسانية.
المرأة المسلمة في العصر الحديث وبالنسبة للزى كادت أن تحل مشكلتها إزاء قضية المرأة: الأنثى والإنسان، عندما أخذت بزي يحقق لها الحشمة، وفى الوقت نفسه لا يطمس شخصيتها، ولا يلغي كيانها كإنسان، ويلبي رغباتها الدفينة في إبراز جمالها والتعبير عن طموحها.
والحجاب بهذه الصورة البسيطة غير المعقدة لا يطمس شخصية المرأة، لأنه يظهر وجهها، وشأنها في هذا كشأن الرجل تقريباً، ولا ينتقص من جمالها، بل لعله يضفى عليها جمالاً آخر، ويظهرها كحمامة بيضاء (على حد تعبير جمال البنا)، بل أنه كما يقول "البنا" يحل للمرأة مشاكل من نوع آخر، فمثلا يريحها من تبعات مواكبة الموضة وتكاليفها الباهظة، وأحيانا يخفي عيوبا معينة.
لكن المشكلة في بعض أحزاب الإسلام السياسي، التي تريد حصر قضايا المرأة كلها، وهموم المجتمع، بل ومشاكل الإنسانية برمتها في موضوع الحجاب، وجعله أهم ركائز المجتمع المسلم، بل واعتباره الحد الفاصل بين المؤمنة التي ستذهب للجنة، والسافرة التي ستُساق للنار، وطبعا ليس أي حجاب؛ الحجاب الذي لا يغطي الوجه وحسب، بل ويغطي العقل قبله، ويلغيه، ويلغي معه دور المرأة، ويبقيها حبيسة مفاهيم الرجل ونزواته، مكرسة لخدمته، أي بجعلها مجرد خادمة يدفع ثمنها لمرة واحدة على شكل مهر، ثم يطالبها أن تعطيه من بعد ذلك كل ما يريد ويشتهي، دون أن يحق لها الاعتراض.
الحجاب بالنسبة لتلك الأحزاب ليس مسألة فقهية، بل هو في حقيقة الأمر مسألة سياسية؛ إنه مجرد مدخل شكلي لفرض رؤية ذلك الحزب وأيديولوجيته وقوانينه على المجتمع، تمهيدا لفرض كامل سلطته عليه. إنه تعبير عن قوة تواجد هذا الحزب في مجتمع ما، حتى أنه يفرض على أتباعه (من النساء) التزام شكل معين من الحجاب يميزهن عن غيرهن من المحجبات.
أحيانا نشاهد ملصقات دعائية كُتب عليها عبارة "الحجاب أو النار"، القائمين على هذا الشعار أرادوا اختزال كل قضايا المجتمع بهذه الثنائية "الحجاب أو النار"، فلم يكتبوا مثلا ثنائيات أخرى من نوع: العلم أو التخلف، الأخلاق أو فساد القيم، العدالة الاجتماعية أو الظلم، بناء المجتمع على أسس سليمة أو الهزيمة الكاملة، المقاومة أو تكريس الاحتلال، الحرية أو العبودية ... إلخ.
وإذا كان بعض الإسلاميين قد اقتصر فهمهم للإسلام على حجاب المرأة، فإن مجتمعاتنا أيضا اختزلت قضايا الشرف بحجاب المرأة؛ فمثلاً لا يسمح الرجل لأخته أو لابنته أو زوجته أن تخرج كاشفة رأسها، بحجة أن الدين يحرم ذلك، بينما لا يسألها إذا كانت تصلي مثلاً، وربما هو نفسه لم يؤدي ركعة واحدة لله طوال حياته، علما بأن الصلاة من أركان الإسلام ! والحقيقة أن الدافع وراء إجبارها على تغطية رأسها هو العرف الاجتماعي وحسب، بدليل أنه قد يتساهل إذا رآها تغطي رأسها وترتدي زيا عصريا قد يكون أكثر إغراءً مما تلبسه السافرات، فهي في نظر المجتمع محجبة، وهو في نظر نفسه انتصر على المرأة، وأخضعها لسلطانه، وفرض عليها مفاهيمه المشوهة.
في تاريخنا المجيد، وطوال أكثر من ألف سنة لم تُفتح مدرسة واحدة للبنات، حتى أنه لم يكن يُسمح للمرأة إذا مرضت أن تُعرض على الطبيب، ولم يفلت من ظلام الجهل والتجهيل سوى حالات محددة، يمكننا القول أنها حالات نادرة. إلا أن العصر الحديث والتغيرات الجذرية التي أصابت المجتمعات، وظهور عدد كبير من المفكرين الإسلاميين المتنورين أتاح للمرأة الخروج من هذه الشرنقة.
  


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق