أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

مايو 24، 2013

الحيوان والإنسان .. أيهما أذكى وأنبل


شاهد أحد العلماء نوعا من الديدان تعيش فوق أوراق الشجر، تأتي العصافير وتأكلها، ومع استمرار المراقبة لاحظ كيف تتكيف تلك المخلوقات مع ظروفها، وتوظف ذكاءها لتزيد من فرص نجاتها .. حيث أخذت تلك الديدان تنقر نصل الورقة لتسقط وتنتظر حتى تجف وتتكور على شكل لفافة، فتختبئي بداخلها، لكن العصافير صارت تأكل الورقة مع الدودة، فما كان منها إلا أن صارت تنقر خمسة إلى ستة أوراق ثم تختبئ بإحداهن، لتضلل العصفور الذي سيختبر عدة أوراق فارغة إلى أن يمل ويرحل.
ليست الدودة وحدها من يتمتع بالذكاء؛ الحمار إذا اقتاده صاحبه إلى الحقل وتركه يعود وحيدا، فإنه سيعرف طريق العودة من المرة الثانية، الكلاب والدلافين وحيوانات السيرك المدربة تقوم بحركات ومهارات نظن أنها مستحيلة، كل الحيوانات تقريبا تتصرف بالشكل الصحيح عند مواجهتها للأخطار. وهناك عشرات القصص الحقيقية التي تناولت هذه المواضيع.

وإلى جانب الذكاء غير المتوقع؛ فإن للحيوانات صفات أخرى نبيلة، مثل الوفاء والإخلاص، والتعفف عند الشبع، والامتناع عن الجنس في غير مواسم التزاوج، الحنان والرعاية تجاه الأبناء، النظام والترتيب .. ولن نعدد المزيد حتى لا يظن البعض أننا منحازون للحيوانات، وأيضا لن نذكر الصفات السلبية للحيوانات كالهمجية والافتراس والغباء .. ذلك لأنها حيوانات؛ ولا يُفترض بنا أن نتوقع منها غير ذلك.

الإنسان، الذي كرمه الله سبحانه، وميَّزه بالعقل، ومع أنه أمضى خمسين قرنا من التاريخ المدون، وأكثر من عشرة أضعافها في رحلته نحو الأنسنة .. وبالرغم من بنائه المدن، وامتلاكه التكنولوجيا والحواسيب وغزوه للفضاء ... وبالرغم من إدعائه التحضر والتمدن .. وأنه متفوق على سائر المخلوقات بالذكاء والأخلاق والقيم ... إلا أنه في كثير من الأحيان يرتد إلى بهيمية مفرطة، ويسلك سلوكا عنيفا مثل أي وحش مفترس .. بل أن الكثير من تصرفاته تعود إلى زمن انفصاله عن الرئيسيات العليا.

بثت محطة "ناشيونال جيوغرافيك" برنامجا وثائقيا عن أكثر عشرة حيوانات عدائية، والعدائية التي تحدث عنها تختلف عن حالات افتراس القوي للضعيف، والمقصود بها العداء والاقتتال بين الحيوانات من نفس الفصيل. ويستعرض البرنامج مشاهد مرعبة ومروعة من الصراع والتشابك بالقرون والمخالب والأنياب، في نهايتها تسقط الضحية مضرجة بدمائها .. ومجرد مشاهدتها تكفي لأن تقشعر الأبدان، ونتأكد من حجم غباء ووحشية تلك المخلوقات .. وقد لاحظنا أن صراع الحيوانات التي جاءت في المراتب الأخيرة يدوم لفترة وجيزة، سرعان ما ينقضي بمجرد زوال أسبابه، والتي هي في الغالب إما صراع على مناطق النفوذ، أو لزعامة القطيع، أو الاقتتال في مواسم التكاثر على أنثى معينة. وكلما اقتربنا من المرتبة الأولى يزداد الصراع شراسة وقوة ويطول أمده وتتعدد أسبابه. وقد جاءت قردة الشمبانزي في المرتبة الأولى الأكثر وحشية. حيث تخوض حروبا فيما بين قطعانها المختلفة تدوم لسنوات طويلة وأحيانا تستمر للأبد، وأسبابها تكون الانتقام والثأر وإقصاء الخصم وطرده من المنطقة كليا.

وعلى ذمة "دارون" فإن الشمبانزي والإنسان انفصلا قبل ملايين السنين عن سلف مشترك، وحسب ما يدعي علماء الأحياء فإن الشمبانزي هو الأقرب إلى الإنسان من الناحية الوراثية (98 % من الصيغة الوراثية (DNA) متشابهة بين الإنسان والشمبانزي، مع اختلاف في عدد الكروموسومات)، فهل هذا يعني أن الحيوانات كلما اقتربت بصفاتها الوراثية من الإنسان تصبح أكثر وحشية وعدائية !!

على أية حال، لسنا هنا بصدد نفي أو إثبات أي نظرية علمية، ولكنا نستذكر قول الله سبحانه عندما أخبر الملائكة بأنه سيخلق الإنسان، فأجابوه: "أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء" !!

إذا كنا نشمئز من منظر الحيوانات وهي تؤذي بعضها، وتتقاتل بكل ما أوتيت من عنف، وننظر إليها بإشفاق واستنكار لمدى الغباء والقسوة الذي تظهره تجاه بعضها البعض .. وهي مجرد حيوانات تتمتع بذكاء غريزي محدود، ولا تعرف المدنية والقوانين والمنطق ... أليس الأجدر بنا أن نشفق على الإنسان، وقد أظهر في سلوكه من الغباء والعدوانية والقسوة ما يفوق أشرس الحيوانات !؟ وخاض صراعات شديدة ومريرة، هي في حقيقتها لا تختلف بأسبابها ودوافعها عن أسباب صراع الحيوانات .. هذا الإنسان الذي طالما تغنى بغروره، وادعى بأنه سيد الكائنات، ومحور الكون، وأذكى المخلوقات وووو !!!
ولو استعرضنا بعجالة سلوك الإنسان منذ أن وُجد على هذي الأرض تجاه بني جنسه، أو تجاه بيئته، سنصل لنتيجة مفادها بأنه - وحتى بعد أن تمدن - مازال الإنسان يحمل في جيناته مورّثات تعود لجذوره وأصله البدائي، وأنه كان طوال الوقت يخضع لغرائزه (الحيوانية)، والفرق الوحيد أنه كان وما زال يمارس عدوانيته بقناعة وعن وعي، ويوظف ذكاءه وأدواته وأسلحته الفتاكة بما يخدم نزواته ورغباته وحاجاته، ودون أي رحمة أو شفقة في كثير من الأحيان.
الإنسان البدائي كان يتكتل بشكلٍ غريزي على شكل جماعات، مثله مثل بقية الأساسيات العليا؛ حيث يساعده  ذلك على الصيد ويوفر له الحماية، وهو سلوك جماعي مرتبط بغريزة الخوف، ومع الوقت تحول هذا السلوك الغريزي إلى ظاهرات اجتماعية مهدت الطريق لتشكل الجماعات القومية والعرقية والطائفية، ما يعني أن أشكال الانتماءات الحالية والتي يدافع عنها أصحابها باستماتة وتعصب، هي في جوهرها سلوك غير مبرر لظاهرة كانت مبررة في مراحل سابقة. وهذا يعني أيضاً أن كل الصراعات التي خاضها الإنسان (من أقدسها حتى أكثرها خسة ودناءة) إنما كانت لغرض واحد، هو الاستجابة لغريزة التملك والسيطرة، والاستجابة لغريزة الخوف، وكل ما في الأمر أنه ظل يغلفها بهالات القداسة، ويجددها بالشعارات الكبيرة.
وعلماء النفس يتحدثون عن منطقة معتمة غير مستكشفة في شخصية الفرد، لا يعرفها ولا يراها هو ولا حتى الآخرين، تتجلى في لحظات معينة، فتتفجر عبقريةً أو إجراما أو إبداعا أو نوعاً من الجنون أو العنف الشديد .. فنجد أكثر الناس – حتى العاقلين - يتصرفون بجنون في لحظة ما، وخاصة عند الغضب، لأنهم لم يستطيعوا الولوج لهذه المنطقة ومعالجتها كما يجب، أو أنهم يرتدون لبدائيتهم بكل بساطة.

وفي تجربة علمية لإثبات همجية البشر، قامت فنانة مسرح صربية تدعى "ماريَّنا ابراموفيك" سنة 1974 بخوض تجربة عملية بنفسها، لتتعرف أكثر على تصرفات البشر إذا منحت لهم حرية اتخاذ القرار تجاه الآخرين بدون شرط ولا تبعات .. فوقفت بمفردها لمدة 6 ساعات متواصلة بدون حراك، وأتاحت للناس أن يفعلوا بها ما يريدون .. ووضعت فوق طاولة بجانبها بعض الأدوات المختلفة، منها سكين، ومسدس، أزهار .. في بداية الأمر كان رد فعل الجمهور سلمي؛ فاكتفوا بالوقوف أمامها ومشاهدتها .. ولكن بعد فترة وجيزة تأكد لهم أنها لن تقوم بأي رد فعل مهما كان تصرفهم تجاهها .. فأصبحت تصرفاتهم أكثر عدوانيه .. منهم من صفعها ومن من ضربها، ومن مزق ملابسها، أو هددها بالمسدس، أو نكزها بأشواك الأزهار، أو تحرش بها .. وهي صامدة لا تتحرك، وبعد أن انتهت الساعات الست تحركت فجأة، وبمجرد أن بدأت بالتحرك هم الجمهور بالفرار. فبرهنت هذه التجربة أن البشر مهما اختلفت أعراقهم وخلفياتهم مستعدون لارتكاب أفعال شنيعة وعدوانية، ولكن فقط إن أُتيحت لهم الفرصة، وأمنوا العواقب.

ولكن، ومن وجهة نظري، فإن كل التفسيرات العلمية والفلسفية تقف عاجزة أمام بعض سلوكيات البشر، خاصة في فترات الحروب والصراع؛ حيث ترى أغلب الناس يتخلون عن ذكائهم ويتنازلون عن إنسانيتهم، وينجرون كالقطيع خلف شخص موتور، أو وراء فكرة غيبية، ويغلبون انتماءاتهم وهوياتهم الضيقة (القبلية والطائفية) على انتماءاتهم الوطنية والإنسانية. بينما نجد بعض الفئات الأكثر تعصبا تمارس الثأر والانتقام والتعذيب بكل سادية وقسوة، وبشكل رهيب، يفوق ببشاعته ما تمارسه أعتى الوحوش، وبذكاء يقل عن ذكاء الدودة والعصفور في صراعهما على البقاء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق