أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

فبراير 20، 2013

إضرابات .. إضرابات



إضراب المعلمين، إضراب السائقين، الموظفين، الصحة، إضراب جزئي، إضراب شامل .. ألا تكفي كل هذه الإضرابات لنطرح على أنفسنا سؤالا عن جدوى هذا الشكل من الاحتجاجات ؟! ألا توجد أشكال أخرى للتعبير ؟!

في الانتفاضة الأولى أظهر الشعب الفلسطيني عبقرية غير عادية في اجتراح أشكال إبداعية متعددة في المقاومة الشعبية، أذهلت العدو والصديق؛ ومع ذلك تضمنت ممارسات خاطئة، وأشكالا غير مقبولة سواء في أعمال المقاومة اليومية، أو في كيفية فرض توجهات القيادة على الجماهير، وربما كانت هذه الأساليب ضرورية حينها، أو مقبولة لوقت معين، لكن الإمعان فيها صار خطأً متراكما. 

على سبيل المثال كانت الإضرابات التجارية تشل حال البلد، وتضر بالمواطنين أكثر مما تضر بالاحتلال، وكذلك منع الأعراس والحفلات الخاصة والعامة، إشعال الإطارات وتلويث البيئة .. وعندما كتب المرحوم فيصل الحسيني (وغيره) مطالبين بمراجعة نقدية لأساليب الانتفاضة، هاجمهم البعض، خاصة من المتمسكين بأشكال نمطية معينة، تروق لهم دون غيرها.
في هذه الفترة تعم الإضرابات مختلف القطاعات، ولعل أهمها وأخطرها إضراب المعلمين والقطاع الصحي. ولذلك نحن أيضا مطالبين بمراجعة جريئة وصريحة لهذه الإضرابات.

صحيح أنه لا خلاف على عدالة مطالب الموظفين، وبشكل خاص المعلمين، وأن الإضراب حق يكفله القانون؛ ولكن المشكلة في كيفية ممارسة هذا الحق وفي مواقيته وآلياته.

إضراب المعلمين بدأ يعطي نتائج سلبية خطيرة على الطلبة، ولا يتمثل ذلك في إضاعة أيام دراسية، أو أن المعلم سيضطر لسلق ما تبقَّ من المنهاج، بل وفي تشوه علاقة الطلبة بالمدرسة، وتقاعصهم عن التوجه إليها، وانشغالهم طيلة النهار بالبحث عن أخبار الإضرابات ومواعيدها، حتى صار في وعيهم أن الأصل هو الغياب والإضراب، والاستثناء هو الدوام والدراسة !!

ومن ناحية ثانية، فإن إضراب القطاع الصحي سيكون على حساب المواطن (المريض) الذي يتوجه للمراكز الصحية بحثا عن علاج أو دواء أو مطعوم .. فيجدها مغلقة، فلا يستطيع تأجيل مرضه، أو التحايل على آلامه، وفي أكثر الأحيان يكون عاجزا عن التوجه للأطباء الخصوصيين، طبعا بسبب الأوضاع الاقتصادية.

عدى عن تعطل مصالح المواطنين الذين يتلقون خدمات حيوية من قطاعات مختلفة أخرى كالهويات والجوازات ومعاملات المرور والترخيص والشركات وغيرها .. وفي النهاية تُهدر آلاف ساعات العمل، وتضيع مئات الفرص.

فإذا كانت مطالب الموظفين محقّّة، فهل هذا يعطيهم الحق بتعطيل حال البلد ؟!

في التجربة الكفاحية الفلسطينية هناك ما لا حصر له من أشكال المقاومة ووسائل الاحتجاج وطرق التعبير، فلماذا تسود حاليا الإضرابات دون غيرها من الوسائل ؟ على ما يبدو أن الموظفين صاروا يستسهلون الإضراب، ويفضلونه لأنه يعني الجلوس في البيت، (البعض يستغلون يوم الإضراب للأعمال الخاصة). لماذا لا يلجئون للاعتصام أمام مجلس الوزراء مثلا ؟ أو للتظاهر في الشارع بعد انتهاء الدوام ؟ أو للتظاهر ضد إسرائيل (في مواقع الاحتكاك) لأنها المسؤولة عن حجز عائدات الضرائب، الأمر الذي يجعل الحكومة عاجزة عن تأمين المعاشات، أو للتظاهر ضد الدول العربية، لأنها تخلت عن مساعدة الفلسطينيين ولم تفي بالتزاماتها التي أقرتها جامعة الدول العربية (شبكة الأمان العربية)، لماذا لا يتم تنظيم حملات إعلامية مدروسة تستهدف الدول المانحة، المنظمات الدولية، الأثرياء الفلسطينيين، التجار الذين يتهربون من الضرائب ؟!

ألا يمكن تنظيم حملات إعلامية وإرشادية تستهدف المجتمع المحلي لإقناعه بعدالة مطالب الموظفين، وشرح أبعاد الأزمة الاقتصادية وتداعياتها، وإشراك القوى المدنية والقطاع الخاص والمنظمات الأهلية والفصائل الوطنية والنخب المثقفة والأهالي في البحث عن حل شامل، ليتحمل كل طرف مسؤوليته الوطنية ؟

إذا كان القصد من الإضراب الضغط على الحكومة لحملها على التجاوب مع مطالب الموظفين؛ فإن عشرات الأساليب الأخرى تؤدي إلى نفس النتيجة، دون أن نخسر أجيالا من الطلبة، ودون أن نهدر ساعات من العمل من المفترض أن تسخر لآخر دقيقة في أعمال التنمية والبناء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق