أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

أغسطس 04، 2012

مبادرات فلسطينية خلاقة



من علامات حيوية المجتمع الفلسطيني، تلك المبادرات الشبابية التي تعوض جزئيا غياب الفصائل الوطنية، وتراجع دورها التاريخي؛ ولا نتحدث هنا عن أشكال المقاومة الشعبية والمبادرات الشجاعة العديدة في التصدي للاحتلال؛ بل عن الوضع الداخلي تحديدا؛ ففي ذروة الربيع العربي أطلقت مجموعات شبابية فلسطينية نداءات مختلفة على مواقع التواصل الاجتماعي تنادي بالخروج عن الصمت، والنزول للشارع لإنهاء الانقسام. وفي سياق مختلف ينشط آخرون في مكافحة ظاهرة الغلاء وارتفاع تكاليف المعيشة، إضافة إلى جمعيات حماية المستهلك، وهنالك أيضا منتديات إعلامية للدفاع عن قضايا المرأة ومناهضة ما يسمى "القتل على خلفية الشرف". وعندما أطلقت السلطة مبادرتها في مكافحة منتجات المستوطنات قبل سنتين، تنادى مئات الشبّان للعمل في حملات تطوعية لإنجاح المبادرة، وقد تشكلت أيضا حملات شعبية لمقاطعة البضائع الإسرائيلية ودعم المنتجات الوطنية. وفي مجال التكافل الاجتماعي نجد "تكية سيدنا إبراهيم" في الخليل التي تقدم آلاف الوجبات المجانية يوميا، و"تكية نابلس" حيث يقوم عشرات المتطوعين بتوزيع آلاف الوجبات للعائلات المحتاجة.
ومن بين المبادرات المهمة، ما قامت به مجموعة من الشبان المتطوعين التابعين لمؤسسة "فلسطينيات"؛ حيث نظموا عدة زيارات لقرية النبي صموئيل الواقعة في محافظة القدس، وهي قرية مهمشة تخلو تماما من كافة المرافق والخدمات، ولا يُسمح لأحد بزيارتها، وتخضع لإجراءات مشددة وحالة حصار غير عادية تفرضها سلطات الاحتلال عليها، حتى أن الجيش قام بهدم حمّام ملحق بالمدرسة مساحته لا تتجاوز المترين بحجة عدم الحصول على ترخيص؛ ونتيجة لسياسات الاحتلال القاسية والتعسفية لم يزد عدد سكان القرية خلال الأربعين سنة الماضية وبقي أقل من ثلاثمائة شخص. وبصعوبة بالغة تمكن هؤلاء الشبان من الحصول على تصاريح مرور للدخول للقدس، ومن هناك توجهوا للقرية وأقاموا فيها مهرجانا للأطفال, أدخلوا من خلاله البهجة لأطفال القرية وأطلقوا ضحكاتهم لأول مرة، وبالطبع لم تتوقف المبادرة على المهرجان؛ فقد تمكن هؤلاء المتطوعون من الحصول على منح لدورات تدريبية مختلفة يستفيد منها شباب وشابات القرية، بالإضافة لجمع تبرعات شخصية وشراء مائة كرسي و"شادر" للتظليل, يصلح لإقامة النشاطات والفعاليات الاجتماعية، مع تقديم هدايا رمزية وملابس للعيد لأطفال القرية.
قد تكون هذه المبادرة رمزية؛ لكن قيمتها أنها تأتي بجهود فردية، وتعبر عن رغبة صادقة بتقديم دعم حقيقي يساهم في تعزيز صمود الأهالي، وتركيز الأنظار على حجم معاناة هذه القرية المنكوبة، وإخراجها من عزلتها، وتعويض عجز السلطة عن تقديم مساعدات أو إقامة مشاريع في القرية؛ فعندما زارها د.سلام فياض وعَـدَ الأهالي بدعم القرية، ولكن على ما يبدو أن سلطات الاحتلال تمنع ذلك.
وفي مبادرة أخرى لمجموعات شبابية ترعاها مؤسسة "فلسطينيات" تم تسليط الضوء على معاناة عائلة فقيرة تسكن مدينة نابلس؛ الأبوان عاجزان عن العمل، وأبناؤهما الستة مرضى ومعاقين، وبيتهم لا يصلح للسكن، ويعيشون في ظروف بالغة السوء، قام الشبان بتصوير مسكن العائلة البائس وتوجيه نداء لجمع تبرعات، بعد أن قدم كل فرد منهم ما يقدر عليه، وكان من بين من استجاب للدعوة قوات الأمن الوطني في نابلس؛ فقاموا بترميم المنزل وطلاء جدرانه وتركيب حمام ومطبخ جديدين، وإجراء فحص طبي شامل لكل أفراد العائلة، فيما تكفل الأهالي بشراء أثاث وملابس وتقديم الطعام وغير ذلك، وقد تبين أن جهاز الأمن الوطني يقدم خدمات مماثلة للعديد من الأسر المحتاجة، وإن كانوا لا يفضلون إشهار ذلك؛ إذْ أنهم يعملون بصمت.
مثل هذه المبادرات حتى لو كانت صغيرة، إلا أنها مهمة، فهي تشكل حافزا لإعادة الاعتبار لروح العمل التطوعي، ودعوة للآخرين للفعل والمبادرة، دون انتظار دعم من الحكومة، أو من الدول المانحة، وهي تأكيد على حيوية الشعب وقدرته على التجدّد في أحلك الظروف، وهي دعوة تنشيط للفصائل الوطنية والتنبه لآلاف الحالات المشابهة التي تحتاج من يرعاها، وهي تناغم مع قول شاعرنا الكبير:
وأنتَ تُعِدُّ فطورك، فكِّر بغيركَ .. لا تَنْسَ قوتَ الحمام
وأنت تُفكّر بالآخرين البعيدين، فكِّر بنفسك
قُلْ: ليتني شمعةُ في الظلام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق