أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

أغسطس 03، 2012

أين عقولكم يا مسلمين ؟!


بدلا من استخدامهم الحُجة والمنطق والعلم؛ ما زال البعض في عصرنا الحالي يبحثون عن معجزات خارقة لكي يعززوا إيمانهم، أو ليثبتوا للآخرين صحة معتقداتهم، بالرغم أن عصر المعجزات انتهى منذ زمن سحيق، ومن يصنع المعجزات اليوم هو العلم والتكنولوجيا والعقليات المتفتحة. ولأن وضع المسلمين الحالي لا يمكّنهم من اجتراح معجزات علمية حقيقية؛ فقد لجأ البعض لاستخدام تكنولوجيا الاتصالات لتوهّم معجزاتهم الخاصة، وإليكم بعض الأمثلة:
جاء في إحدى مواقع الفيسبوك أن "رائدة الفضاء الأمريكية "سانيتا وليامز" شاهدت أثناء رحلتها نحو القمر منطقتين مضيئتين على سطح الأرض تحيط بهما ظلمة حالكة، وعندما استفسرت عنهما تبين لها أنهما مكة المكرمة والمدينة المنورة، وأنها سمعت الأذان في تلك اللحظة، فأشهرت إسلامها بعد عودتها"، وفي حقيقة الأمر هذه العالمة من أب هندوسي وأُم كاثوليكية وأنها لم تسلم، حتى أنها صرحت للصحافة بأن "جونيشا" (الإله الهندوسي) كان يرافقها في الرحلة، كما أنها لم تذهب إلى القمر؛ بل إلى محطة الفضاء الدولية، لأن الرحلات نحو القمر توقفت منذ زمن بعيد، ما يدل أن مروّج الخبر جاهل بكل ما يتعلق برحلات الفضاء. أما بخصوص المنطقتين المضيئتين، فما هي إلا حيلة فوتوشوب تم نشرها في المواقع الإسلامية مع عبارة "سبحان الله شوفوا المعجزة" لتتلقّفها جماعات الإعجاز العلمي. والسؤال البديهي لماذا لم يسلم باقي طاقم المحطة الفضائية ؟
وجاء في صفحة أخرى أن "تناول عدد فردي من حبات التمر مفيد للصحة، وأن هناك حديث شريف للرسول الكريم يؤكد ذلك"، الحديث طبعا ضعيف، ومن ناحية أخرى يتنافى مع المنطق؛ لأن وزن حبات التمر غير متساوي، ولا يمكن للجسم معرفة أنها فردية أو زوجية، حتى لو كان هناك عدّاد على مدخل المعدة !!
وفي صفحة أخرى جاء أن "شرب الماء دفعة واحدة يلحق الضرر بالكبد ويؤدي إلى الكباد، خاصة إذا كان الماء باردا، كما أكد الرسول في حديثه الشريف"، والحديث أيضا ضعيف، ومضمونه يتناقض مع العلم؛ فالماء لا يصل للكبد نهائيا، وإذا كان باردا فإن تأثيره يكون على الحلق، ومن ناحية ثانية لم تكن في أيام الرسول مياه مثلجة، أما الكباد إذا كان مقصودا به تشمع الكبد فله أسباب أخرى.
الإدعاء الآخر مفاده أن "بئر زمزم بدون قرار، وأن مياهه لا تتلوث أبدا"، وحسب معلوماتي ليس في الإسلام شيء اسمه مياه مقدسة، وإذا كان المقصود هو التبرك من مياه زمزم فلا بأس، أما إحاطتها بالخرافة فمرفوض، فشرب ماء زمزم ليس من أركان الحج، والبئر قد يكون عميقا بعض الشيء؛ أما أنه بلا قرار، وأنه غير قابل للتلوث فهذا كلام غير منطقي.
وهناك إدعاء بأن الطواف حول الكعبة ينسجم مع نظام الكون ومع حركة الكواكب حول الشمس. السؤال هل هذا يعني أن الطواف مفيد للجسم ؟ وهل يبرهن هذا على صحة شيء ؟! علما بأن الطواف حول الكعبة وبنفس الاتجاه تقليد عربي كان سائدا قبل الإسلام بقرون عديدة، أما حركة الكواكب والنجوم في نظام الكون فهي لا تجري على نمط واحد أو بنفس الاتجاه، لأن ما نعرفه عن الاتجاهات في الأرض لا ينطبق على الفضاء.
وتنتشر أيضا على صفحات الفيسبوك صور غريبة، مثل صخرة في البحر تسجد لله، اسم الله يظهر على رغيف خبز، وعلى بطيخة، وعلى أذن طفل، اسم الرسول الكريم يظهر في الغيوم، وداخل حبة بندورة، عبارة "الله أكبر" على جناح فراشة .. وعادة ما ترافق تلك الصور عبارات مثيرة ذات مضامين عقائدية.
وما هو شائع أيضا على الفيسبوك استدراج القارئ لقصة مختلَقة غالبا ما تكون حزينة مبكية، أو هزلية، أو إلى لعبة عجيبة غريبة من أجل أن يُقال له في النهاية: "أنظر، لقد جعلتك تصلي على النبي، وتستغفر ربك، وتسبح بحمده دون أن تدري"، ومع أن هذا النوع من الذِكر والعبادات مُحبّب عند المؤمنين، ويمارسونه طوعا، دون تذكير من أحد، وهم ليسوا بحاجة أن يدفعهم إليه أي شخص أو أن يحثهم عليه بهذه الطريقة الملتوية؛ إلا أن مستخدمي هذا النوع من الخداع إما أنهم يعتقدون أنهم بعملهم هذا يكسبون الأجر والثواب، وأنهم يفيدون الآخرين بطريقة ما تجعلهم يتعبدون ويذكرون اسم الله؛ وإما أنهم يستعرضون مهاراتهم على استخدام النت، ومقدرتهم على الضحك على الناس واللعب عليهم، و لكن بطريقة يصعب على الآخرين انتقادهم عليها، أو حتى لومهم على اعتبار أن ما يقومون به أمور حميدة وحسنة، مع العلم أنهم يتبعون أساليب مضللة وخادعة وغير نزيهة ولا يوافق عليها الإسلام.
ومن الأساليب المنتشرة أيضا نشر صور معينة (أكثرها مفبركة)، أو خبر ما (في أغلب الأحيان غير صحيح)، مع عبارات تحث على النشر والمشاركة، وتتوسل كتابة تعليق أو لايك، مع ضمانات بالحصول على الأجر والثواب، كما لو أن للملائكة صفحة خاصة بهم على الفيسبوك يقومون من خلالها بإحصاء عدد اللايكات، وتسجيل نقاط على كل من تقاعص عن نشر صورة ما !!
 وكذلك التلاعب بالصور باستخدام الفوتوشوب لجذب السذّج وسوقهم للإيمان بطرق هي أقرب إلى الدجل والشعوذة منها إلى حسن النية، أو عمل مقارنات ساذجة بين حالتين، أو نشر صورة حقيقية ولكن مع تعليق سطحي يُراد منه تمرير خرافة، أو التسويق لمفهوم اجتماعي معين على الأغلب موجه ضد المرأة، أو ضد مجموعة سياسية معارضة، أو ضد طائفة أخرى.
الكارثة أن البعض ممن يقرأ مثل تلك الخدع، أو يشاهدها - بما فيهم مثقفون وحملة شهادات عليا – تنطلي عليه الحيلة، ولا يناقشها مع نفسه، ولا يتأمل فيها حتى للحظات، ولا يتحقق من مدى صحتها، وبدلا من الاعتراض أو التفكير يصدّق الخدعة ويفرح بها، لأنها كما يبدو تناسبه جداً، وتداعب عاطفته الإيمانية، وكل ما يفعله في هذه الحالة هو الصلاة على النبي والحمد والشكر على نعمة الإسلام، والمبادرة لنشرها طمعا في الأجر. بعض الجهات والحركات الإسلامية تؤيد هذه الخدع، وتغض الطرف عنها، مع علمها أنها غير صحيحة، لأنها تعتبرها نصرة للإسلام، ونوع من الدعاية له.
الأسئلة المؤلمة في هذا الصدد: متى يتوقف المسلمون عن تصديق الخداع ؟ بل متى يتوقف البعض منهم عن إطلاق الكذب والتضليل والأخبار الملفقة ؟ التي تسئ للإسلام قبل أي شيء آخر، وتبعد الآخرين عنه بدلا من كسبهم إلى صفه بعقلانية. ومتى سنبدأ بتشغيل عقولنا، والتخلص من الخرافة ؟ وهل هذا النوع من الاحتيال على العقل والاستهزاء به واستغلال ثقة القارئ وطيبته هو الأسلوب الصحيح لنشر الإسلام وقيمه العظيمة ؟! وعندما يقوم هؤلاء بنشر الصور المزيفة والأخبار الكاذبة والإدعاءات التي تتعارض مع العلم والمنطق وحقائق الأشياء هل فكروا كيف ستبدو صورتنا أمام العالم ؟ هل يقلقهم أن يرى العالمُ المسلمينَ مجرد ببغاوات تردد أي شيء دون تفكير ؟؟ وهل يعد هذا حرصا على الإسلام وترويجا له، أم هدما له وتشويها لصورته ؟! وماذا سيستفيد الإسلام من تجميع مليون لايك على صفحة معينة ؟؟
لم ينشر نبي الإسلام محمد رسالته العظيمة بتلك الطريقة الساذجة والخادعة؛ بل كان صادقا واضحا وجادا، وكان يهتم بكسب ثقة واحترام العدو قبل الصديق. صحيح أن ثورة الاتصالات والمعلوماتية والنظم الحديثة سهّلت عمليات نشر الأفكار والتواصل بين الشعوب؛ ولكن إذا أردنا نشر الإسلام ونصرته ورفعة شأنه فليكن ذلك بالأسلوب الصحيح، وباحترام العقل؛ لأن الغايات النبيلة تتطلب أساليب نبيلة، وبدون ذلك لن يحترمنا أحد. أما أن نسلم عقولنا ومصيرنا لجاهل يروج لأفكار غبية متخلفة بعيدة عن العلم والمنطق والعقل؛ فهذا يعني أننا سنبقى جميعا موغلون في الجهالة والتخلف، ولكن باستخدام أحدث النظم التكنولوجية، وسنبقى أضحوكة العالم.

هناك تعليقان (2):