لم يعد تعليم الإناث مجرد
خيار ترفي يطالب به المثقفون؛ فقد باتت المجتمعات الإنسانية أكثر قناعة بأن تعليم
الإناث من أهم أدوات تحقيق التنمية المجتمعية التي تسودها المساواة والعدل، وباتت
أكثر إدراكا لعمق الروابط بين تعليم المرأة وصحة الطفل، وقدرة الأسرة على تنظيم الإنجاب،
وضبط المصروف وتخفيف الأعباء المادية ومواجهة صعوبات الحياة. كما تَبيَّنَ لها أهمية
تعليم النساء في المجال الاقتصادي؛ حيث أشارت دراسة للبنك الدولي إلى العوائد
الاقتصادية الكبيرة لتعليم النساء، وأظهرت أن تعليم البنات سنة واحدة إضافية يحقق
زيادة في الإنتاجية، وزيادة في الأجور التي تتقاضاها النساء بنسبة (10 ~ 20 %)، وأثبتت أن المرأة غير المتعلمة تظل أعمالها محصورة وبسيطة
وتقليدية، وبأجر زهيد جدا.
وقد
ضمنت المواثيق الدولية حق كافة فئات المجتمع في التعليم، وبشكل خاص حق النساء في
الحصول على فرص تعليم متكافئة مع الرجال. وفي القانون الفلسطيني لا يوجد ما يشير
إلي أي تمييز بين الذكور والإناث في مجال الالتحاق بالمدارس. ولـمّا كانت الإناث تشكل
ما نسبته حوالي 50% من المجتمع الفلسطيني؛ فإن
مؤشرات التعليم والعمل والحياة الاجتماعية من المفترض أن تكون منسجمة مع هذه
النسبة؛ إلا أن الأرقام تقول غير ذلك؛ فعلى سبيل المثال، إذا كانت نسبة الأمية في
المجتمع حوالي 4.7% فإن نسبتها بين الإناث 13.1%، ولكن بالرجوع إلى الإحصاءات الحديثة يتبين لنا أن معظم النساء
الأميات من الجيل القديم، أي عندما كان المجتمع لا يعطي أهمية لتعليم البنات؛ ففي
عام 1935 كان في فلسطين (15)
مدرسة للإناث، مقابل (269) مدرسة للذكور، وقد تمكنت (15)
فتاة فقط إنهاء الصف السابع من كل الفتيات المتعلمات في ذلك الوقت.
طبعا اختلف الوضع كليا فيما بعد؛ وكان الواقع
السياسي من بين أهم العوامل التي أثرت إيجابيا في تعليم المرأة؛ حيث اقترن التوسع
في التعليم (بشكل عام وتعليم الإناث بشكل خاص) بصورة مباشرة بالنضال الوطني ضد
الاحتلال، كما استفادت المرأة الفلسطينية من
التطور الاجتماعي والثقافي النسبي، الذي أحرزه المجتمع الفلسطيني في العقود
الأخيرة. وقد حقق التعليم في المناطق الفلسطينية تقدما ملحوظا، إذْ أقرت السلطة
الوطنية قانون إلزامية التعليم للجنسين حتى سن الخامسة عشرة، وسمحت للمتزوجات أن
يكملن دراستهن. فتوالى انخفاض نسبة الأمية بشكل كبير، وهي اليوم بين الأطفال تقل عن
2.5%، وتشير بيانات الجهاز المركزي للإحصاء لعام 2011 أن نسبة التحاق البنات في المرحلة الابتدائية أعلى من نسبة التحاق
الأولاد، (97.9
%
بنات مقابل 97.6
%
أولاد). أي أن هناك 103 ذكور أميين مقابل 100 إناث).
ومع تقدم الصفوف تنخفض
نسبة الالتحاق بالمدارس لكلا الجنسين نتيجة التسرب منها، فتبلغ نسبة البنات
اللواتي يصلن الصف الحادي عشر 91.5 % مقابل 83.3 % عند الأولاد, وتختلف أسباب
التسرب؛ فالنسبة للفتيات السبب الرئيسي هو الزواج المبكر، أو عدم وجود مدارس
ثانوية قريبة خاصة في القرى والمخيمات، أما الذكور فالسبب الأكبر هو الفقر،
والحاجة لمصدر دخل إضافي. ومن ناحية ثانية ولكوْن الذكور يتمتعون بهامش أوسع من
الحركة، وإمكانية قضاء وقت أطول خارج المنزل؛ فإن ذلك كان يعني في كثير من الأحيان
إضاعة هذا الوقت بعيداً عن الدراسة، بينما تميل الإناث للبقاء في البيت؛ مما يتيح
المجال أمامهن للدراسة لوقت أطول، ووضعهن أمام تحدي إثبات الذات، وهذا أدى إلى
تفوقهن في التحصيل العلمي.
أما بخصوص التعليم الجامعي فيعتبر الفقر أهم عقبة أمام الفتيات لإكمال
تعليمهن، حيث تعطي الأسرة الفقيرة الأولوية لتعليم الذكور،
ومع ذلك فإن نسبة الإناث اللواتي يكملن التعليم العالي (دبلوم، جامعة، فأكثر) 14.1 % مقابل 13.3 % عند الذكور. وفي الجامعات تبلغ نسبة الفتيات أكثر من 57 %، مقابل أقل من 43 % للشباب.
ولكن، وبالرغم ما تبينه
لنا الأرقام، والتي تدل على تقدم واضح للمرأة في مجال التعليم، وتؤكد تفوقها العلمي؛
إلا أن المجتمع وبسبب نظرته المجحفة تجاه المرأة حرمها من حقها الطبيعي في أن تعكس
تلك الأرقام في المجالات الاجتماعية وفي سوق العمل؛ إذ تشير الجداول الإحصائية إلى
مفارقات غريبة، حيث أن نسبة البطالة بين الذكور تقل كلما زادت سنوات الدراسة،
فمثلا تكون النسبة بحدود 29 % للذكور الحاصلين على مؤهل ابتدائي، ثم تقل النسبة لتصبح 24 % لمن أنهوا التوجيهي، ثم لتصبح 15 % لمن أنهى الدراسة الجامعية.
بينما هذه النسب عند
النساء على العكس، فتكون نسبة البطالة 5 % للنساء الباحثات عن عمل والحاصلات على مؤهل ابتدائي، ثم تزداد
تدريجيا مع زيادة مستوى التعليم، فتصبح 37 % عند النساء اللواتي أنهين
الدراسة الجامعية فأكثر. ما يعني أن الرجل تزداد فرص عمله، وتتحسن ظروفه كلما زاد
مستواه العلمي، على عكس المرأة. فمثلا تشير بيانات الجهاز المركزي للإحصاء، بأن النساء تشكل ما نسبته
99.8% من الهيئات التدريسية والإدارية لتعليم ما قبل
المدرسة، و 48.9
%
للمرحلة الأساسية، و 43.9
%
للمرحلة الثانوية. ثم تتناقص النسب أكثر كلما ارتفعت المراحل التعليمية؛ حيث نجد
أن المدرسات في كليات المجتمع يشكّلن 27.5 % وفي الجامعات 12.2 %.
وبسبب النظرة الاجتماعية المتخلفة للمرأة، نلاحظ أن الفتيات يتجهن إلى
دراسة العلوم الإنسانية أكثر من الذكور، الذين يتجهون لدراسة العلوم التطبيقية؛
مما أدى إلى احتكار الرجال لبعض المهن، وعزوفهم عن مهن أخرى يعتبرونها مهن نسائية.
ففي مجال القضاء، فتبلغ نسبة القاضيات 12 % من مجموع القضاة فقط، وفي مجال
المحاماة تبلغ نسبة المحاميات 15%، وفي مجال الطب تبلغ نسبة
الطبيبات 14 %، أما نسبة الصيادلة فهي بالنصف
تقريبا بين النساء والرجال، وفي مجال التمريض تبلغ نسبة الممرضات 56 %. ولا تزال مشاركة
الرجال في القوى العاملة أكثر بأربعة أضعاف من مشاركة النساء، ولكن في قطاع
الخدمات تبلغ مشاركة النساء 60 %.
ولنفس الأسباب نجد أن مشاركة النساء في الحياة العامة
ما زالت متدنية؛ إذ بلغت نسبة المنتسبات لجمعيات خيرية من النساء حوالي 4 % فقط، تليها
المكتبات العامة 3 %، ثم الأندية الرياضية، تليها
النقابات والاتحادات 2 %.
خلاصة القول أن المرأة الفلسطينية أثبتت وجودها في
مجال التعليم، وحققت تفوقا ملحوظا، وأكدت أنها لا تقل عن الرجل؛ إلا أن ذلك لم
ينعكس كما يجب في مختلف مجالات الحياة العامة؛ ما يعني أن المجتمع ما زال مقصرا
تجاه المرأة، وينظر لها نظرة دونية لا تتناسب مع مكانتها الإنسانية، ومع ما حققته
من منجزات هامة على كافة الأصعدة. ويعني أيضا أن المجتمع ممعنا في هدره لطاقات
المرأة الحبيسة، ومستمراً بخسارته الكثير من الفرص والإمكانات التي تمثلها المرأة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق