أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

يناير 25، 2012

في السعودية حرائق، وعيون فاتنة


في نوفمبر 2011 شبَّ حريق بمدرس ابتدائية في مدينة جدّة، نجم عنه سحابة كثيفة من الدخان والغاز، مما دفع بالطالبات والمدرسات للتزاحم للخروج، وقد أدى الحريق إلى مقتل وإصابة عدد من المدرسات والطالبات؛ بعض المدرسات حاولن تنظيم عملية الخروج، ولكن – وحسب رواية بعض الأهالي – كانت مديرة المدرسة تقف لهن بالمرصاد، وتمنع خروج أي طالبة أو معلمة بدون العباءة وغطاء الرأس، الأمر الذي أدى إلى زيادة عدد الإصابات وزيادة خطورتها.

وفي خبر آخر نقلته وكالة أمد للإعلام، جاء فيه أن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية، بدأت بإجبار النساء على تغطية عيونهن، خصوصاً المثيرة للفتنة . حيث قال المتحدث الإعلامي باسم الهيئة في حائل، الشيخ مطلق النابت، إن رجال الهيئة سيتدخلون لإجبار النساء على تغطية عيونهن، خاصة المثيرة للفتنة، وسيتخذون بحق المخالفات الإجراءات اللازمة.
وعندما طالب أحد أعضاء الهيئة مواطن سعودي كان يمشي برفقة زوجته "المنقبة" في سوق "حائل"، بتغطية عيني زوجته، رفض ذلك وتشاجر معه، على إثر ذلك أصدرت المحكمة الجزائية في المدينة، حكماً بتبرئة عضو الهيئة، وإدانة الزوج والحُكم عليه بالسجن 8 أشهر، وجلده 300 جلدة مفرقة على 6 دفعات.
وفي مدينة "بيشة" أصدر قاض حكما بالسجن 6 سنوات والجلد 4000 جلدة على شابين سرقا خروفين، وحُكمٌ آخر على 3 شباب سرقوا علبا من السجائر بالسجن خمس سنوات والجلد 500 جلدة، كما قضت المحكمة العامة في مكة المكرمة بسجن شاب 15 عاماً وجلده 40 ألف جلدة بعد اتهامه بإقامة علاقة غير شرعية مع فتاة، واستدراجها إلى خارج النطاق السكني، وهروبها منه لتلقى حتفها دهسا في الطريق من قبل سائق متهور.
حريق مدرسة جدة من الممكن أن يحصل في أي مكان في العالم، ولكن ما لا يحصل في أي مكان في العالم إلا في السعودية، والمناطق التي تشبهها من حيث الثقافة الاجتماعية والدينية، هو طريقة التعامل مع الحريق، وطريقة إنقاذ المصابين. وبالمناسبة فهو ليس الحادث الأول من نوعه، إذْ تكرر قبل ذلك، وتم التعامل معه بنفس العقلية.
ولا نسعى هنا أن نؤكد أو ننفي صحة الإدعاءات حول موقف المديرة وتسببها بهذه الفاجعة الإنسانية؛ فعند قراءتي للخبر على موقع "العربية"، صُدمت بتعليقات القرّاء، والتي كانت في أغلبها تؤيد منع خروج أي طالبة من جحيم النيران ما لم تكن مرتدية العباءة والحجاب الكامل، حتى لو أدى ذلك إلى احتراقها وتفحّمها !! وهذا يعني أن أيٍ من هؤلاء المعلقين، أو من الشرطة الدينية سيكون على استعداد للقبول باحتراق كل نساء الأرض من غير المحجبات، لأنهن من وجهة نظرهم، سيحترقن في "جهنم الآخرة"، وبالتالي لا مانع لديهم من احتراقهن في "جهنم الدنيا" !!
والشرطة الدينية لم تكتف بفرض النقاب والعباءة على أي أنثى - بما في ذلك الأطفال - حتى في أحلك الحالات كالحرائق والزلازل، بحيث لا يبدو من جسمها ووجها شيء باستثناء العيون، فهاهي اليوم تضيف العيون "الفاتنة" إلى قائمة الممنوعات. والسؤال هو كيف سيميز الشرطي "المتدين" العيون الفاتنة عن العيون غير الفاتنة ؟! وأية معايير سيستخدم في هذه الحالة ؟! على الأغلب، ودرءً للفتن والمصائب والكوارث التي ستجلبها العيون سيتم حظر إظهار العيون للجميع بلا استثناء. وسيتم فرض العقوبات الرادعة بحق المخالفات. وهذه العقوبات - كما هي العادة في السعودية - ستكون الجلد، وسيُترك تحديد عدد الجلدات للقاضي، بعد أن يقيس مدى فتنة وروعة تلك العيون الجريئة !!
فكما لاحظنا أن العقوبات في المحاكم الدينية السعودية – بغض النظر عن مدى حجم الجريمة – كانت قاسية ومروعة، فبينما تكتفي دول العالم بإيداع المجرم في السجن، تضيف السعودية الجَلد مع السجن، فالسجين لا تكفيه عقوبة السجن، بل سيمضي سنين طويلة من حياته وهو ينتظر أن ينهي آلاف السياط التي ستهوي على جسمه. فهذا الذي دافع عن زوجته (المنقبة) من تعسف رجال الهيئة، وذاك الفقير الذي سرق خروفا، وأولئك المراهقين الذين سرقوا علبة سجائر سيُجلد كلٌ منهم مئات الجلدات !!
وكان عدد من القانونيين السعوديين قد طالبوا السلطة التشريعية بوضع حد لتجاوز أحكام الجلد في المحاكم السعودية للحدود المعقولة، بعد أن وصلت في بعض الأحكام لعشرات الآلاف من الجلدات، في وقت تتزامن فيه هذه العقوبة مع السجن لسنوات طويلة. خاصة في ظل غياب العقوبات المقننة، الأمر الذي فتح المجال لتفاوت الأحكام بين قاضٍ وآخر في قضايا متشابهة، وبعد أن أثارت الكثير من القضايا الرأي العام، لقسوة أحكام الجلد فيها، أو المبالغة في الحكم دون سند قانوني عليها.
والمشكلة لا تكمن فقط في قسوة الأحكام، ولا في كونها تنتهك آدمية الإنسان، وتحط من كرامته، حسب ما أقرته مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، بأن العقوبات الجسدية (مثل الجلد) ترقى إلى مستوى عقوبة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة، وأنها شكل من التعذيب. أو في كونها تتعارض مع اتفاقية مناهضة التعذيب التي انضمت السعودية لها في العام 1997؛ بل المشكلة في أسباب فرض العقوبة، كما هو الحال في فرض تغطية العيون، لأن هذه التوجهات تعتبر تعدي على الحريات الشخصية، وانتهاك لحقوق الإنسان، إضافة إلى أنها تتنافى مع مبادئ الشريعة السمحة.
والمشكلة أيضا أن هذه العقلية المنغلقة المنطلقة من موروث فقهي متزمت، تعتبر أن حجاب المرأة أهم من حياتها، حتى لو كان كشف وجهها أو شعرها سيستغرق دقائق معدودة وفي ظروف استثنائية جدا !! والمشكلة أن هذه العقلية المتخلفة تريد أن تتحكم في أدق تفاصيل حياتنا.
والحديث غير موجه ضد المملكة العربية السعودية الشقيقة، فما هي إلا مجرد مثال؛ لأن الأحداث جرت على أراضيها أولاً، ولأنها تمثل رمزا للعالم الإسلامي، ومنظومتها الفكرية والفقهية تفرض وجودها على المسلمين بشكل عام ثانياً. ومع ذلك فهي ليست الدولة الوحيدة التي تطبق مثل هذه الأحكام، فقد نقلت وكالة الأنباء الفرنسية أن إيران أصدرت حكما بالسجن سنة واحدة مع 90 جلدة على فنانة إيرانية تدعى "فافامهير" بتهمة الظهور في فيلم سينمائي أسترالي وهي كاشفة الرأس !! ولو استعرضنا أمثلة مشابهة من منطقة القبائل في باكستان وأفغانستان وغيرها لاحتجنا مجلدات !!
هذا الواقع هو ما ينتظر جمهور الناخبين - الذين لم يتعظوا لا من دروس الماضي ولا من دروس الحاضر، رغم شدة وضوحها - فاختاروا أحزابا أصولية ستفرض على نسائهم أن يحجبن عيونهن، وستجلدهم إذا ما احتجوا على ذلك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق