أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

يوليو 12، 2010

فارس عودة


ظل الزعيم الراحل ياسر عرفات في أيامه الأخيرة يردد اسم "فارس عودة" في كل لقاء مع الصحافة أو مع الجماهير التي كانت تؤم المقاطعة، كان عرفات فخورا ومزهوا بهذا الفتى إلى أبعد حد، كان يريد من خلاله إيصال رسالة إلى جماهير الأمة وزعاماتها، ويقدمه كرمز للتضحية والشجاعة ونموذج في المقاومة، كان يريده صورة جديدة للفلسطيني المقاوم خلافا لأي صورة أخرى.

عرفات في أيامه الأخيرة ظل متقد الذهن، ولكنه كان يستحضر روح الشهيد، ورغم ذلك في تكراره هذا الشعار لم يكن صوفيا بقدر ما كان سياسيا وبامتياز، فلماذا يتخذ زعيمٌ بحجم ياسر عرفات من هذا الفتى رمزية للنضال، وهو القائد الذي خاض غمار الحروب واختبر ميادين الوغى، الذي كانت يومياته هي التاريخ المعاصر للقضية الفلسطينية ؟!


فارس عودة ابن الخامسة عشر، طفل عادي .. يحب الفلافل والدجاج المحمر ويكره الواجبات المدرسية، يرمي حقيبته فور وصوله البيت لينطلق بعدها في الشوارع يملؤها مرحا وصخبا، لم يعرف بلداً غير غزة، أقصى أمانيه كانت أن يشتغل عاملا بأجرٍ يكفيه بناء غرفة إضافية، أما أبوه فكان يريده أستاذ "وكالة"، ومع ذلك كان من الممكن أن يصبح طيارا أو محاسبا في شركة كبرى، كان مشاكسا ومسالما في نفس الوقت، ولكنه كان يخبّئ في شرايينه دماء كنعانية، كان قلبه يخفق نبضاً فلسطينياً خالصاً، أما أغنيته المفضلة فهي "لو كسروا عظامي مش خايف لو هدوا البيت مش خايف"، في الخريف القادم سيكون قد مضى على رحيله عشرة أعوام كاملة، وطوال هذه الفترة والسؤال الذي يلح علي: هل كانت مصادفة أن يكون اسمه فارس ؟؟

"فارس" لمن لا يعرفه هو ذاك الفتى الذي نشرت صورته أشهر صحف العالم وهو يتصدى للدبابة الإسرائيلية بحجارته وصدره العاري، 55 طن من الفولاذ تمثل خلاصة التكنولوجيا الإسرائيلية وتحمل ذخيرة تكفي لإبادة حي كامل، سخِرَ منها "فارس" وأوقف زحفها، ومرّغ كرامتها بالوحل، لم يحفل بكل هذه الشهرة، لأنه ببساطة لا يقرأ الصحف الغربية وهو بالكاد يقرأ دروسه غصبا، فالدرس الوحيد الذي حفظه عن ظهر قلب قصيدة لفدوى طوقان، كانت كافية لتملأ قلبه بالحب وتفجر في كل خلية منه بركان غضب.

في ذلك الصباح المشمس خرج "فارس" مبكرا من منزله، وكان على غير عادته معطرا مبتسما، يحمل بيده حقيبته المدرسية وقد خبأ بداخلها مقلاعا وإكليلا من الزهور، كان يريد التوجه إلى "المنطار" .. فذهب بعيدا خلف السياج ووراء المدى .. حيث لا صدى للصوت، ولا ظل للأشياء، وأوغل في الغياب، لم يعد لبيته كما وعد أمه، لم يحتمل الجنود إهانة "فارس" فانتظروه تسعة أيام فقط، وعندما كرر رقصته أمام "الميركافا" أطلقوا عليه رصاصة من عيار 500 ملم فتّتت صدره وأجزاءً من رقبته، ولكن يديه الصغيرتين لم يمْسَسْهُما سوء. ترجل الفارس بعد أن سجل للتاريخ صورة الفتى الذي تحدى بعظامه ولحمه الطري دبابة الاحتلال.

لم تنتهي قصة فارس في ذلك اليوم الخريفي الحزين، فقد ظلت أمه ترتّب خزانته كل صباح، وظل أخوته الستة يخصصون له صحنا كلما حمّرت لهم أمهم دجاجة أو أعدت طبقاً من الملوخية، وظلت باقة زهور تحتل مقعده في الصف، يُرفّعها أقرانه صفا صفاً .. وهي الآن جاهزة للتخرج من الجامعة.

لم يكن "فارس" أول فتيان فلسطين ولا آخرهم، لكنه سيظل ظل جرحا مفتوحا في خاصرة الكرامة العربية، ووجعا يدمي قلوبنا، ودمعا ساخنا في عيوننا، وحشرجة تخنقنا كلما رددنا أنشودته المحببة، ونيشانا حقيقيا على صدر الجيوش التي أراد لها أصحابها أن تظل وهمية.

بعد رحيله بعام، كان الجيش يجتاح رام الله ويفرض عليها حظرا للتجول، مرت "ميركافا" أخرى من أمام منزلنا، كان هديرها يهز البناية، وقفت على الشباك أرقب المشهد فرأيت طفلا يتربص بها، اتخذ من الحاوية كمينا لها وقد أعد أمامه كومة حجارة، وبدأ يرشق الدبابة، فأطل الجندي من جوفها وأطلق عليه صلية رشاش، ولكنها لم تصبه، ثم أطل الفتى برأسه ورماها بحجر، فأطلق عليه الجنود صلية أخرى، لسبب ما لم يكونوا يريدون قتله، ولكنهم حتما توقعوا منه أن يخاف ويهرب، ولكنه ظل في مكمنه مصمما على إصابة الدبابة بحجر، استشاط الجنود غضبا وصرخوا عليه بمكبر الصوت، لم يستمع لهم، واستمر في رشق الحجارة، أطلقوا قنبلة صوتية قلبت الحاوية من شدة صوتها، ولكنه لم يهرب، فما كان من الجنود إلا أن انسحبوا والحيرة تعلو على وجوههم، لم أره بعدها ولم أعرف اسمه، ولكنه حتما واحد ممن أنبتهم الأرض التي ارتوت بدم فارس.


سلامٌ عليك أيها الشهيد البطل ..

سلامٌ عليك وأنت تنتزع استقلال فلسطين بأظافرك الصغيرة ..

سلام عليك وأنت تنزع الخوف من قلوب الكبار ..

وسلام عليك يوم ولدت.. ويوم استشهدت .. ويوم تبعث طفلا فلسطينيا







هناك تعليق واحد:

  1. عزيزي عبدالغني
    سلام عليك وأنت في الوطن..
    سلام عليك وأنت تذكر شهيدنا البطل فارس عودة نبراس أطفالنا للحياة...
    يوم استشهد عودة كنت أعيش في اسكتلندا ..
    لا زال مشهد الملصق الذي يصور فارس عودة وهو يرمي الجنود أمامي ... يومها ألصق الناشطون الاسكتلنديون ويكاد لا يكون بينهم عربي صوره على حيطان الشوارع الرئيسية.. في جامعة إدنبرة كان هناك شوارع لا يفصل بين الملصق والآخر أمتار.. الاسكتلنديون ألصقوا صورته على باب المسجد العربي!!
    لا زلت أذكر الاسكتلنديين والبريطانيين والأوروبيين وهم يرددون اسمه بفخر.. كانوا يصرخون باسمه بأعلى صوت.. في مكبرات الصوت أمام القنصلية الأمريكية، بلكنتهم التي يصعب أن يلفظوا معها حرف العين... يصرخون "فارس عودة....".
    أذكر أستاذ المدرسة مك نيبير الذي كان يضع طاولة أمام سوبرماركت ماركس آند سبنسر في شارع إدنبرة الأعرق والأفخم "برنسس ستريت". كان يضع طاولة كل يوم سبت... كان من معه يتغيرون ... أحيانا اسكتلنديون.. وأذكر امرأة أرمنية من القدس اسمها أنيتا، جاءت إلى اسكتلندا منذ عام 1948 ولكنها تتحدث العربية وكانت مواظبة على النشاطات وفي فترة انتظم معه طبيب فلسطيني من عائلة غنايم... وغالبا كان من معه اسكتلنديون .. كانوا يضعون صورا على الطاولة من بينها صورة فارس عودة ويصرخون "كل سبت ولسنوات وتحت أي ظرف جوي كان". كانوا يصرخون أن قاطعوا ماركس آند سبنسر... فهو يدعم الاحتلال...
    وكان المشهد يبلغ ذروته ونحن نرى عربيات بحجابهن وعباءاتهن يدخلن المتجر.. فيرتفع صوت مك في مكبر الصمت "عار عليكم... عار عليكم... Shame on you"، ويردد " أخوتكم يقتلون في فلسطين وأنتم تمولون القتل...
    كانت الطاولة تدعو لمقاطعة إسرائيل... وكنت أذهب أحيانا معهم... وعندما لا أذهب بسبب الدراسة والتزامات أخرى... كنت أخجل أن أصل ذلك الشارع في ذلك اليوم... كنت أقف معهم وأرى أناس يأتون ويسألون: ما هي قضية فلسطين؟ وكان الواقفون يشرحون بإسهاب ويقدّمون النشرات ويحاولون الحصول على البريد الإلكتروني للشخص للتواصل معه...
    وكثيرا ما تجند أفراد للنشاطات من تلك الطاولة..
    سلام عليك يا فارس بحجرك صنعت حملة تضامن عالمية...
    أبكيك وأحييك وإن كنت أتحسر عليك وعلى أطفال فلسطين وأتذكر كلمات الشاعر المناضل راشد حسين رحمه الله:

    "ضد ....

    ضد ان يجرح ثوار بلادي سنبلة

    ضد ان يحمل طفل اي طفل قنبلة

    ضد ان تدرس اختي عضلات البندقية

    ضد ما شئتم ......ولكن

    ما الذي يصنعه نبي أو نبيه

    حينما تشرب عينيه ... وعينيها

    خيول القتلة ....

    ضد أن يصبح طفل بطلا في العاشرة ..

    ضد أن يثمر ألغاما لوأد الشجرة ...

    ضد أن تمسخ أغصان بساتيني مشانق ...

    ضد تحويل ..حياض الورد في أرضي

    خنادق ...

    ضد ما شئتم ... ولكن ...

    بعد إحراق بلادي

    ورفاقي ...

    وشبابي ...

    كيف لا تصبح أشعاري ... بنادق !!!!!!!"

    ردحذف