أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

يونيو 11، 2010

الجُمَل السحرية الثلاث

بعض حركات الإسلام السياسي وبالذات تلك الجماعات التي تعتمد على البعد الجماهيري، دأبت على استخدام شعارات سياسية معينة لها مفعول السحِر في التأثير على عقول وأفئدة قطاعات واسعة من الناس، فمثلاً استخدمت جماعة الإخوان المسلمين شعار "الإسلام هو الحل" في كل حملاتها الانتخابية التي خاضتها وبشكل خاص في مصر والأردن، وتمكنت بسبب هذا الشعار من حصد أصوات وتأييد أغلبية المقترعين في تلك الانتخابات، في حين أخفق مرشحون آخرون لجماعات سياسية مناوئة، على الرغم من وجاهة وعقلانية شعاراتهم الانتخابية.


وتحت هذا الشعار ادعت بعض الحركات الإسلامية أنه بمجرد جلوسها تحت قبة البرلمان أو استلامها للسلطة فإنها ستحل المشكلات المستعصية التي تعاني منها المجتمعات العربية، ولكن بعد أن كان لها ما أرادت من أصوات الناخبين، وبعد مضي كل هذا الزمن على نجاحاتها في الانتخابات، عجزت عن تحقيق برامجها، وتبين أن ما وعدت به مجرد شعارات ضبابية يكتنفها الغموض وتفتقد لآليات العمل والتطبيق، وأنه قد جرى استخدامها على نحو مضلل بقصد الوثوب للسلطة أو تحقيق مكاسب حزبية.

وعندما قررت حماس المشاركة في الانتخابات الفلسطينية – بعد أن قاطعتها طويلا – رفعت شعار "الإصلاح والتغيير"، وبالفعل فقد كان لهذا الشعار مفعول السحر، حينما صدّقت الجماهير العريضة أن حماس صادقة وجادة في رغبتها في إصلاح الوضع الفلسطيني الداخلي المتردي وتغييره بواقع أفضل، وهكذا، بعد أن حققت فوزا كبيرا في الانتخابات وحازت على تفويض من الشعب بالشروع بعمليات محاربة الفساد ووضع حد للفوضى المستشرية والنهوض بالحالة الفلسطينية، تبين أن آخر ما تفكر به هو إصلاح الوضع الداخلي وتحسينه، وأن شعار الإصلاح كان مجرد وسيلة لتحقيق مآرب وأهداف ذات علاقة بأجندات خارجية، والسلطة التي دخلتها بنيّة إصلاحها صارت هي بحد ذاتها هدفها وغايتها !!

أما الشعار السحري الثالث فهو "المقاومة" وهو الشعار الذي استخدمته العديد من الجماعات المسلحة: إسلامية وقومية يسارية ويمينية دينية وعلمانية .. وتحت هذا الشعار مارست هذه القوى أبشع أنواع العنف بحق كل من يخالفها، وعملت على إقصاء كل من لا يخضع لها، وتكفير من لا يدين لها بالولاء، وتحت هذا الشعار أدخلت هذه الجماعات بلدانها في دياجير الظلمة وحطمت بناها التحتية ودمرت مواردها وقضت على آفاق تطورها، وتحت هذا الشعار سُفكت دماء كالشلال ولكن بلا ثمن وبلا طائل، وهُدرت طاقات هائلة بالمجان.

وأصبحت كلمة "مقاومة" مجرد شعار بلا مضمون، وسيفا مسلطا على رقاب العباد، وورقة مساومة للخصوم السياسيين، لتحقيق مكاسب فئوية أو لفرض شروط معينة، وعلى الرغم من ذلك كانت الجماهير العربية والإسلامية تتغاضى عمّا تسببه سياسات هذه الحركات من دمار، وتلتمس لها الأعذار في إخفاقاتها وعثراتها، ومستعدة لأن تغفر لها كل ما تقترفه من أخطاء، كل ذلك لأنها ترفع شعار المقاومة، حتى أن البعض كان يعمي عينيه عن النتائج الكارثية التي كانت تجرها للبلاد، ولكن في النتيجة صار شعار "مقاومة الاحتلال" بمثابة الوصفة السحرية للنيل من المعارضين، وصار كل مسئول سياسي يريد أن يغطّي على فشله ما عليه إلا أن يُدخل كلمة "مقاومة" بين كل جملتين ليصبح بطلا، فمثلا عندما أراد حزب الله تحسين فرص مشاركته في الخارطة السياسية اللبنانية والإقليمية مدفوعا بدعم إيراني، رفَعَ شعار "المقاومة"، فأدخل لبنان في حرب طاحنة غير متكافئة صيف العام 2006، وكذلك فعلت حماس في شتاء 2009، والمفارقة أن حزب الله بعد حرب تموز لم يطلق رصاصة واحدة ضد إسرائيل والتزم بالقرار 1701 الذي ينص على انسحاب قوات الحزب إلى ما بعد خطوط الليطاني، أي بما يؤمّن حدود إسرائيل، أما حماس فقد التزمت بالهدنة وفرضتها على بقية الفصائل وحرّمت إطلاق الصواريخ بعد أن توقفت تماما عن العمليات التفجيرية داخل الخط الأخضر، وما زال كلا الحزبين يصران على أنهما وحدهما يمثلان المقاومة، ويتهمان كل من ينتقدهما أنه يحارب المقاومة !!

وبالرغم من سحر اللغة وبلاغة الخطاب وقوة الشعار، إلا أن الجماهير لا يمكن أن تظل مخدوعة للأبد، ولا يمكن لها أن تظل أسيرة للشعار أو رهينة للقوى التي تختبئ خلفه، فكل الشعارات تفقد بريقها وتخبو نضارتها عندما تصبح ممجوجة ومستهلكة وبلا قيمة حقيقية، وقد بدأت الجماهير بالفعل تدرك خوائها وانفضّت عن حامليها ومردديها، وما يدل على ذلك خسارة الجماعات الإسلامية في جميع الانتخابات التي جرت مؤخرا في كل من الأردن والكويت ولبنان، بالإضافة إلى الانتخابات الطلابية والنقابية التي جرت في فلسطين، وحتى إيران فإن الأزمة التي أعقبت الانتخابات الرئاسية الأخيرة دلّت على تهشّم قدسية الشعارات التي ظل يرفعها نجاد، وأكدت أنه في النهاية لا يصح إلا الصحيح، وأن الجماهير دائما تختار الحياة، وأنها تمارس المقاومة الحقيقية حينما تُفرض عليها، وليس مقاومة الشعارات التي سرعان ما تغدو مطية لتحقيق أغراض لا علاقة لها بالمقاومة.


حزيران – 09

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق