أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

يوليو 20، 2008

الشرق الأوسط على فوهة بركان

فتّـش عن أمريكا وإيران

منذ أن استولت الثورة الإسلامية في إيران على الحكم في شتاء عام 1979 لم تخفي نواياها في تصدير الثورة وإعادة الاعتبار لأمجاد الفرس الغابرة في المنطقة ولكن بوجه إسلامي جديد، وإحياء الدور الصفوي بعد قرون من القمع والتنكيل ظل الحلم الشيعي خلالها مختبئا متواريا في ثوب التقية يتناقلة الملالي من جيل إلى جيل حتى أحياه الخميني عندما أعلن عن ولاية الفقيه بدلا من انتظار المهدي ..
وفي الجهة المقابلة من المشهد سنجد أن أمريكا ومنذ اعتلاء المحافظين الجدد سدة الحكم قد دشنوا مرحلة جديدة من الكولونيالية قوامها احتلال الدول والسيطرة على المواقع الحيوية من العالم والتحكم في النفط تحت ذريعة الحرب على الإرهاب ونشر الديموقراطية ..
كما سنجد أن الغياب المدوي للإتحاد السوفياتي قد خلق ظروفاً دولية جديدة من أهم سماتها نهوض الإتحاد الأوروبي وتململ المارد الآسيوي وصحوة أمريكا اللاتينية ككتل كبرى واعدة في مواجهة التفرد الأمريكي، من شأنها إحداث توازنات جديدة في الخارطة السياسية الدولية ..
ومن المؤسف أن الجانب العربي غائب تماما عن هذا الحراك الدولي وعاجز عن التأثير فيه، فالجزائر تم إقصاؤها بعد سلسلة من المذابح المروعة أدخلت البلاد في صراعات داخلية، والسعودية منشغلة في مواجهة الجماعات المسلحة وقد دخل الطرفان معركة كسر عظم، أما مصر التي انكفأت على نفسها وباتت لا تمتلك أية سياسة عربية أو أفريقية وقد أعلن قادتها أنها لن تدخل أي مواجهة وستتفرغ للداخل لتأمين لقمة العيش لأبنائها، كذلك السودان فإنه سيبقى خارج دائرة التأثير الحقيقي بحكم مشاكله الداخلية في الجنوب وفي دارفور، سوريا أيضا وُضعت بين مطرقة الدور اللبناني المسلوب منها وسندانة الدور العراقي المنسوب لها وباتت في وضع لا تُحسد عليه، وفيما يتعلق بالأردن ودول مجلس التعاون الخليجي فبحكم طبيعة النظام وتركيبته التي ارتبطت منذ البداية بدور وظيفي معين لا يمكن لها الخروج عن خط السياسة الأمريكية المحدد سلفا .. ومن نافل القول أن العراق بعد صدام أصبح بيد الأمريكي بالكامل ولأمد غير معلوم ..
على خلفية هذا المشهد تتنافس كل من تركيا وإيران على لعب دور شرطي المنطقة والوريث غير المنازع في السيطرة عليها ،، فإذا كانت تركيا ما زالت تحتضن قواعد عسكرية أمريكية ولا تستطيع مغادرة الفلك الأمريكي بسهولة إلا أن لها أمجاد طورونية غابرة وأطماع توسعية وحلم دفين إلى جانب قوة اقتصادية وتجارية هامة ولكنها لها أسلوبها الخاص، وهي اليوم منشغلة في تحقيق الشروط الأوروبية لإنضمامها للإتحاد، أما إيران فإنها ترى في غرق أمريكا في المستنقع العراقي نقطة ضعف تكاد تكون قاتلة ولحظة تاريخية مواتية من الصعب أن تتكرر وبالتالي لابد لها من استغلالها إلى أقصى حد ..
بدأت إيران ببناء مخالب نووية تخرمش فيها النمر الأمريكي المجروح الذي يحيطها من شرقها وغربها أي في أفغانستان والعراق، وهي تدرك أن أمريكا عاجزة عن خوض حرب جديدة بعد أن فشلت في حربها الحالية، وأن كوابيس سايغون تقض مضاجع بوش وهو يرى مشروعه ينهار وجنوده ينكصون على أعقابهم مذمومين مدحورين، إلا أن التاريخ لم يخبرنا عن فاتح غاشم أو مستعمر ناهب قد استفاد من دروسه أو أخذ العبرة منه فطرح غرائزه جانبا وتخلى عن أطماعه وسيطر على شهوة القتل وغلّب منطق العقل، وبالتالي فإن الإدارة الأمريكية التي تحكمها عقلية الكاوبوي ومن هذه النقطة تحديدا مع الأخذ بعين الاعتبار النقاط السابقة ستكثف من جهودها لولادة الشرق الأوسط الجديد مستغلة جيوشها المقيمة في المنطقة وحليفتها الاستراتيجية إسرائيل.
ولا يجب أن يُفهم التنافس الإيراني الأمريكي في السيطرة على المنطقة على أنه صدام حضارات أو صراع بين الخير والشر، فأمريكا لا تتورع عن دعم أعتى الأنظمة الشمولية وأكثرها ظلامية أو عن معاداة أي تحولات ديموقراطية في أي بلد في العالم وديدمها الوحيد مصالحها وبوصلتها أطماعها، وملالي قُـم وطهران على أتم الاستعداد لتكرار إيران غيت في أي وقت والتحالف مع الأمريكي في أي مكان طالما أن ذلك يخدم مصالحها ورؤيتها السياسية، وليس أدل على ذلك من التحالف الخفي بين شيعة العراق - المؤتمرين بأمر مرجعياتهم الإيرانية - مع المحتل الأمريكي وعدم حدوث أية أعمال مقاومة في المناطق الشيعية، والتفاهمات بين الطرفين على ترتيب البيت العراقي من خلال تنصيب حكومة إيرانية تتكلم اللهجة العراقية.
إلا أن المكاسب السياسية عادة لا تُقدم بسهولة وبحاجة إلى أداة ضغط على الدوام إما لتحسين شروط التفاوض أو لفرض أمر واقع كلما أمكن ذلك وهذا الأمر ينطبق على الطرفين، وفي هذا السياق يجب أن لا ننسى المقاومة العراقية البطلة التي خربطت كل أوراق بوش وأجهضت الشرق الأوسط الجديد قبل أن تلده كندرة رايز، فرأت أمريكا أن مخرجها الوحيد من الوحل العراقي بصورة تحفظ بعض ماء وجهها هو تقسيم العراق ،، ولكن التقسيم لن ينجح إلا إذا تقاتل العراقيون فيما بينهم، وهذا لن يكون إلا إذا كره العراقيون بعضهم بعضا، وهذا لن يتم إلا بحملات التحريض الإعلامية والفعلية وسلسلة من المذابح والتفجيرات يضيع فيها الحابل بالنابل، وهذه بحاجة إلى أداة لتنفذها، ولا يمكن أن تكون هذه الأداة إلا ميليشيات طائفية عَمى التعصب عيونها وملأ الحقد قلوبها، ولم تعد تحركها إلا غرائزها البدائية وشهوة الانتقام، وهذه الميليشيات التي يقودها لصوص عراق اليوم تعمل بأمر أمريكا وإيران ..
إيران تريد دويلة شيعية في شرق العراق وجنوبة وأمريكا تريده مقسما مجزئا يسهل التحكم فيه، ولكن الأمر لن يقتصر على العراق وحده، فالشرق الأوسط الأمريكي يمتد من أفغانستان إلى المغرب والقوس الشيعي الإيراني يمتد من أصفهان إلى صور، أمريكا حليفتها إسرائيل وتلتقي مصالحها مع دول الإعتدال في مواجهة الخطر الإيراني، أما إيران فحليفتها سوريا التي تخشى أن يتكرر معها ما حل بجارتها العراق، وحزب الله الذي هو في الأساس حزب إيراني بتركيبته ومذهبة الطائفي وتمويله وتسليحه ... ثم تأتي حماس التي تعاني من حصار دولي ضاغط وتبحث عن أي حليف يقدم لها المال والدعم السياسي.إذاً المسألة باختصار بالنسبة لأمريكا هي الهيمنة على ثانى أكبر احتياطى للنفط فى العالم وهو إغراء استراتيجي كاف بالنسبة لشركات نصب ونهب يشرف عليها المحافظين الجدد فى الادارة الامريكية، والمسألة أيضا ترك قواعد عسكرية تتصل مع أضلاع المثلث الأخرى من أفغانستان حتى تركيا ثم عقد معاهدات مشتركة مع نظام حليف في واحدة من أكثر نقاط العالم سخونة وحيوية .. والمسألة أيضا بالنسبة لإيران استعادة للهيمنة على الجارة التي ناصبتها العداء طويلا واستكمال القوس الشيعي الصفوي وبناء حلف موالي مركزه طهران يعيد أمجاد الفرس الغابرة ويكرسها كقوة إقليمية ولاعب لا يمكن تجاهله ودولة نووية يُحسب لها ألف حساب.ومن أجل هذا تلعب إيران في المنطقة وتحرك حلفائها لتحقيق هذه الرؤية: في العراق حكومة المالكي وميليشيا المهدي، وفي لبنان حزب الله، وفي فلسطين حماس.في صيف العام الماضي خاضت كل من أمريكا وإيران بروفة أول مواجهة عسكرية بينهما من خلال حربهما بالوكالة بين حزب الله وإسرائيل، حزب الله الذي بدأ الحرب بالحديث عن التأييد الإلهي والنصر التاريخي الموعود والمعركة الفاصلة ضد الكيان الغاصب ودولة الشر إسرائيل، انتهى به المطاف في خوض حرب في الشوارع والساحات ضد الحكومة للإستحواذ على السلطة وتنصيب حكومة جديدة قوامها التحالف مع سوريا والتبعية لإيران، وما دون ذلك فهو من التفاصيل .كذلك الحال فإن حماس تلعب دورا في نفس الاتجاه، فخالد مشعل اعتبر نفسه الإبن الروحي للخميني وأعلن أن حماس سترد بكل قوتها على أي اعتداء يوجه ضد إيران، وكذلك أعلن كل من حجَّ إلى طهران من حكومة حماس بدءً من وزير خارجيتها الزهار حتى رئيسها اسماعيل هنية، أعلنوا صراحة بأنهم في المحور السوري الإيراني في مواجهة المحور الأمريكي، ومقابل الأموال التي ستدفعها إيران غضت حكومة حماس الطرف عن ممارسات ميليشيات المهدي الإيرانية ضد الفلسطينيين المقيمين في العراق، وبهذه الأموال أيضا كشرت عن أنيابها في وجه حركة فتح وبدأت معركتها في إقصائها ووراثتها ثم الإستيلاء على منظمة التحرير تمهيدا لتحويلها إلى منظمة إسلامية ( إيرانية ).فحماس التي كانت قبل أن تتربع على عرش الحكومة تتغنى بالمقاومة والعمليات الإستشهادية، ها هي اليوم تعلن عن هدنة مفتوحة مع إسرائيل ( وهي هدنة قائمة فعليا منذ سنتين ) وتحوّل كتائب القسام المجاهدة إلى قوة تنفيذية مهامها تنفيذ السياسة الحمساوية وحماية مكتسباتها بالقوة ومواجهة فتح وتصفية كوادرها، وللأسف إنجر القساميون المجاهدون لهذا الدور المشبوه .
والخلاصة أن المنطقة برمتها - اليوم في العراق ولبنان وفلسطين وغدا في مناطق أخرى – تعتمل فوق فوهة بركان يوشك أن ينفجر في وجه الكل، واللاعب الخفي الذي يضرم النار في المنطقة ويؤجج الصراع هما كل من أمريكا وإيران، والتاريخ يخبرنا أن الأطراف الخارجية عندما تلعب في منطقة ما فإنها لا تتورع عن فعل أي شيء، لأنها بلا ضمير وبلا رحمة وتختبئ خلف شعارات ديماغوجية مضللة كنشر الديموقراطية أو نشر الإسلام، وإذا لم ننتبه لهذا اللاعب الخفي فإن الجميع سيخسرون وسيندمون .. ولكن بعد فوات الأوان.


كانون ثاني 2007

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق