أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

أبريل 29، 2024

مظاهرات الجامعات الأمريكية

 

منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة اندلعت المظاهرات الشعبية المنددة بالاحتلال والحرب والمتضامنة مع فلسطين في أغلب عواصم ومدن العالم، وبأعداد غفيرة.. وما زالت هذه المظاهرات مستمرة حتى الآن، وهي مهمة جدا لإدانة إسرائيل ومحاكمتها، ولجم عدوانها، ولإبراز الرواية الفلسطينية القائمة على قيم الحق والعدالة ومقاومة الظلم والاحتلال.. لكن المظاهرات الطلابية التي اندلعت منذ فترة بسيطة في الجامعات الأمريكية، وبدأت تنتقل إلى بعض الجامعات الأوروبية والكندية ربما تكون أهم وأخطر، وتثير قلق إسرائيل والولايات المتحدة بشكل خاص، ذلك لأنها تجري في أعرق وأهم الجامعات، والقائمين عليها والمشاركين بها هم من نخبة المجتمع، وهؤلاء سيكونون قادة المستقبل وصناع القرار، سواء في الدوائر السياسية، أم في كبريات المصانع والشركات.. وهذه الجامعات مخصصة أساسا بنظام تعليمي صارم موجه الغرض منه إيجاد تلك النخب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والفكرية التي ستتولى مهمة إدارة الدولة العميقة، وإدامة النظام (غير المعلن) الذي يسيّر البلاد بما يتناسب مع مصالح الطبقات الحاكمة والمسيطرة.. وإذا أدرك هؤلاء الطلبة حقيقة الصراع العربي الصهيوني، وحقيقة إسرائيل العنصرية والعدوانية، وطبيعة تحالفها مع أمريكا والغرب ودورها الوظيفي.. إلخ؛ فإن هذا يضع المشروع الصهيوني وتحالفاته مستقبلا في وضع حرج ومقلق.. وما يخيف إسرائيل أن تنجح الحركة الطلابية في تأسيس مرحلة قادمة من التغييرات في تركبية القاعدة الشبابية في الحزب الديمقراطي، وحتى الجمهوري.

الأمر الثاني أن مطالب هذه المظاهرات محددة وواضحة: وقف استثمارات الجامعات ومقاطعة كل الشركات الداعمة للاحتلال والتي تمد إسرائيل بالسلاح والمواد الأخرى، لأنهم أدركوا أن إسرائيل نظام أبارتهايد، وتمارس الإبادة الجماعية، وتخرق القوانين الدولية، وتنتهك كل القيم الإنسانية والقانونية التي درسوها وتعلموها في تلك الجامعات، ويشعرون أنها تُدفن في المقابر الجماعية في غزة.

الأمر الثالث، وربما هنا تكمن أهمية تلك المظاهرات، أن الحركات الطلابية في مختلف الجامعات الأمريكية لها تاريخ حافل بالانجازات والتغييرات، وقد لعبت دورا بارزا ومؤثرا في التاريخ الأمريكي المعاصر وفي تغيير السياسات الأمريكية، فمثلا في حقبة الستينيات من القرن الماضي التحمت المظاهرات الطلابية بمظاهرات السود المطالبين بحقوقهم المدنية، وقد انتهى الأمر بإقرار كافة الحقوق المدنية للسود وإلغاء كافة أشكال التمييز العنصري التي كانت معتمدة حتى نهاية الستينيات. وفي حقبة السبعينيات كانت المظاهرات الطلابية الأهم والأبرز ضد حرب فيتنام، والتي كانت من بين أهم أسباب إنهاء الحرب الفيتنامية. أما في الثمانينيات فقد لعبت المظاهرات الطلابية دورا بارزا في دفع الولايات المتحدة لإدانة حكومة البيض العنصرية في جنوب إفريقيا والتخلي عنها، الأمر الذي انتهى بتفكيك نظام الفصل العنصري وإقامة جنوب إفريقيا الديمقراطية بزعامة مانديلا.

كانت جامعة كولومبيا من أوائل الجامعات التي أطلقت شرارة الاحتجاجات في إبريل الماضي، وهنا لا بد أن نستذكر المفكر الفلسطيني الكبير إدوارد سعيد، الذي ترك في الجامعة (وفي العالم) إرثا عظيما.. والمفارقة المستهجنة أن رئيسة الجامعة حالياً "نعمت شفيق"، (وهي من أصول مصرية) أمرت الطلبة بالانصراف وإنهاء الاحتجاج لكنهم رفضوا، فقامت باستدعاء شرطة نيويورك للتدخل وإنهاء الاعتصام بالقوة. بينما كانت رئيسة جامعة هارفارد "كلودين غاين" (أمريكية من أصول إفريقية) قد قدمت استقالتها من منصبها في يناير الماضي، احتجاجا على ضغوطات اللوبي الصهيوني على خلفية وصفها المظاهرات المناهضة لإسرائيل في حرم الجامعة بأنها تندرج في نطاق حرية التعبير.

ومع تصاعد التظاهرات وصف الرئيس بايدن ما يحدث بـ"التصاعد المقلق لمعاداة السامية"، فيما حضر رئيس مجلس النواب مايك جونسون إلى حرم جامعة كولومبيا، وقال أمام صيحات الاستهجان التي قابلته إنه يجب منع انتشار "معاداة السامية" في الجامعات، وإن هذا لا يمت لحرية التعبير، على حد زعمه، أما نتنياهو فحذر أميركا من تصاعد خطاب معاداة السامية، مذكرا بمظاهرات الجامعات الألمانية في الثلاثينيات من القرن الماضي.

وبطبيعة الحال لم تقتصر محاولات إسكات الطلبة على تلك التصريحات المسيئة والمضللة (وهي مضللة بدليل مشاركة طلبة يهود في التظاهرات)، بل وصل الأمر إلى حد اقتحام الحرم الجامعي، واعتقال مئات الطلبة وبعض الأساتذة، واستخدام القوة والاعتداءات الجسدية بحقهم، حتى أن طائرتين من نوع "كواد كابتر" حلقتا في سماء الجامعة لمراقبة الطلبة، وللمفارقة فهو النوع ذاته الذي يستخدمه جيش الاحتلال في عدوانه على قطاع غزة. الأمر الذي يفضح ويعري كل ما تدعيه أمريكا أنها الديمقراطية الأولى في العالم، وأن حليفتها إسرائيل الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط! تلك "الديمقراطيات" لم تحتمل سماع أصوات طلبة يحتجون بشكل سلمي على عدوان همجي ضد شعب أعزل، وضد الإبادة الجماعية، وضد الحرب، ومطالبين بسحب الاستثمارات من كل من له علاقة بتمويل ودعم عدوان إسرائيل على غزة.

والأسئلة المطروحة هنا: متى ستصحو الجامعات الفلسطينية والعربية؟ ومتى سيتخلص الطلبة من عقدة الخوف؟ ومن عقدة السلبية والعزوف عن المشاركة في القضايا العامة؟ وإلى من يطنون أنهم تخلصوا من تلك العقد؛ متى سيخرجون غاضبين من أجل الإنسان والعدالة وقيم الحق والمبادئ والأخلاق العليا، لا من أجل أحزاب وولاءات وأشخاص وأيديولوجيات؟ ومتى سيتخلصون من سجالات الاتهام والمناكفة والتخوين ضد من يخالفونهم الرأي والقناعات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق