أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

مايو 10، 2022

التضليل وبثّ الإحباط

لا شيء يعجبني، الوضع ميئوس منه، كل الآفاق مسدودة، لا أمل بالتغيير، لا جدوى من الحراك، وليس هناك أي فرصة للإصلاح.. هذه تقريبا هي الروح السائدة لدى شريحة واسعة من الناس.. روح يائسة ومهزومة، وقد فقدت الأمل، واستكانت للوضع، ولم يعد يحركها شيء..

كيف وصلنا إلى هذا الوضع البائس؟ ومن المسؤول عن ذلك؟

هل هي سلسلة الهزائم العسكرية؟ أم بسبب القمع، وغياب الديمقراطية، وشيوع الاستبداد؟ أم بسبب سوء إدارة القيادات، أو تخاذلها؟ أم نتيجة واقع مزري، يراكم تخلفه منذ قرون؟ أم بسبب التخلف القيمي والحضاري؟ أم بسبب تفوق العدو الكاسح عسكريا وعلميا وتقنيا؟

قد تكون كل الأسباب المذكورة أعلاه صحيحة، ولكن يجب ألا ننسى أن الجماهير العربية وبالأخص الجماهير الفلسطينية، ومنذ عقود ناضلت بكل طاقاتها، وقدمت تضحيات جسيمة، وظلت مفعمة بالأمل، وبروح معنوية عالية.. حتى بدأ هذا الأمل يخبو تدريجيا خاصة في العقدين الأخيرين.. إلى أن راح كليا، أو كاد، وحلَّ مكانه اليأس والشعور بالخذلان، واستُبدل بالتهكم والسخرية ونوبات الرثاء والتباكي..

في الحالة الفلسطينية ثمة أسباب وجيهة قادت إلى هذه الحالة المتردية: أهمها غياب أو تغييب منظمة التحرير، وإضعاف وتهميش دورها، ترهل وتكلس الفصائل الفلسطينية كلها (وبالأخص حركة فتح)، وتراجع روحها النضالية، وغياب أو ضعف برامج المواجهة الكفاحية ضد الاحتلال، وعدم وضوح الخط السياسي للقيادة، أو عدم اقتناع الجماهير به، ما أدى إلى قطيعة مع الجماهير، خاصة مع الأجيال الجديدة، بالإضافة إلى الانقسام بين شطري الوطن، وتكرسه كواقع.. كل هذه الأسباب مهمة، ولكن هناك سبب آخر لا يقل أهمية، وهو تخلف الأداء الإعلامي الفلسطيني الرسمي والشعبي (بما في ذلك أداء فتح)، بل تقديم خطاب إعلامي بائس ومتردد وتبريري ومتملق..

هذا كله أدى إلى خلق فراغ سياسي وكفاحي وإعلامي، وللأسف هذا الفراغ ملأته قوى وجهات سياسية مناوئة أو معارضة للسلطة ولمنظمة التحرير عموما، ولحركة فتح خصوصا.. وللأسف مرة ثانية هذا الفراغ تم ملؤه بطريقة سلبية وخاطئة، وأحيانا بطريقة موجهة وممنهجة غرضها الأساس إقصاء المنظمة وفتح عن المشهد، تمهيدا لوراثتها..

وحتى يكون الكلام واضحا، هناك جهات سياسية من ضمن الإطار الوطني وضمن منظمة التحرير، أو محسوبة على اليسار، لكنها تعيش حالة خصومة مزمنة مع فتح، ومستعدة للتحالف ضدها مع أي جهة، حتى لو كانت متناقضة معها أيديولوجيا، وثقافيا، المهم عندها إسقاط فتح!

وهناك فصائل سياسية من خارج منظمة التحرير، لديها عداء مبدئي وأيديولوجي وسياسي ضد المنظمة وضد الفصائل الوطنية، وطالما اتهمتها بالخيانة والتفريط والتنازل والاستسلام (ثم تبنت نفس خطها السياسي وبسقف أوطأ بكثير)، ولم تتوقف يوما عن محاولاتها لإسقاط منظمة التحرير، أو وراثتها، أو خلق بدائل عنها، حتى لو أدى ذلك إلى تقديمها هدية مجانية لحلفائها في الخارج، وإعادة الشعب الفلسطيني وقضيته إلى زمن الوصاية والتبعية والاحتواء، ومصادرة قراره الوطني المستقل.

وهناك أحزاب وجهات أخرى لا يهمها وراثة منظمة التحرير أو إيجاد بدائل عنها، لأنها هامشية وصغيرة ولا تستطيع ملء الفراغ. أو لأنها تمتلك برنامجها الخاص، العابر للحدود وللقوميات، وتعتبر منطمة التحرير بقضها وقضيضها مجموعة من الخونة والعملاء! المهم عندها إسقاط المنظمة والمشروع الوطني برمته، حتى لو أدى ذلك إلى الفوضى العارمة، وإلى تسيّد العشائر، وتفتيت الهوية الوطنية، وتقويض ركائز الصراع، وتكريس الاحتلال للأبد.

وهناك أشخاص مستقلون، أو من خلفيات سياسية وتنظيمية متعددة، يقومون بنفس المهمة، ولكن بنوايا طيبة، وعن غير قصد، وبعضهم كل غرضه تجميع الإعجابات واللايكات وتقديم خطاب شعبوي ساذج وتسطيحي، وكلام إنشائي يشفي الغليل، وتوزيع التهم يمينا وشمالا، بعقلية تطهرية تبرئ الذات، وتعفيها من المسؤولية، وتلقي اللوم على الآخرين..

طبعا، من حق كل جهة التعبير عن رأيها مهما كان، وتبني المنهج الذي تختاره، حتى لو كان متعارضا مع المنظمة، ومن حق الجميع، ومن واجبهم الانتقاد، وفضح مكامن الفساد، وقول ما تعتقد أنه حق.. المهم هو الأسلوب، والهدف، والنتائج المترتبة على ذلك..

معظم تلك الجهات دأبت في الفترة الأخيرة على تقديم خطاب تهكمي ساخر، أو النقد بشكل سلبي، وغير مسؤول، لا يؤدي إلا إلى الهدم، وتعميم روح الإحباط واليأس، وتسخيف كل شيء، وتعهير كل شخص، وتشويه أي فعل، وأحيانا كثيرة إختلاق أحداث، أو تقديم صورة مجتزأة ومنقوصة، أو إساءة تفسير أي حدث، أو تصريح، أو موقف.. المهم عندهم التشويه..

ولو طالعت حالة الرأي العام (من خلال شبكات التواصل الاجتماعي مثلا) لن تجد سوى السخرية، والنقد الهدام، والسب، والشتائم، والتخوين، وتوجيه الاتهامات، وكل طرف يلوم الآخر، ويحمله مسؤولية الخراب..  

تلك الأحزاب معروفة، ولديها شبكات إعلامية واسعة، تسخّر كل جهدها وبشكل منهجي لتشويه صورة منظمة التحرير، والسلطة الوطنية وحركة فتح، وكل ما له علاقه بالعمل الوطني.. لديها صحف وفضائيات، ومواقع على النت، وصفحات على شبكات التواصل الاجتماعي، وليس لديها قضية سوى تسخيف وتصغير أي حالة وطنية، هدفها الرئيس خلق رأي عام مقتنع بأن المشروع الوطني برمته مشروع خياني ومرتبط.. واختزال السلطة الوطنية كلها بعنوانين وحيدين: التنسيق الأمني والفساد.. ومحاولة مسح تاريخ الثورة الفلسطينية، وربطه بالذاكرة الجمعية الحالية بأنه تاريخ المفاوضات "الفاشلة" فقط..

طبعا، وللمرة العاشرة نؤكد على وجود فساد في السلطة، ووقوع أخطاء كبيرة، وممارسات مرفوضة ومستهجنة، ونقر بوجود تخبط في السياسات، واستزلام في المؤسسات، وترهل وتكلس في الفصائل، وضعف في الأداء، وتردد في اتخاذ القرارات الضرورية، وتصريحات إعلامية غبية، وغياب أي رؤية إستراتيجية، أو تخطيط للمستقبل، أو إدارة صحيحة للصراع، وللوضع الداخلي.. هذه كلها موجودة، وتستوجب النقد، ولا يجوز تبريرها، أو السكوت عنها.. ولكن هناك فرق كبير جدا من ينتقد بشكل إيجابي، لأنه حريص على القضية، ومحب لبلده، ويريد التغيير والإصلاح.. وبين من ينتقد بشكل سلبي، لأنه كاره، أو لأنه معبأ أيديولوجيا بمواقف معادية، أو لأن الإعلام المغرض غسل دماغه، أو لأنه يريد تبرئة نفسه فقط، ولوم الآخرين.. 

النقد السلبي غير المسؤول يؤدي إلى تعميم روح الإحباط والانكسار واستفحال ثقافة الهزيمة، ويعيق أي محاولة جادة للنهوض والتغيير.. والأهم أنه يعمم الجهل والتضليل.. النقد ليس "فشة غل"، هو ممارسة وطنية مسؤولة..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق