أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

يناير 10، 2022

أكوان موازية.. قصة قصيرة


(1)

حول طاولة مستديرة، في القاعة 302، في الطابق الثالث، من مبنى "جيمس ويب" في معهد أبحاث الفضاء التابع لجامعة ميتشيغان، كان سبعة طلبة مرشحين لنيل الدكتوراه يجلسون باسترخاء، وأمامهم أستاذ الفيزياء النووية البروفيسور توماس، يقلب صفحات مبعثرة أمامه، ويؤشر على أسطر منها بالقلم الفسفوري الشفاف.. بانتظار "ناتالي"، التي لم تتأخر كثيرا، حتى دخلت معتذرة وعلى وجهها ابتسامة مرتبكة، حيّتهم وأخذت مكانها بهدوء.

-      حسناً، أتوقع أنكم تعرفون بعضكم من قبل، فأنتم زملاء من نفس الكلية، قال البروفيسور، ثم أضاف: ولكن لا بأس أن نجري تمرينا خفيفا لنتعرف على بعضنا أكثر، ونكسر الجليد، قبل أن نبدأ المحاضرة.. سكت قليلا، ثم أضاف: كما تلاحظون، فقد تم اختياركم من مناطق مختلفة من العالم، وفق معايير معينة، تراعي اختلاف الأعراق والثقافات.. لذا سأطلب من كل شخص أن يتحدث عن نفسه ببضع كلمات مختصرة، وأن يذكر شيئا خاص به، مثلا ماذا يحب؟ كيف يرى نفسه؟ ما معنى اسمه؟

-      أنا "سويونغ"، من كوريا، وفي لغتنا اسمي يعني الخلود والجمال. وأنا مهووسة بالرياضيات وأفلام الخيال العلمي.. ومتحمسة لاستكشاف عوالم جديدة..

-      أنا "ناتالي" من أوكرانيا، كنا نسكن بلدة صغيرة بالقرب من تشيرنوبل، وبعد الحادثة انتقلنا إلى موسكو، ثم إلى أوفا.. لذا، تتملكني فكرة البيت وتستولي على تفكيري، ودوما تساورني مخاوف أن أفقد بيتي، وأن أضطر للجوء..

-      أنا "جابرييل لوكاس"، من سان باولو، أحب الطبيعة، وأعشق صوت خورخي وموسيقى السامبا، في صغري تعاطيت المخدرات، وتعرضت للعنف ومارسته، لذا أمقت عصابات الجريمة.. كما أني أحب الفلسفة، ولكن ترهقني الأسئلة الوجودية.. مشكلتي أني واقعي وأعجز عن التفاؤل..

-      أنا "روهت" من أدمونتون عاصمة ولاية ألبرتا الكندية، ويرتبط اسمي بأسطورة هندية قديمة عن حصان مجنح.. أكره البرد، والعنصرية، وطالما رغبت بتغيير مصيري..

-      أنا "جيسيكا"، من أوبسالا، ومعنى اسمي في السويدية يرى الله، أتطلع لاكتشاف معنى الحياة الحقيقي، وهل تستحق كل هذا العذاب؟ وأنا بشكل عام أحب أن أظل متفائلة..

-      أنا "غزوان" من البصرة في جنوب العراق، أكره الحروب والظلم، وأتطلع ليوم يعيش فيه الناس بسلام.. وكم وددت لو بوسعي تغيير مجرى التاريخ..

-      أنا "حمادة" من الإسكندرية، أحب البحر والمغامرات، وأعشق تاريخ مصر القديمة، وأتمنى لو أني عشت في زمن الملكة حتشبسوت..

-      أنا "أرنو"، من كيب تاون، ومعنى اسمي الذي يطير كالنسر.. أشعر أني مغترب في هذا العالم، وأني هبطت إلى الكوكب الخطأ.. يقولون عني أني أتصرف بعقلانية وحذر، وأحسب خطواتي على المسطرة..

(2)

أحبُّ أن أفاجئكم بهذا الخبر السعيد.. سكت البروفيسور قليلا وأخذ يحدق في وجوه الطلبة القلقين، ثم قال كما لو أنه يفجر قنبلة: أخيرا، وافقت وكالة ناسا على تمويل ودعم مشروعكم.. صفّق الجميع بحماسة، وأخذوا يصرخون بفرح ويتبادلون التهاني.. انتظر البروفيسور قليلا، حتى هدأت الأصوات، وأضاف: منذ الغد، ستتفرغون كليا للمشروع، وبعد أن تكملون سنة من التدريب والتأهيل للسفر عبر الفضاء، ستنطلق رحلتكم في الأول من إبريل، 2044. المركبة التي ستقلّكم تم تجهيزها بكل دقة، وقد استغرق بناؤها أربع سنوات كاملة، بتكلفة فاقت الثمانية مليار دولار، وقد أطلقنا عليها اسم عابرة الأكوان (Cross Universes)، واختصارها CU، لعلكم توفقون بالعثور على كواكب مأهولة، أو على الأقل تصلح للحياة.. وسيرافقكم في رحلتكم ثلاثة روبوتات آلية فائقة الذكاء (لاكي، وزوكو، وسنووي)..

والآن سأجيب على أسئلتكم..

(3)

غادر البروفيسور القاعة، وترك الطلبة غارقين في خيالاتهم، وقد اشتبكوا في حوار ساخن..

- روهت: قلبي يخفق بشدة، واعترف لكم أنني خائف، بل ومرتعب.. فعندما نتحدث عن فكرة نظرية يكون الأمر سهلا، لكننا الآن بصدد الدخول في تجربة واقعية، بل مغامرة خطيرة لم يسبق لأحد أن خاضها..

- أرنو: لا قيمة لأي نظرية إذا لم يكن لها تطبيق عملي..

- جيسيكا: نعم سندخل أرضا بكر.. وسنكون أول من يطأها من البشر، بل ومن سائر الكائنات..

- روهت: هههههه، إنها ليست أرضا يا عزيزتي.. ستكون الأرض في الطرف الآخر من المجرة..

- سويونغ: لا أعتقد أن الفكرة مخيفة إلى هذا الحد، كل ما في الأمر أننا سنطابق فعليا بين نظرية أثر الفراشة، ونظرية الأوتار الفائقة.. وهنا على أرض الواقع نعيش تطبيقات فعلية عديدة لهما، ولكن دون أن نعي ذلك..

- حمادة: لا لا.. ليس الأمر بهذه البساطة، المثير، والمخيف أننا سنطير بسرعة تقارب سرعة الضوء، وسنقترب من أفق الحدث لثقب أسود، وهناك قوانين فيزيائية تختلف عن التي نعرفها هنا، وبالتالي لا أحد يمكنه التنبؤ بما سيحدث.. كل الاحتمالات واردة، وجميعها احتمالات مخيفة..

- جابرييل: بالفعل صديقي، بدأت أدرك أننا مجانين، وما كان علينا القبول بهذه المغامرة..

- غزوان: يا جماعة، نحن نتحدث عن ثقب أسود.. والسفر عبر الأزمنة.. والأكوان المتعددة.. وهذه مواضيع بالغة الخطورة والتعقيد، ونحن رغم تقدمنا العلمي ما زلنا بعيدين عن إدراكها.. 

يختم الروبوت "زوكو" الحوار بصوته الآلي الرفيع: إذا التزمتم بالخطة، واتبعتم التعليمات بدقة، أي بقيتم على مسافة تزيد عن العشرة ملايين ميل من أفق الحدث، مع ضمان ألا تتجاوزوا سرعة الضوء، أعتقد أنكم ستنجحون، وستعودون لأوطانكم بسلام..

 (4)

في حجرة التحكم، كان الجميع جالسون في مقاعدهم، مثبتين بأحزمة الأمان، وأمامهم مئات الأزرار والمفاتيح وعشرات الشاشات الصغيرة، تتوسطها شاشة عملاقة، وإلى الأسفل منها مباشرة تنتصب نافذة من الزجاج المقاوم للحرارة، والمتحمل لأقوى الصدمات تكشف لهم طريقهم..

بعد أن استقرت المركبة في مسارها المحدد، تحرر الرواد من بزاتهم الثقيلة، وصاروا يتنقلون في حجرات وأروقة المركبة وممراتها المتفرعة، ويمارسون أنشطة مختلفة.. كانوا متحمسين كأنهم خلية نحل في أول الربيع، ومع مرور الوقت، صاروا يميلون للصمت أكثر، وصار كل واحد منهم يستغرق في أفكاره، فيسود الصمت لساعات متواصلة، وأحيانا لأيام.. وفي الحقيقة كلمة أيام في تلك الظروف لا معنى لها، ولكن وحسب توقيت الأرض مضى على انطلاقتهم سنة ونصف، وقد احتاجوا شهرا واحدا فقط للخروج من حيز المجموعة الشمسية، وهم الآن هائمون في الفضاء الفسيح.. وبسرعة خرافية، ولا يحيط بهم سوى الظلام الدامس والصمت الرهيب..

لم يتوقف روهت عن تذكيرهم بخطورة موقفهم، كان في كل يوم يعيد نفس الأسطوانة:

-      بهذه السرعة الفائقة سنواجه احتمالات خطيرة: الاصطدام بجرم فضائي، فقدان الاتجاه، تعطل أحد المحركات، نفاد الوقود.. والاحتمال الأخطر أن يلتهمنا الهدف المنطلقين نحوه: الثقب السود..

-      اطمئن يا أخي.. المركبة مزودة بأربعة محركات جبارة، إثنين بالطاقة النووية، واثنين بالطاقة الهيدروجينية، يعني بوسعنا الدوران حول المجرة.. أجابه غزوان بثقة.

-      حتى لو كانت المركبة آمنة، المشكلة أننا بعيدون جدا عن تلقي أية مساعدة، حرفيا نحن وحيدون ومعزولون في كون لا متناهي، لا يحيط بنا سوى الصقيع والصمت المطبق.. كانت هذه إجابة روهت، القلق دوما.

-      أنا أكثر ما يخيفني الاقتراب من نجم مستعر.. يعني سنُشوى بلا أدنى رحمة.. أجاب أرنو بصوت مرح.

-      ما يقلقني حقا، أن نتوصل لإجابات عن أسئلتنا المحيرة، ثم نضيع نحن وأجوبتنا في زاوية مجهولة من المجرة، ولا نتمكن من العودة، وبالتالي فإن كل هذه الرحلة ستكون هباء، وبلا أي فائدة.. كانت تلك مخاوف جيسيكا..

وكعادته، يحسم الروبوت "سنووي" الجدال قائلا: زملائي، لا أرى مبررا لكل تلك التخوفات، مؤشراتكم الحيوية ممتازة، الأجهزة تعمل بكفاءة، لدينا مخزون كافي من المؤونة والطاقة، ورغم بطء الاتصال مع الأرض، إلا أن الخطة تسير كما حُدّد لها..

هكذا كانوا يعيدون الحوارات نفسها مرة بعد مرة، والأيام والشهور تمر بهم تباعا، وبصورة رتيبة مكررة، وهم ماضون في رحلتهم المجنونة نحو المجهول.. ومع مرور الأيام، لم يعد بوسعهم التأكد من دقة المؤشرات، بعضهم فقدَ ثقته بالمركبة، وبقوانين العلم، ومعادلات الفيزياء، وفقدَ شغفه بالرحلة، وأخذت تتسلل إلى قلوبهم مشاعر الملل، والقلق، والتخوفات غير العقلانية، وبدأت الخلافات تدب فيما بينهم، صاروا أكثر نزقا وعصبية، وفي أكثر من مرة أجمعوا على قرار العودة إلى الأرض، لكنهم بعد ذلك ومع تطمينات الروبوتات الثلاثة يتراجعون..

وفي أحد الأيام، وبينما هم في سكون تام، فجأة ارتجت المركبة بعنف شديد، وأخذت مؤشرات الأجهزة تدور بسرعات كبيرة، وكأنها فقدت عقلها، وكأنَّ قوة خارجية جبارة تهز المركبة وتقلبها رأسا على عقب، تسحبها بسرعة خيالية، وتقذف بها ككرة صغيرة إلى أبعد مدى.. كان الرواد الثمانية في أوضاع مزرية، وقد فقدوا الجاذبية، فتارة يتكومون فوق بعضهم، وتارة يتباعدون، منهم من يتدلى رأسه للأسفل، ومن يقف منتصبا، ومن يطير أفقيا، وفي كل مرة يرتطمون بجدران المركبة.. ولم يعد هناك أبعادا قياسية، ومن غير الممكن تحديد أي وضعية هي الصحيحة، تقطعت أنفاسهم، وفقدوا الإحساس كليا، فيما تتزايد سرعة المركبة باضطراد، فتبدو كأنها تهوي إلى جرف سحيق، أو تغوض بسرعات فائقة وغير معهودة نحو مركز بعيد جدا، تنطلق باتجاهات متضاربة وبحركات لولبية، وسط ضجيج هائل من أصوات رهيبة متداخلة تصم الآذان، كان كل شيء من حولهم يدور بشكل مجنون بألوان غريبة متمازجة..

بعد وقت غير معلوم، أخذت العاصفة تهدأ رويدا رويدا، وبدأت الألوان تتضح أكثر، والصوت يخفت تدريجيا، حتى عمَّ السكون وعادت المركبة إلى سرعتها المعهودة، واستقرت في مسار منتظم.. فعاد الرواد الثمانية إلى مقاعدهم، التقطوا أنفاسهم، وأكثرهم تقيأ ما في جوفه، وبدؤوا يصحون من غيبتهم الفجائية، ويتفقدون المؤشرات وقراءات الشاشات، ويتبادلون الأسئلة والاطمئنان على بعضهم البعض.

نظروا إلى النافذة الزجاجية العملاقة.. ولشدة المفاجأة، وجدوا أمامهم كوكب الأرض..

-      انظروا، قال جابرييل باستغراب وتعجب، وكأنه عقد لسانه: أليس هذا كوكب الأرض؟!

-      نعم صحيح، يشبهه تماما، لكن هذا مستحيل.. أجابت جيسيكا..

-      يبدوا أننا قمنا باستدارة كاملة دون أن ندري، وقد عدنا إلى حيث بدأنا.. قال حمادة باندهاش.

انتابت الجميع مشاعر السعادة والغبطة، وأخذوا يتقافزون بفرح، ويهنئون أنفسهم بالسلامة.. ولم يوقفهم سوى تدخل الروبوت "زوكو" قائلا دون أن يظهر عليه أي انفعال: من غير الممكن أن تكون هذه الأرض.. أنتم في مكان ما على أطراف المجرة، والذي حصل أثناء الرجة العنيفة، أن المركبة اخترقت حاجز سرعة الضوء، أو دخلت في ثقب دودي يؤدي إلى كون جديد، وبالتالي لن نستطيع مبدئيا معرفة كم من السنوات انقضت أثناء تلك اللحظات الرهيبة التي لا نعرف مدتها بالضبط.. ولن نستطيع تحديد مكاننا، فقد تشوّه نسيج الزمكان كليا..

بصوت فرح مضطرب قال جابرييل: مستحيل.. ما نراه أمامنا ليس سوى كوكبنا الأم.. أما ناتالي فقالت بصوت مرتجف: ربما يكون كوكبا شبيها به.. فيما هبَّ حمادة بصوت مرتفع: لم نسمع طوال فترة دراستنا عن كوكب شبيه بالأرض.. أنتم تتوهمون..

أرادت جيسيكا التي طالما آمنت بنظرية الأوتار الفائقة أن تؤكد مقولاتها السابقة: ربما نحن في مكان ما بين البعدين السابع والثامن في نسيج الزمكان..

أما سويونغ، فقالت بصوت حزين: سأُصاب بخيبة أمل كبيرة إذا كان هذا حقاً كوكب الأرض.. ليس لأن رحلتنا ستُعد فاشلة، وكانت بلا طائل؛ بل لأنني تحمست منذ البداية للمشاركة في الرحلة رغبة مني لمغادرة الأرض كليا.. غير معقول أنه بعد كل هذا العناء أعود من جديد للعذاب والمعاناة..

يعني لم تكوني ترغبين في العودة؟ هل كنت تعتقدين أننا في مهمة انتحارية؟ صاحت بها جيسيكا بغضب..

كان الروبوت "لاكي" مشغولا ببعض العمليات الحسابية، والتي ما أن أنهاها حتى قال بنفس بروده المعهود، وبنبرة حاسمة: نحن على بعد مائتي ألف ميل من هذا الكوكب، ونحتاج ساعات قليلة بعد تخفيف السرعة حتى نصله، وحينها ستحصلون على الإجابات الصحيحة والشافية.. المهم الآن تأمين هبوط آمن..

أدرك الجميع خطورة الموقف، إذا ما استمرت المركبة السير بهذه السرعة الفائقة، فخلال هذا الحوار كانت قد قطعت أربعين ألف ميل، وهاهم يقتربون من الغلاف الجوي، ولم يتبقَّ أمامهم سوى سويعات قليلة قبل أن يحترقوا فيه، أو يرتطموا بالأرض.. على الفور، أخذ "زوكو" يعدل زاوية اختراق الغلاف الجوي، فيما تولى "سنووي" كبح المحركات لتخفيف السرعة، للوصول إلى أدنى سرعة قبل بلوغهم آخر عشرة أميال..

استمرت المركبة بالتباطؤ، حتى وصلت إلى ارتفاع ثلاثة أميال، كان كل واحد منهم قد ارتدى مظلته، وتأهب للقفز، فيما طُلب من الروبوتات الثلاثة البحث عن مكان آمن للهبوط، وتولي قيادة المركبة، وتنظيم إدارة الاتصالات فيما بينهم بعد تفرقهم..

أخيرا، فُتحت بوابة المركبة، وأطل الجميع برؤوسهم نحو الأسفل، كانت السحب تغطي ثلاثة أرباع السماء وخارطة القارات غير واضحة تماما، وكل منهم يتمنى هبوطا قريبا من موطنه، وفي رأسه عشرات الأفكار والمخاوف والتمنيات والهواجس    المتضاربة.. لم يدروا أنَّ بانتظارهم مفاجآت صادمة..

(5)

كنتُ أول الهابطين إلى الكوكب.. فبعد وصولي بقليل تواصلتُ مع المركز في CU، وأكد لي زوكو حينها أن بقية الزملاء يتحضرون للقفز.. لكن من بعدها فشلت كل محاولاتي للتواصل مع أي منهم، ولا أدري ماذا حل بهم..

وصلتُ قبيل الفجر بقليل، كانت الشمس تتهيأ للشروق، وكان الجو بديعا، سرتُ قليلا حتى وجدتُ نهرا صافيا، تحف جنباته أشجار النخيل وعلى ضفتيه حقول فسيحة من الحنطة.. واصلت المسير باتجاه الجنوب، وقد بدا في الأفق ما يشبه المدينة، وعلى مقربة منها وجدت راعيا يرتدي أسمالا بالية، كان ينفخ في عود قصب مثقب، يصدر عنه لحنا شجيا، فاطمئن قلبي إليه، ولما دنوت منه، حييته مبتسما، فرد علي قائلا: وعليك سلام ألوليم، فسألته: ومن هو ألوليم؟ فأجاب مستغربا: إنه ملك أريدو، ملك سومر والأراضي السبع، وقد مضى على حكمه ثلاثين ألف سنة..

في الظهيرة، استلقيت على ظهري من شدة التعب، فغلبني النعاس، ولما أفقت وجدت أمامي مباشرة رجلا ذا هيئة مهيبة، يبدو من سلالة الملوك، يرتدي بزة جلدية سوداء، وعلى رأسه خوذة معدنية.. فسألني من أنت؟ وماذا تفعل هنا؟ قلت له أنا غزوان، وفي الحقيقة لا أعرف كيف وصلت إلى هنا..

تبسم لي بثقة، وقال اسمي نبوخذ، ابن الملك نصّر، وقائد جيشه العظيم..

ذُهلت، وتسمرت، وتجمدت أطرافي.. أردت أن أقول له أشياء كثيرة لكن لساني انعقد، ثم جمعت شجاعتي وقلت متلعثما: أرجوك يا سيدي، لا تتجه غرباً، لا تغزو أورشليم، دعْ أهلها بسلام.. تغير وجه الجنرال، وبدا عليه الغضب، وصاح بصوت كالرعد: من أنت لتعطيني نصائح؟ وكيف تجرؤ على قول مثل هذا الكلام؟ ثم ما هذه الملابس الغريبة التي ترتديها؟ ما أظنك سوى أحد عيون كورش.. سأقطع رأسك وأرميه للذئاب..

قلت له مستسلما: اقتلني كما تشاء، ودع الطير تأكل من رأسي.. المهم ألا تفتح جبهة ستغير مسار التاريخ، وستورث العالم مصائب لا حد لها..

سيق بي إلى سجن بابل، لأنام فيه ليلتي الأخيرة، ففي الصباح سيقتلوني في ساحة عامة.. لم يغمض جفني لحظة، فكرت بكل الطرق المتاحة لأهرب من السجن، سأقتل الجنرال بأية وسيلة، حتى لو خسرت حياتي، فأنا ميت لا محالة.. أمامي فرصة عظيمة لأرسم مسارا جديدا لمستقبل العالم.. أخذت الكوابيس والتهيؤات تتصارع في رأسي.. إلى أن وجدت نفسي قبيل المغيب في ساحة المستنصرية، وسط سوق شعبي..

كان شهر رجب قد حل، والناس قد خرجوا لتوهم من صلاة الظهر، رأيت شيخا كبيرا يعتلي عتبةً أمام محل عطارة، ويخطب في جمهرة من حوله، وسمعته يقول: اخلعوا بيعة المنصور، فقد طغى، وعادى النبي وآل بيته الكرام.. أدعوا للنفس الزكية بالظفر على أعداء الله الذين استباحوا مدينة رسول الله، إنه محمد بن عبد الله بن الحسن بن  الإمام الأكرم..

وبينما ما زال الشيخ يخطب بصوته الجهوري، شاع خبر مقتل النفس الزكية، وأن الكثيرين رأوا رأسه معلقا قبالة قصر الخليفة، وأن الجند في طريقهم لقتل كل من أيده، أو طالب بالثأر له.. وبدأ الجميع يتراكضون من حولي، ويصيحون خائفين مذعورين، وكأنهم هاربون من فيل هائج..

كنتُ في حيرة من أمري، ولم أعرف إلى أي جانب أقف.. فوجدت نفسي أركض مع الهاربين، وأصيح مثلهم: يا علي يا علي.. تصاعدت أنفاسي بشدة، وتملكني الخوف والتعب، ولما وصلتُ ركنا في زقاق ضيق وأنا أسمع صراخ الجند الغاضبين، وهم يجزون رقاب العباد، كأنهم يحصدون حقلا من الشعير.. رأيت الموت قد دنا مني، وأدركت حينها أني عاجز عن تغيير أي مسار للأحداث، وليس بوسعي حتى أنجو إلا الهرب إلى زمان آخر..

لا أعرف كيف وصلت إلى هنا، بلدة صغيرة بالقرب من الفرات الأوسط، عرفت أن اسمها الحيرة، مر بي فلاح أربعيني، يحمل في يده فأسا، وعلى كتفه كومة حطب، ألقى عليَّ السلام، فرددت عليه التحية، وسألته عن مكان آوي إليه، فسألني بحماسة: لمَ لا تنضم إلى جيش أبو تراب؟ فسألته على الفور: ومن هو أبو تراب؟ إنه إيليا، نصير الفقراء والمستضعفين، وها هو يستعد للخروج لملاقاة جيش الشام.. قلت له حسنا، خذني إليه لأفهم الموضوع.. سار بي في شارع ترابي تحيطه أشجار الرمان والكرمة، حتى وصلنا كنيسة نسطورية قديمة..

في داخلي ثمة صوت مخنوق يلح عليّ أن أفعل شيئا مع أبي تراب هذا.. أقتله مثلا، أو أثنيه عن المسير إلى الحرب، أقنعه أن ما سيفعله سيجر فتنة كبرى.. ظلت تراودني أفكار مجنونة وغريبة، والأغرب أني حين وصلت الكنيسة لم أجد فارسا مسلحا كما تخيلت، وجدت تاجرا مسنا ذو طلة بهية، ووجه نضر، اسمه أمجد.. وأن له أتباعا كثر، يجلونه، ويحبونه.. وأنه يدعو لحرب مقدسة ضد البيزنطيين..

وصلت إلى درجة غير محتملة من الحيرة والتيه، شعرت بدوار وكأني أهوي إلى جرف سحيق، لم أعد أعرف من أنا؟ وفي أي زمان أعيش؟ أتقلب بين الأزمنة دون هوية محددة، أرغب بتصديق كل من قابلتهم، ثم أكتشف كذباتهم، كانت حيلتي الدائمة النوم، والهروب.. في لحظات معينة كان ذهني يصفو، فأدرك أنني غزوان، مولود في بعقوبة عام 2003، ثم انتقلت مع عائلتي إلى البصرة في سياق هندسة طائفية كان تجري آنذاك بلا هوادة، ثم شُرّدت مع من تبقى من عائلتي إلى ألمانيا، بعد أن قُتل أبي في تفجير في ساحة الفردوس.. وما زلت عالقا في نسيج زمكاني مكون من أربعة أبعاد فقط، وليس بوسعي إحداث أي تغيير.. ومع ذلك واصلت لعبة الهروب..

تكرر المشهد عشرات المرات، في كل مرة أصحو على واقع جديد، وفي زمن مختلف، في كل مرة يحدوني أمل بأن هذا العالم أفضل، وربما أمكث فيه للأبد.. وفي كل مرة أصاب بخيبة أمل.. هذه المرة صحوت صباحا، متثاقلا.. لم أجد أي رغبة في مغادرة السرير..

(6)

وجدت نفسي في شارع معزول في منطقة نائية، كانت الشمس قائظة، والعرق يتصبب من جبيني، وبالكاد وجدت صنوبرة على يمين الشارع، فاسترحت في ظلها، منتظرا مرور سيارة ما، وبعد طول انتظار وصلت شاحنة صغيرة، يقودها رجل سبعيني ذو لحية كثة، أشرت إليه بيدي للتوقف، طلبتُ منه برجاء أن يوصلني إلى أقرب بلدة.. كان واضحا عليَّ الارتباك والتعب، وهيئتي مريبة، فقلت له مبتسما: اسمي روهت.. قال بحزم: لم اسألك عن اسمك، سأكتفي منك بدولار واحد.. قلت له حسنا، ثم سألته بحذر وبعد تردد: هل نحن قريبون من أدمونتون؟ أجاب باستغراب: ماذا؟ لم أسمع ببلدة بهذا الاسم.. قلت له حسنا، وأردت أن اطمئنه بأني لست مجرما، ولا أنوي الغدر به، فسألته بهدوء: ما هي أقرب بلدة علينا؟ أجاب: بينسون، ويبدو أنه أراد التأكيد، وقد أدرك أني مغيب عن الواقع إلى درجة ما، ربما اعتقد أني سكران، فأضاف: نحن في مقاطعة كوشنايز في أريزونا.. كان بين الفينة والأخرى يكشف سترته عن طرف وركه مظهرا مسدسه في إشارة تحذيرية لي، كنت صامتا طوال الوقت حتى لا أنقل إليه عدوى الذعر الذي أصابني، وقد شعرت أني لا أفهم شيئا من حولي، نظرتُ بطرف عيني إلى جريدة ملقاة على تابلو السيارة، فقرأت التاريخ 2 ديسمبر 1966. تملكني إحساس غريب، ولم أقاوم إغراء القراءة ليس بدافع الفضول، بل لمعرفة أين أنا، وفي أي زمان ومكان أعيش.. تناولت الجريدة وأخذت أطالع العناوين: شباب الهيبز يتحضرون لمظاهرة وأعمال شغب تنديدا بالحرب على فيتنام.. الرئيس جونسون يندد بجدار برلين.. مارتن لوثر كنج يقود مسيرة ضد التمييز العنصري..

سأطلب منك مغادرة السيارة قبل بينسون بميل واحد، هناك ستجد "باص" خاص بالسود، أنا مضطر لذلك، لأني لا أريد متاعب.. قلت له حسنا، مضت دقائق معدودة، وقد بدأت تظهر على جنبات الشارع بعض الأشجار، أغمضت عيني، مستسلما لنعاس طاغي.. وحينما استيقظت ولشدة تعجبي، وجدت نفسي في أوتاوا، تذكرت أحداث الأمس، وحواري مع السائق السبعيني، شعرت وكأنني كنت أغط في حلم عميق، وها أنا الآن في مكان آخر، وبعيد جدا.. وعليَّ أن أفهم من جديد في أي زمان أعيش!

كانت الشوارع والبنايات وهيئات الناس مألوفة لي، هرعت فورا إلى كشك قريب، قرأت على لوحة إلكترونية إعلانا تجاريا، فهمت أننا في سنة 2030، أي قبل أربعة عشر عاما من انطلاقة رحلتنا، توجهت إلى شارع فيكتوريا، بالقرب من الحي الفرنسي، وصلتُ البناية 14، صعدت الدرج وأنا أجر أنفاسي بصعوبة، وقفت أمام الشقة 28، قرعت الجرس وأنا في غاية الشوق، خرجت هيلين ترتدي تيشيرت أبيض، نظرت إليّ ببرود واستغراب: تفضل، بماذا يمكن أن أخدمك؟

-      ماذا؟ تخدمينني.. ما بكِ يا هيلين!؟ لم أغب عنك طويلا حتى تنسيني كليا!!

-      كيف عرفت اسمي؟ ومن أنت بحق الجحيم؟

-      أنا روهت، يا حبيبتي، وأنت هيلين، كنا على علاقة غرامية، وعلى وشك الزواج.. هل تخليت عني، وصرت تتجاهليني؟

-      لا أفهم ما تقول، وليس لدي أدنى فكرة عما تريد الوصول إليه.. وإذا تماديت سأستدعي لك الشرطة..

-      كنت تدرسين في كلية الحقوق، وهناك تعرفنا، وفي حفلة التخرج رقصنا سوية، أصدقاؤنا مايكل، وأندريه، وسوزانا، وماثيو..

-       انتظر قليلا. أنا لم أرتد كلية الحقوق، ولا أعرف هؤلاء..

-      سأذكّرك بطفولتك، لقد وقعت عن الدراجة في سن الثامنة وأجريت لك عملية جراحية في خدك الأيمن، ومدرستك في الابتدائية كان اسمها سان مارتن، كنتِ مع فريق المشجعات، وصديقتك المقربة انجلينا، وأمك ساندرا، وشقيقك الأصغر انتوني.. وطالما كان حلمك أن تكوني محامية مشهورة..

صمتت قليلا، وقد بدا على وجهها الرعب والاستغراب معاً.. هل أجريت عني بحثا وجئت تستعرض بعض المعلومات؟

-      يا هيلين، لا تقوديني إلى الجنون، يكفي ما مررت به، هل أبدو لك متحرشا؟ هل تعتقدين أني مجرم، أو محتال؟ 

-      لا، يبدو أنك شخصا مهذبا، لكنك غريب الأطوار، وتقول أشياء غريبة ومخيفة..

-      وما وجه الغرابة؟

-      الغريب أن ما قلته عن طفولتي ومدرستي وعائلتي صحيح، لكني لم ألتقِ بك من قبل..

سرحت هيلين بخيالها، وتذكرت أنها كانت دوما تحلم أن تغدو محامية ناجحة، وأنها كانت مصممة على الالتحاق بكلية الحقوق، وأنها في يوم المقابلات، وقبل دخولها القاعة لإجراء الامتحان سكبت على تنورتها كوب القهوة، فاضطرت للعودة إلى منزلها لتبديل ثيابها، وأثناء صعودها الدرج تعثرت، وأصيبت برضوض في كتفها ورسغها، ولزمت الفراش أسبوعا، ولما عادت للتسجيل في الجامعة، لم تجد أمامها خيارا سوى كلية الفنون.. وهناك تعرفت على صديقها جون، وأنجبت منه طفلتها جاكلين، ولكنها لم تتزوج، وظلت أُماً عزباء..

(7)

أثناء هبوطي بالمظلة كنت أتطلع بحذر وشوق للأسفل، لأعرف هل سأعود إلى الأرض، أم سأهبط في كوكب جديد؟ لا أعرف كيف اجتاحتني فجأة ذكرى بعيدة، كانت الأسرة مجتمعة على مائدة العشاء، وأذكر أن الجو كان ماطرا.. أسمع الآن طرقاته على النافذة، كانت ذكرى وفاة والدي الثالثة، سرت في شراييني فرحة مكبوتة، لقد كان يستحق تلك النهاية المأساوية.. شعرت أن هذا الحادث تأخر سنين كثيرة، كان يجب قتله منذ أن بدأ يضرب أمي بكل قسوة.. ثم أخذ يضربني بلا سبب، كان بمجرد دخوله البيت يحوله إلى جحيم.. غريب جدا، قبل هذا كان مرحا طيبا، أتذكر هداياه، ومزاحه معي أثناء توصيلي إلى المدرسة، لقد تغير سلوكه إلى حد منفر منذ أن صادر البنك منزلنا القديم، لا أعرف لماذا وكيف أغرق نفسه، وأغرقنا معه بكل هذه الديون؟ خسر عمله، صار يمضي أغلب وقته متسكعا في الشوارع، ثم صار سكيرا..

كانت أمي حزينة على الدوام، في كل مساء تنزوي في غرفتها، وتكتب رسالة إلى صديقة لم أسمع بها من قبل، دائما ما تذكر أحداثا لم تعد تعني أحدا.. يبدو أنها عالقة في زمن بعيد.. أخي الصغير غادرنا في صباح تشريني غائم، تاركا على المنضدة رسالة من ثلاثة أسطر: لم أعد أطيق سيؤول، جامعتي فاشلة، لا تضم سوى الفاشلين والمتنمرين.. سأغادر كوريا كلها.. لا تبحثوا عني..

الكآبة وصلت كل بيت في سيؤول، وها هي تتمدد في شوارعها.. أرى وجوه الناس خائفة وحزينة.. رغم مظاهر البهجة والاحتفالات والأضواء.. وعروض التنزيلات في الأسواق.. أستغرب كلما وجدت شخصين يتبادلان النكات والضحكات.. كلما صافحت شابا شممت منه رائحة رطوبة نتنة، تذكرت "شونج جانغ" النذل، وخداعه وكذباته السمجة التي باتت مكشوفة للجميع.. لم أعد أحلم بالسفر عبر باخرة ضخمة تمتد رحلتها سنوات.. فقدت ثقتي بكل الناس، وبكل المدن، وفي لحظات كنت أرى خيباتي، ولكني دوما أصر أني لم أخطئ.. سيكون خطأي الوحيد إذا قبلت أن أظل في هذا الكوكب اللعين..

أخيرا، لامست قدمي أرضا صلبة.. هبطت على شاطئ رملي، وقبالتي تماما غابة كثيفة، لم أشاهد مثل ضخامة أشجارها.. كان الجو شدبد الحرارة، ومشبعا برطوبة لزجة، اتجهت صوب الغابة بحثا عن الظل، وعلى أمل أن أجد شيئا يصلح للأكل، فقد كنت في غاية الإنهاك والجوع.. استغربت من منظر الأشجار، تهيأ لي أن أغصانها تتحرك بليونة، كما لو أنها أذرع أخطبوط عملاق، رأيتُ كائنات لم أشاهد مثلها من قبل، وحش يشبه النمر، مخطط، له أنياب طويلة بارزة، أفاعي متعددة الرؤوس، حشرات مضيئة تصدر أصواتا رهيبة، طيور عملاقة بأربعة أجنحة، قرود في غاية الرشاقة والسرعة تمشي وتركض منتصبة.. والغريب أن تلك المخلوقات لا تغادر الغابة.. تظل على أطرافها، فقررت ألا أدخل الغابة بأي شكل، وأن أواصل مسيري بمحاذاتها لعلني أجد كائنات بشرية..

كنت أأكل من حشاش الأرض، وبعض الثمار الغريبة ذات الطعم المر، بعد يومين من العذاب والخوف، شاهدت في الأفق معالم مدينة.. قررت أن أجازف وأدخلها.. بنايات ضخمة جدا، مكونة من عشرات الطوابق وذات تصميم هندسي فريد وعبقري، تحيطها آلاف البيوت الصغيرة والأكواخ التي تكدست بشكل عشوائي، شوارع متسخة ومتداخلة، على الرصيف في الشارع الرئيسي شاهدتُ أقفاصا حديدية تشبه الزنازين الصغيرة، في كل قفص شخص أو أكثر، وفي بعضها بعض الوحوش المخيفة، آلاف الناس تمشي هائمة على وجهها، هيئاتهم مريبة، وذميمة، وبائسة، وأثيابهم بالية، رأيت أما مذعورة تحمل رضيعها وتمسك بطفلين آخرين، كانت تبكي ويبدو أنها هاربة من شيء ما، فيما يمسك ولديها بذيل ثوبها.. ورأيت مئات الجنود يرتدون زيا عسكريا، ويحملون بنادق آلية متطورة، لا تصدر صوتا، بل حزمة ضوء مركزة تكفي لقتل أي هدف تصيبه على الفور..

في البداية، اعتقدت أن ما أراه عبارة عن هلوسات بصرية، ربما أني تناولت ثمارا مسمومة، أو صنفا رديئا من الأفيون، أو أن ما أراه ليس سوى مشاهد مخزنة في الذاكرة، من بقايا أفلام الرعب الهابطة التي كنت أشاهدها في صباي، والتي تظهر من جديد في لحظات الضعف والخوف واليأس.. لكني بعد ذلك تأكدت بما لا يدع مجالا للشك أنني هبطت في كوكب ملعون، وأنني سأمضي بقية عمري في قفص حديدي على رصيف حقير، أنتظر ما يرميه إلي الجنود من فتات.. تملكني الرعب، وقد أدركت خطورة الورطة التي علقت بها..

كل هذا وأنا ما زلت في طرف المدينة، ولم أجرؤ على الدخول إلى مركزها، وفجأة لمحني بضعة جنود، ومن المؤكد أنهم ارتابوا من شكلي، توجهوا نحوي، فيما لذت بالفرار وأطلقت ساقي للريح، ومن زقاق إلى آخر، دامت المطاردة أكثر من ساعة، وأنا في غاية الرعب، حتى وجدت زقاقا ضيقا مخفيا، فدخلت بناية صغيرة، واختبأت في بيت الدرج، وبدأت أتصل بالمركز.

-      آلو آلو.. زوكو، سنووي، لاكي.. CU ، رجاء أن يجبني أحد...

أعيد الاتصال كل دقيقتين، دون إجابة.. أصرخ بصوت مكبوت خشية أن يسمعني أحد الجنود.. آلو.. آلو.. سنووي، رجاء اسمعني.. وأخيرا، بعد مئات المحاولات، تلقيت ردا..

-      من CU إلى سويونع، أين أنت؟

-      أنا في كوكب مجنون، ملعون، لا أعرف اسمه.. المهم أن تأتوا فورا وتنقذوني.. رجاء.. لا تتأخروا..

-      سنحاول من خلال GPS تحديد موقعك.. المهم اثبتي في مكانك.

-      أرجوكم كل ثانية إضافية تعني الموت والجحيم..

حشرت نفسي تحت الدرج في تلك البناية المهجورة، تكومت مثل قطة فرت من كلب مسعور.. بانتظار وصول الإنقاذ.. وقد بدأت بطارية جهاز الاتصال تنفد، وإذا انطفأ الجهاز سأفقد أي فرصة للنجاة.. جف حلقي من شدة العطش، وبدأت قواي تخور، توقفت عن البكاء حتى أوفر ما تبقى لي من طاقة.. شعرت بحنين جارف إلى حياتي السابقة، وقد تملكني الرعب أن أظل عالقة في هذا الكوكب اللعين، بلا قدرة على العودة للأرض، تذكرت والدي وهو يحمل حقيبتي ويوصلني إلى باب المدرسة، ويودعني بقبلة، اشتقت لأمي ورسائلها الغريبة، رغبت أن أعانقها بشدة، اشتقت حتى للوغد"شونج جانغ"، رفعت رأسي للسماء وتوسلت بحرقة.. أرجوك يا ألله، أعدني إلى سيئول، أعدك بأني لن أسميها بعد اليوم أرض الخوف والأحزان..

(8)

وصلت إلى مدينة جميلة تملؤها الجزر والأنهار، ظننتَ لوهلة أنني في أستوكهولم، لكني استبعدت ذلك، فلم أر الأحياء والشوارع التي عهدتها، كانت الشمس مشرقة، والناس من حولي يمشون بنشاط، وجوههم نضرة، عليها ابتسامة خفيفة، ثيابهم أنيقة، رائحة المكان تعبق بالياسمين والأزاهير، المدينة هادئة ومنظمة بشكل لا يصدق، لا تكاد تسمع فيها ضوضاء أو زعيق سيارات، لا أحد يلتفت إلى الآخر، بالكاد يحيون بعضهم ويمضون في طرقهم بسلام وطمأنينة..

مستوى التكنولوجيا متطور، فقد لاحظتُ وجود أجهزة ومقتنيات وأنواع من السيارات لم أسمع بها من قبل، قلت في نفسي يبدو أنني سافرت إلى المستقبل البعيد.. وأيقنت حينها أن كل النظريات المتشائمة التي كانت تنذر بفناء الحياة، والتي حذرت من حروب نووية، ومن تبعات التغير المناخي، وانقراض الجنس البشري، أو تحول الناس إلى كائنات متوحشة تبطش ببعضها.. كلها نظريات غير صحيحة.. ولأتأكد من ذلك، يلزمني معرفة في أي سنة نحن الآن..

أثناء مسيري، قرأت يافطة مضيئة، كتب عليها "جامعة العلوم التكنولوجية"، فدخلت من بوابتها، وصلت إلى المكتبة، وقفتُ أمام رفوف كتب التاريخ، وتناولت "موسوعة تاريخ الإنسان".. بدأت اقرأ بنهم وفضول، وكلي استغراب واندهاش.. نحن الآن في العام 1959!!

ماذا؟ 1959؟ كيف يعقل هذا؟ كانت تلك ذروة سنوات الحرب الباردة، والعالم لم يتعافى بعد من حربين عالميتين طاحنتين، وأعصابه مشدودة في إنتظار حرب ثالثة نووية!!

على منضدة قريبة، رأيت رجلا خمسينيا يجلس بهدوء، تبدو عليه علامات الوقار والعلم.. ودون تردد، توجهت إليه، وبادرته بسؤال مباغت: هل لك يا سيدي أن تشرح لي ما نحن فيه.. أنا في غاية الحيرة والضياع، ولدي مائة سؤال على الأقل..

-      بكل سرور آنستي، ولكن ألا يجب أن تعرفيني بنفسك أولا؟

اعتذرت منه، وقد أدركت مدى وقاحتي، وقلت بصوت مرتبك: اسمي جيسيكا، من المفترض أنني ولدت في أوبسالا، في العام 2005، وقد وصلت إلى هنا بمركبة فضائية اسمها CU، ولك أن تصدق ذلك أو تكذبه..

ارتسمت على وجهه علامات الدهشة والارتباك، ثم قال بهدوء: حسنا يا جيسيكا.. ما هي أسئلتك؟

انعقد لساني لوهلة، أحسست أنه يسايرني، ربما ظن أني تحت تأثير مخدر ما، أو أعاني من اضطراب عقلي، وحتى أؤكد له أني إنسانة عاقلة ومتعلمة، تمالكت أعصابي، وقلت بكل هدوء.. كيف يمكن أن نكون في العام 1959، ولا أجد جرائدكم أي خبر عن أزمة خليج الخنازير، ولم أعثر في كتبكم ما يشير إلى حروب عالمية كبرى، ولا أي ذكر لدولة اسمها الولايات المتحدة الأمريكية؟

-      بداية، لم يسبق لي أن سمعت بدولة بهذا الاسم، ثم أن سكان الأرض توقفوا عن الحروب منذ ألفي سنة على الأقل..

رأى على وجهي علامات الذهول، وعدم التصديق، فوقف، وأمسك بيدي، وقادني بلطف نحو آخر القاعة، وأشار إلى خارطة طبيعية كبيرة للقارات الست مثبتة على الحائط، وقال: أليست هذه خارطة العالم؟

قلت بلى، هذا العالم الذي أعرفه، ثم أشرت بإصبعي نحو القارتين اللتان تقعان بين المحيطين الهادي والأطلسي، وقلت بعصبية: أليست هذه أمريكا؟ ماذا تسمونها إذن بحق الجحيم؟ ألم تسمع بمستكشف لعين اسمه كولومبوس؟

 ابتسم لي قائلا: تلك بلاد جميلة، وقد سبق لي أن زرتها عدة مرات، وهي مقسمة إلى أربع دول على أسماء شعوبها: البلاك هوك، الأباتشي، سياتل، وكوماتش.. وهم شعوب طيبة مسالمة، يصدّرون للعالم أجود أنواع الجلود والأخشاب، وأطيب أصناف الفاكهة..

بدأت أدرك أن شيئا ما خطأ في كل ما هو حولي، بين مصدق ومكذب، احترت في أمري، فقلت له: حسنا يا أستاذي، لتوفير الوقت عليَّ في البحث في بطون الكتب، وأمهات المراجع، سأذكر لك أسماء وشخصيات وكل ما عليك أن تذكر لي إذا سمعت بها أم لا..

-      حسنا، تفضلي، وكلي آذان صاغية.

-      هتلر، موسوليني، تشرشل، بلفور، ستالين، ترومان، بوش، بنغورويون، شارون، ترامب..

-      كلا سيدتي لم يسبق لي أن قرأت عنهم، أو سمعت بهم..

أدركت في قرارة نفسي أن حدثا مؤسسا كان قد غيَّر مجرى التاريخ، وبالتالي لم تظهر الأسماء التي من بعده، وعليَّ أن أعود قليلا في الأحداث إلى الوراء، وقد لمعت في ذهني نظرية أثر الفراشة، فطرحت عليه مجموعة جديدة من الأسماء: يوليوس قيصر، الإسكندر المكدوني، كورش الفارس، هولاكو، أبو العباس السفاح، نابليون.. فأعاد نفس الإجابة، ونفى سماعه عن أيٍ من هؤلاء.. ثم طرحت عليه سؤالا آخر: طالما أنكم لم تسمعوا بدولة اسمها الولايات المتحدة، فهل أفترض أنكم لم تسمعوا بدولة اسمها بريطانيا العظمى، أو إسرائيل؟؟ والغريب والمتوقع أنه أكد عدم وجود مثل هذه الدول..

إذن، ربما لهذا السبب لا يعرفون الحروب، وبما أن آخر الحروب كانت قبل ألفي سنة، فهذا معناه أن حدثا أو أكثر وقعت قبل ذلك بخمسائة سنة على الأقل.. إذا استطعت تحديده، سأعرف الفراشة التي صنعت وأسست لهذا السلام العالمي..

(9)

طالما راودتني أحلام الرجوع إلى مدارج الطفولة، وزيارة موطن ذكرياتي الأولى، لأعيشها من جديد، كان أصدقائي يقولون عني أني مصابة بداء النستالوجيا..

وصلت إلى غابة البارتيزان المحيطة ببلدتي الصغيرة "بريبيات"، في إقليم بوليشا.. لم أجد حرسا ولا شرطة ولا يافظات تحذيرية تمنع دخول المنطقة وتحذر من إشعاعات نووية.. بل وجدت سماء زرقاء تتسوطها سحب متفرقة، وأرضا خضراء.. أنعشتني نسمات باردة هبت من الشمال، اجتاحتني مشاعر الشوق، كان عليّ أن أحث الخطى لأصل بيتي، وأعانق أمي.. 

وجدت الشوارع خالية من المارة، ذُهلت من هول المنظر، وتساءلت بحيرة ماذا حل بالبلدة؟ وأين رحل سكانها؟ يبدو أنهم نفذوا رغباتهم بالانتقال إلى كييف وتشيرنوبل وموسكو.. هناك فرص العمل والتعليم أفضل، والأهم فرص الترقي في الحزب.. كانت تلك أول خيبة أمل، ولم أدري أن الخيبات الأكبر بانتظاري..

الشوارع خاوية وخربة، نبتت فيها الأعشاب، وتكدست بالسيارات المحطمة والمحترقة وأكوام القمامة، وعشرات القطط والكلاب السائبة تنهش فيها، منظرها كئيب ومخيف وموحش.. البيوت متروكة، أبوابها مقفلة، وشبابيكها مكسرة، ويبدو أن المشردين قد فرغوها من محتوياتها تماما ولم يعد فيها ما يغري باقتحامها.. كلما وقفت أمام بابٍ تخيلت سكان البيت، وهم على مائدة الطعام، ومئات القصص والأسرار التي توارت خلف تلك الأبواب.. وحين وصلت إلى مركز البلدة ضحكتُ بحسرة، بوسعي أن أجد مكانا لتوقف سيارتي.. ههههه، كم كان صعبا ذلك في وقت مضى..

ومع كل هذا الخراب، كانت معالم القرية والشوارع والبيوت لم تتغير كثيرا، ولكني تفاجأت بأن ما كان في ذهني من صور متخيلة عن الماضي مختلفة عمّا هي عليه الآن؛ فعندما وصلت إلى بيتنا وجدته بصورة مغايرة، رأيته أقل تألقا وبهجة، وأقل رحابة مما كنت أظن، وجدت المطبخ ضيقا جدا واستغربت أنني لم أكن أشعر بذلك حين كنت طفلة، وحين وصلت غرفتي اكتشفت أن النافذة تطل على جدار مرتفع، وليس على الغابة كما كنت أتخيل.. 

توجهت إلى مدرستي الابتدائية، واكتشفت أنها مثيرة للشفقة؛ وجدت غرفة الصف صغيرة، واستغربت كيف كانت تضم ثلاثين طالبة على الأقل.. لم أجد سورا للمدرسة، وما وجدته صف من أشجار السرو، وربما خوفي من الهروب كان يصوره لعقلي الصغير أنه سور شاهق.. ساحة المدرسة خالية، وجرداء، ولا وجود للأشجار والأولاد والملاعب، لكن ذكرياتي الغنية بالقصص أوحت لي بذلك.. تبين لي أن مختبر المدرسة الذي كنت أظنه فرعا لوكالة الفضاء السوفيتية، لا يتعدى منضدة، ومجهر، وبضعة ألعاب كهرومغناطيسية. أما المكتبة التي كنت أظنها فرعا لمكتبة لينين، فهي لا تزيد عن أربعة رفوف، لكني كنت أجد فيها ما أحتاجه من قصص..

رأيت أرجوحة متهالكة، وبعض النسمات الخفيفة تحركها جيئة وذهابا، فيصدر عنها صوتا حزينا، تخيلت صفا من الأطفال يتعاركون على ركوبها.. تذكرت عراكاتي الدائمة مع ليونيد ابن الجيران، وتذكرت أن علاقتي بأبي كانت متوترة، وكنت في سري أتمنى موته، وأني كنت أغار من أخي الصغير، وكنت أسرق ما كانت تخبئه أمي من فاكهة أو شوكولاته، وأني  كنت أتهرب من الاستحمام.. 

ظهرت لي صورا ظلت مخبأة في تلافيف الذاكرة، كنت أتجاهلها، أو أن عقلي الباطن جعلني أنساها؛ اكشتفت أني كنت مجرد طفلة عادية، جبنتُ عن مواجهة بوليشكا حين كانت تتنمر عليّ، ورسبت في مادة الجغرافيا رغم بساطتها، وأني كنت أكذب بسهولة، وأغش في الامتحانات.. عرفت أنني لم أكن أنيقة، بل أن جيلي كله كان يرتدي ملابس مضحكة، وأني لم أكن حكيمة، بل إن معاركي ومخاوفي كانت سخيفة، وأن أغاني ذلك الزمن كانت مملة، والأفلام التي كانت تبكيني ساذجة، ووسائل التسلية التي كنت أستمتع بها تستدعي السخرية.. والبلدة التي كنت أخشى أن أضيع فيها مجرد شارعين رئيسين وأربع شوارع فرعية..

ربما كانت ذكريات الطفولة حلوة.. بيد أني عرفت الآن لماذا أحن إلى الماضي، لأنه أجمل وأسهل من مواجهة الحاضر.. الماضي، لا يتغير، ولا توجد فيه احتمالات، وليس فيه ما يستدعي القلق.. يتحول إلى ملاذ آمن يعيننا على مواجهة الحاضر، أو ينسينا مخاوفنا من المستقبل المليء بالاحتمالات..

شعرت بغصة في قلبي، وآلام مبرحة في أمعائي، سمحت لدموعي أن تنسكب على وجنتي بغزارة، ثم بكيت بحرقة وحسرة، وقد انتابتني رغبة جامحة أن أغادر المكان، وعلى الفور.

حملت جهاز الاتصال، وأدرت القرص على التردد المطلوب.. آلو، آلو.. من نتالي إلى CU، هل تسمعوني؟

- نعم، ناتالي، أين أنت الآن؟

- في مدنية الأشباح والأوهام، تعالوا خذوني فورا..

 (10)

استيقظت متأخرا، وبعد أن غسلت وجهي، وشربت قهوتي، فتحت المذياع لأبدأ نهاري بآخر أغنيات فرقة "مافيكوزولو" المفضلة عندي، وإذا بالمذيع يصدمني بتاريخ اليوم، وبنشرة أخبار مختلفة كليا بأسمائها وأحداثها عما اعتدت عليه، فاكتشفت أنني غبت عن هذا العالم عشر سنوات على الأقل..

أدركت أني لم أكن نائما طيلة تلك المدة، إنما كنتُ في رحلة فضائية، وأن هذه الرحلة انقطعت أخبارها عن العالم، وظن الناس أن طاقمها مات منذ زمن..

كانت أول وأقوى صدمة لي، حين تجولت في أنحاء البيت، وكلي لهفة وشوق لمعانقة زوجتي وضم أولادي، فإذا بهم لا يرونني، ولا يحسون بي.. كنت أصرخ في وجوههم بملء صوتي: أنا أرنو.. أنا أمامكم مباشرة! كيف لا تروني؟؟ أيها الأوغاد..

صرت أتفقد جسدي برعب، وأطالع صورتي في المرآة لأتأكد هل حقا أنا موجود وعلى قيد الحياة؟ أم صرت طيفا غير مرئي، أو شبحا لميت شبع موتا ولم يعد يراه أحد؟ شعري كما ألفته مجعدا وكثيفا، بشرتي سمراء، طولي لم ينقص بوصة، وعضلاتي ما زالت مشدودة.. أصابتني قشعريرة مرعبة من الإجابات القاسية والصادمة، تذكرت نظرية سويونغ عن الأبعاد العشرة في نظرية الأوتار الفائقة، وإذا صحَّت، فهذا يعني أني عالق في البعد الخامس، أرى كل ما حولي، وأشعر بصلابة الأشياء، وأشتم الروائح، وأسمع الأصوات.. لكن أحدا لا يراني.. وليس لي قدرة على تغيير الواقع..

مع مرور الوقت، بدأت أتأقلم مع وضعي الجديد، رغم غرابته وتطرفه، صرت أتلقى المفاجآت الصادمة، وأُصاب بخيبات الأمل مرة بعد مرة، كانت أسوأ خيباتي حين أدركت أنّ الحياة سارت بشكل طبيعي وسلس من دوني، وأنَّ تأثيري عليها كان منعدما، خلافا لما  كنت أتخيل، أصابني الإحباط، وقد أيقنت أني بلا أهمية أصلا، فكل من كنت أعرفهم لم يتأثروا بغيابي، بل نسوني تماما..

رأيتُ ابني "تامو" وهو يلعب كرة المضرب في الصالون، فارتطمت كرته بصورتي المعلقة على الحائط، فتهشمت، جاءت ابنتي "آفوا" وجمعت الزجاج المكسور وألقت به في سلة النفايات، ثم التقطت صورتي ودست بها في أحد الأدراج، لم تنتبه زوجتي "إيبيلا" لغياب صورتي إلا بعد أسبوع، ومع ذلك لم تحاول إعادة تثبيتها على الحائط!

ولأني كنت عالقا في هذا البعد الزمكاني، كان الوقت يمر عليَّ سريعا، كانت تمر الأسابيع والأشهر كما لو أنها ساعات.. صرت أشاهد الحياة تماما كما لو أني أشاهد فيلما سينيمائيا، قصة البطل الذي عاش ستين عاما مختصرة في ساعة ونصف..

دخلت "آفوا" في سنتها الأخيرة في كلية الهندسة، و"تاموا" تزوج وصار أبا لطفلين جميلين، وهذه أخبار مفرحة، بثت في قلبي بعض الطمأنينة.. سأسامحهم على تجاهلي، لكن ما أزعجني أن "إيبيلا" صارت تواعد شابا يصغرها بسنتين.. لن أتحمل رؤيتهما على فراشي..

بعد أن كانت روحي معلقة في البيت، تجوب أركانه وجواره، صرت أغادره إلى أماكن أبعد.. وأغيب لفترات أطول.. في محاولة مني لاستعادة توازني، واستيعاب ما حصل معي سابقا، وما يحصل الآن.. بدأت أطرح على نفسي أسئلة طالما تهربت منها: لو إني على قيد الحياة المادية سأكون الآن في بداية الأربعينات، ما يعني أني خسرت عقدا كاملا من حياتي..

كم خسرت خلال هذا العقد من أموال كنت سأجنيها، ومن علاقات وصداقات كنت سأكوّنها، ومن ذكريات وخبرات كنت سأعيشها؟؟ ولكن، هل خسارتي كانت في الأموال التي كنت سأصرفها في كل الأحوال؟ أم هي في أصدقاء هاهم قد نسوني تماما؟

أتابع حفلات عيد الميلاد التي تقيمها العائلة كل سنة، فأتساءل: ماذا يعني تقدم أحدهم في العمر سنة كاملة؟ هل هي سنة إضافية عاشها بطولها وعرضها، وملأها بالذكريات؟ أم هي خسارة سنة انسلخت من عمره، وقربته خطوة من الشيخوخة، ومن قدره المحتوم؟

وبما أن سيل الأسئلة قد انفتح، وصلتُ إلى الأسئلة الأخطر والأهم: ما قيمة الحياة؟ وما جدواها؟ وما يعني أن نكون على قيدها؟ هل قيمة الحياة في الرقم الذي يعادل سنوات العمر؟ أم في كيفية عيش تلك السنين؛ وبأية عقلية، وبأية نفسية نخوض غمار الحياة..

من غير العادي أن تراجع نفسك وأنت شبح، رجعتُ إلى اللحظات الأولى من يقظتي، حين كنت أظن نفسي حيا، ثم اكتشفت أنّ وجودي وعدمه كان سواء.. تذكرت أني كنت أحب نفسي كثيرا، وكنت متمسكا بالحياة وطالما حاربت لأثبت لذاتي أولا، ثم للآخرين، أنّ وجودي مهم، ولحياتي معنى وقيمة..

لم أعد أطيق حياتي كطيف مخفي، وشبح عاجز عن تحريك كرسي.. وبما أني في تلك الوضعية المعقدة في البعد الخامس، سأعود في الزمن إلى الوراء ثلاثين سنة على الأقل.. إما أن أعيش من جديد، أو أقابل نفسي حين كنت صبيا طائشا.. كان عليّ أن أجرب..

وقفتُ في ظل شجرة جاكارندا باسقة، على يمين الشارع المؤدي إلى "دارلنغ" شمال كيب تاون، كان موعد خروج الطلبة من مدارسهم، انتظرت بقلق ولهفة مرور أرنو.. لم يتأخر كثيرا.. كان يمشي على مهل، وبخطوات محسوبة.. وما أن صار قبالتي تماما حتى كدت أقبل عليه بحماسة، لأعانقه.. ترددت قليلا حتى لا أصيبه بالذعر.. يا إلهي العظيم. ها أنذا في عنفوان صباي.. أرتدي بدلة المدرسة البيضاء، وشورت أسود، وربطة عنق حمراء.. نظرت إليه بشوق وحنين ممزوج بالعطف والشفقة.. رمقني بنظرة محايدة، ثم مضى في طريقه.. تبعته ببطء، ثم ناديت عليه: أرنو.. مرحبا.. التفت إليّ باستغراب ورد بلطف: أهلا عمّو.. ولكن كيف عرفت اسمي؟ أعجبتني كلمة عمّو، فبرقت في ذهني فكرة سريعة: أنا عمك أرنو، كنت مسافرا في ناميبيا، وقد عدت للتو.. أشرق وجهه بابتسامة غامضة، فقلت له قدني إلى بيتك.. خفق قلبي بشدة وأنا أسير مع نفسي إلى مسقط رأسي..

رافقته لأيام متواصلة مثل ظله، حتى بدأت أحس بتغير مشاعره تجاهي، إذْ بدأ يعرب عن ملله، وضيقه بنصائحي المتكررة.. وذات يوم، صاح بوجهي: أرجوك توقف.. تريدني أن أتصرف كالكبار، وأن أظل حكيما، وتخبرني عن أشياء غريبة ستحدث لي.. من أنت بحق الجحيم؟ وماذا تريد مني؟

قلت له معتذرا: بالعكس يا أرنو.. أريدك أن تنهل من الحياة، لا تحرم نفسك من شيء.. دع عنك حسابات الربح والخسارة، عش دائما في ظل الاحتمالات، تذوق لذة الخسارة، وحلاوة المخاطرة، جرب طعم الأخطاء الشهي.. فمهما كنت حريصا، سيجبرك قلبك على ارتكاب الأخطاء..

-      وماذا تريد أيضا؟ قال بسخرية..

-      لا تحبس أحلامك، إدفن قلقلك، فكل مخاوفك ليست سوى تفاصيل سخيفة..

-      وما شأنك أنت؟ رد بعصبية.

-      ما تفعله يصنعني.. أيها الأحمق..

قررت أن أترك أرنو الصغير لمصيره، وعليّ قبل أن أعود شبحا، أن أرجع إلى الماضي ثلاثة قرون ونيف..

على ضفاف نهر توجيلا، وأثناء حفل تنصيب "شاكا" خلفا لأبيه الملك "سينزانغاكونا"، رأيت حشدا مهيبا، كانت الطبول تقرع بقوة بإيقاع رهيب، وروائح البخور تعبق في المكان.. سرتُ بخطى خائفة مرتجفة، حتى وقفت قبالة الملك العظيم، انحنيت بخشوع وقلت له: أرأيت ذلك الرجل الأبيض المدعو جان ريبيك؟ قال باستغراب: وما به؟ قلت له بحزم: أرجوك اقتله. رد باستغراب أشد: ولم عساي أقتله؟ أجبته بنبرة متنبئ: سيأتي بخيل تسبق الريح، وبعصي تنفث النيران، فتقتل أمهر رامي للرماح.. قاطعني غاضبا: ما هذا الهراء؟ لا أفهم شيئا مما تقول! رجوته بصوت مخنوق: ألقمه للتماسيح قبل أن يستولي على دياركم، ويحول حياتكم إلى جحيم..

يبدو أنني وصلت متأخرا، فقد كانت رسالة "ريبيك" قد وصلت إلى هولندا..

- آلو.. آلو.. من أرنو إلى UC، هل تسمعني؟ أجب..

- نسمعك، ويبدو من صوتك أنك عالق في بئر عميق..

- أرجوكم، تعالوا قبل أن أرجع شبحا..

(11)

في الأيام الأخيرة قبل موت أبي، اعتدت الجلوس على مقعد حجري قبالة شارع الأعمدة في ساحة "البقعة المختارة" أهم معابد طيبة. اليوم سيتم تقديس الرب العظيم آمون في معبد الكرنك، تذكرت قصة قديمة سربها كبير الكهنة أن الإله آمون نام مع زوجة تحتمس وضاجعها وأنجب منها حتشبسوت..

لم تدم وحدتي طويلاً، فخلال أقل من ساعة كانت الساحات قد امتلأت بالناس، أتوا من الدلتا، ومن الصعيد، من كل القرى والأرياف، كانت ثيابهم رثة، وأجسادهم نحيلة، وقد أنهكم الجوع.. أتوا ليشهدوا تنصيب الملكة.. وقف كبير الكهنة "مات كارع" في منتصف البهو الواسع، وأخذ يتلو صلاته، وبعد كل مقطع يردد الحضور من بعده بصوت فخم "آمون"، ثم قال بصوته الجهوري: أعلن لكم زواج  حتشبسوت من أخيها الملك تحتمس الثانى، حتشبسوت هي خليلة الرب آمون التي فضلها على سائر نساء مصر، هي درة الأميرات، وبنت الشمس.. من اليوم وإلى الأبد ستعتلي عرش طيبة، وسائر بلاد النيل..

وما أن أنهى كلامه، حتى ضجت الصالة بالتصفيق، كانت الفرحة واضحة على وجوههم، على الفور أخذ الجنود ينتظمون في صفوف طويلة، يحملون رماحهم وأقواسهم، يتقدمهم ثلة من أربعين جنديا يحملون على أكتافهم عرش الملكة، ويسيرون بخطى ثابتة والأرض تهتز من تحت أقدامهم، والجميع يهتفون بصوت واحد.. عاشت الملكة.. عاش آمون.. عاشت مصر..

ما أجمل هذا العرض، يبدو كأنه حقيقي ومتقن.. قلت في نفسي، سأشكر المخرج وطاقم التصوير على هذا الفن الإبداعي، بحثت عنهم وسط الجموع المتدفقة، حتما سأعرفهم من ملابسهم العصرية.. كنت كما لو أني وسط نهر بشري هادر.. هل يُعقل أن كل هؤلاء الناس كومبارس؟ أين المنتج والمخرج والمصورين؟؟ بحثت كثيرا، مضى يوم، وأشهر وسنوات.. كنتُ أرى الوجوه نفسها، لم يتغير عليهم سوى الملابس، هل يُعقل أنني فعلا في زمن حتشبسوت؟   

هل أنا حمادة، عالم الفيزياء النووية الذي هبط للتو من مركبة تاهت في الفضاء؟ هل نجوت من الموت بأعجوبة؟ أم أنا مجرد عجوز خرف، اختار قضاء شيخوخته في الثرثرة، والتخيلات، وتصفية حساباته مع الماضي..

-      ألو.. آلو  UC، هل تسمعني؟

-      أسمعك جيدا، هل أنت بخير؟

-      سنووي، أرجوك، قل لي من أنا؟

 (12)

"أصدقائي الأعزاء.. أصارحكم القول أني ترددت كثيرا في القفز، ربما خفت مغادرة مركبتنا التي وجدتها ملاذا آمنا، وربما أردت التريث قليلا.. لكن اطمئنوا سأقفز بعد أن أنهي رسالتي هذه..

رأيتكم تهبطون واحدا تلو الآخر إلى عوالم جديدة ومجهولة، استمعت إلى نداءاتكم واستغاثاتكم، هالني ما آلت إليه مصائركم، ربما أنكم واجهتم مخاوفكم، والتقيتم وجها لوجه مع هواجسكم الدفينة، لذا سأغوص عميقا في ذاكرتي، سأسبر أغوار عقلي، سأغادر جسدي، لعلني أتحول إلى حالة من الوعي الخالص، المنقى من كل مادة.. سأصير روحا هائمة تحلّق نحو كل اتجاه ممكن، ومستحيل.. 

طوال رحلتنا وأنا أتأمل في ذاتي، وأشاهد كل ما هو حولي من فضاءات مفتوحة على اللانهاية.. أرى (مثلكم) أبعد المجرات، ثم أعود إلى سان باولو إلى زمن قريب، فأتذكر أيامي الحلوة، مزهوا بنفسي، يا لها من ذاكرة انتقائية، اخترت منها ما أحببته، وتجاهلت تلك الأحداث التي أخجل منها الآن، إنها عملية تذكر للماضي محكومة بوعي الحاضر، هذه المرة سأقسو على نفسي.. سأعترف لكم: كنت أعاون "بياترو" رئيس العصابة في جمع الأموال من الشبان اليائسين والمدمنين، لم أعترض حين قتل رفاييل، وروبرتو وغيرهم.. 

في أحد الأيام، تحرش بعض الشبان بصديقتي "جوانا" وبدلا من مواجهتهم آثرت السلامة، تجنبا للإحراج، وتحسبا لما قد يكون أسوأ من المواجهة، دخلت في شارع جانبي، وتفاديتهم، ظننت أننا صرنا في أمان، وأن المشكلة انتهت.. في الحقيقة وجدت نفسي في موقف أشد إحراجا، فمن وجهة نظرها لم أحمها، ومن وجهة نظري اكتشفت أني جبان، أو أن هيئتي لم تعطني أي هيبة، فاستخف هؤلاء الشبان بي..

وجودي في هذه الحياة محض صدفة، وضربة حظ، الحي الذي ستولد فيه سيحدد مصيرك، وسيرسم مستقبلك، قلة نادرة من يشذون عن هذه القاعدة، ويصنعون لأنفسهم مصائر مختلفة.. ذات مرة دخلت قرية نائية سكانها بسطاء وسعداء، وهم من بقايا حضارة المايا، قالوا أنهم لم يسمعوا من قبل عن ديانة اسمها الكاثوليكية، ولا عن نبي اسمه المسيح! لا أدري هل زرتهم في زمن آخر، في كون موازي؟ أم أن مجرى التاريخ مر بقربهم ولم يدخل بيوتهم؟ 

من هذا العلو الشاهق، ومن هذا المكان المجهول، أرى الأرض كما لو أني لا أعرفها!! لأول مرة أدرك قيمتها، وأقدر الحياة التي كنا نعيشها.. لكن يبدو أن الأوان قد فات..  

أصدقائي.. لا أريد أن أطيل عليكم، وقد صرت أكتب أشياء متضاربة وغريبة.. سأقفز بعد قليل، لعلني أكون محظوظا، وأجد أجوبة على أسئلتي المعذبة.. جبراييل".

(13)

تمكن أربعة رواد فقط من الالتحاق بالمركبة CU، غزوان ظل محتجزا في سجن أبو غريب، بتهمة الزندقة، بعد أن رفض المشاركة في حفلة لطميات.. أما حمادة فنُقل إلى مستشفى المعادي، لتلقي العلاج من ثلاث رصاصات اخترقت أجزاء متفرقة من جسده، كان في طريقه إلى حفل تنصيب الرئيس الجديد، وقد شكَّ الحرس الجمهوري بولائه للزعيم فأطلقوا عليه النار.. جيسيكا رفضت العودة، وفضلت البقاء في كوكبها السعيد.. أما جبراييل فقد انقطعت أخباره، وظل في عداد المفقودين، يبدو أنه بعد هبوطه تبخر كخيط دخان، ولم يتبق من أثره سوى رسالة غريبة ومقتضبة كان قد تركها على سريره في المركبة..

إثنين من الروبوتات تعطلا (زوكو ولاكي)، فبعد تلقيهما هذا الكم الهائل من المعلومات المتضاربة والغريبة، عجزا عن تحليلها، وإدراكها، ويبدو أن عطلا فادحا أصاب نظامهما في مقتل.. وبقي سنووي، وهو الذي سيقودنا في رحلة العودة إلى الديار..

تعانق الأربعة بحرارة، وبدأ كل واحد منهم يروي أجزاء من قصته، وما رآه من عجائب.. علينا أن نخترق الثقب الأسود، فإما أن ننسحق بكل قسوة بفعل جاذبيته الرهيبة، وإما أن نُحرق ونتبخر في أقل من لحظة بحراراته الخرافية، وإما أن ننجح في إختراق مسرب دودي، قد يقودنا إلى كون جديد، لا نعلم عنه شيئا، ويبدو أن فرص عودتنا للأرض باتت ضئيلة جدا، ومن شبه المؤكد أننا سنتوه في فضاء مفتوح بلا نهاية، وبلا بداية، وستضيع معنا أخبارنا، وحكاياتنا، ولن يعرف عنا سكان الأرض شيئا.. هذا إن بقي أحد منهم يتذكرنا..

(13)

عادت مركبة CU إلى الأرض بعد خمسة عشر عاما على انطلاقة رحلتها.. لم يكن على متنها سوى الروبوت سنووي، والذي ذكر في تقريره الفني أن المركبة وبعد ستة عشر شهرا من انطلاقتها، وأثناء اقترابها من أفق الحدث، تعرضت لخلل فني خطير أدى إلى تعرضها لهزات عنيفة جدا، تسببت بمقتل روادها الثمانية.. وإلى تعطل أنظمة زوكو ولاكي، ومن بعدها توليت أنا القيادة، وتأمين رحلة العودة إلى كوكب الأرض.

أما لجنة تقصي الحقائق التي تولت التحقيق في أمر المركبة، فقد أعربت عن شكوكها في رواية سنووي، بدليل عدم وجود الجثامين الثمانية، ولا حتى بقايا هياكل زوكو ولاكي.. وما عمّق من شكوك اللجنة عثورهم على مذكرات لأحد الرواد، لم يتمكنوا من تحديد هوية صاحبها، لأنها كانت غير  موقعة، وتشير تلك المذكرات المقتضبة إلى أن أحدهم ومنذ البداية كان قد برمجَ نظام القيادة الآلية للمركبة بحيث تكمل دورة كبيرة حول المجموعة الشمسية ثم تعود ضمن مسار مباشر إلى الأرض.. وربما اكتشف البقية تلك الخطة اللعينة، فوقعت بينهم خلافات حادة ومشاجرات أدت إلى مقتلهم.. وأن سنووي يكذب.. 

وفي كتاب "موسوعة رحلات الفضاء"، الصادر سنة 2144، بمناسة المئوية الأولى على انطلاق أول رحلة فضائية تعبر المجموعة الشمسة، رجح علماء كثيرون أن المركبة CU تجاوزت في لحظة ما سرعة الضوء، وعادت في الزمن إلى الماضي، وهبطت في منطقة نائية ربما في حوض الأمازون، أو في مجاهل إفريقيا، أو في الهند.. وهاجمتها القبائل الغاضبة والخائفة، وقتلت كل من فيها، وحرقتها، وقد عُثر على حطام مركبات محترقة في تلك المناطق.. في حين أكد عالم الفيزياء الفضائية حمادة عمرو، وهو حفيد حفيد حمادة الأول، أن قصة مركبة CU وعودتها إلى الأرض، وتقرير سنووي، إنما هي أقاويل لا تستند إلى العلم، وقد فبركتها الصحافة الصفراء، وروجها بعض العلماء المغمورين الباحثين عن الإثارة.. والحقيقة أنَّ المركبة CU ما زالت هائمة في الفضاء الفسيح، وربما هي الآن في أحد الأكوان الموازية، وربما ابتلعها ثقب أسود، وربما تعود يوما ما، وربما لا تعود أبدا.. لا أحد يعلم على وجه اليقين..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق