تمهيد
في مكالمة هاتفية أخبرني
الأستاذ حسام أبو النصر عن مؤتمر سيعقد في رام الله بعنوان "فلسطين
المسيحية"، والذي سيبرز أثر ودور المسيحيين في تاريخ فلسطين، وطلب مني
المشاركة في ورقة بحثية، وأن أختار الموضوع بنفسي.. تحمست للفكرة، وقلت له سأكتب
عن المسيحية في القرون الأولى، والفرق المهرطقة، وعلاقتها بنشوء الإسلام.. كانت
لدي معلومات عامة عن الموضوع، وكنت أظن أن لدي وجهة نظر محددة، يمكنني طرحها بقليل
من الجهد البحثي.. وما أن شرعت بالإعداد حتى تبين لي أن وجهة نظري غير واضحة
تماما، وينقصها التوثيق والتدقيق.. وهكذا بدأت أتعمق في البحث من خلال ما تيسر من
كتب، وما هو منشور على الإنترنت، وخاصة المحاضرات والنقاشات المسجلة على اليوتيوب،
وبعض الدراسات المتخصصة.. وكلما اطلعت أكثر اكتشفت مدى جهلي بالموضوع، وصدمت بوقائع
لم أكن أعرفها، وأسماء أسمع بها لأول مرة، واكتشفت فجوات وألغاز ونقاط غامضة،
ووجهات نظر متناقضة، ومواضيع متشعبة ومتداخلة.. وفي لحظات معينة كدت أتوقف، وأعلن
استسلامي.. ولكن فضولي البحثي حثني على المواصلة، بقدر ما استطعت..
لا أزعم أنني عرفت كل شيء،
وكشفت كل ما هو غامض وملتبس، فما زال عندي الكثير من الأسئلة، والكثير من
الفجوات.. فهذا الموضوع بحر واسع من العلوم، وكل ما فعلته أني تأملت على شاطئه
قليلا.. واستطعت أن أبلور وجهة نظر معينة، قد تكون صحيحة، وقد تكون خاطئة.. المهم
أني حاولت واجتهدت، فالكمال لله وحده.
مقدمـة
تعتبر الفترة التاريخية
الممتدة ما بين القرن السابع قبل الميلاد وحتى القرن السابع الميلادي، هي الفترة
التي ظهرت وتشكلت فيها أغلب وأهم الديانات في العالم القديم، وخاصة منطقة الشرق
الأوسط، كما شهدت إحدى ذروات النشاط الفكري الإنساني.. في القرنين السابع والسادس قبل الميلاد ظهر "زرادشت"
في بلاد فارس، وكل من "كونفوشيوس" و"لاوتسي" في الصين، و"بوذا"
في شمال الهند، و"فيثاغورس" في اليونان، ثم تبعه "سقراط" و"أفلاطون"..
وفي القرن الخامس قبل الميلاد في بلاد الشام وأرض الرافدين حيث كانت تلك المنطقة مسرحا
لصراعات البابليين والفرس ومصر القديمة، والتي انتهت بجلب المسبيين من بابل إلى
القدس، تأسست الديانة اليهودية الجديدة، بأمر من "كورش الفارسي"، وتحت
إشراف عزرا.
وفي القرن الأول الميلادي ولد السيد
المسيح، وبدأت المسيحية كامتداد لليهودية، ثم أخذت
بالانتشار التدريجي كديانة مستقلة، منشأة معها العديد من الفرق والمذاهب اليهودية/
المسيحية. وفي القرن الثاني ظهرت المانوية والصابئة في كل من العراق وشبه الجزيرة
العربية.. وفي القرن الخامس ظهرت المزدكية، وفي أواخر القرن السادس الميلادي ولد
النبي محمد في مكة، ليدخل الدين الإسلامي الجديد مسرح التاريخ لأول مرة مع بدايات
القرن السابع.
وكما تفرقت اليهودية إلى فرق ومذاهب (الفريسيين،
والصدوقيين، والأسينيين، والسامرة قديما.. ثم في مرحلة لاحقة إلى شكناز
وسفارديم..)، تفرق المسيحيون الأوائل إلى غنوصيين، وأبيونيين، وأريوسيين، ونساطرة،
ويعاقبة، وأقباط.. ثم إلى أرثوذوكس، وكاثوليك، وروم، وبروتستانت.. وتكررت الظاهرة
نفسها في الإسلام.. فظهر السُنّة، والشيعة، والمرجئة، والخوارج، والمعتزلة،
واليزيدية، والأشعرية، والنصيرية، والموحدون، والسلفية، والوهابية..
تعتبر تلك الانقسامات ظاهرة طبيعية، من
وجهة نظر سيسيولوجية؛ حيث تبدأ الأديان (وكل
المذاهب الفكرية والفلسفية والأخلاقية) بدايات بسيطة، ترتكز على شخصية مؤسسة (نبي،
فيلسوف، مصلح اجتماعي)، تبدأ نقية، طاهرة، مثالية، يلتف من حولها في البدايات
المخلصون والباحثون عن النور والهداية، ولكن بعد وفاة المؤسس، وتكاثر الأتباع
وتزايد أعداد المؤمنين، يبدأ الدين بأخذ مسار تطوري آخر، ومختلف.. حيث تأتي
التفاسير، والشروحات، والتفاصيل، ومن ثم الأساطير والمبالغات.. ثم تنشأ طبقة من
رجال الدين، بعد أن تكون مهمتها شرح الدين وتبسيطه، والتبشير به، تبدأ هذه الطبقة
بتلمس مصالحها الخاصة.. وفي نفس الوقت، تكون الطبقة السياسية الحاكمة (متحالفة
معها الطبقة الاقتصادية والتجارية والنخب العسكرية) تعمل على الاستفادة من هذا
الدين بما يخدم مصالحها، فتلتقي مصالحها وتوجهاتها مع مصالح وتوجهات الكهنوت، الذي
يقوم بتفصيل دين جديد على مقاس السلطة.
بعد مضي عدة أجيال، تكون النسخة
الجديدة من الدين قد افترقت واختلفت عن النسخة الأصلية بمقدار كبير، حتى لو احتفظت
بجوهرها.. حيث تحتكر طبقة الكهنوت تفسير الدين، وتمثيله، والتمثيل الحصري للإله،
والتحدث باسمه، ووضع التشريعات والقوانين (باسم الدين)، مع إبراز الشخصية المركزية
في الدين (والذي هو النبي) على نحو مبالغ فيه، ولكن إبراز الجوانب التي تؤكد وتدعم
علاقة طبقة الكهنوت بذلك النبي، وكأنها امتدادا له، وصورة أصلية عنه، وناقلة أمينة
لأقواله ونهجه.. في حين أن الحقيقة والواقع غير ذلك تماما..
الجوهر الأصلي للدين حين ظهر بدايةً،
كان جوهرا روحانيا، فلسفيا، شفافا، إنسانيا... وفي نسخه اللاحقة يتم التخلي
تدريجيا عن هذا الجوهر، لصالح جوهر ومحتوى جديدين، يقومان على المصالح المادية
لطبقة الكهنوت الجديدة والطبقة السياسية اللتان توظفان الدين بما يخدم مصالحهما،
مع الإدعاء طبعا بأن هذا هو من صلب الدين، ومن أساسياته..
هذا المسار التطوري السيسيولوجي ينطبق
تقريبا على كل الأديان؛ حيث يتأثر في سياق تطوره وأثناء مسيرته التاريخية بالنزعات
المادية، والظروف الموضوعية، والغرائز البشرية لأتباعه، فمثلا البوذية بدأت بفكر
أخلاقي تأملي لمُصلح اجتماعي (بوذا)، الذي كان زاهدا ومتقشفا، ولم يزعم أنه نبي،
ثم تطورت أفكاره من بعده على يد الكهنوت، حتى صارت ديانة مكتملة، وجرى تعظيم بوذا
لدرجة لم يكن أحد يتوقعها في أثناء حياته..
المسيحية بدأت بأفكار روحانية تدور حول
التسامح والخلاص والفداء.. وكان عدد أتباع يسوع الناصري في حياته قليلا جدا، ولكن
بمثابرة الرسول "بولس" ورسائله، بعد المسيح بنصف قرن، لم تبقَ المسيحية في
إطارها المحلي المحدود.. فقد أصبحت ديانة عالمية واسعة الانتشار بعد أن اعتنقها
الإمبراطور الروماني قسطنطين، والذي أراد من "مجمع نيقية" توحيد
المسيحية لتكون أداته في توحيد أجزاء الإمبراطورية، ولبسط نفوذه على شعوبها في
أركانها المترامية الأطراف..
وقبل ذلك، لولا انتصار كورش الفارسي
على بابل، لظلت اليهودية مجرد أماني مستحيلة للمسبيين.. وفي مرحلة الاحتلال
اليوناني لفلسطين كادت اليهودية أن تنقرض، لولا تلاقي مصالح الحكم اليوناني مع
المجمع الديني اليهودي. كما يقول "شلومو ساند": "لولا التعايش بين
اليهودية والهيلينية الذي ساهم في تحويل العقيدة اليهودية إلى دين ديناميكي
مهوَّد، لظل عدد اليهود ضئيل جدا، ولكان عددهم اليوم كعدد السامريين".. وكما تحالفت
اليهودية مع الاحتلال اليوناني، حلّقت على جناحي النسر الروماني فيما بعد.
وبالنسبة للإسلام، لم يختلف تطوره
السيسيولوجي كثيرا عما حصل في بقية الأديان.. بدأ الإسلام في مكة بالدعوة للتوحيد،
ونبذ عبادة الأصنام، والدعوة للعدل ومكارم الأخلاق، والتسامح والتعايش، بنزعة
صوفية روحانية محلقة، شفافة.. وبعد وفاة النبي، توحد الدين بنظام الخلافة (الطبقة
الحاكمة).. ثم وظفته السلطة لصالحها، واختلف على تفسيره وفهمه الفقهاء وعلماء
الكلام والفلاسفة، فنشأت الفرق والتيارات والمذاهب والطوائف..
جميع هذه الأديان والأفكار
الفلسفية تأثرت ببعضها البعض؛ فكل دين تأثر بغيره، وأثّر عليه، أخذ منه، وأعطاه؛ فالدين
لا ينشأ فجأة بين يوم وليلة، بل يأخذ مسار تطوريا قد يحتاج قرونا حتى يتخذ شكله
النهائي، وخلال مسيرة تطوره يتأثر بالعوامل والظروف الموضوعية المحيطة به،
وباجتهادات وتصورات وخلافات فقهائه ورواده، أو بالتشكيلات الإثنية والثقافية
لأتباعه، ويتأثر حتى بالجغرافيا.. فالدين من الناحية النظرية معطى ثابت؛ نبي،
وكتاب مقدس، وعقيدة واحدة، وتعاليم راسخة، ومفاهيم محددة.. لكنه على أرض الواقع يتخذ
أشكالا وتمظهرات اجتماعية وسياسية وتشكيلات طائفية متعددة، شأنه شأن أي ظاهرة اجتماعية،
فليس هناك دين ولا فكر لا ينشطر، لأن ذلك ضد الطبيعة، فلا وجود لدين خالص، إلا
كمفهوم عام.
نشأة المسيحية
بدأت المسيحية كطائفة
يهودية صغيرة خلال حياة السيد المسيح. ثم صُلب (أو رُفع) السيد المسيح دون أن يترك
إرثا مكتوبا، مخلفا وراءه تعاليمه ووصاياه وتلاميذه فقط، ولكن بعد صلبه، وبشارة
القدوم الثاني (القيامة) تحمس تلاميذه للتبشير بتعاليمه..
في البداية، وخلال القرن
الأول الميلادي، نظر الرومان للمسيحية بوصفها طائفة يهودية مهرطقة، وأن المسألة
شأن يهودي محلي، فلم يضطهدوا المسيحييين الأوائل، لكنهم بعد ذلك، ومع انتشار
المسيحية كديانة مستقلة بدأ الرومان باضطهاد المسيحيين، وأخذوا ينظرون إلى هذا الدين
الجديد على أنه تهديد.
كان مجمع أورشليم سنة 50
م، أول مجمع كنسي، ويعتبر نواة للمجامع الكنسية، تقرر في هذا المجلس عدم إلزام
الأمميين من غير اليهود المتحولين إلى المسيحية بالمحافظة على شريعة موسى، وكان
الاعتقاد الشائع لدى المجتمعين بأن المسيحية خاصة بمن هم من أصل يهودي، أي بوصف
المسيحية ديانة محلية.. بيد أن بولس الرسول عمل على نشر المسيحية على مستوى عالمي،
ودعا كل الأمم لاعتناقها، وبناء على ذلك أسس ما عرف بكنيسة الأمم.
وبدءا من العقد السابع
للقرن الأول سيبدأ تلاميذ المسيح بكتابة الأناجيل الأربع (القانونية) باللغة
اليونانية، كان أولها إنجيل مرقص، ثم متى، ولوقا، وأخيرا يوحنا.. وطبعا إلى جانب
رسائل بولس، والتي صارت عماد المسيحية.
ومع الوقت وخلال أربعة
قرون فقط انتشرت المسيحية، وصارت الديانة المهيمنة على حوض البحر المتوسط. وغدت من
أهم الأحداث التي هزت كيان الإمبراطورية الرومانية، وهددت وجودها واستقرارها، ثم
صارت عامل توحيد لها، ففي الوقت الذي تعرضت فيه الإمبراطورية للانحلال البطيء،
تسلل في خفة ورّقة إلى أذهان الناس دين نقي متواضع، ونما في صمت وخفاء، حتى رفع
الصليب فوق أطلال الكابتول، ثم تغلغل في القارة الأوروبية، وانتقل إلى آسيا
وأفريقيا. واليوم تعتبر المسيحية أكبر ديانة في العالم، يدين بها أكثر من ربع سكان
الأرض.
هل المسيح شخصية تاريخية
لا يتسرب شكٌ لقلب أي مؤمن بالله
بوجود يسوع المسيح كشخصية حقيقية، فكل أتباع الأديان السماوية يؤمنون جازمين
وبيقين تام بكل الأنبياء، ويبجلونهم، ذلك لأن أسماءهم وأخبارهم وردت في الكتب
المقدسة، ولأن الله أمر بإتباعهم والإيمان بهم..
لكنّ عددا من الكتّاب والباحثين
والمؤرخين الجدد يشككون بوجود هؤلاء الأنبياء، بل وينفي بعضهم وجودهم تاريخيا،
سواء من منطلقات أيديولوجية، أو من منطلقات بحثية أكاديمية.. ويخصون بالتشكيك وجود
النبي إبراهيم، وموسى، وعيسى المسيح، وحتى النبي محمد.. فمثلا، يتحدث
الفيلسوف الفرنسي "ميشيل أونفراي" عن أن يسوع مجرد فرضية، وأن وجوده
كفكرة أكثر من كونه شخصية تاريخية حقيقية.
وحجتمهم الرئيسة في زعمهم هذا عدم
وجود أدلة أركيولوجية أو أي أثر مادي لهم، وعدم ذكرهم في السجلات والمخطوطات
التاريخية..
ومنهم من يعتقد بوجود هؤلاء
الأنبياء، لكنهم ينفون عنهم صفة النبوة، ويعتبرونهم شخصيات اجتماعية ذات شأن وحضور،
أو أنهم كانوا ملوكا وحكاما لحضارات سابقة، ولكن تم تقديسهم وأسطرتهم، أو زجهم في
سياق تكوّن ونشوء الأديان وتطورها..
لا يتسع المجال هنا لمناقشة تلك
الأطروحات، ولكن سنمر سريعا على مسألة تاريخية يسوع الناصري، نبي المسيحية.
المؤمنون بتاريخية المسيح يقدمون
الأدلة والبراهين التالية:
-
يعتقد هؤلاء جازمين بوجود شخصية تاريخية اسمها عيسى بن مريم، أو يسوع
الناصري، نبي المسيحية، ولد في بيت لحم، ونشأ في الناصرة، وصُلب في القدس.. ويرى
هؤلاء أن تاريخ القرن الأول الميلادي، الذي ظهر فيه المسيح، معروف للمؤرخين ولا
يوجد فيه غموض، وإن سجلات الرومان تحدثت عن المسيحيين، واعتبرتهم فرقة يهودية ولم تضطهدهم
حتى عهد نيرون.
- كُتّاب العهد الجديد يُظهرون معرفة دقيقة بأحداث القرن الأول
سياسياً واقتصاديا وثقافيا ودينيا. وقد ذكروا أسماء الأباطرة والحكام الرومان،
بطريقة تؤكد أنهم كانوا معاصرين للأحداث.
- اتفق أغلب المؤرخين (ومنهم
غير مسيحيين) أن عدة أجزاء من العهد الجديد كُتبت فعلياً في منتصف القرن الأول
منها أناجيل مرقص، ومتى، ولوقا، ويوحنا، وسفر الأعمال، ورسالة يعقوب، ورسائل بولس.
وبالإضافة للعهد الجديد توجد نحو 40 كتابة مسيحية من القرن الأول، تذكر المسيح، وتؤكد
وجوده، وتتحدث عن تلاميذه. ولعل أول تلك الكتابات المسيحية التي تحدثت عن يسوع هي
رسائل سانت بول، كتبت بعد 25 عاما فقط من وفاة المسيح. [1]
-
المؤرّخ العالمي، وويل ديورانت، يقول أنه لا يوجد أيّ شخص يهودي
أو أممي من القرن الأول قد أنكر وجود يسوع على الإطلاق. ومن المؤرخين غير
المسيحيين في القرن الأول الذين أكدوا على تاريخية المسيح: المؤرخ اليهودي يوسيفوس
فلافيوس (38 – 100م)، والمؤرخ الروماني تاسيتس (56-117 م)، والمؤرخ الروماني سوتونيوس
(46-120 م)، والفيلسوف السوري مارا ابن سرابيوم (73 م)، والمؤرخ
الروماني اسيتوس (55-120م)، والمؤرخ سيوطونيوس (69-130م). كما اعتبر الحكام الرومان
أن المسيحيّين أعداء روما، بسبب عبادتهم ليسوع كربّ بدلاً من قيصر. ومن بينهم
اثنان من القياصرة، وهم تراجان (56-117م)، وهادريان (76-136م)، وبليني الأصغر قاضي
الإمبراطورية في عهد تراجان. [2]
-
تكمن قيمة هذه الأدلة في أنها مبكرة ومفصلة، في حين أن السيرة الذاتية
المفصلة عن يسوع في العهد الجديد من الأناجيل يعود تاريخها الى حوالي 40 عاما بعد
وفاته. كل هذا مترافق مع شهادات العديد من شهود عيان عاشوا آنذاك، كما إن تلك
المصادر تقدم الوصف الذي يتوافق مع ثقافة وجغرافيا فلسطين في القرن الأول. [3]
-
وهناك العديد من الكتاّب
الوثنيّين الأوائل الذين كتبوا بإيجاز عن يسوع وعن المسيحيّين قبل نهاية القرن
الثاني. من ضمنهم ثالّوس، فليغون، مارا بار سيرابيون، ولوسيان السّاموساطي. [4]
المنكرون،
أو المشككون بتاريخية المسيح، يقدمون الحجج التالية:
يرى بعض هؤلاء أن نشأة المسيحية في القرن الأول في حد ذاتها أمر غريب
وغير متوقع مع وجود اليهودية.. فيما يقول آخرون أن اهتمام اليهود كان حينها منصبا
على مشكلة الاحتلال الروماني، وأنهم كانوا ينتظرون مخلّصاً (مسيا)، يأتي من أبوين
من نسل الملك داوود، ويكون قويا ومحاربا، يخلصهم من الرومان، ويعيد بناء الهيكل، ويقيم
مملكة الرب، أي أن اليهود انتظروا خلاصا نهائيا يشبه القيامة، أو نهاية التاريخ.. الأمر
الذي أتى بصورة مغايرة تماما مع "يسوع"، حيث أتى مسالما، ومتواضعا، ولم
يدع للحرب، بل قال (أو قيل على لسانه) "أعطوا ما لقيصر لقيصر، وما لله
لله"، والأغرب من وجهة نظر اليهود آنذاك أن المسيح أتى على هيئة بشر، يتألم،
ويمرض، ويقوم من الأموات.. لذا رفض اليهود التصديق بيسوع، واعتبروه مهرطقا وساحرا
ومضللا، وقد اتفقوا على "صلبه".
ربما يؤكد هذا الطرح وجود المسيح
تاريخيا، ولكنه يزعم (على لسان اليهود) أنه ليس المسيا المنتظر، وأنه مجرد مدع..
ومثل هذا الطرح يدعم فرضيات علمانيين معاصرين (لا يؤمنون بالمسيح)، حيث يزعمون أن
السلطة الرومانية اختلقت شخصية المسيح لتحييد فكرة الثورة الشعبية على الرومان،
لذا جاءت شخصيته مسالمة، ومحايدة تجاه السلطة "أعطوا ما لقيصر لقيصر، وما لله
لله". في حين يرد عليهم المؤمنون بأن المسيحية لم تكن فكرة رومانية؛ ولم تكن
الرسالة المسيحية في صالح روما.. صحيح أن المسيح وأتباعه لم يدعوا لمقاومة السلطة
الرومانية، لكنهم رفضوا عبادة الإمبراطور.
بينما يقول آخرون أن سبعة أشخاص
على الأقل ظهروا في تلك الفترة يزعم كلٌ منهم أنه المسيا المنتظر.
يقول المشككون بوجود المسيح أن أغلب
المعلومات التاريخيّة، إن لم نقل كلّها، عن يسوع، وصلتنا من طريق الأناجيل ورجال
الكنيسة، الأمر الذي يضعف صحّة هذه الروايات طالما يحكمها الطابع الدينيّ.. وأنهم
حاولوا البحث عن يسوع التاريخيّ، كيف ولد؟ وأين عاش؟ وماذا فعل؟ ولكن دون طائل،
حيث لا وجود لأدلة أركيولوجية على وجوده.
ويضيفون بأن الأبحاث التاريخيّة،
خارج روايات الأناجيل، زادت المسألة تعقيدا بدل حلّها، وازدادت حياة يسوع غموضا، خاصة
مع عدم وجود مراجع تاريخيّة محايدة معاصرة ليسوع، تفيدنا في تقصّي ولو خيط ضئيل عن
حياته، ناهيك عن شُح المراجع الأركيولوجيّة. [5]
ويستند هؤلاء في أطروحتهم لوجود أكثر
من مؤرّخ رومانيّ ويهوديّ معاصرا لتلك الفترة، لم يتحدث أيّ منهم ولو بكلمة عن
يسوع، كأنّهم لا يعلمون شيئا عن ولادته المعجزة، وعن تعاليمه التي أسّست ديانة
عالميّة، وعن قصّة صلبه ثمّ قيامته من بين الأموات، فهذا الصمت المريب لهؤلاء
المؤرّخين دفع عديد الباحثين إلى إنكار وجود يسوع واعتباره صناعة مسيحيّة متأخّرة
قائمة على رؤية دينيّة تؤسّس للخلاص والفداء باعتماد شخصيّة وهميّة. [6]
ويذكرون عددا من المؤرّخين
المعاصرين ليسوع، أو الذين جاؤوا بعده مباشرة، ولم يذكروا قصّته ولو عرضا :منهم المؤرّخ الروماني فاليريوس ماكسيموس، والكاتب الروماني بيترون، والفيلسوف
اليهودي فيلون الكسندريا، والشاعر اللاتيني بيرسيه، والكاتب
الروماني سينيكيوه، والشاعر الروماني لوسيان، والموسوعي الروماني بيلين أنسيين، ورجل
البلاغة اليوناني ديون كريستموم، والشاعر الروماني ستيس، والشاعر الروماني
فلاكيويس، والفيلسوف اليونانيّ بلوتاركيو.
ويضيف هؤلاء: بالنسبة لشهادة
المؤرخ يوسيفوس فلافيوس، فقد أتت في سطرين يتيمين ضمن ثلاثين مجلّدا. أما رسالة "مارا
بن سيرابيون"، والتي كتبت بالسريانيّة، فقد جاء فيها جملة "ملكهم الحكيم"
في الإشارة لمن قتله اليهود ولكن دون ذكر اسمه الصريح (المسيح). [7]
كما أن مخطوطات قمران والتي يعود
تاريخ كتابتها إلى الفترة ما بين 150 ق.م إلى 70 ميلادي لم تتضمن ذكرا للمسيح، أو
المسيحية. مع أن هذا الدليل ليس دامغا، فمعظم اللفائف كُتبت قبل الميلاد، وما كتب
بعدها لم يذكر وجود شخصيات ثبت وجودها تاريخيا مثل بولس، ولم تأت على ذكر الأناجيل
التي كتبت بعد سنة 70 م.
على أية حال، المقال لا يحاول
تفنيد حجج أيٍ من الفريقين حول تاريخانية المسيح، بقدر ما يهتم بنشوء المسيحية،
والفرق "المهرطقة" التي انبثقت عنها.. وهذه حقائق تاريخية لا تقبل
الشك.. ولكن، حول هذه الحقائق يعود الانقسام في الرأي مجددا؛ إذ يقول المؤمنون بأن
وجود تلاميذ للمسيح، وأتباع، وفرق، وتزايد أعدادهم بشكل مضطرد يؤكد على تاريخية
المسيح، ووجوده كشحصية حقيقية، فلا يعقل أن هؤلاء جاؤوا من العدم، أو من تلقاء
أنفسهم.. فيما يرد عليهم الرأي المعارض بأن الزيادة المضطردة في أعداد المسيحيين
تعود إلى الرسول بولس ورسائلة، ومن ثم في مرحلة لاحقة إلى اعتناق الإمبراطور
قسطنطين للمسيحية، وأنه خلال وبعد تلك المرحلة تم كتابة المسيحية، وقصة المسيح
بأثر رجعي.
بولس الرسول
يعد القديس بولس الرسول (10-67 م) أحد أبرز الشخصيات المسيحية الأولى،
كان يدعى شاؤول، قبل بدئه بالتبشير بالدعوة المسيحية. ظهر أولاً على مسرح
التاريخ بوصفه مضطهدا للمسيحيين، وفي سنة 34 اعتنق المسيحية، ولم يكن واحداً من
الحواريين الاثني عشر، لكنه صار رمزاً في تاريخ الدعوة المسيحية وحاملاً للوائها.
أسس العديد من الكنائس والأديرة التي انتشرت في آسيا وجنوب شرقي أوروبا، وأسهم في
اتساع الديانة المسيحية وامتدادها إلى العالم الغربي. أرسل عدداً من الرسائل
الإنجيلية إلى أتباعه، وهذه الرسائل الرسمية شكلت جزءاً أساسياً من العهد الجديد
(أعمال الرسل)، وهي من أقدم وأهم الكتابات المسيحية. [8]
اختلفت آراء الباحثين حول صحة هذه الرسائل، وتعد أعمال الرسل التي كتبها
لوقا الإنجيلي، رفيق بولس، المصدر الرئيس وربما الوحيد لسيرة بولس الرسول، متضمنة
حياته المبكرة، ورواية اعتناقه المسيحية ورحلاته التبشيرية.
ولد بولس في طرسوس جنوب تركيا، في عائلة يهودية، حصل في بلده على الثقافة
اليونانية، ثم أرسل في شبابه إلى القدس، ليتلقن اللاهوت اليهودي، فجمع في شخصيته
ثلاثة جوانب: نشأته اليهودية، ومواطنيته الطرسوسية، ورعويته الرومانية.
بدأ رحلاته التبشيرية في آسيا الصغرى سنة 45م، ووصل سورية ومكدونيا وفريجية
واليونان وأنطاكيا وأفسس في الأناضول، حتى عاد إلى روما، حيث اعتقل وحكم عليه بالإعدام..
ساهم في تشكل اللاهوت المسيحي، وإقامة دين شامل ومستقل، وتحرير المسيحية من
الموسوية (إلغاء الختان). استمر تأثير بولس بعد وفاته، فجُمعت رسائله لتكون جزءاً
أساسياً من العهد الجديد، وصارت مرجعاً للكتابات المسيحية، حتى أن الكثير من
الجمعيات المسيحية تعتبره مؤسساً حقيقياً للمسيحية. [9]
كما رأى
باحثون كثر، ومنهم "شارل جينيبير" في كتابه المسيحية العتيقة (1921)، والذي نشره عبد
الحليم محمود، شيخ الأزهر الأسبق، أنَّ بولس هو مؤسِّس الديانة المسيحيَّة؛ والسبب
أنَّ تأثير العقائد السائدة في الأمم السابقة مثل عقائد القبَّالة والغنوصيَّة
والرواقيَّة المؤمنة بآلهة وثنيَّة لم يكن لأيٍّ من الرُّسُل الأحد عشر الآخرين
ليُحدثه.[10]
ومن أهم ما فعله بولس إضافة عقيدة التثليث أو الثالوث
المقدس [11]،
والقول بربوبية يسوع، والترويج لفكرة أن الخلاص يأتي عبر الإيمان بيسوع
"المسيا"، وليس عبر الالتزام بشريعة موسى (كما تقول اليهودية)، وبذلك هو
فعليا من حرر المسيحية من اليهودية.
كما اعتبر بعض المفكرين بأن المؤسس الحقيقي للمسيحية
هو بولس وليس يسوع. منهم "فرويد" في كتابه "مستقبل وهم"، والمؤرخ
"أدولف فون هارناك" في كتابه "جوهر المسيحية". والباحث "كورادو
أوجاس"، وحسب رأي الفاتيكان فإن تلك الكتب تفتقر لمنهج البحث العلمي المتين،
وتنطلق من حكم مسبق وإيديولوجية معادية للمسيحية. [12]
وفي
كلمة لقداسة البابا "بندكتس السادس عشر" عن علاقة بولس الرسول بالجماعة
الرسولية الأولى، دحض هذه النظريات، وقال إنها لا ركيزة حقيقية لها، وأنّ رسائل
القديس بولس نفسها تشهد أن بولس الرسول إنما نقل إلى الآخرين ما سبق وتلقاه هو
بدوره ممن سبقوه وكانوا شهودًا عيان لحياة يسوع الناصري ولأقواله وتعاليمه، وأن
علاقة القديس بولس بالرسل الذين سبقوه في إتباع المسيح كانت علاقة احترام وتقدير.
وذكر
البابا أن لقاء بولس بكيفا (بطرس) في أورشليم لقاءً فريدًا: فقد بقي بولس عنده مدة
15 يومًا ليستشيره، ولذا يمكننا أن نستخلص أن بولس كان حريصًا جدًا على أن يحصل
على معلوماته حول يسوع المسيح من المصادر الموثوقة، أي الرسل الأولين، لكي لا يبني
إيمانه على حكمة بشرية أو على خرافات، "أنقل لكم ما قد تلقيته بدوري".
ويضيف
البابا: "لا يمكننا أن ننكر عبقرية بولس في نقل المسيحية، ولكن رسائله التي
أوكلها إليه يسوع عملت على تثبيت وضمانة ألا يخرج التلاميذ عن التعليم الذي تلقوه
من الرب يسوع، وأسهمت في إيصاله إلى الشعوب الوثنية بلغتها، تلك اللغة التي كان
بولس ضليعًا فيها نحوًا وفلسفةً وثقافة. [13]
وأيضا
اعتبر بعض الباحثين الإسلاميين أنّ بولس الرسول هو المؤسس الأول للمسيحية، ولكنها
من وجهة نظرهم مسيحية غير صحيحة، ومحرفة، وتختلف عن دين المسيح الصحيح، لكونه أدخل
عليها فكرة ألوهية المسيح والثالوث وغيرها من الأمور التى يعتبرونها في معتقداتهم
شرك، ومن هذا المنطلق يهاجمونه بشدة.
والمقال
هنا لا يناقش الفروقات المفترضة بين رسائل بولس وتعاليم المسيح الأولى، وهل حرّف
بولس المسيحية أم لا.. ما يعنينا هنا أن أعداد من آمن بالمسيح واتبعه أثناء حياته
كانت قليلة جدا، وربما كانوا في طريقهم للتحول إلى طائفة أقلية، لولا رسائل بولس والجهد
الذي بذله في الدعوة للمسيحية، وإقامته للأديرة والكنائس.
الفرق المهرطقة المبكرة
"الهرطقة" كلمة يونانية، وتعنى
أن شخصاً اختار رأياً أفضل من رأي آخر. ثم أطلقت الكنيسة تعبير مهرطق على أي شخص يؤمن
بفكرة تختلف عن أفكار الكنيسة، أو اعتناق أفكار مغايرة للعقيدة الصحيحة، ومن وجهة
نظر الكنيسة فإن الهرطقه أضرت بوحدة المؤمنين وقسمتهم وأضلتهم، ولأنها شككت بتعاليم
المسيح فقد عملت على تعطيل رسالته. ومن هنا حاربت الكنيسة بقوة كل الفرق
"المهرطقة".
ويمكن إرجاع ظهور الهرطقات إلى عدة أسباب،
منها دخول أعداد كبيرة من الأمم إلى المسيحية، بما يحملون من ثقافات وفلسفات
يونانية وغنوصية ومحاولاتهم الدمج بين هذه الفلسفات والإيمان المسيحي، ومحاولة بعضهم
إيجاد طريق وسط بما لا يتعارض مع مبادئ الديانة اليهودية ولا ينكر المسيحية، ومحاولة
آخرين الوصول إلى تحليل عقلي للإيمان بالمسيحية.. بيد أن الخلاف على طبيعة المسيح،
ومفهوم الخلاص كان المحور الذي تعددت حوله الآراء، وبالتالي تعدد واختلاف الفرق
التي اعتبرتها الكنيسة مهرطقة، حيث تبنت كل فرقة وجهة نظر مختلفة سواء بشأن طبيعة
المسيح، أم عن مفهوم الخلاص، أو حول التمسك بالناموس.
وفيما يلى سنحاول التعرف بإيجاز شديد على
أهم الفرق التي اتهمت بالهرطقة، أي التي ظهرت قبل مؤتمر نيقية:
1. الغنوصية
الغنوصية كلمة يونانية، وتعني المعرفة، أو العلوم الخاصة بالأمور
الروحية أو الإلهية. وهي خليط من الأفكار الفلسفية الدينية الهلينية، والثنائية
الفارسية، واليهودية، والمسيحية.
بدأت الغنوصية المسيحية في القرن الأول الميلادي، ولكنها
ازدهرت وانتشرت في القرن الثاني، ومن آباء الغنوصية "فالنتينوس" المولود
في الإسكندرية عام 100 م، وأيضا السوري باسيليدس، والذي أكد على عدم صلب المسيح،
وأنه رُفع إلى السماء.. ويعتبر "سيمون" الوارد ذكره في سفر أعمال الرسل،
هو أبو الغنوصيين حسب رأي بعض المؤرخين.
حاولت الغنوصية المسيحية شرح أصل ومصير الروح، بإسقاطها إلى
عالم المادة، واعتبارها سجينة الجسد الحسي، الأمر الذي أدى لتأثّر الإله الأعظم بسقوطها،
فأرسل المخلص لكي يخلصها من هذا السجن، واتخذ هذا المخلص مظهر إنسان لأن الإله لا
يمكن أن يتحد بالمادة المرئية، واستطاع بهذه الطريقة أن يعلن للعارفين (الغنوصيين)
أصلهم، أي أنهم من عالم سماوي. [14]
وبالرغم من تنوع مذاهب الغنوصية إلا إنها تشترك في أن المعرفة
تأتي عن طريق الإلهام، وبهذه المعرفة فقط نستطيع الوصول إلى إدراك وفهم مَن نحن،
وما هو مصدرنا وأصلنا، وما هي الغاية التي نسعى إليها، وبهذه المعرفة نستطيع
الوصول إلى الخلاص من الأشياء الحسية التي تربطنا بالمادة. وبالتالي لا يصل
الإنسان إلى الخلاص عن طريق الإيمان الذي يمنحه الله إياه في المسيح، بل عن طريق
المعرفة التي تنير وترشد إلى الطريق الحقيقي، فلا خلاص عن طريق الإيمان.
وتؤمن الغنوصية بثنائية الخير والشر وبالتالي ترى وجود سلطتين
أو مملكتين: مملكة النور: يحكمها
ويسيطر عليها الإله السامي غير المعروف (الإله الأعلى)، وهناك إله ثاني أدنى درجة
هو من خلق البشر، وقد خرجت من الإله الأعلى آلهة متنوعة الدرجات، وآخر إله خرج منه
هو إله اليهود "يهوة". وكما خرجت عنه مملكة الظلام أو المادة، والتي
يحكمها إبليس، وتعاونه في الحكم جماعة متنوعة من الشياطين متعددة الدرجات.
[15]
كما رفضت الغنوصية عقيدة الصليب باعتبارها لا تتفق مع لاهوت المسيح،
ويقولون أن من صُلب هو سمعان القيرواني الذي شُبّه لليهود.[16]
تمكنت الكنيسة الرسمية من القضاء على الغنوصية وإتلاف
كتبهم وأناجيلهم المنحولة، بيد أنه في العام 1945 عثر عن طريق الصدفة على مخطوطات
غنوصية مسيحية في "نجع حمادي" في صعيد مصر، تضم أناجيل منحولة، وحكم
وقصص وتعاليم غنوصية،
وكتب ابوكريفا.[17]
2. الماركونية
تعتبر الماركونية من الفرق الغنوصية،
أسسها ماركيون المولود حوالي عام 120م في مدينة سينوب على البحر الأسود، من أسرة
مسيحية وهو من تلاميد بولس وإن لم يعاصره، ويتفق مع بولس على نقد العهد القديم
ونبذ الناموس، وكان أبوه أسقفاً للمدينة. لكنه كان على خلاف مع والده، مما جعل
الأخير يقوم بحرمانه من الكنيسة، سافر إلى روما عام 140م وانضم لكنيستها، ولكنه اختلف
معها مما دفع بالكنيسة لحرمانه عام 144م، ويعتبر هذا أول انشقاق لجماعة من جسد
الكنيسة. على إثر حرمانه قام بتأسيس كنيسة، وجعل فيها نفس الرتب الكهنوتية، وانضم
إليه عدد كبير من الأتباع بسبب نشاطه، واستخدام أمواله في استقطاب الأتباع.
خلت تعاليم ماركيون من الثنائية التي
تكلم عنها فلاسفة اليونان، ولكنه نادى بنوع آخر من الثنائية تعلم بوجود إلهين: الإله
العظيم السامي المحب، وهذا الإله غير معروف ومخفي، ولا صلة له بالعالم وليس هو
الخالق. والإله الثاني، وهو أقل درجة من الإله الأول،
ولا يعتبر إلهاً شريراً ولكنه عادل وسريع الغضب ومنتقم، يحارب ويسفك دماء أعدائه
بلا رحمة، وهو الذي قام بعملية الخلق، وأوجد العالم، ثم اختار شعباً ليكون شاهداً
له وهو الشعب اليهودي الذي أعطاه الناموس، وترك بقية الشعوب فريسة للمادة والوثنية.
يعتقد ماركيون أن المسيح ليس هو
المسيا الذي تنبأ به العهد القديم، وأن المسيح الحقيقي هو الذي ظهر في عهد طيباريوس
قيصر، كذلك يعتقد ماركيون أن الإله السامي المحب قد أظهر نفسه في يسوع المسيا في
وقت العماد وهذا هو التجسد، وهدف التجسّد هو تحرير البشر من ناموس الإله الأدنى
مرتبة، الذي ثار وهيج اليهود على المسيح فقتلوه. تمسك ماركيون بعشر رسائل
فقط من رسائل القديس بولس وبأجزاء من إنجيل القديس لوقا، أما باقي العهد الجديد
فأنكره، وحذف منه أيضاً كل الاستشهادات المأخوذة من العهد القديم.[18]
3.
البنيويون
يؤمن البنيويون بأن يسوع لم يكن ابن
الله بالطبيعة بل بالتبني، وأنه مولود من عذراء، لكنهم يرفضون أزليته. (أنت ابني
وأنا اليوم ولدتك) (المزمور 2:7). [19]
ومن مؤسسي هذه الفرقة ثيودوثيوس، وكان يُلقب بالدباغ، وكان مثقفاً ثقافة مسيحية ومتأثرا
بالفلسفة اليونانية، جاء إلى روما في نهاية القرن الثاني بعد ماركيون مباشرة، لذا
وجد بيئة خصبة لنشر تعاليمه، ولكنه اختلف معه في تمسكه بكلا العهدين ومحاولته
إثبات صحة تعاليمه من خلالهما. حكم فيكتور أسقف روما سنة
192م بضلالة هذه التعاليم وأدان ثيودوثيوس، ولكن هذا الحكم لم يستطع أن يوقف سريان
هذه التعاليم وانتشارها في روما وخارجها. [20]
4. الانتحالية
نشر بعض المعلمين الأوائل تعاليم جديدة
سُميت "موداليسم" حوالي عام 180م، منهم نوتوس المسميرني، والكاهن
سابيليوس، وبولس السميساطي، ولوقيانوس السميساطي،[21]
وانتشر هذا المذهب في روما في أيام البابا زفيرنوس (202-217)، رأى هؤلاء أن عقيدة
الثالوث في الله الواحد عقيدة صعبة وغير مقبولة ومرفوضة من اليهود والوثنيين، لذا
حاولوا شرح هذه العقيدة بنظرية مبسطة، مفادها: أن الله الأزلي الذي خلق العالم وكل
ما فيه خرج عن صمته وعن راحته بخلق هذا العالم، وعندما خلقه أصبح الله الآب الخالق
جوهراً واحداً وشخصاً واحداً، ووحدة واحدة وهو نفس الشخص من الخلق إلى التجسد. أي
أن الإله الذي تجسّد في يسوع الناصري ليس الابن أو اللوغوس بل هو الله نفسه، أي أن
الآب أصبح ابناً وهو الذي صُلب وتألم ومات. رفضت الكنيسة الرسمية هذه
الدعوة، وقام البابا كاليستوس بإصدار حرماناً ضد سابليوس وأتباعه عام 220 م. [22]
5.
الأريوسية
ولد أريوس عام 250 م في ليبيا، وترأس
كنيسة الإسكندرية عام 310 م، تعلم في أنطاكيا جنوب تركيا على يد لوقيانوس
السميساطي. وهناك أنشأ الأريوسية، التي انتقلت إلى الإسكندرية. [23]
تتخلص "بدعة" أريوس فى أنه
فصل بين اللاهوت والناسوت في شخص المسيح، وعارض عقيدة الثالوث المقدس، وعارض ألوهية
المسيح، [24]
بسبب سرعة انتشار الأريوسية وما شكلته
من خطر على الكنيسة الأرثوذوكسية، التي رأت أنها تهدد العقيدة المسيحية، بينما رأى
الإمبراطور قسطنطين أنها تهدد وحدة واستقرار الإمبراطورية.. لذا عُقد مجمع نيقية
المسكوني عام 325 م، وهناك لعب الشماس
السكندري أثناسيوس دورا
هاما في محاربة الأريوسية، ما أدى في النهاية إلى حرمان أريوس، وإدانة افكاره،
ونفيه.. ولكن ومع ذلك واصلت الأريوسية انتشارها في مختلف العالم المسيحي.
وهناك أيضا من الفرق المهرطقة: السيموساطية، اللوشيانوسية،
وغيرها من الفرق التي كان سبب انشقاقها عن الكنيسة حول مفهوم الرب وطبيعة يسوع،
وفي العموم نبذت الكنيسة الرسمية كل هذه الفرق، وحرمتها، ولم يعد لها من إتباع في
الوقت الحاضر سوى أعداد قليلة جدا. [25]
معظم الفرق "المهرطقة" نشأت
في روما، أو عاشت خارج المنطقة العربية، باستثناء الأبيونية التي خرجت من فلسطين، لذا
سنسلط الضوء على "الأبيونية"، ولما لها من علاقة غير مباشرة بظهور
الإسلام.
6. الأبيونية
الأبيونيون هم جماعة خرجت من كنيسة "أورشليم"
(50 م)، والأصح وصفهم بالاتجاه المسيحي ذو الأفكار المتعددة والمتنوعة الذي آمن
بيسوع كمخلص. وقد رفضت الأبيونية تصديق رسائل بولس، وكانت تنادي في الكنائس
المسيحية بالعودة إلى الناموس (شريعة موسى). يُرجع البعض اسمهم إلى مؤسسهم الذي
يُدعى أبيون؛ ولكن الرأي الأرجح أن كلمة أبيون تعني في العبرية (فقير) وجمعها أبيونيم
أي فقراء. ظهرت هذه الفرقة أثناء حياة القديس يوحنا، وحسب المؤرخ "لايت فوت"
فقد ظهروا في أيام حكم تراجان (52 إلى 117 م). ومعتقداتهم مزيج من
اليهودية والنصرانية.
فهم ولدوا يهوداً ثم صاروا مسيحيين،
وحافظوا على شريعة موسى (الختان، السبت، الكوشير، تحريم الخمر والخنزير، الغسل من
الجنابة، والصلاة والصيام..)، ويؤمنون بأن يسوع هو المسيا، لكنهم يرفضون تأليهه.
لا يؤمنون بالأناجيل الأربعة، بل بتعاليم يعقوب الذي صار رأس تلاميذ يسوع بعد
موته، ويؤمنون بإنجيل متى باستثناء الإصحاحين الأول والثاني، ويسمونه إنجيل
الناصريين، أو إنجيل العبرانيين (كُتب بالآرامية). [26]
يؤمن الأبيونيون بأن يسوع هو مختار
الله، وهو النبي الحقيقي، ولكنهم يرفضون ميلاده العذروي ويقولون أنه ابن يوسف النجار
ومريم، يرفضون وجود المسيح السابق قبل التجسّد، وبناء على ذلك فهو لم يولد من
الروح القدس ولا من الله، بل خُلِق كما خُلقت الملائكة، أي أنهم يعترفون بناسوت
المسيح ولكنهم ينكرون لاهوته. ويتحدث العلامة "أوريجانوس" عن
طائفتين من الأبيونيين إحداهما تنكر الحمل العذروي بالمسيح، بينما تؤيد ذلك
الطائفة الأخرى. واتخذوا لهم لقب الناصريين، وكانوا يتحدثون بالآرامية، وكان لهم
إنجيلهم الخاص، وهو إنجيل متى. (موسوعة
آباء الكنيسة- المجلد الأول – الهرطقات النابعة من اليهودية أولا الأبيونيون
والناصريين). [27]
يخلط
الكثيرون بين المسيحية والنصرانية، حيث أطلق قديما اسم النصارى على الأبيونيين فقط
دون الطوائف الأخرى، وقد انتهت هذه الطائفة، وصارت تراثا ثقافيا. وقد تحدث القرآن
الكريم عن النصارى (الأبيونيين) وعقيدتهم، دون الإشارة إلى المسيحية، فقد ذكر
القرآن فئة النصارى واليهود والصابئة ولم يذكر اسم المسيحيين، علماً بأن المسيحيين
كانوا منتشرين فى معظم العالم القديم، وكانوا أكثر عدداً من (النصارى/
الأبيونيين)، فكان منهم الروم (البيزنطيين)، والرومان، والأويوسيين، والأقباط..
وكان النبي محمد على معرفة بالطوائف الأخرى، فمثلا في الرسالة التى أرسلها إلى هرقل
يدعوه فيها إلى الإسلام ذكر طائفة تعتبرها الكنيسة خارجة عن المسيحية، وهم
الأريوسيين، ولم يطلق محمد اسم النصارى على الأقباط، بل دعاهم القبط (أخرج ابن عبد
الحكم، عن مسلم بن يسار، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: استوصوا بالقبط
خيراً، فإنكم ستجدونهم نعم الأعوان على قتال عدوكم). فلماذا لم يسمهم نصارى مصر؟
في حين استخدم وصف نصارى نجران ونصارى العراق ونصارى الشام، حيث كان المذهب
النصراني موجودا في هذه البقاع. [28]
يحمل
الأبيونيون فكرا متمايزا، اعتبر خارجا عن الإيمان المسيحى السائد آنذاك. ويتسم
الأبيونيين بالتزمت النصي والحفظ الحرفي، ويدعون للتمسك بالشريعة القديمة والعودة
للجذور، بعقلية أصولية، والملتزمون منهم يحترمون السبت، ويحفظون الناموس الموسوي
حرفياً، وينادون بأن الختان ضروري للخلاص، وأن الناموس القديم فرض على جميع
المسيحيين ويجب عليهم إتباعه.. لذلك نظروا إلى المؤمنين من الأمم الذين رفضوا
الخضوع للناموس القديم على أنهم نجسون. ويعتقدون بإنجيل متى فقط، ويرون الأناجيل الأخرى
محرفة، وقد رفضوا رسائل بولس، ويصف الأنبا غريغوريوس مدى كره الأبيونيين لبولس
فيقول: "وأنهم إتهموه بإتهامات مرة وقاسية، ووصفوه بالمتمرد والمارق عن
الناموس، وأنكروا سلطانه ورفضوا رسائله." [29]
ويرفض
الأبيونيون لاهوت المسيح، فالمسيح عندهم نبي ورسول، ويؤمنون بالمعجزات التي تمت
علي يديه، ويرفضون تعرض المسيح للموت والألم، ويرفضون الصلب، ويعتقدون بأنه رفع إلى
السماء، بل ويرفضون قضية الفداء بمجملها، كما أنهم يؤمنون بأن المسيح سيعود آخر الزمان
ليحكم لمدة ألف سنة. (موسوعة
آباء الكنيسة، المجلد الأول، الهرطقات النابعة من اليهودية أولا الأبيونيون
والناصريون).
والبعض
يصنف الأبيونيين كطائفة يهودية أكثر من كونها مسيحية، أو كمجموعة من الأسينيين
بدؤا يميلوا إلى المسيحية عقب سقوط أورشليم (70 م)، أو ربما لحق بهم بعض الأسينيين
فيما بعد، وهذا يفسّر وجود أفكار وممارسات أسينية لدى بعض الإبيونيين، فهم لم
يتحولوا إلى المسيحية إنما ظلوا يهودا بعناصر مسيحية، حيث أخذوا بعضا مما سمعوه عن
المسيح وخلطوه مع فكرهم اليهودي، فمثلا وصفهم بوضوح القديس ابيفانيوس بأنهم يهود
تقليديين منحرفين عن الإيمان والممارسات اليهودية، وقد كانوا يسمون الأماكن التي
يجتمعون فيها مجامع لا كنائس.
وربما
يكون وصف الأبيونيين باليهود وصفا مضللا، ذلك لأن المسيحية خلال النصف الأول من
القرن الأول كانت امتدادا لليهودية، ولم تنفصل عنها إلا بعد ذلك.
وقد
قال عنهم ارينيؤوس تلميذ بوليكاريوس تلميذ يوحنا تلميذ يسوع قال إنهم ليسوا
مسيحيين: "ماذا أقول عن الأبيونيين؟ الذين يدعون أنهم مسيحيون، إنهم
أرادوا أن يكونوا يهوداً ومسيحيين في وقت واحد وما إستطاعوا أن يكونوا يهوداً أو
مسيحيين". (يوسابيوس،
تاريخ الكنيسة، كتاب 3 فصل 27 فقرة 5).
منشأ
الأديان السماوية، وتشابهها
لا
تولد الأفكار العظيمة بغتة، ولا تتكون فجأة، ولا تنشأ من فراغ؛ ولا تهبط من
السماء؛ وإنما هي حصيلة تواصل معرفي وروحي ووجودي طويل، ومحصلة تراكم ثقافي،
ونتيجة تلاقح ظروف ذاتية وموضوعية.. تبدأ صغيرة، أو كفكرة عظيمة ولامعة، ولكنها
تحتاج مساراً تاريخياً طويلاً حتى تنضج.
الشي
ذاته ينطبق إلى حد كبير على الأديان، والتي تخضع لنفس القوانين الاجتماعية، وتحتاج
لمسار تاريخي ممتد.. لذلك ليس من الغريب أن نرى تشابها كبيرا بين جميع الأديان في
سماتها العامة وقسماتها الرئيسة، وأن نرى تقاربا أكبر وأوضح بين الأديان
الإبراهيمية بالذات.. بل وسنجد تأثراً وتأثيراً متبادلا فيما بينها، وحتى مع
الأديان الأيقونية التي وجدت في فترات موازية أو سابقة لها.. بل وقد نجد تأثرا
بالموروثات الثقافية والأساطير الشعبية للشعوب والحضارات القريبة، بما فيها
الثقافات الوثنية.. وبتتبع المسار التاريخي والسيسيولوجي، وبتفحص وتأمل لمحتوى
ومضامين وتعاليم تلك الأديان سنجد امتدادا طبيعيا وتواصلا وانسجاما ما بين اليهودية
والمسيحية والحنيفية والأبيونية وصولا إلى الإسلام؛ والشواهد على ذلك كثيرة؛ وهذا
لا يتضمن أي انتقاص أو نقض للأديان، بل هي دراسة تاريخية تساعد على التعرف على
الأديان بشكل أكثر عمقا، وتساهم في خلق ثقافة أكثر تسامحا مع الأديان الأخرى،
وأكثر تقبلا للاختلاف فيما بينها.
فالتشابهة
بين الأديان الإبراهيمية من وجهة نظر دينية، وبحسب ما يعتقد به المؤمنون كافة سببه
أنها من لدن رب واحد؛ الله سبحانه الذي أرسل رسله وأنبياءه للدعوة لدين واحد..
ولأن الكتب المقدسة (التوراة والإنجيل والقرآن) كما يعتقد المؤمنون كافة هي من نفس
الإله الخالق..
ومن
وجهة نظر إسلامية، فإن القرآن الكريم تعامل مع جميع الرسل والأنبياء على أنهم
أصحاب رسالة واحدة، وعلى أن عقائد الأديان جميعها متشابهة، وهى الإيمان بالله
واليوم الآخر، والعمل الصالح، والثواب والعقاب، وإن كانت تتمايز من حيث الشرائع
والأحكام. (هكذا تكلم ابن عربى، نصر حامد أبو زيد)، وعن وحدة الدين قال تعالى: "شَرَعَ
لَكُم مِنَ الدِينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا
وَصَيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِينَ وَلاَ
تَتَفَرَقُوا فِيهِ". (الشورى، 13).
وفى
مقابل وحدة الدين تختلف الشرائع، فلكل جماعة دينية شرعة مختلفة.. "لِكُلٍ
جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَة وَمِنْهَاجا وَلَوْ شَاءَ اللَهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَة
وَاحِدَة". (المائدة، 48)، وكذلك المناسك التى هى جزء من الشريعة، تختلف
باختلاف الشرائع: "لِكُلِ أُمَةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكا هُمْ نَاسِكُوهُ".
(الحج، 67).
وهذا
الفهم الإنساني الرحب يتسع ليستوعب كافة الأديان السماوية، ضمن دين عام وشامل، هو
الإسلام بالمعنى اللغوى. لذلك فعندما قال تعالى: "إِنَّ
الدِّينَ عِندَ اللَهِ الإِسْلامُ"، فإن المقصود هو هذا الدين العام الشامل
الذى نزل على كل الأنبياء، ولذلك يجب ألا نستغرب أن كل الأنبياء بلا استثناء
يوصفون فى القرآن بأنهم مسلمون.
وطالما
وصف القرآن اليهود والنصارى بأهل الكتاب: "وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ
الكِتَابِ إِلاَ بِالَتِى هِيَ أَحْسَنُ"، "وَإِنَّ هَذِهِ أُمَتُكُمْ
أُمَةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُكُمْ فَاتَقُونِ"، "وَإِلَهُنَا
َوَإِلَهُكُم وَاحِدٌ".. كما اعترف القرآن بالكتب المقدسة، وقد أمر الله أهل
الإنجيل بأن يحكموا بما أنزل الله فيه: "وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم
بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ
وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ
يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ
يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ". (المائدة، 46، 47). واستنكر
على اليهود أن يحكموا رسول الله وعندهم التوراة تتلى عليهم (الآية 43 من سورة
المائدة). "نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ
يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ". (آل عمران، 3).
كما
جاء في القرآن: "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ
وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا
فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ
يَحْزَنُونَ". (البقرة، 62). "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ
هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَىٰ مَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ".
(المائدة، 69). "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا
وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ
اللَّـهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّـهَ
عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد". (الحج، 17).
ومن
وجهة نظر أكاديمية محايدة وعلمانية فإن التشابه بين الأديان، وبين الكتب المقدسة،
هو لأن منشأها وتطورها ومسارها خضع لقوانين اجتماعية معينة.. ولأنها تأثرت ببعضها
البعض، وأخذت وأعطت وتفاعلت فيما بينها، شأنها شأن أي ظاهرة اجتماعية وتاريخية
أخرى. بمعنى أن الأديان تأثرت ببعضها، وجاءت امتدادا تاريخيا لبعضها البعض لأنها
نتاج تفاعل إنساني بشري، حتى لو نسبت نفسها إلى السماء.
الأبيونية
بين اليهودية والمسيحية والإسلام
لاحظنا
كيف خرجت المسيحية من رحم اليهودية، بل إنها ظلت ولفترة ليست قصيرة امتدادا
لليهودية، أو كفرقة منشقة عنها، ولم تتحرر عن اليهودية ولم تستقل بنفسها كديانة
منفصلة إلا بعد قرن من الزمان.
ومعظم
الفرق والمذاهب التي انبثقت عن المسيويهودية، أو التي سميت بالفرق المهرطقة، كانت
في الأصل يهودية ثم صارت مسيحية، أو أنها ظلت تحمل شيئا من اليهودية وشيئا من
المسيحية.. وأخص بالذكر الأبيونية، كما سبق شرحه.
والآن
سنأتي إلى مناقشة هل، وكيف تأثر الإسلام بالأبيونية بشكل خاص، وفي سياق أعم وأشمل
تأثره باليهودية والمسيحية في آن معا.
الأبيونية
وعلاقتها بنشوء الإسلام
يرى
بعض المؤرخين أن أول هجرة أبيونية نصرانية من فلسطين بدأت عام 70 م بعد
تدمير أورشليم، وكان مقصدها جزيرة العرب وبادية الشام ووادي الرافدين، ثم توالت
الهجرات كلما حصل اضطهاد في فلسطين. وهكذا رحل العديد من الأبيونيين إلى جزيرة
العرب واستقروا فيها، ونشروا فكرهم وتعاليمهم، وقد ذكر المؤرخ الشهير اليعقوبى أن الغساسنة
الذين سكنوا بادية الشام أصبحوا نصارى.
كما
انتشرت النصرانية شمال وجنوب الجزيرة، وفي مكة، حتى أن بعض قبائل قريش اعتنقتها
(بنو أسد).
ومن
أشهر الأبيونيين القس ورقة ابن نوفل أسقف مكة، وابنة عمه خديجة بنت خويلد التي
تزوجها النبي محمد طبقاً للعقيدة الأبيونية النصرانية، وقد ظل محمد أمينا فى زواجه
النصراني بشريعة الزوجة الواحدة حتى ماتت خديجة (كتاب المفصل في تاريخ العرب، د.جواد علي).
وعن
علاقة ورقة بالنبي محمد جاء في كتب التراث: "ثُمَّ انْطَلَقَتْ به خَدِيجَةُ
حتَّى أتَتْ به ورَقَةَ بنَ نَوْفَلِ بنِ أسَدِ بنِ عبدِ العُزَّى بنِ
قُصَيٍّ وهو ابنُ عَمِّ خَدِيجَةَ أخُو أبِيهَا، وكانَ امْرَأً تَنَصَّرَ في
الجَاهِلِيَّةِ، وكانَ يَكْتُبُ الكِتَابَ العَرَبِيَّ، فَيَكْتُبُ بالعَرَبِيَّةِ
مِنَ الإنْجِيلِ ما شَاءَ اللَّهُ أنْ يَكْتُبَ، وكانَ شيخًا كَبِيرًا قدْ عَمِيَ،
فَقالَتْ له خَدِيجَةُ: أيِ ابْنَ عَمِّ، اسْمَعْ مِنَ ابْنِ أخِيكَ، فَقالَ
ورَقَةُ: ابْنَ أخِي مَاذَا تَرَى؟ فأخْبَرَهُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه
وسلَّمَ ما رَأَى، فَقالَ ورَقَةُ: هذا النَّامُوسُ الذي أُنْزِلَ علَى
مُوسَى، يا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا، أكُونُ حَيًّا حِينَ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ. فَقالَ
رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أوَمُخْرِجِيَّ هُمْ فَقالَ
ورَقَةُ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بمِثْلِ ما جِئْتَ به إلَّا
عُودِيَ، وإنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا، ثُمَّ لَمْ
يَنْشَبْ ورَقَةُ أنْ تُوُفِّيَ، وفَتَرَ الوَحْيُ فَتْرَةً حتَّى حَزِنَ النبيُّ
صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فِيما بَلَغَنَا، حُزْنًا غَدَا منه مِرَارًا كَيْ
يَتَرَدَّى مِن رُؤُوسِ شَوَاهِقِ الجِبَالِ، فَكُلَّما أوْفَى بذِرْوَةِ جَبَلٍ
لِكَيْ يُلْقِيَ منه نَفْسَهُ تَبَدَّى له جِبْرِيلُ، فَقالَ: يا مُحَمَّدُ،
إنَّكَ رَسولُ اللَّهِ حَقًّا، فَيَسْكُنُ لِذلكَ جَأْشُهُ، وتَقِرُّ نَفْسُهُ،
فَيَرْجِعُ، فَإِذَا طَالَتْ عليه فَتْرَةُ الوَحْيِ غَدَا لِمِثْلِ ذلكَ، فَإِذَا
أوْفَى بذِرْوَةِ جَبَلٍ تَبَدَّى له جِبْرِيلُ فَقالَ له مِثْلَ ذلكَ. الراوي: عائشة
أم المؤمنين، المصدر: صحيح البخاري، رقم: 6982.
وجاء
في كتاب فتح الباري، لابن حجر العسقلاني، الجزء الأول: "أن
القس "يقصد ورقة بن نوفل"، كان يؤوب إلى ما بقى من الرهبان
على دين عيسى الذي لم يبدل، وهم الفرقة النصرانية التي لم تزعم أن إبن مريم
إله يعبد مع الله، وهم النصارى الموحدون أو النصارى المتهودون أو الأبيونيون".
وبحسب
أبو موسى الحريري، كان ورقة بن نوفل يهودياً ثم صار نصرانياً. هذا القول يعني أن
ورقة كان يأخذ بتعاليم موسى وعيسى معاً، أي كان يقيم التوراة والإنجيل في آن، وما
يدعم ذلك ما ورد في القرآن: (قُلْ يَٰا أَهْلَ ٱلْكِتَٰبِ لَسْتُمْ عَلَىٰ شَىْءٍ
حَتَّىٰ تُقِيمُواْ ٱلتَّوْرَىٰةَ وَٱلْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن
رَّبِّكُمْ). (المائدة 68). ويعنى ثانياً أن ورقة كان مقتصداً في عقيدته، لا يغلو
في نظرته إلى المسيح، كوفد نجران المسيحي القائل بألوهية المسيح؛ ولا يقتصر على
موسى، كاليهود الذين ينكرون على عيسى نبوته. وقد آمن في المسيح نبياً أتى يكمل
ناموس موسى دون أن يكون إلهاً أو إبن إله؛ ويعني أخيراً أن بعضاً من العرب قد
اعتنقوا النصرانية التى لم تبقَ وقفاً على الغرباء عنهم. لكن النصرانية لم تعمر
طويلاً في جزيرة العرب، ولم تشهد القـرن الثامن الميلادي.
كان
الجانب الأبيوني واضحاً في حياة القس ورقة وفي ممارساته الروحية وتحنثه في غار
حراء، فقد كان يصوم شهراً كاملاً في السنة، ويطعم الجياع، ويرأف بالمساكين، ويعتزل
الناس، ويعتكف وحيدا للانقطاع إلى الله والتفكير فيه. كما اعتزل عبادة الأوثان،
وامتنع عن أكل الذبائح المقربة إليهم، وما أهلَّ لغير الله، وكان دائم القراءة للكتب
المقدسة، ويدعو للأخذ بالختان، والحج إلى البيت الحرام، والغسل من الجنابة، وتحريم
الخمرة. الأمر الذي كرره ومارسه بصورة مطابقة النبي
محمد.
وكانت
قريش قد اتهمت النبي محمد في بدء دعوته بأنه يأخذ عن غلام أعجمي يدعى جبر، وقال
ابن هشام في السيرة النبوية: وكان رسول الله كثيرا ما يجلس عند المروة إلى
مبيعة غلام نصراني يقال له جبر، عبد لبني الحضرمي، فكانوا يقولون: والله
ما يعلم محمد كثيرا مما يأتي به إلا جبر النصراني.. وفيه نزلت الآية القرآنية: "وَلَقَدْ
نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ
إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ".
وذكر
الشيخ خليل عبد الكريم في كتابه "فترة التكوين في حياة الصادق
الأمين": "لنعلم أن محمدا قد عرف أشخاصا نصرانيين أبيونيين
ونساطرة مثل بحيرا، وسرجيوس، ونسطورس، وانسطاس، وعداس، وميسرة، وناصح.. وأن
الأخيران هما غلامان لزوجته خديجة".[30]
وتذكر
كتب السيرة النبوية أن الرسول كان قد التقى بالراهب بحيرا (النسطوري) أثناء رحلاته
إلى الشام؛ قال ابن إسحاق: "ثم إن أبا طالب خرج فى ركب تاجر إلى الشام، فلما
تهيأ للرحيل وأجمع السير صب به رسول الله ﷺ، فرق له
أبو طالب وقال: والله لأخرجن به معى ولا أفارقه ولا يفارقنى أبدا، فخرج به، فلما نزل
الركب بصرى من أرض الشام وبها راهب يقال له: بحيرى فى صومعة له، وكان إليه علم أهل
النصرانية، ولم يزل فى تلك الصومعة منذ قط راهب فيها إليه يصير علمهم عن كتاب فيما
يزعمون، يتوارثونه كابرا عن كابر".
وحسب
خليل عبد الكريم في كتابه فترة التكوين، فإن ورقة بن نوفل (وبالتعاون مع السيدة
خديحة) قد درب النبي محمد وعلمه من علوم الكتاب المقدس، وقدمه لأهل قريش ليخلفه في
قيادة المجمع الكنسي لمكة، وقد استطاع محمد أن يتفوق على معلمه القس ويستقل
عنه، شأنه شأن أي تلميذ بارع يتخطى بذكائه قدرات معلمه، وشأن القس شأن أي مرب حكيم
يترك لتلميذه حرية التصرف، وكان لتدريب القس ورقة ومساندته أكبر الأثر فى حياة
محمد، فخرج القرآن في سوره الأولى من تعاليم الطائفة الأبيونية، ومتأثرا بأسلوبها،
مع تشابه كبير في التعاليم.
ويؤكد
أبو موسى الحريري (القس جوزيف قزي)، في كتابه "قس ونبي" أن محمدا أخذ من
الأبيونية، ويورد أمثلة على أوجه التشابه بين الأبيونية والإسلام، ويعدد فروضهم
فيقول: "يركزون على الإغتسال الدائم بالماء للوضوء والتطهير، وعلى تحريم الذبح
للأصنام، ويشددون على أعمال البر، والإهتمام باليتامى والعناية بالفقراء والمساكين
وأبناء السبيل، ويوصون بإعالة المحتاجين وإطعام الجياع وإكرام الغرباء.. [31] وتلك كانت صفات محمد، وصفات الأحناف بشكل عام.
وعن أوجه التشابه الأخرى بين الأبيونية
والإسلام، سنجد الختان، وتحريم عبادة الأوثان والأنصاب، وتحريم أكل الميتة والخنزير،
والتشديد على الطعام الحلال (الكوشير)، وتحريم الزنا، وفي الجانب العقائدي: رفض
رسائل بولس الرسول، والقول بأنه حرف الدين الصحيح، وأيضا نكران لاهوت المسيح، واعتباره عبد الله ورسوله، ونكران صلبه..
وكما ذكرنا سابقا، فقد تحدث القرآن الكريم عن النصارى
(الأبيونيين) وعقيدتهم، دون الإشارة إلى المسيحية، فقد ذكر القرآن فئة النصارى
واليهود والصابئة ولم يذكر اسم المسيحيين، علماً بأن المسيحيين كانوا منتشرين فى معظم
العالم القديم، كما أن القرآن لم يذكر كلمة الأناجيل، بل اكتفى بكلمة الإنجيل
(معرفة)، علما بأن عدد الأناجيل أربعة على الأقل (القانونية)، فضلا عن الأناجيل
المنحولة، فهل هذا يعني أن القرآن اعترف فقط بإنجيل واحد، سيكون على الأغلب
الإنجيل الذي كان الأبيونيين يعتمدونه، وهو إنجيل متى (أو إنجيل العبرانيين)؟
وقد امتدح القرآن الكريم الرهبان
النصارى (الأبيونيين) في أكثر من آية، واعتبرهم "علماء"، و"أهل
الذكر"، ووصفهم بـــ "وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ"، وبـــ
"أولي العلم".. وقال عنهم: "قُلْ كَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا
بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ"، "وَالَّذِينَ
آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ"، "فَاسْأَلُوا
أَهْلَ الذِّكْرِ".. كما أشاد القرآن بأخلاقهم: "وَلَتَجِدَنَّ
أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا
نَصَارَى، ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا
يَسْتَكْبِرُونَ"، "وإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى ٱلرَّسُولِ تَرَىٰ
أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ ٱلْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا
ءَامَنَّا فَٱكْتُبْنَا مَعَ ٱلشَّٰهِدِينَ"، "ٱلَّذِينَ ءَاتَيْنَٰهُمُ
ٱلْكِتَٰبَ يَعْرِفُونَهُۥ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُم". "ليْسُوا
سَوَاءً مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ
اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ".
وقد
اعتبر كثير من الباحثين أن الأبيونية كان لها أثرا واضحا على نشأة الإسلام، وفي
عقيدته، وبعض طقوسه، معتمدين على أوجه التشابه بينهما، وعلى علاقة النبي محمد
بالقس ورقة، والراهب بحيرا (النسطوري) وغيرهم، وهنا تجدر الإشارة لملاحظتين،
الأولى: أخبار الأبيونيين وتراثهم وعقيدتهم وصلتنا من خلال خصومهم آباء الكنيسة
الأولى، وبالتالي من المحتمل المبالغة أو الانتقاص، بمعنى أن بعضا منها مشكوك في
صحته. الثانية: مصادر كتاب "قس ونبي"، وكتاب "فترة التكوين"
وغيرها من الكتب ذات العلاقة تعتمد على كتب التراث الإسلامي (سيرة ابن هشام، تاريخ
الطبري، وتاريخ ابن اسحق)، والتي لا تدعمها مخطوطات تاريخية أو أدلة أركيولوجية.
المؤرخ
يوحنا الدمشقي (676- 749 م)، الذي عاش في العصر الأموي، يورد شهادة مثيرة
للاهتمام، فقد تحدث عمن يسمون بالهاجريين أو السراساريين أو الإسماعيليين، وهم
عربا عاشوا في الهلال الخصيب وشمال الجزيرة، وهناك بعض المؤرخين الجدد يعتبرونهم
هم من أسس الإسلام (منهم المستشرقة الدنماركية باتريشا كورون). المثير في شهادة
الدمشقي الإشارة الأولى، أنه لم يتحدث عن الإسلام، والثانية، أنه تحدث عن وثنيين
يعبدون الزهرة والأوثان، وتحدث عن شخص ذكر اسمه محمد، عرف بالتقوى والورع، تحالف
مع راهب أريوسي دون ذكر اسمه، أسس هرطقة مسيحية، بعد أن اطلع على العهدين القديم والجديد.
ما يعني حسب شهادة الدمشقي أن المسلمين الأوائل كانوا عربا ناصرييين اسمهم
الهاجريين، وأنهم لم يأتوا بديانة جديدة، بل هرطقة مسيحية، وقد غزوا فلسطين
بالتحالف مع اليهود لتحرير القدس من الاستعمار الروماني، وأن محمدا تعلم من الراهب
بحيرا. وهذا ما ذكره أيضا خبير المخطوطات محمد المسيح في برنامجه التاريخ المبكر
للإسلام.
وفي
شهادة مثيرة أخرى ذكر الأسقف الأرمني سيبيوس اسم محمت (محمد)، (وردت في المخطوطة
رقم Matenadaran 2639)،
وقال عنه تاجر وقائد عسكري قاد السراساريين (كلمة تاجر كانت تستخدم للدلالة على
المبشر).. وأنه لبى رغبة يهودية في تخليص أرض الميعاد من الروم البيزنطيين.
تستمد شهادة سيبيوس أهميتها لأنه أرخ لأحداث عاصرها بنفسه، بالإضافة لكونها واحدة
من المصادر القليلة الباقية والتي تؤرخ القرن السادس الميلادي، ولأنها تحتوي على أوصاف تفصيلية عن فترة الساسانية حتى الفتح
الإسلامي عام 661. وليس سيبيوس الوحيد الذي ذكر
اسم محمد، فهناك مخطوطة تومس الشيخ 640م ذكر محمدًا بالاسم. (المصدر: محمد المسيح،
مخطوطات القرآن). وكذلك قال المستشرق الألماني أري توبر عن علاقة أريوس بنشوء
الإسلام، وقال "إن نظرة الإسلام لطبيعة المسيح ذات طبيعة أريوسية".. وهي
أيضا تتطابق مع العقيدة الأبيونية، ونلاحظ أن القرآن الكريم ركز بشكل واضح على
مسألة طبيعة المسيح البشرية، وأنه لم يُصلب، وعلى رفض عقيدة التثليث.. علما بأن
مثل هذه المسألة لم تكن أولوية بالنسبة لمجتمع مكة أو المدينة، حيث الأغلبية كانت
على الوثنية، لكنها كانت أهم مسألة بالنسبة للأبيونية، ولكافة الفرق المسيحية التي
اعتبرت مهرطقة.
ومن الأدلة الأخرى التي يسوقها من يطرحون فكرة تأثر
الإسلام بالأبيونية، أو بالسريانية المسيحية بشكل عام، وجود كلمات ومصطلحات
سريانية في القرآن، وتشابه أسلوب القرآن المكي مع نصوص سريانية مسيحية، ومن حيث
المضمون روح التسامح وحرية المعتقد التي اتسمت بها الآيات المكية، وهي الروح التي
اتسم بها أيضا النصوص المسيحية السريانية.. خلافا للآيات المدنية التي أخذت تعد
بالحرب والجهاد وتطالب بدفع الجزية..
وأيضا هنالك ادعاء بأن الإسلام تأثر بالأريوسية،
وهي فرقة مسيحية "مهرطقة" تتشابه إلى حد كبير مع الأبيونية في رفضها
عقيدة الثالوث ورفض ألوهية المسيح، وكان أتباعها يتعرضون للاضطهاد من قبل الكنيسة
الأرثوذوكسية، وكدليل على تقارب الأريوسية مع الإسلام يقول بعض الباحثين
الإسلاميين أن سبب الفتوحات الإسلامية لمصر وشمال إفريقيا كان لمساعدة الأريوسيين
وتخليصهم من الاضطهاد، ويسوقون دليلا لإثبات ذلك، الرسالة المنسوبة للنبي التي
أرسلها إلى هرقل عظيم الروم، والتي جاء فيها ".. أسلم تسلم يؤتك الله أجرك
مرتين، وإن توليت فعليك إثم الأريسيين". [32]
وبالطبع، فإن مثل هذا
الإدعاء (تأثر القرآن بالأبيونية) لا يعجب الإسلاميين، ولا يوافقون عليه، فهم
يؤكدون على أن القرآن الكريم أزلي (في اللوح المحفوظ)، وهو موحى من الله، ولا يتأثر
بكلام وأطروحات البشر. وإن كان التشابه بين الإسلام وبقية الأديان الإبراهيمية
واضحا، ومن الصعب نكرانه، أو التشابه بين القرآن والكتاب المقدس (خاصة من حيث
القصص، وبعض التعاليم)، والتشابه بين الإسلام والأبيونية والأريوسية.. فهذا من
وجهة نظر إيمانية سببه أنها جميعها تنزيل من إله واحد. لكن المؤرخين لا يعتمدون
على الرواية الدينية، ولا على النصوص المقدسة (حتى لو استأنسوا بها) بقدر ما
يعتمدون على المصادر الأركيولوجية وعلى المخطوطات الأثرية، وعلى التحليل العلمي
السيسيولوجي للتطور التاريخي للأديان.
مجمع نيقية
كان الإمبراطور قسطنطين
(272-337 م) أول إمبراطور بينزنطي يعتنق المسيحية،
وحدث ذلك في أواخر عهده، لكنه بدءأ من العام 313 م سمح بحرية العقيدة، ورفع الحظر
عن المسيحية، واعتبرها ديانة الإمبراطورية، اعتقادا منه بأن ذلك سيخدم
الإمبراطورية، وسيعمل على توحيدها، ويؤّمن استقراها، وسيمكنه من فرض حكمه على
أطرافها المترامية.. ولكن بعد نشوب الخلافات العميقة بين المذاهب المسيحية، وخاصة
بين الكنيسة الأرثوذوكسية وبين أريوس، شعر بأن هذه الخلافات ستؤثر سلبا على أمن
واستقرار الإمبراطورية، وقد تؤدي إلى انشقاقات وتصدعات خطيرة، فسارع وبطلب البابا
الكسندروس إلى عقد مجمع كنسي عام، لحسم الخلافات، وتوحيد الكنائس، وقطع الطريق على
أية تطورات مستقبلية خطيرة قد تؤثر على وحدة البلاد..
وهكذا عقد مجمع نيقية عام
325 م، وهو المجمع المسكوني (العالمي) الأول، حضره 318 أسقفا من كل العالم
المسيحي، بحضور البابا الكسندروس، والشماس أثناسيوس، وقد افتتحه الإمبراطور شخصيا،
كما حضره القس أريوس وأتباعه، واستمر انعقاده ثلاثة أشهر، حتى انتهى بإقرار قانون
الإيمان، وإدانة أريوس، واعتباره مهرطقا، والحكم عليه بالحرمان والنفي، والإقرار بألوهية
المسيح، وأنه ابن الله، أي توحيد الجوهر بين الآب والإبن.. وهذه مسائل كانت محل
خلاف بين الفرق المسيحية الأولى، لكن مجمع نيقية حسمها.[33]
لكن الأريوسية بعد ذلك لم
تنته، بل انتشرت في عموم العالم المسيحي. كما أن مجمع نيقية لم يحسم الخلافات
نهائيا، بل افتتح موجة جديدة من المجامع المسكونية، أدت إلى نشوء العديد من
الانشقاقات، وظهور العديد من الفرق "المهرطقة"، واحتدام الصراع بين
الأريسيين والأرثوذوكس.
وفي عهد الإمبراطور
ثيوديوسيوس الكبير عقد المجمع المسكوني الثاني في القسطنطينية (381 م) الذي اعترف
بالمسيحية ديانة رسمية وحيدة للإمبراطورية، وأن الإيمان المسيحي الحقيقي هو ما
قرره مجمع نيقية.
الفرق المهرطقة المتأخرة (بعد نيقية)
1.
النسطورية
تأسست النسطورية على يد البطرك السوري
نسطور بطرك القسطنينية منذ 428 م، الذي رفض طبيعة المسيح الواحدة حسب المعتقد
الأرثوذوكسي، وقال أن له طبيعتين ابن الله وابن مريم، أي أنه رفض الثالوث.. جوبهت
دعوته برفض الأكليروس، ثم عقد مجمعا كنسيا عام 429 حرم بموجبه كل من يرفض دعوته..
على إثر ذلك عقد البابا كليريوس الكبير بابا الإسكندرية مجمع الإسكندرية الذي أدان
فيه نسطور وشجب تعاليمه، ودعا للتمسك بقانون الإيمان، وأكد على أن العذراء هي
والدة الإله، الأمر الذي أيدته كنيسة روما.
رفض نسطور قرارات مجمع الإسكندرية،
وقد انضم إليه أساقفة أنطاكيا والرها وكورش (في سورية)، ثم حرض الإمبراطور
ثيودوسيوس الثاني على البابا كليريوس. لكن بابا الإسكندرية سارع إلى عقد المجمع
المسكوني الثالث في أفيفوس سنة 431 م، والذي قرر حرمان نسطور وعزله، ثم نفيه بأمر
الإمبراطور إلى البتراء، ثم إلى أخميم في صعيد مصر.[34]
لكن النسطورية لم تنته، بل انتشرت في
سورية وبلاد الرافدين، ثم امتدت شرقا حتى صارت في القرنين العاشر والحادي عشر من
أكبر كنائس العالم، ذلك بعد أن تلقت دعم الفُرس، الذين كانوا يناصبون البينزطيين
العداء، وأرادوا من خلال النساطرة تقويض وحدة المسيحيين في بيزنطة، كما حظيوا بدعم
الخلفاء العباسيين فيما بعد.
وكما واصلت النسطورية انتشارها في الهلال الخصيب، واصلت
الأريوسية انتشارها في مصر وشمال أفريقيا وإسبانيا..
2.
اليعقوبية
رفضت اليعقوبية الإيمان بطبيعتين
للمسيح (لاهوت وناسوت) وقالت بطبيعة واحدة، أي أن المسيح هو الله، أو أن الله تجسد
في المسيح، وأن الكلمة "اللوغوس" انقلبت إلى دم ولحم وتجسدت في شخص
المسيح.. كان المطران السرياني يعقوب البرادعي المتوفي سنة 578 م، هو من أسس
الكنيسة اليعقوبية الشرقية، التي انتشرت في الشام ومصر والحبشة ونجران.[35]
خلاصة
منذ وقت مبكر من نشأة
المسيحية بدأت الخلافات تظهر بين المسيحيين أنفسهم، والتي تركزت على مفهوم طبيعة
المسيح؛ هل هو إله متجسد في شخص المسيح؟ هل المسيح موجود منذ الأزل؟ أم ولد بشرا
ثم صار إلها؟ أم هو ذو طبيعتين لاهوتية وناسوتية؟ أم هو مجرد بشر لكنه عبد الله
ورسوله؟ ثم الخلاف على الثالوث المقدس، فضلا عن الخلاف على مفهوم الخلاص
"المسيا"، والفداء..
وهكذا تأسست الكنيسة،
وظهرت الفرق والمذاهب، وانعقدت المجامع الكنسية (المحلية والمسكونية) والتي صارت
تعتبر كل من يخرج عن تعاليمها، أو يأتي بأفكار لا تتفق معها تعتبره مهرطقا، يتوجب
حرمانه ونفيه.. بدأت بالأبيونية، ثم ظهرت الغنوصية، والانتحالية، والماركونية،
والأريوسية، وهذه الأخيرة كادت (لولا محمع نيقية) أن تصبح الطائفة الرسمية لعموم
المسيحيين.
وقد أخفق مجمع نيقية في
توحيد كلمة المسيحيين، أو القضاء على الأريوسيين، بل إنه افتتح موجة جديدة من المجامع
المسكونية، التي بدورها ولدت مزيدا من الانشقاقات، حيث ظهر النساطرة واليعاقبة
وغيرهم..
في القرون الأربعة الأولى من عمر المسيحية كان جميع
المسيحيون في العالم يطلقون على أنفسهم أرثوذوكس، وتعني لغويا الطريق الصحيح، أو
الإيمان السليم، مقابل تسمية الهراطقة على كل مذهب يخرج عن تعاليم وأفكار الكنيسة
الرسمية، وكانت الكنيسة تسمي نفسها الكنيسة الجامعة لكل المؤمنين، أي الكاثوليكية،
ولم تكن تلك التسميات تدل على أي فرق بين المسيحيين، أو على انشقاق مذهبي فيما
بينهم.. ولكن في مجمع
خلقدونيا عام 451 م، انشقت الكنيسة إلى شرقية أطلقت على نفسها اسم الأرثوذوكسية
ومرجعيتها القسطنطينية، وإلى غربية أطلقت على نفسها الكاثوليكية ومرجعيتها روما.
وفي القرن السادس عشر دعا مارتن لوثر لثورة إصلاحية احتجاجا على الكنيسة
الكاثوليكية في روما، ما أدى إلى نشوب موجة من الحروب الدينية ونشوء المذهب
البروتستانتي في ألمانيا بداية، ثم انتقاله إلى بريطانيا وأمريكا، وتعني كلمة
بروتستانتي الاحتجاج.
أخفقت المجامع المسكونية
لأن شبح السلطة السياسية (الرومانية، وغيرها) كان في خلفية المسرح، وكان لاعبا
أساسيا، ولأن ذهنية التكفير والحرمان كانت هي السائدة، ولأن الحوار كان يفتقد لأهم
شروطه: قبول الآخر، وعدم الادعاء باحتكار الحقيقة.
ومما يؤسف له أن هذه
الانشقاقات والهرطقات والمحاكم قد جلبت معها الويلات والآلام للمسيحيين قبل غيرهم،
فطالما ترافق معها أحكام الحرمان والنفي، والاضطهاد، والتعذيب، فضلا عن الاقتتال
الداخلي والحروب الدينية، بكل ما تجره وراءها من خراب ودمار، ومن خسائر فادحة
للإنسانية جمعاء.. حيث تقول المصادر التاريخية أنه في ثلاث سنوات فقط قُتل من
المسيحيين على يد أخوتهم المسيحيين ما فاق من قُتلوا طوال فترة الاضطهاد
الروماني.. بل إنه في موجة الحروب الدينية التي أعقبت ثورة مارتن لوثر الإصلاحية
قتل ملايين المسيحيين بسبب التعصب المذهبي.
اليوم، ولحسن الحظ، بل ومنذ وقت ليس بالقصير توقفت الحروب
الدينية، وهذا لم يحدث بسبب الصدفة السعيدة، والنوايا الطيبة، بل لأن التجربة
المسيحية تطورت ونضجت، وتعلمت من دروس التاريخ الكثير، وقد أيقن المسيحيون في ربوع
الأرض أن التعصب المذهبي لا يجر إلا الخراب والحروب، وأن التسامح والتعددية وقبول
الآخر هو السلوك الإنساني الصحيح، بل هو جوهر رسالة المسيح.. وهذا يعني أن تطور
الأديان هو جزء أساسي من تطور المجتمعات الإنسانية، وهو الذي يمكّنها من المضي
قدما نحو المستقبل.
بفضل هذا التطور والنضوج، لم تعد هناك حروب صليبية، ولا حروب
دينية داخلية، ولم نعد نسمع عن صكوك غفران، ولا عن مجمع مسكوني يقرر حرمان مفكر،
أو إعدام مبدع.. تطور الفكر المسيحي بعد أن تخلص من كنيسة العصور الوسطى، ومن
هيمنتها الاستبدادية على المؤمنين.
اليوم، ومنذ وقت ليس بالقصير نرى المسيحيين من كل الطوائف
يعيشون معا بسلام وطمأنينة، وبكل محبة.. كما يتعايشون مع إخوتهم المسلمين، ومع كل
المؤمنين من كافة الأديان، بل مع البشرية جمعاء..
وكل ما نرجوه أن نتعلم من التجربة المسيحية في نبذها الكراهية
والتعصب والعنف، وأن تسود أجواء التعايش والمحبة بين عموم البشر، وأن تنعم الأرض
بالسلام. وهذه روح المسيحية الحقة.
المصادر
-
د. القس حنا جرجس الخضري، تاريخ الفكر المسيحي، المجلد الأول،
الجزء الأول، دار الثقافة، القاهرة، 1981.
-
الأب حوزيف قزي، أبو موسى الحريري، قس ونبي، بحث في نشأة
الإسلام، دون ذكر دار النشر، 1979.
-
الملل والنحل للشهرستاني، الجزء الأول،
دار المعرفة، بيروت، 1984.
-
خليل عبد الكريم، فترة التكوين في حياة الصادق الأمين،
ميريت للنشر، القاهرة، 2001.
- القس عماد ميخائيل، هل
كان يسوع شخصية تاريخية؟ فريق الدفاع اللاهوتي، https://www.difa3iat.com/about-us/
-
ابرام
لويس حنا، تحليل للأدلة المستخدمة في إثبات وجود
المسيح تاريخياً، الحوار المتمدن، العدد 6197، 10-4-2019.
-
هل هناك أدلة تاريخية على وجود يسوع المسيح؟ ترجمة: علي محمد
رجاي، مراجعة: مصطفى شهباز، المشروع العراقي للترجمة/ 30-12-2017.
-
سوسن بيطار، بولس الرسول، الموسوعة العربية، المجلد الخامس.
- البدع والهرطقات في القرون المسيحية الأولى، كنيسة الإسكندرية
للأقباط الكاثوليك بمصر، 24-4-2013. https://coptcatholic.net/
-
د. محمد
عبد المحسن، بولس الرسول، رائد دعوة التبشير، منتدى العلماء، 15-1-2021. https://www.msf-online.com/
-
روبير شعيب، بندكتس السادس عشر يدحض بعض الآراء الشائعة، رد
الفاتيكان، في 24-9-2008. https://ar.zenit.org/2008/09/24/
- محمد شاهين التاعب،
الهرطقات في فترة ما قبل نيقية، قناة الدعوة، 17-10-2018، https://www.youtube.com/watch?v=XozhLUJhpjg
- د.
فاضل سليمان، رئيس جمعية جسور للتعريف بالإسلام، الأريوسية، 25-3-2011. https://www.youtube.com/watch?v=mUexLFbMJsg
- محمد المسيح، التاريخ
المبكر للإسلام، الأبيونية.19-9-2019. https://www.youtube.com/watch?v=yVgyz2_1Doo&t=418s
-
لطيف شاكر، النصرانية ليست مسيحية، الحوار المتمدن، العدد 2934،
4-3-2010.
- أمير
نصر، النسطورية تاريخيا، مركز البابا ديسقورس، الإسكندرية، 23-3-2021. https://www.youtube.com/watch?v=i-pXwszoFpI
[1] القس
عماد ميخائيل، هل كان يسوع شخصية تاريخية؟ فريق الدفاع اللاهوتي، https://www.difa3iat.com/about-us/
[2] ابرام
لويس حنا، تحليل للأدلة المستخدمة في إثبات وجود
المسيح تاريخياً، الحوار المتمدن، العدد 6197، 10-4-2019.
[3] هل هناك أدلة تاريخية على وجود يسوع المسيح؟ ترجمة : علي محمد
رجاي، مراجعة: مصطفى شهباز، المشروع العراقي للترجمة/ 30-12-2017.
[4] القس
عماد ميخائيل، هل كان يسوع شخصية تاريخية؟ مصدر سبق ذكره.
[5] ابرام
لويس حنا، تحليل للأدلة المستخدمة مصدر سبق ذكره.
[6] ابرام
لويس، تحليل للأدلة المستخدمة. مصدر سبق ذكره.
[7] ابرام
لويس حنا، تحليل للأدلة المستخدمة. مصدر سبق ذكره.
[8] سوسن
بيطار، بولس الرسول، الموسوعة العربية، المجلد الخامس، ص 579-585.
[9] سوسن
بيطار، بولس الرسول، مصدر سبق ذكره.
[10] د. محمد
عبد المحسن، بولس الرسول، رائد دعوة التبشير، منتدى العلماء، 15-1-2021. https://www.msf-online.com/
[11] عقيدة الثالوث المقدس عماد الديانة
المسيحية الحالية، تقوم على أن الآب هو الله الخالق، والابن هم المسيح المخلص،
والروح القدس هو الهادي، وهؤلاء الثلاثة عبارة عن أقنوم متحد، ولكن كل أقنوم عبارة
عن إله، ولكنه مختلف عن الأقنوم الآخر، وحاليا تؤمن الكاثوليكية والأرثوذوكسية
والبروتستنانتية بهذه العقيدة.
[12] روبير شعيب، بندكتس السادس عشر يدحض بعض الآراء الشائعة، رد
الفاتيكان، في 24-9-2008. https://ar.zenit.org/2008/09/24/
[13] روبير شعيب، بندكتس السادس عشر، مصدر سبق ذكره.
[14] البدع
والهرطقات في القرون المسيحية الأولى، كنيسة الإسكندرية للأقباط الكاثوليك بمصر،
24-4-2013. https://coptcatholic.net/
[15] البدع
والهرطقات في القرون المسيحية الأولى، كنيسة الإسكندرية للأقباط الكاثوليك بمصر،
24-4-2013. https://coptcatholic.net/
[16] تاريخ الفكر المسيحي، المجلد الأول، الجزء الأول، د. القس حنا
جرجس الخضري، دار الثقافة، القاهرة، 1981. ص 115.
[17] أبُوكْرِيفَا Apocrypha كلمة يونانية قديمة تعني "أشياء تم إخفاءها"، وتترجم إلى الكتب المنحولة أيضا، وفي السياق الديني مصطلح أبوكريفا يستعمل اليوم حصرا للإشارة إلى نصوص دينية تعتبر غير موثقة ومعترفة بها من
قبل الأكثرية الدينية، وتدريجيا اصطبغ المصطلح بمعاني سلبية مرادفة للتحريف، في المسيحية تطلق أبوكريفا على أسفار من الكتاب المقدس تم نبذها لأنه لم يتم إقرارها
والموافقة عليها من قبل مجامع كنسية مختلفة. (عن الويكيبيديا).
[18] البدع
والهرطقات في القرون المسيحية الأولى، كنيسة الإسكندرية للأقباط الكاثوليك بمصر،
24-4-2013. https://coptcatholic.net/
[19] محمد شاهين التاعب، الهرطقات في فترة ما قبل نيقية، قناة
الدعوة، 17-10-2018، https://www.youtube.com/watch?v=XozhLUJhpjg
[20] البدع والهرطقات
في القرون المسيحية الأولى، مصدر سبق ذكره.
[21] د. القس حنا جرجس الخضري، تاريخ الفكر المسيحي، المجلد الأول،
الجزء الأول، دار الثقافة، القاهرة، 1981. ص 115، 301.
[22] البدع
والهرطقات في القرون المسيحية الأولى، مصدر سبق ذكره.
[23] تاريخ الفكر المسيحي، المجلد الأول، الجزء الأول، د. القس حنا
جرجس الخضري، دار الثقافة، القاهرة، 1981. ص 455.
[24] د. فاضل سليمان، رئيس جمعية جسور
للتعريف بالإسلام، الأريوسية، 25-3-2011. https://www.youtube.com/watch?v=mUexLFbMJsg
[25] البدع
والهرطقات في القرون المسيحية الأولى، مصدر سبق ذكره.
[26] محمد المسيح، التاريخ المبكر للإسلام، الأبيونية.19-9-2019. https://www.youtube.com/watch?v=yVgyz2_1Doo&t=418s
[27] لطيف شاكر، النصرانية ليست مسيحية، الحوار المتمدن، العدد 2934،
4-3-2010.
[28] لطيف شاكر، النصرانية ليست مسيحية، الحوار المتمدن، العدد 2934،
4-3-2010.
[29] الأب حوزيف قسي، أبو موسى الحريري، قس ونبي، بحث في نشأة
الإسلام، دون ذكر دار النشر، 1979.
[30] خليل
عبد الكريم، فترة التكوين في حياة الصادق الأمين، ميريت للنشر، القاهرة،
2001.
[31] لطيف شاكر، النصرانية ليست مسيحية، مصدر سبق ذكره.
[32] د. فاضل سليمان، رئيس جمعية جسور
للتعريف بالإسلام، الأريوسية، 25-3-2011. https://www.youtube.com/watch?v=mUexLFbMJsg
[33] محمد شاهين
التاعب، عصر المجامع - الجزء الأول - مجمع نيقية، قناة الدعوة، 10-12-2018. https://www.youtube.com/watch?v=zyfiyUMLz10
[34] أمير نصر، النسطورية تاريخيا، مركز
البابا ديسقورس، الإسكندرية، 23-3-2021. https://www.youtube.com/watch?v=i-pXwszoFpI
[35] الملل والنحل للشهرستاني، الجزء الأول،
دار المعرفة، بيروت، 1984. ص 225.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق