ليس بالضرورة أن تُولد
كاتبا، وليس شرطا أن تمتلك الموهبة.. التدريب يعوض الموهبة، ويصقلها، ومن النادر
جدا أن يبدأ كاتب ما بدايات عظيمة ومدهشة؛ بل إن الأغلبية الساحقة من الكتّاب كانت
بداياتهم ساذجة وبسيطة..
حتى تصبح كاتبا مميزا يجب
أن تمتلك أسلوبا مميزا، وأن يكون لديك رؤية، وتوجه فكري، وأن تمتلك الشغف،
والمثابرة.. وكلما توسعت دائرة معارفك وتنوعت مصادر ثقافتك؛ تميزت كتاباتك..
القراءة شرط أساسي وتمهيدي للكتابة..
الكتابة الإبداعية علم
واسع، وأصنافها عديدة، حاول أن تتخصص في جنس معين، ثم بالخبرة يمكنك تنويعها..
سنركز هنا على كتابة المقال.. فإذا كنت مهتما يمكنك المتابعة..
تكون مواضيع المقال عادة في
السياسة، أو الاقتصاد، أو عن قضايا المجتمع، البيئة، حقوق الإنسان، العلوم، الفكر
الإنساني.. وكتابة المقال لها أصول وقواعد تختلف عن كتابة القصة القصيرة، أو القصة
الصحافية، أو الخاطرة النثرية، أو الدراسة البحثية، أو صياغة خبر، أو تصريح
إعلامي.. ومع ذلك، جميع الأجناس الكتابية تشترك معا في أسس وقواعد معينة، يمكنني
تلخيصها من وجهة نظري، في النقاط التالية:
اكتب بشغف وحب، أعطِ وقتك
وجهدك، اكتب بعقلك وعاطفتك، ووازن بينهما؛ أي انقل إحساسك للقارئ، واكتب قناعاتك
فقط، عبر عن وجهة نظرك، بصدق وبما يمليه عليه ضميرك، وتجنب محاولات إرضاء القراء.
حتى لو كنت صاحب رسالة،
ومقتنع جدا بوجهة نظرك لا تحاول فرضها على الآخرين، لا تدّعِ أنك ممثل للحقيقة،
ولا تستخف بآراء وتوجهات الآخرين، ولا تقلل من احترامك لهم، ومهما كانت درجة
إيمانك بتوجهك فلدى الآخرين إيمان مشابه وبنفس الدرجة.. تدرب على تقبل وجهات النظر
المختلفة، مهما كانت استفزازية.. ولا تكتب بنَفَس الأستاذ والمربي، ولا بلغة الوعظ
والإرشاد، وإياك أن تستهين بذكاء القراء.. أكبر العلماء قيمة، هم أشدهم تواضعا..
تجنب الخطاب الشعبوي
والتسطيحي، والخطاب الشعبوي هو الذي يهتم بإرضاء الشارع، والتماهي مع الرأي العام
السائد، وكتابة أو قول ما يرغب الناس بسماعه، لا ما يتوجب قوله؛ أي ما يدغدغ
عواطفهم، ويعبر عن غضبهم، وما يفرحهم.. لذلك الخطاب الشعبوي يكون دوما سطحيا، وغير
صادق، وغير أمين، لأنه انتقائي، ورغائبي، وتبريري.
الخطاب الشعبوي يبحث عن
تجميع اللايكات والمشاهدات، وكسب ود الجمهور، حتى لو كان ذلك مخالفا للحقيقة.. في
البداية سيكسب صاحبه تأييدا وقبولا.. لكنه سرعان ما ينكشف، ويفقد مصداقيته،
وبالتالي تبدأ الجماهير بالعزوف عنه، ويفقد محبتهم واحترامهم..
قبل الشروع بالكتابة، اختر
الموضوع، بعد أن تلمع الفكرة برأسك، وتصيغها بخيالك، اقرأ ما كتب غيرك عن الموضوع،
ومن وجهات نظر متباينة، عندما تبدأ بالكتابة ركز على موضوع واحد، وتجنب الدخول في
مواضيع فرعية إلا إذا كانت تخدم الموضوع الأصلي، وتفيده..
اختر عنوانا جاذبا،
العنوان مهم، وهو الذي يلفت نظر القراء، ولكن تجنب العناوين الصارخة، والطويلة،
والغريبة، ويجب أن يكون العنوان ملائما للمحتوى.
إبدأ بمقدمة جاذبة ومشوقة،
ولا بأس أن تكون صادمة، ومفاجئة، ولكن قصيرة.. المقدمة هي التي تجعل القارئ يكمل
أو يتوقف.
ادخل في الموضوع فورا، وعليك
بالتكثيف والاختصار، فسحر البيان يكمن في الإيجاز والوضوح.. أي حاول الجمع بين
رشاقة اللغة وسلاسة الطرح، وبين وضوح الفكرة، ودون تكلف، فأحيانا تؤدي الاستعراضات
اللغوية وجزالة الألفاظ إلى نتائج معاكسة، لذا تجنب الفذلكة، وزخرف القول، والإنشاء،
وتطعيم الكلام بما هو زائد عن الحاجة.. فالخيال، والتوصيفات الجمالية، والأسلوب
الشعري.. ليس مجالها في المقال؛ هذه تصلح للرواية والشعر؛ ولكن هذا لا يمنع أن
تكتب بأسلوب جميل، وأدبي، فرشاقة اللغة وجمال الأسلوب غالبا ما تكون في البساطة،
حاول أن تكتب بأسلوب السهل الممتنع، حيث يكون كلامك مفهوما، ولكن يصعب تقليده.
اختر الكلمات بدقة، تجنب
الكلمات والتعابير المكررة، والمبتذلة، إبحث عن بدائل لها، تعرف على الأخطاء
اللغوية الشائعة لتفاديها، وتجنب المصطلحات المعقدة (إلا إذا كانت ضرورية)، انتبه
للمصطلحات المتداولة، وتأكد أنها مقبولة أخلاقيا وقانونيا، إنزل بمستواك إلى حيث
القارئ العادي والبسيط، ثم اصعد به إلى مستواك كمثقف ومؤثر.
أدخِل عنصر الحركة، واستخدم التشبيهات االمناسبة،
وأعط الموضوع حياة وحيوية، وأذكر أمثلة للتوضيح، تحدث عن تجربتك الخاصة إذا لزم
الأمر.. ولا تستخدم الكلمات التي لا تعرف معناها، وتجنب الضمائر الملتبسة، أي التي
تربك المعنى، وتخلص من الفضلات اللغوية، أي تلك الزوائد التوكيدية التي تعطي
توضيحا لا لزوم له.
تجنب إطلاق الأحكام
المطلقة، والتوصيفات الجارحة، والشتائم، حتى لو كنت تكتب عن العدو، أو عن مجرم، وعندما
تكتب في قضايا الصراع استخدم المصطلحات القانونية والسياسية.
في ممارسة النقد ابتعد عن
الشخصنة، والمناكفة، مثلا الحديث عن الفساد بشكل عام حديث مبتذل، وشعبوي، لذا ركز
على قضية محددة، كن متأكدا منها، قدم أدلة وبراهين، ولا تعمم، ولا تصدر أحكاما..
أنت لست قاضيا..
إذا أردت أن تنقد، اجعل نقدك
هادئا وموضوعيا وبناء، انتقد الظاهرة، أو الفكرة، أو الممارسة لا الشخص، وتذكر
دائما مدونة السلوك الأخلاقي.. افتح نافذة للأمل، وأعط شحنة تفاؤل، واكتب بروح
إيجابية ومسؤولة، توخى الموضوعية والدقة والأمانة، ودائما، تجنب المبالغة
والتهويل. ولا تكن حياديا في القضايا الحيوية التي تتطلب موقفا.
يمكنك طرح الأسئلة، ولكن
ليس بهدف الحصول على إجابة محددة، وإنما للفت الانتباه والحث على التفكير، وإحداث
صدمة تكون أحيانا ضرورية.
رتب أفكارك بشكل متسلسل ومنطقي،
وتنقل بين الفقرات بخفة، وبطريقة مقنعة ومؤثرة، مع استخدام أدوات الربط المناسبة.
تحتاج أحيانا إلى الاقتباس
من مقال أو كتاب، ضع الاقتباس بين إشارتي تنصيص، وأشر إلى المصدر، ولتجنب الوقوع
في فخ التناص، حاول صياغة الجملة بأسلوبك وكلماتك. ويجب دوما مراعاة قواعد اللغة، وتجنب
الأخطاء الإملائية، والاهتمام بعلامات الترقيم.
تأكد من دقة المعلومة،
ارجع للمصادر الموثوقة والمعتمدة والرسمية، ولا تثق دائما بمحركات البحث، فالنت
مليء بالغث والترهات، واحذر عند الأخذ من مصادر معادية، حتى لا تتحول إلى بوق من
حيث لا تدري.
اقفل المقال بخاتمة مختصرة،
استخدم مثلا قولا مأثورا، أو وجه نداء بصورة غير مباشرة أو رمزية.
بعد إنتهاء المقال اتركه
ساعات، أو لصبيحة اليوم التالي، ثم أعد قراءته، ومراجعته وتدقيقه، غالبا ستعيد
صياغة فقرة أو جملة، ستكتشف أنك كنت متأثر عاطفيا، وربما تسرعت..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق