يتخوف
البعض من اللقاح الجديد لفيروس كورونا، لأسباب متعددة، من أغربها الاعتقاد بأن
اللقاح يتضمن شريحة إلكترونية متناهية الصغر، ستسري في عروقنا، أو تستقر في منطقة
ما من الجسم، بحيث تتيح لجهات خطيرة (المخابرات العالمية مثلا) مراقبة تحركاتنا
ليل نهار..
من
حق كل إنسان حماية خصوصيته، وألا تراقبه أي جهة مهما كانت.. سواء كانت تحركاتنا لا
تتعدى التوجه إلى الحاوية للتخلص من كيس النفايات، أو إلى البقالة لشراء الخبز، أو
للتخطيط لهجوم يستهدف الكواكب المجاورة.. ولكن، ألا يعلم هؤلاء أن مراقبتنا متحققة
فعليا، ومنذ أكثر من عشر سنوات.. وتحديدا عندما غزت الهواتف الذكية عوالمنا، وأصبح
كل شخص في العالم (تقريبا) يمتلك جهازا واحدا على الأقل، يحمله في حله وترحاله..
هذه
الأجهزة تعرف عنا كل شيء، أكثر مما نعرف عن عائلاتنا، وحتى عن أنفسنا.. تعرف بصمة
إبهامنا، وحدقات عيوننا، تحفظ تحركاتنا، وصورنا، وذكرياتنا.. تعرف أصدقاءنا
المقربين والبغيضين والافتراضيين، ومن مات من معارفنا، ومن وُلد حديثا في
عائلاتنا.. تعرف ميولنا وتوجهاتنا، أفلامنا المفضلة، أغانينا المحببة، ماذا نقرأ
(إذا كنا نقرأ أصلا)، عاداتنا الصحية (أو غير الصحية)، الأطباق التي تفتح شهيتنا،
وضعنا الاقتصادي، أمنياتنا، الأماكن التي نرغب بزيارتها (بعد انتهاء الكورونا،
وأخذ قرض بنكي)، ما نحتاجه، وما نود شراؤه.. من نحب من القادة السياسيين، ومن
نكره.. الطائفة التي ننتمي إليها، ودرجة تديننا.. كل هذه المعلومات نقدمها طواعية
عبر منصات التواصل الاجتماعي، ومن خلال اتصالاتنا الهاتفية، وبوسع شركات كبرى مثل
ميكروسوفت، فيسبوك، أمازون، أو أي جهاز مخابرات.. أن تشتري هذه المعلومات، ومن ثم
تحللها بواسطة تقنيات تحليل البيانات الضخمة.. وهذا ليس بالجديد ولا بالمفاجئ..
المفاجئ
هو عدم معرفة هذه المعلومة التي غدت بديهية، والمفاجئ شريحة "بيل غيتس"
المزعومة..
في
قصة حدثت فعلا (منشورة على النت) اتصلت شركة أمازون بعائلة أمريكية، وعرضت عليها
شراء منتجات خاصة بالحوامل، وأخرى خاصة بالمواليد الجدد، فرد الأب عليهم بأن ابنته
الوحيدة عزباء، وليست حامل.. فسأل ابنته، فأنكرت أنها حامل.. وللتأكد قامت بالفحص،
فتبين لها أنها حامل.. ليس مهما ماذا فعل الأب بابنته، فهو بالتأكيد لن يقتلها..
المهم كيف عرفت الشركة أن الفتاة حامل قبل أن تعرف هي نفسها!
الجواب
في تقنية تحليل البيانات الضخمة، حيث تقوم الشركة بمتابعة زبائنها (المعروفين والمحتملين)،
ودراسة تصرفاتهم، وأنماط سلوكهم، خاصة الاستهلاكية، وبالتالي التنبؤ باحتياجاتهم،
وما يرغبون بشرائه.. حيث تدفع الهرمونات الأنثوية المرأة الحامل للتصرف على نحو
معين، وشراء أشياء محددة ومختلفة..
مثل
هذا الأمر يحصل معنا بأشكال متعددة، فمثلا إذا رغبت بشراء طقم كنابيات ستجد أن
صفحتك على فيسبوك امتلأت بدعايات لمحلات الأثاث.. وإذا فكرت بقضاء شهر العسل في
جزر المالديف، ستجد دعايات الشركات السياحية قد غزت صفحتك.. وإذا قابلت شخصا
بالصدفة لم تره منذ زمن بعيد، أو اتصلت به هاتفيا، ستجد أن فيسبوك تقترحه صديقا لك..
وهكذا.. الموضوع ليس مراقبة الكاميرا الخاصة بجوالك، الموضوع مرة ثانية هو تحليل
البيانات الضخمة، من خلال المعلومات التي تقدمها لفيسبوك، أو لهاتفك لنقال.. الذي
يعرف حركاتك وسكناتك..
شركة
أمازون من أوائل الشركات العملاقة التي تستخدم هذه التقنية لتسويق منتجاتها.. اشتق
اسم "أمازون" من نهر الأمازون الأعظم، ما يتوافق مع هدف الشركة بأن
تمتلك أكبر متجر في العالم، وشعارها الذي يحتوي على سهم يشبه الابتسامة يمتد
من حرف (A) حتى (Z) يشير إلى أن الشركة توفر كل
المنتجات من الألف إلى الياء.
هذه
الشركة العابرة للقارات ستكون الشكل الرائج والمعتمد للتجارة والمعاملات في
المستقبل، حاليا تهيمن على التجارة الإلكترونية في العالم (تنافسها شركة علي بابا
الصينية)، وقد تجاوز حجم تجارتها حاجز المائة مليار دولار.. وهي بالقدر الذي تظهر
فيه شكل عالمنا المستقبلي المريح والمرفه، تُظهر أيضا شكل الرأسمالية المتوحشة..
فقد رفض مالكها (جيف بيزوس، الذي سيصبح أول ترليونير في العالم) دفع ضريبة إضافية
لبلدية سياتل، تريد البلدية من خلالها بناء مجمعات سكنية لعشرات الآلاف من موظفي
أمازون الذين يتقاضون رواتب زهيدة، ولا يمتلكون منزلا، فهددت الشركة بتسريح 45 ألف
موظف لديها إذا أصرت البلدية على رفع الضريبة!
إذا
كان الموضوع مقتصرا على الشركات التجارية فهذا يمكن تمريره، أو التحايل عليه؛
المشكلة الأخطر أن تستخدمه الدول والحكومات وأجهزتها الأمنية في مراقبة كل فرد..
هذا ممكن حاليا (وينفذ في الصين منذ سنتين)، من خلال تقنية التعرف على الوجوه، من
خلال الكاميرات المنتشرة في كل شارع، وداخل كل مؤسسة، وأمام كل محل، ومنزل
تقريبا..
بالعودة
إلى شريحة "بيل غيتس"، الموضوع ليس خيال علمي، إن كانت مثل هذه الشريحة
غير موجودة حاليا، لكنها في المستقبل ستكون موجودة، وستصبح من بديهيات الحياة، في
البداية ستكون اختيارية، لمن يرغب بتسهيل معاملاته الرسمية والتجارية، وتسهيل
تنقلاته وسفره، ومن يرغب بالحصول على امتيازاتها العديدة.. ثم ستصبح إجبارية، وأي
مواطن لا يحتوي جسده على تلك الشريحة، سيكون خارج العصر، وغير قادر على الحصول على
أية خدمات..
في
المستقبل القريب، ربما بعد عقدين من الزمان، أو ثلاثة على أبعد تقدير، سيُطرح جيل
جديد من الإنترنت، بسرعات خرافية، وانتشار وشمولية غير مسبوقتين، ولن يقتصر على
الحواسيب والهواتف النقالة، أو على كافة الأجهزة الكهربائية والإلكترونية.. سيشمل
كل شيء، سيكون جزءا من كل ما يحيط بنا (منزل، أثاث، سيارة، شجرة، كلب، مفاتيح،
خزانة..) في كل جسم سيُزرع مجس متناهي الصغر يحدد IP Address الخاص به، وستكون
كل هذه الكائنات والجمادات والأجهزة مرتبطة معا ومع غيمة الإنترنت.. وفي قلب كل
ذلك الإنسان..
أهلا
بكم في المستقبل..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق