أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

أبريل 05، 2019

حدائق ومتنزهات



مع بدء الربيع، تنشط السياحة الداخلية، وتنطلق الرحلات المدرسية والعائلية، بحثا عن لحظات من المتعة والتأمل والبهجة.. ولكن، هل فعلاً نجد المتعة والبهجة في تلك الأماكن التي نقصدها؟
للأسف، في واقع الأمر، إذا قصدت ربوة خضراء، أو واد تتدفق فيه العيون، أو سهلاً ممتدا، أو جبلا على شكل غابة.. من المفترض أن تتمتع بجمال الطبيعة، وهوائها النقي، ومناظرها الساحرة.. لكنك، ستُصدم بما تراه: عبوات فارغة، أكياس نايلون، بقايا طعام، أكوام زبالة..
وإذا زرت متنزها، أو حديقة عامة، ستجد أيضا ما لا يسرك: أكوام نفايات عبوات زجاجية وبلاستيكية، بقايا المكسرات، أكياس شيبس وشوكولاتة فارغة، وكل أنواع النفايات..
لماذا يترك الأهالي خلفهم كومة زبالة أينما حلوا؟ وهم أنفسهم، حينما يأتون مكانا للتنزه، يشتكون من قلة النظافة، وانعدام الذوق، وقلة التربية.. لأنّ من سبقهم ترك خلفه مزبلة صغيرة!!

طبعا، إلقاء النفايات لا يقتصر على الحدائق وأماكن التنزه، فالمواطن (المحترم) يلقي نفاياته من شباك سيارته، وأمام منزله، وعلى الرصيف، وفي الساحات العامة.. وأحيانا على بعد نصف متر من الحاوية!
أي زائر للبلد، عادةً، أول انطباع سلبي يخرج به هو قلة النظافة، في الشوارع والساحات، والحمّامات العامة، رغم جهود البلديات وعمال النظافة، إلا أن وساخة بعض الناس، تفوق قدرات كل عمّال النظافة..
هذه كلها ممارسات سلبية يتحمل مسؤوليتها المواطن.. أو هي نتاج ثقافة المجتمع التي لا تأبه كثيرا بالنظافة العامة، فمثلا في ثقافتنا وعاداتنا نهتم كثيرا بالنظافة الشخصية، نظافة الجسد، ونظافة البيت.. وهذا جيد، ونفتخر به، لكن ما هو سيء، ونخجل منه، أننا لا نلقي بالا للنظافة العامة..
اللوم ليس كله على المواطن، الدولة بمؤسساتها تتحمل مسؤولية أيضا.. فبين النظافة الشخصية ونظافة المكان العام توجد علاقة جدلية تكاملية..
لو زرت أي حديقة عامة، ستجد العجب العجاب.. لنأخذ مثلا حديقة الاستقلال في البيرة.. وهي ربما أكبر حديقة عامة في المحافظة.. هي عمليا متنفس وحيد لأهالي رام الله والبيرة.. ورغم مساحتها الواسعة، كثيرا من الأحيان لا تجد مكانا تجلس فيه، بسبب قلة عدد المقاعد المخصصة، عدا عن السلبيات الأخرى، المدخل قذر، الأشتال والنباتات غير مشذبة، ليس فيها مساحات خضراء، ولا أحواض للأزهار والورود، ولا مظلات، ولا حمامات عامة، ولا أية تشكيلات فنية من أي نوع، ليس فيها أي لمسة إبداع خاص! النافورة عبارة عن حوض مياه وسخة، سلال النفايات مكسرة، وممتلئة..
الحديقة شاسعة المساحة، ولها إطلالة خلابة، ودائما طقسها جميل وبديع، وفيها إمكانيات كبيرة، ومن المفترض أن تكون تحفة فنية.. لكنها للأسف مخيبة للآمال، وتدعو للإحباط..
وهذا ينطبق على جميع المتنزهات والحدائق العامة تقريبا في عموم الوطن.. فمثلا حدائق جامعة بير زيت، هي تماما مثل فتاة حسناء.. لكنها لم تمشط شعرها، ولم تغسل وجهها منذ شهرين..
وأرجو ألا يقول أحد بأننا في مرحلة تحرر وطني، وفي حالة مواجهة مع العدو، ونخوض مقاومة شرسة، ولسنا في حاجة للحدائق، ولا ينبغي أن تكون من أولوياتنا... لست بجاجة للرد على هذا الطرح، ولكم من الممكن توضيح مسألة التكاليف والإمكانيات..
جمالية المكان لا تعتمد على الإمكانيات المادية، الأمر يتعلق بالدرجة الأولى بالذوق الفني، ومهارة التنفيذ، والإدارة الواعية، والإرادة الصادقة.. أنظر مثلا حديقة متحف ياسر عرفات، وحديقة متحف محمود درويش، وحديقة متنزه بلدية رام الله.. ثلاث حدائق غنّاء، فاتنة، منسقة على أجمل وجه، وأبدع صورة، بإمكانيات بسيطة، وتشكيلات عادية غير باذخة، لكنها غاية في الجمال، الفرق أنها نفذت بفن وذوق راقي.. وهذا يعني ببساطة، أنه بوسعنا أن نعمّم هذه النماذج، وأن نكون أفضل..
والغريب المحبط، أن البلديات حين تأتي على زراعة ميدان عام، أو حديقة ما بالأزهار، تختار شتلات صغيرة، غير مزهرة، أي سننتظر شهرا أو أكثر قبل أن نرى جمالها، على ما يبدو أن البلدية تسترخص أنواع الشتلات وأحجامها، ويكون التنفيذ غير دقيق، ويخلو من اللمسات الفنية، دون رقابة على التنفيذ، مثل هكذا أعمال لا يقوم بها عمال غير مهرة، زراعة الحدائق والميادين تحتاج فنيين مختصين.. في مدن العالم الراقية، تُزرع الساحات بأغلى وأجمل أنواع الأزهار، وتكون من نفس الحجم، مزهرة، وبألوان متناسقة، وكلما ذبلت شتلة يتم استبدالها على الفور.. وحين ينتهي موسمها يتم استبدالها كلها بنوع جديد، وهكذا..
وحتى حين تزرع بلدياتنا أشجارا على جنبات الطرق، تتركها دون سقاية فتجف وتموت، أو تتركها دون حماية، فتأتي الأغنام وتتعشى عليها.. وعلى سيرة الأغنام، من العادي أن ترى حظيرة أغنام في الطابق الأرضي لعمارة حجرية في حي راقي وسط المدينة، وقطيع من الخراف يعبر الشارع الرئيسي!!   
حتى يكون المتنزه البلدي، أو الحديقة العامة بالمستوى اللائق والمطلوب، لا نحتاج إمكانيات كبيرة، ولا موازنات ضخمة.. فإذا تجاوزنا مسلكيات الناس السلبية، من الممكن بأقل التكاليف إحداث فرق كبير..
نفس الأمر ينطبق على الأماكن الطبيعية، ثمة فرق كبير بين منطقة طبيعية متروكة كما نحتتها الريح، وشكلتها تقلبات الأزمان، بأشواكها، وصخورها، ومنحدراتها الخطرة.. وبين منطقة طبيعية تدخّل فيها الإنسان (لصالح البيئة، ولصالح جمالية المكان)، هذا يتطلب تأهيل المنطقة: بضعة مقاعد خشبية، خزان مياه، وحوض غسيل، حمامات، مواقد حجرية للشواء، تعبيد الشوارع المؤدية للمكان، بعض التجريفات البسيطة.. وهذه تحتاج تعاون وزارتي السياحة والحكم المحلي، والبلديات والمجالس القروية..
الإنسان الأنيق لا يشترط به أن يرتدي أغلى الملابس، وأشهر الماركات.. الأناقة الحقيقية تحتاج فقط ملابس عادية، نظيفة، مكوية، ألوانها متناسقة.. بيوت الفقراء والناس العاديين، كثيرا من الأحيان تكون أجمل وأرتب من القصور والفلل.. جمال البيت بديكوراته البسيطة، ولمساته الفنية المتواضعة، وترتيبه ونظافته.. بعض القصور، خاصة لمحدثي النعمة تكون مثالا للبشاعة، وانعدام الذوق..
بلادنا جميلة، فيها أروع المناطق الطبيعية، وأجمل المناظر.. أتمنى أن نرتقي قليلا بإنسانيتنا، لنكون بمستوى جمالها، كي نستحقها..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق