أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

أبريل 20، 2019

وداعا نيسان


يبدأ بكذبة نيسان.. في اللاتينية يسمى إبريل، وهي كلمة مشتقة من معنى التفتح؛ أي تفتح البراعم والورود في هذا الشهر، في تونس والجزائر يسمى إفريل، وفي بلاد الشام والرافدين يسمى نيسان، وقد دخلت هذه التسمية على الآرامية من اللغة الأكادية، وأصل الكلمة من السومرية وتعني الباكورة، أي البدايات.. في المثل الشعبي "شتوة نيسان بتحيي الإنسان"..
وصف الشاعر ت.س إليوت شهر نيسان بأنه أقسى الشهور.. مع أنه شهر الربيع، والنوار والأزهار.. شهر الحنون والأقحوان، حيث يكون الطقس بديعا (هذه السنة مختلفة، وقد اعتدى الشتاء على الربيع).. وحيث يكسو الخضار الروابي والسفوح، وتتدفق الوديان، وتفقص بيوض الحبارى والقطا، وتنطلق صغار العصافير من أعشاشها.. وحيث تتوالد الغزلان وتمتلئ ضروع الماعز والأبقار بالحليب، وتفيض الطبيعة بكل خيراتها.. 

هو شهر الصوم والأعياد عند المسيحيين، أحد الشعانين، وأسبوع الآلام، وعيد الفصح، وسبت النور..
إنه الشهر الأجمل في فلسطين، بيد أنه الأقسى على الفلسطينيين.. وعلى العرب أيضا..
مع أن الدم الفلسطيني تناثر على جميع أشهر السنة، إلا أنّ نيسان نال الحصة الأكبر..
في نيسان 1920، عقد مؤتمر سان ريمو الذي صادق على وعد بلفور، وأقر الانتداب البريطاني على فلسطين.
وفي نيسان 1936، بدأ الإضراب الكبير، وانطلقت ثورة ال 36..
في نيسان 1948، كانت مذبحة دير ياسين، وهي المجزرة المروعة التي دبت الرعب في قلوب الأهالي، وكانت من بين أسباب الهجرة والنكبة.. وهي التي ستظل وصمة عار على جبين الصهيونية للأبد..
وفي نيسان، من نفس العام، وقعت معركة القسطل، والتي شكلت مفصلا هاما في تاريخ الصراع، وكانت نقطة تحول في مجريات الأحداث، وبسقوط القائد الكبير عبد القادر الحسيني، انفرط جيش الجهاد المقدس، وتمكنت العصابات الصهيونية من احتلال القدس..
وفي نيسان 1970 قصف الجيش الإسرائيلي مدرسة بحر البقر المصرية في محافظة الشرقية، ما أدى إلى استشهاد 30 طفلًا، وجرح 50 آخرين.
وفي نيسان 1973، كانت عملية فردان الإرهابية، التي نفذتها إسرائيل بحق ثلاثة من قادة الثورة: كمال ناصر، كمال عدوان، أبو يوسف النجار.. كان فقدهم خسارة كبيرة، وإيذانا بقرب حقبة مظلمة ستحل على لبنان، لكنها في المقابل كانت نقطة تحول في العلاقات اللبنانية الفلسطينية، حين خرجت بيروت كلها في جنازة القادة، مطالبة بتوفير الحماية والدعم لقوات الثورة الفلسطينية.
وفي نيسان 1975، وقعت مجزرة عين الرمانة في بيروت، حين فجّرَ متطرفون من الكتائب حافلة تقل فلسطينيين، وباستشهادهم، تفجرت الحرب الأهلية اللبنانية بكل عنفها وتعقيداتها.. والتي استمرت 15 عاما من الجنون.
وفي نيسان 1988، تمكن الموساد من اغتيال أبو جهاد، مفجر الثورة، ومهندس الانتفاضة الأولى، مع أن استشهاده ألهب الأرض المحتلة، ألا أن خسارته كقائد عبقري لم تعوض حتى الآن. بعد استشهاده تشظى "القطاع الغربي"، وأخذت العلاقة بين الداخل المحتل والخارج شكلا آخر..
وفي نيسان 1996، شن الاحتلال الإسرائيلي اعتدائه السافر على لبنان، تحت مسمى "عناقيد الغضب". وارتكب الاحتلال خلال عدوانه مجزرة قانا، التي استشهد فيها أكثر من مئة لبناني من المدنيين، ممن هربوا إلى مقر الكتيبة الفيجية التابعة للأمم المتحدة.
 وفي نيسان 2002، كانت ذروة الحصار على ياسر عرفات، في عرينه في المقاطعة، وكذلك حصار المقاتلين في كنيسة المهد، واجتياح الدبابات الإسرائيلية كل المدن والبلدات الفلسطينية، إيذانا بتدمير رموز ومؤسسات أوسلو.. وعودة العلاقة مع المحتل، كما ينبغي لها أن تكون؛ علاقة مواجهة واشتباك على كافة الأصعدة..
وفي نيسان، من نفس العام، لقّن الفدائيون جيشَ الاحتلال درسا في البطولة والشجاعة، على أبواب مخيم جنين، كسروا عنفوانه، ومرغوا بكرامته الوحل.. ولكنا خسرنا أبا جندل وعشرات من رفاقه الأبطال.
في يوم الأسير الفلسطيني الذي يصادف ال17 من نيسان كل عام، وقع القائد مروان البرغوثي في الأسر.. والذي بأسره دخلت الحالة الفلسطينية مرحلة من الفوضى والتيه.. ولم نعد نسمع عن العمليات البطولية لكتائب شهداء الأقصى، تلك العمليات التي كانت تنفذ بكل دقة وحرفية وذكاء، من حيث التوقيت، والمكان، وطبيعة الأهداف، والأسلوب، بما في ذلك نجاة المنفذين.. ولم نعد نسمع صوت فتح الحقيقي، التوحيدي، المقاوم.. للأسف بعد مروان، بدأت مرحلة من الفوضى الأمنية.. واليوم يكون قد مضى على أسر أبو القسام 18 عاما متصلة، يضاف إليها خمس سنوات سابقة.. لذا استحق مروان بجدارة لقب مانديلا فلسطين، ومروان هو أملنا الكبير (وربما الوحيد) القادر على إعادة فتح لمسارها الثوري الأصيل..
في نيسان 2003، سقطت بغداد بيد الاحتلال الأمريكي، وبذلك، دخل العراق أسوأ عصر في تاريخه الطويل.. عصر الفساد، والاقتتال الداخلي، والاحتراب الطائفي.. وكان سقوط بغداد مقدمة للانهيار العربي الشامل، الذي ما زال متواصلا لليوم..
وفي نيسان 2004 اغتالت إسرائيل عبد العزيز الرنتيسي، وبذلك خسرنا قائدا فلسطينيا، لولا استشهاده، واستشهاد أحمد ياسين (قبله بشهر) لما أمكن لحماس أن تقوم بمغامرتها المجنونة في سلخ قطاع غزة عن الوطن.. وباستشهاده أيضا، توقفت كليا ما عُرف بالعمليات الاستشهادية..
وفي نيسان 2017، وفي أحد الشعانين، وقع تفجيران إرهابيان في كنيستين في طنطا والإسكندرية، ما أدى إلى سقوط العشرات من المصلين المسيحيين..
يبدو أن نيسان كان قاسيا على العالم كله أيضا؛ ففي نيسان (1775) بدأت الثورة الأمريكية على الاحتلال البريطاني، وفي نيسان (1865) بدأت الحرب الأهلية الأمريكية، وفي نفس الشهر أُغتيل الرئيس "إبراهام لنكولن"، وكذلك مارتن لوثر (1968).. وفي نيسان (1909) انقلبت تركيا الفتاة على السلطان عبد الحميد الثاني، وأنهت الخلافة، وفي نيسان (1912) غرقت سفينة التايتانيك، وفي نفس نيسان بعد ثلاثة أعوام، وقعت مجزرة الإبادة الجماعية بحق الأرمن (1915)، وفي نفس الشهر من العام (1945)، استسلمت ألمانيا "النازية" للحلفاء، وحدثت كارثة شيرنوبل النووية في الاتحاد السوفيتي (1986)، وانفجار أوكلاهوما الإرهابي (1999).
نرجو أن يعود نيسان في العام القادم، وفي كل عام، محمّلا بالورود والرياحين، ونسائم الربيع العليلة.. دون أحداث مؤسفة، ودون دماء..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق