أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

فبراير 21، 2019

الأقطش، وجامعة بير زيت



بالنسبة لي، فإن جريمة "الأقطش"، أنه أجبرني على مشاهدة حلقة كاملة من برنامج الإتجاه المعاكس، فلولا الضجة التي أثارتها تصريحاته، لاستمرت مقاطعتي لهذا البرنامج المشاكس.. فهو برنامج هابط إعلاميا، لا يقدم مادة محترمة، يديره إعلامي شعبوي، متخصص بتسخيف كل ما هو مهم، وتشنيع كل ما هو جميل، بأسلوب الصراخ وتبادل الاتهامات في جو من الضجيج، ليته يصل إلى مستوى أجواء الكراجات وأسواق الخضار، فعلى الأقل الناس هناك تتبادل المنافع.. أما هذا البرنامج فلا يسهم بشيء، سوى الإمعان في تسطيح العقل العربي، والإمعان في بث سموم التفرقة وإذكاء نار الخلافات والنزاعات..

لا أستغرب استمرار هذا البرنامج كل هذي السنين؛ فهو ممول من قناة الجزيرة، ويصب في أهدافها المشبوهة، ورغم تراجع أعداد مشاهديه لحد يثير الشفقة، إلا أنه في كل مجتمع لا بد من وجود شرائح اجتماعية ترحب بمن يحاكي غرائزها البدائية (العنف، الكبت، الغضب..)، ويدغدغ عواطفها الباحثة بيأس عمن يريحها من عناء التفكير، ويخلصها من تحمل مسؤولياتها الوطنية والمجتمعية.. كما أنه من السهل إيجاد متحدثين انتهازيين، يبحثون عن الشهرة، والإثارة.. أو من لهم أجندات سياسية معينة..


وليست تلك فقط مساوئ هذا البرنامج، بل ومساوئ القناة ذاتها، والتي هدفها الثاني، تطبيع وتدجين العقل العربي على نحو يجعله متقبلا للمشروع الصهيوني، بل وإقناعه بإنسانية وأهمية هذا المشروع.. تفعل ذلك منذ تأسيسها؛ إذ كان لها عار السبق باستضافة متحدثين باسم "جيش الدفاع الإسرائيلي"، وباسم الحكومة الإسرائيلية، ليشرحوا للمواطن العربي وجهة النظر الإسرائيلية، وليتفهموا على مهل الرواية الصهيونية.. طبعا باسم الرأي والرأي الآخر، وللمفارقة أيضا باسم محاربة التطبيع.. ولمزيد من الإثارة والتشويق والشعبوية الرخيصة تعطي الفرصة للمذيع/ة ليعبر عن غضبه الشخصي..

أما خطيئة "الأقطش"، فهي من وجهة نظري، ليس قبوله المشاركة في برنامج مبتذل، فقد يراه برنامجا مهما، وهو حر في رأيه.. وليس قبوله المشاركة مع متحدث إسرائيلي، فالبعض يضع ذلك في سياق اختراق المجتمع الإسرائيلي، وتوضيح الرواية الفلسطينية للجمهور الإسرائيلي (وهذا مهم)، علماً أنه أخفق في هذا المسعى..

خطيئة "الأقطش"، أنه طعن في شرعية ووطنية منظمة التحرير الفلسطينية، فلو أنه تحدث عن فسادٍ في أجهزتها، أو عن ترهلها، وتراجع دورها، وضرورة إصلاحها.. لو أنه شكك في صوابية برنامجها الكفاحي، أو في عبثية خطها السياسي.. لو فعل أيٍ من ذلك لاستحق منا كل احترام.. فمثل هكذا نقد مطلوب، وضروري.. أما الطعن في شرعية وجود المنظمة أصلا، والإدعاء أنها لا تمثل الفلسطينيين، فهذا غير مقبول أبدا.. ربما نقبله من جهة سياسية مناوئة للمشروع الوطني، فالفلسطينيون (مثل أي شعب آخر) لا يمكن أن يُجمعوا على قضية ما بنسبة 100%. أما الحديث عن مؤامرات، وماسونية، ومن أستاذ جامعي، فهو شيء محبط للغاية..

في كتابه "من القمة إلى الهزيمة" يروي المرحوم "أحمد الشقيري" قصة حصلت معه، قبيل الإعلان عن تأسيس المنظمة، أي في فترة المشاورات، والاتصالات، وإعداد مسودات الميثاق الوطني، واقتراح أسماء الشخصيات المشاركة.. دخل غرفته في فندق بغداد خمسة شبان، عرّفوا على أنفسهم بأنهم من "حزب التحرير"، وأعطوه بيانا مطبوعا، قروؤه على مسامعه، ومحتواه أن هذه المنظمة صنيعة أمريكا، وأن فتح صنيعة بريطانيا، والجهتين علمانيتين، تدعوان للكفر، وتتعارضان مع النهج الإسلامي الذي يدعو فقط لعودة الخلافة...

الاتهام جاهز، ونظرية المؤامرة حاضرة، حتى قبل أن يولد المتهم..

وفي مقابلة مسجلة مع القيادي الإخواني "عبد اللطيف عربيات"، يقول فيها أن الرئيس الأمريكي "جونسون" اتصل في العام 1962 بالرئيس "عبد الناصر" وطلب منه تشكيل جسم فلسطيني يمثل الشعب الفلسطيني، بهدف الاعتراف بإسرائيل..

لاحظوا عناصر نظرية المؤامرة: "عربيات" عالـمٌ بخفايا الأمور، ومطلع على محاضر الاجتماعات، وعلى التسجيلات الهاتفية بين الرؤساء.. عبد الناصر يأتمر بأمر الأمريكان.. أمريكا تريد إيجاد ممثل عن الشعب الفلسطيني.. العرب والمجتمع الدولي سيمنحان هذا الممثل الشرعية، حتى يكون لتوقيعه مصداقية.. الشعب الفلسطيني وقواه وأحزابه جاهزة للأمر.. أما كل ما حدث من محاولات التهجير، والإقصاء، ومخططات التوطين ومشاريع التصفية، والإنابة، والوصاية، والحديث باسم الفلسطينيين.. كل هذه كانت أشباحا تاريخية.. والحقيقة الوحيدة مكالمة هاتفية بين الرئيسين!!

أي متابع للخطاب الإخواني (منذ الستينات وحتى اليوم) سواء في المجلات والصحف الإخوانية (المجتمع الكويتية، الدعوة المصرية، السبيل الأردنية..) أو في خطب الجمعة لمشايخ الإخوان.. سيجد نفس الخطاب العدائي والتشكيكي ونظريات المؤامرة.. حتى في ذروة العمل الفدائي، وفي أثناء الحروب والمعارك والانتفاضات والحصار.. قبل أوسلو، وقبل مدريد، وقبل الحديث عن أي تسوية.. لم يخفت العداء الإخواني للمنظمة..

ما فعله الأقطش، إنما كان مخبأ في عقله الباطن، والذي تكوّن أثناء انتظامه مع الإخوان.. قبل أن يتركهم، ويكتشف خواء برامجهم، وعبثية تفكيرهم (كما سمعتها منه شخصيا)..

اتهام المنظمة بالعمالة، وأنها وجدت لحماية إسرائيل.. اتهام للشعب الفلسطيني بأسره، وطعن بشرعية الكفاح الوطني، واستخفاف بالوعي الجمعي الفلسطيني، وتطاول على دماء الشهداء، واستهانة بعذابات الأسرى والجرحى.. وهو قبل ذلك منافٍ للحقيقة، ومتعارض مع أبسط قواعد التفكير العلمي..

حديث الأقطش عن "إبراهيم"، و"موسى" بوصفهم أنبياء يهود.. مناف كليا لحقائق التاريخ، وهو ترويج للرواية الصهيونية التوراتية.. وتلك خطيئة غير مقبولة من أستاذ جامعي..

كل ما قاله عن انتخابات 2006، ونسب التمثيل عبارة عن مغالطات مجافية للحقيقة، وتضليل بلغة الأرقام.. والمجال لا يتسع هنا لتفنيدها.. ولكن، باختصار.. منظمة التحرير تستمد شرعية تمثيلها من شرعية نضالها، وليس من انتخابات جرت في ظروف معينة، ولمرة واحدة، ولعدد محدود من الفلسطينيين..

ومع كل ما سبق، لا أقلل من وطنية "الأقطش"، ولا أشكك بمدى حرصه.. ولا أدعو لاتخاذ أي موقف عدائي ضده، فهو مواطن فلسطيني له كل الحق بالتعبير عن رأيه مهما كان.. والرد عليه يكون بالقلم والفكر فقط.. لكن على جامعة بير زيت، وكل جامعاتنا الوطنية إعادة النظر بمناهج الإعلام التي تدرسها، وانتقاء القائمين عليها بحرص.. فمن غير المقبول تخريج أجيال من الإعلاميين يصدقون بوجود "الماسونية"، ويكتبون تقاريرهم من وحي نظريات المؤامرة..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق