أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

ديسمبر 16، 2018

صورتان، ولحظة تيه



الصورة أبلغ من كل الخطابات؛ في الصورة تظهر سيدة فلسطينية ملقاة على الأرض، تذود عن زوجها المضرج بالدم، ومن خلفهما شرطي فلسطيني يلوح بهراوته.. صورة مؤلمة وقاسية.. وأي محاولة لتبريرها ستغدو بلا معنى، فالناس عادة تتعاطف مع الشعوب ضد أنظمتها، وضد شرطتها، في كل الأحوال، فما بالك حين تكون الضحية فلسطينية، والجلاد فلسطيني..

تكررت مثل هذه المشاهد المخزية مرات عديدة، وفي كل مرة تثور الناس، وتعبر عن امتعاضها واشمئزازها من مشاهد القمع غير المبررة.. ويبدو أن المعنيين في السلطة فقدوا تأثرهم، ولم يعودوا مهتمين بمشاعر الجماهير وآلامها!!

هذه الصورة من مسيرة الخليل يوم الجمعة الفائت، وقد أحدثت شرخا في الرأي العام، وساهمت في تعميق حالة الإرباك والتيه التي يعيشها الشارع الفلسطيني في هذه اللحظات العصيبة.. ومعظم ما قيل حولها يندرج تحت بند المناكفات، والمزاودات، وتصيد الأخطاء، والتبريرات الساذجة..

من حق حماس أن تحتفل بانطلاقتها، أسوة ببقية التنظيمات، وإذا كان التوقيت غير مناسب، فمن الممكن تلافي هذا الخطأ دون قمع.. كان من الممكن أن تمضي مسيرتهم بهدوء، ولا يسمع بها سوى سكان المدينة.. الآن كل العالم سمع بها، وقد ظهرت السلطة بصورة القامع المستبد.. وتلك خسارة تفوق أضعاف أضعاف ما كان تخشاه المؤسسة الأمنية.. ومن حق النساء أن تتصدر المظاهرات، طالما أننا ندعو لحرية المرأة والمساواة، وهذا ينسجم مع الدور الريادي والطبيعي للمرأة الفلسطينية المناضلة.. مع أن المرأة المناضلة لا تشتم، ولا تتلفظ بألفاظ نابية.. وتلك مسألة أخرى، وإذا كان هذا يمثل استفزازا للشرطي، فمن واجب الأجهزة الأمنية أن تدرب جنودها على ضبط النفس..

الصورة خطيرة؛ وخطورتها أنها لم تُظهر ما خفي منها.. وتلك يكملها ما حدث في مسيرة نابلس في نفس اليوم.. جماهير نابلس وقواها الوطنية دعت لمسيرة شعبية موحدة، ترفع علم فلسطين وحده، لأنه العنوان الذي يجمع كل الفلسطينيين.. الأخوة في حماس أرادوها غير ذلك، فاستأثروا بجزء من المسيرة، وأصروا على رفع الرايات الخضر.. ففشلت المسيرة، وبدلا أن تكون موجهة ضد العدو صارت نزاعا داخليا مقيتا..
الصورة الثانية، مئات الجنود الإسرائيليين، مدعومين بعشرات الآليات العسكرية يقتحمون رام الله، ويهدمون بيتا لعائلة مناضلة في مخيم الأمعري، وأجهزة السلطة الأمنية تقف مكتوفة الأيدي، وعاجزة تماما عن فعل أي شيء.. وتلك دون شك صورة مؤلمة، وتثير أقصى درجات الغضب والسخط..

ليس متوقعا من الأجهزة الأمنية أن تتصدى لتلك القوة، فما لا يظهر في الصورة، جيشا كاملا بكل عتاده ودباباته وطائراته وأقماره الإصطناعية على أهبة الاستعداد والتدخل خلال دقائق.. ما يعني أن أي مواجهة مباشرة ستعني ببساطة مجزرة، وهزيمة محققة، ومنح العدو مزيدا من الانتصارات السهلة.. وأي جهة تخوض حربا خاسرة لا محالة تعني انتحارا، وتقديم هدية للعدو، وتدمير لمقدرات الشعب وممتلكاته..

لكن هذا لا يعني أبدا السكوت والرضوخ للأمر الواقع.. المطلوب من السلطة أولا استيعاب وتحمل غضب الناس، والسماح لها بالتحرك، ومطلوب منها موقف سياسي وإعلامي واضح وقوي، وفي مثل هكذا حالة مطلوب من الرئيس توجيه خطاب للشعب، وللعالم، يعبر بقوة عن رفضه وغضبه، وهذا وحده يبدد حالة الإرباك والتيه التي يعيشها الشارع الفلسطيني.. وعلى القيادة أن تعود للشعب، وتلتحم أكثر بقضاياه، وأن تراهن عليه.. وقد رأينا أن العمليات الفدائية الأخيرة كانت أفضل رد على الهجمة الإسرائيلية المحمومة.

ندرك تماما محدودية إمكانيات السلطة، والاختلال الفادح في موازين القوى، ولا نريد منها خوض صدامات مسلحة لن تجلب سوى الدمار والخراب في معركة غير متكافئة.. وهذه ليست المرة الأولى ولا الأخيرة التي يجتاج الجيش الإسرائيلي المدن الفلسطينية، وليست أول مرة يهدم فيها بيتا، أو يغتال مناضلا.. هذا يحصل منذ سبعين عاما، وسيظل يتكرر مادام الاحتلال موجودا.. وتلك معركة مفتوحة، ومستمرة.. الشعب بقواه الوطنية وبمبادراته الخلاقة هو من يستطيع لجم اعتداءات الجيش، والتصدي لقطعان المستوطنين.. كما فعل في كل الانتفاضات والمواجهات التي خاضها سابقا.. بالمقاومة الشعبية والعمليات الفدائية الفردية..

السلطة ومنظمة التحرير تؤمن الحماية السياسية للشعب الفلسطيني، أي بالحيلولة دون تهجيره واقتلاعه من أرضه.. من خلال تمثيله، وتثبيت وجوده في الساحة الدولية، وانتزاع الاعتراف الدولي بحقوقه الوطنية، وتأمين شبكة حماية دولية تلجم ولو نسبيا تغول إسرائيل عليه.. وهذه المعركة الأهم. السلطة تصدت بحزم لصفقة القرن، وأفشلت مشروع قرار أممي أراد إدانة حماس ووصمها بالإرهاب.. وهذه أنواع من الحماية التي تؤمنها السلطة للوجود الفلسطيني ككل..

في عملية تفجير منزل عائلة أبو حميد، كان بوسع إسرائيل أن تقوم بذلك بأقل من ربع القوة التي اقتحمت رام الله.. ولكنها دفعت بقوة هائلة في استعراض مقصود لفرد العضلات.. كانت تقصد إظهار مدى قوتها، ومدى ضعف السلطة، وعجزها عن حماية مواطنيها.. تريد بذلك إحراج السلطة، وتعميق الفجوة بينها وبين الشعب.. وهذا ليس عبثا..

إزاء ما سبق من تصعيد للأحداث.. تعالت أصوات كثيرة.. تشكك، وتلعن، وتشتم، وتتهم.. ومن حق الجميع أن يعبر عن رأيه، خاصة في ظل هذا الاحتقان.. لكن خطورة هذه الأصوات أنها تصب في الهدف الإسرائيلي الذي يريد بث الفتنة والفوضى في الساحة الفلسطينية..

صحيح أن إسرائيل مرتاحة للوضع الحالي: سلطة ضعيفة في الضفة، وأضعف في غزة، وبينهما حالة انقسام.. لكن هذا قد لا يستمر طويلا.. فمن الممكن جدا أن تقدم إسرائيل على خطوة مجنونة.. هدم كل شيء، وتقويض السلطة، وتهجير الفلسطينيين من أرضهم.. وحتى تتمكن من ذلك، تحتاج حالة فوضى عارمة في الأراضي الفلسطينية، تصل حد الاقتتال الداخلي.. لتستغل الظرف الداخلي والدولي وتنفذ حلمها الأزلي.. ومن يشك بقدرتها على ذلك، أو يراهن على المجتمع الدولي.. لينظر ما حصل لدول الجوار مثلا، حيث تم تهجير ملايين السوريين والعراقيين دون أي ردة فعل فعل دولية منددة.. ولينظر إلى عشرات الأمثلة الأخرى من التاريخ المعاصر..

بمجرد تقويض السلطة سينهار كل شيء.. وستكون الظروف مهيأة لإسرائيل لتفعل بنا ما تريد.. وما عجزت عن فعله عام 1948، و1967، ستفعله في زمن ترمب، ولن يردعها أحد.. والحديث عن عودة الأمور لسابق عهدها، أي قبل السلطة، وتصعيد المقاومة.. مجرد هذيان وأماني ساذجة.. لذلك وحدتنا هي سر قوتنا، وهي السد المنيع أمام مخططات إسرائيل..

ويا ليت قومي يعلمون..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق