أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

أغسطس 28، 2018

إلى كل أستاذ مدرسة



عاد آلاف الطلبة إلى مقاعدهم.. وبدأت معاناتهم ومعاناة معلميهم..
من يظن أن في المدرسة متعة للطالب أو للمعلم فهو مخطيء.. وللطرفين أسبابهما الموضوعية..
عزيزي المعلم، وأنت معلمنا جميعا.. أرجو أن تتقبل مني بعض الملاحظات..

تطلب منك وزارة التربية إنهاء المنهاج في الوقت المحدد، وتضع عليك مراقبين ومفتشين.. ويريد الأهالي منك أن يكون أبناءهم من المتفوقين.. ولكن، أنصحك بأن تضع كل هذا جانبا، وأن تتذكر بأن سعادة الطالب وصحته النفسيه أهم من إنهاء المقرر، وأهم من حصوله على علامات مرتفعة.. صدقني لا فرق كبير بين إذا تضمن المنهاج تاريخ الهكسوس والسومريين، أو لم يتضمنه، لا يهم إذا ركز كتاب الجغرافيا على حدود السودان أو الكونغو، أو إذا احتوى كتاب العلوم مبادئ الكهرومغناطيسة، أو قوانين نيوتن.. كل هذه المعلومات سينساها الطلبة بعد الامتحان بساعة.. كما نسيناها نحن.. سيحتفظون فقط (كما فعلت أنت ونحن) بذكرياتهم السعيدة، والبائسة.. ركضهم، شقاواتهم، عدد العصي التي أكلوها، رحلاتهم إلى أريحا وطولكرم، ابتسامة معلم القواعد التي لم تفارقه حين كان يتحدث عن كان وأخواتها.. وجه معلم الإنجليزي المتجهم، الذي جعلهم يخجلون من إنجليزتهم الركيكة أمام سائح أجنبي.. عصبية استاذ الدين وغضبه حين سأله سامر ببراءة: كيف اختفت الناقتين في غراء حراء..

تذكر عزيزي المعلم أن لكل طالب موهبة وقدرات تختلف عن الآخرين، وأنه ليس مطلوبا منهم جميعا أن يتخرجوا عباقرة في مادتك.. ربما كان أسامة ضعيفا في الفيزياء، لكنه ماهرٌ في كرة القدم، وربما رسبت أميمة في امتحان الكيمياء لأنها لم تجد وقتا للدراسة بعد أن أنهت واجبات المنزل.. وهذه ليست نهاية الكون..

انتبه عزيزي المعلم لمحمود الذي يغالبه النعاس، ربما لأنه واهن من شدة الجوع، أو لأنه تأخر في شغله في الحسبة حتى المساء.. وإذا لاحظت أن إبراهيم لم يغير بلوزته من أول الفصل، فلأنه لا يملك غيرها، وإذا كانت مريم لا ترتدي جاكيت في عز البرد فلأن جاكيتها الوحيد في الغسيل.. هؤلاء بحاجة لانتباهك أكثر من حاجتهم لشرحك..

وإذا ظل سهيل منزويا على نفسه في الفرصة، فلأن عصابة زيد تتنمر عليه، أو لأنه لا يأخذ مصروفه اليومي.. وإذا رأيت حزنا غامضا في عيني علياء، فلأن زميلاتها سخرن من حذائها المهترئ، أو من بشرتها السمراء.. وربما كان مجدي هادئا أكثر من اللازم، ليس لأن أهله أحسنوا تربيته، ربما لأنه يعاني من صعوبات التكيف والاندماج مع الآخرين، أو لأنه فشل في تكوين أصدقاء..

وصحيح أن عمر يزعج الصف بمشاغبته، لكنه صار مشاغبا لأنه لم يفرغ طاقته في حصة الرياضة، وعماد ليس عدوانيا بالفطرة، لكنه صار كذلك لأن أبوه لم يقبّله منذ سنوات.. أو لأنه فقد فردانيته وخصوصيته بين أخوته التسعة.. أما سلمى فتظل سارحة في عوالمها الخاصة، ليس لأنها فاقدة للتركيز، ولا لأنها كسولة، بل لأن أهلها يخططون لتزويجها..

انتبه لموهبة سهير في الرسم، ربما تكون مشروع فنانة، وراقب مهارة رأفت في التصويب، قم بإصلاح بورد السلة المكسور منذ ثلاث سنوات.. قل شكرا لهنادي على وسيلة الإيضاح التي سهرت حتى منتصف الليل لتنجزها، إثني عليها، وشجعها.. لا تقل لحسام أنك أخطات في الإجابة، قل له وجهة نظرك بحاجة لمراجعة..

وإذا كان سليم يتردد كثيرا قبل الإجابة، أو يتلعثم فلأنه خائف منك، أو لأنه خجول.. شجعه بابتسامة صادقة، ستكتشف أنه موهوب..

تذكر أستاذي الفاضل أن نضال يأتى كل يوم متفائلا، ونائلة تفيق بهمة عالية، وهؤلاء يأتون المدرسة وفي ذهنهم توقعات كبيرة، وصور جميلة متخيلة للمستقبل.. لا تخيبوا آمالهم.. رجاءً؛ فهم ليسو سببا في غلاء المعيشة، وهم غير مسؤولين عن رواتبكم الهزيلة..

أَعلمُ عزيزي المعلم أن همومك كثيرة، ووضعك المادي بائس، وأن مدة الحصة لا تكفي لحل مشاكل الطلبة، وأنها بالكاد تكفي لشرح المادة، وأنك لست طبيبا نفسيا، ولا أخصائيا اجتماعيا.. وليس مطلوبا منك إصلاح الكون.. ولكن.. الضحكة لا تكلف شيئا، ولا والكلمة الحلوة، ولا يوجد إنسان يعجز عن الابتسامة، وهذه لها مفعول السحر..

ابحثوا عن مواهب الطلبة، وتفهموا تنوع قدراتهم، قبل أن تطلبوا منهم حفظ قصائد الأعشى، وحفظ رموز العناصر، والتغني بتراثنا المجيد.. فيونس يحب إجراء التجارب في المختبر، وهذا يساعده أكثر على فهم معادلات الاختزال، وسهام لديها فكرة ألمعية عن ألعاب الكمبيوتر، ورائد مولع بالروايات، ونور تجيد العزف على الساكسفون.. هؤلاء ليسوا قالبا واحدا، تأكد أن بوسعهم أن ينتجوا ما يفوق توقعاتك..

بالنسبة للطلبة رؤية الساحة نظيفة، والمعلمين مبتسمين أهم من ترديد النشيد الوطني، سماع نكتة أو حزورة في الصف أهم من حشو المعلومات في رؤوسهم..

هم بحاجة إلى كلمة تشجيع، وإلى معلم صديق.. بحاجة إلى عطف واحتواء.. أكثر من حاجتهم فهم التفاضل والتكامل، وحفظ الجدول الدوري..

بدلا من حمل العصا أو بربيش البلاستيك.. أمزحوا معهم، واضحكوا قليلا في وجوهمم، الضحك لا ينزع الهيبة، تقربوا منهم، صادقوهم، اسمحوا لهم بالجلوس كيفما يحبون، استمعوا لقصصهم، تعرفوا على أحلامهم، ومخاوفهم.. اتركوا لهم فسحة كافية من الكلام.. دعوهم يتحدثون بحرية.. صدقوني، ستحصلون على نتائج مبهرة..

لا ترهقوهم بالواجبات البيتية، اقرؤوا لهم قصة قصيرة، سيتذكرونها في الليل، إخرجوا معهم إلى الحقل المجاور، ازرعوا معاً شجرة، أو حوض بقدونس، تناقشوا معهم عن الدوري الإسباني.. بعد كل ذلك، ستجدون وقتا كافيا للحديث عن النابغة الذبياني ونظرية آينشتاين..

لا تحرموهم من حصص الرياضة الفن، هذا أكثر ما يضرهم.. انقلوا حصة الفيزياء إلى المختبر، وحصة الإنشاء إلى المسرح.. فرغوا كتاب المطالعة من الحشو والمبالغات، تجاهلوا كل ما هو غير ضروري، وما تجاوزه الزمن.. تأكدوا حينها أنكم ستحصلون على نوابغ وعلماء وفنانين..

أدرك تماما أن التدريس مهمة صعبة للغاية، وتطبيق ما تقدم ليس أمرا هينا.. ولكن فلنحاول.. وكلنا ثقة واعتزاز بمعلمينا الأفاضل..

أحبوا طلبتكم، وعيشوا معهم ذكريات جميلة.. هذا كل ما في الأمر..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق