أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

أبريل 29، 2018

مواقف عدمية لفصائل وطنية



بعد وفاة عدد من أعضاء اللجنة التنفيذية اقتضت الحاجة لعقد دورة استثنائية وخاصة للمجلس الوطني (آب 2009) اقتصر دورها على تسمية أعضاء جدد لللجنة التنفيذية، وكانت الدورة التي سبقتها قد عقدت في نيسان 1996، ما يعني أن هناك فترة زمنية طويلة جدا انقضت دون انعقاد المجلس، وهي ممارسة غير مسبوقة وغير معتادة في تاريخ منظمة التحرير؛ حيث كان ينعقد المؤتمر مرة كل سنة أو سنتين.
هذا الغياب المدوي، وغير المبرر، عطل الدور التاريخي والمهم الملقى على عاتق المجلس، بل إنه دفع الكثيرين للطعن في شرعيته، أو على عالأقل في مدى قدرته على أداء مهامه، خاصة وأنه سينعقد بنفس الشخصيات القديمة، والتي يغلب عليها التقدم بالسن.
على أية حال، فإن انعقاد المجلس بنفس الوجوه، يظل أفضل بكثير من تأجيله المتكرر، وهي مسألة مهمة للغاية، بل ومطلوبة بشدة، لأن كل يوم تأخير يعني مزيدا من التشكيك في شرعية المجلس، ومزيدا من الضعف في قدرته على الإصلاح، والقيام بما يتوجب عليه من مهام، والتي من أبرزها تجديد الشرعيات، والدعوة لانتخابات عامة (رئاسية، وتشريعي، ومجلس وطني)، ورسم خط سياسي جديد لمنظمة التحرير، بمحتوى وشكل ثوري جديدين، يستجيبان لمتطلبات المرحلة.
ولو استعرضنا الأسباب التي دعت بعض الفصائل لمقاطعة المجلس الوطني، لوجدناها واهية ومتهافتة، وهي نفس الأسباب التي ما زالت تكررها منذ سنوات عدة، والاستمرار في هذا النهج لن يؤدي إلا إلى غياب أي فرصة لانعقاد المجلس في المستقبل، وهذا النهج السلبي لو استمر، سيؤدي إلى انعدام فرص إصلاح منظمة التحرير وتطويرها، وبالتالي تهاوي شرعية تمثيلها وشرعية وجودها.. هي نفس الأسباب التي يمكن أن تصبح أسبابا للمشاركة، لو فكرت تلك الفصائل بإيجابية ومسؤولية، وبتجرد عن المصالح الحزبية الضيقة..
وفي رسالة وجهتها شخصيات فلسطينية لرئاسة المجلس (أكثرهم من حماس والشعبية)، دعوا فيها لتأجيل انعقاده حتى تتوفر الأجواء والظروف المناسبة لذلك، بذريعة الحرص على لم الشمل الفلسطيني، بعيداً عن التمزق والانقسام، وحرصًا على وحدة الشعب وقواه، ونسيجه المقاوم..
السؤال: هل تمنع المقاطعة التشرذم والانقسام؟ أم أنها تكرسه وتجذره، وتخلق من حوله اصطفافات واستقطابات؟ ومتى ستتوفر تلك الأجواء المثالية؟ طالما أن دعوات التأجيل تتكرر سنة تلو أخرى!
لنضع موقفنا من القيادة الحالية جانبا، ونطرح الأسئلة التالية: هل يمكن تجديد القيادة، وتعزيز شرعية المنظمة، من خلال المقاطعة؟ هل يجوز انتقاد "التفرد في القرار"؟ مع العلم أن هذا التفرد ناجم عن المقاطعة؟ هل يجوز توجيه اتهام "الإقصاء"؟ بينما الفصائل هي التي أقصت نفسها بنفسها!
وفيما يتعلق بالتمثيل العادل لتجمعات الشعب الفلسطيني، فلا شك أن تمثيل المجلس الحالي غير عادل، وغير كافي؛ لكن، هل مقاطعة المجلس ستحسّن من التمثيل؟ هل التأجيل سيؤدي لإجراء انتخابات، وبالتالي تمثيل أفضل؟ أم أن التأجيل سيخلق مزيدا من الفراغ، ومزيدا من التسويف لانتخابات غير واضحة المعالم؟ أعتقد أن تمثيل المجلس للفلسطينيين لن يكون عادلا وكافيا إلا بإجراء انتخابات، وبما أن هذه الانتخابات لم تتوفر شروطها بعد (أو على الأقل حاليا)؛ فإن عقد المجلس بأعضائه الحاليين أفضل من تأجيله للمجهول، أما إذا اعتبرنا أن تمثيل الفصائل والقوى بديلا عن الانتخابات (ولو بصفة مؤقتة)، فتلك مسألة لا تحتاج سوى قرار المشاركة للفصائل المقاطعة.
يرفض البعض عقد المجلس الوطني داخل الوطن، بحجة عدم الارتهان للمحتل، وأن عقده في الخارج سيجعله أكثر حرية في اتخاذ القرارات! ويبدو أن هؤلاء ما زالوا يعتقدون أن هناك دول عربية ما زالت على الخط الثوري، وأنها سترحب بالمجلس دون شروط! ويبدو أنه غاب عنهم التغيرات الجذرية التي ضربت المنطقة العربية، لدرجة أنه لم تعد هناك عاصمة عربية لن تستفيد من دكتاتورية الجغرافيا السياسية، ولن تضع إملاءاتها، ولن توظف القضية الفلسطينية لمصالحها، وعلى مسطرتها.
استغرب البعض موقف الجبهة الشعبية الداعي للمقاطعة، وفي الواقع، هذا الموقف، يأتي منسجما مع تاريخ طويل للجبهة، مارست فيه الرفض أحيانا لمجرد الرفض، ولعلنا نتذكر موقف "حركة القوميين العرب" الذي رفض انطلاقة الثورة، بحجة عدم نضوج الظروف، وموقفها (بعد أن صارت "الجبهة الشعبية") الرافض للمشاركة في معركة الكرامة! ومواقفها المتكررة لمقاطعة المجلس الوطني، بدءا من العام 1974، حين أسست مع ثلاثة فصائل أخرى وبدعم من بغداد، ما عرف حينها بجبهة الرفض. ومرة أخرى حين شكلت جبهة الإنقاذ، بدعم من دمشق، عام 1984، حين تكالبت القوى الإقليمية على منظمة التحرير لسحب شرعيتها، مستغلة ضعفها بعد الخروج من بيروت.
مع أن الجبهة الشعبية تصر دوما على منظمة التحرير هي البيت الدائم للفلسطينيين، وأنها الممثل الشرعي الوحيد، وأن الجبهة ركن أساسي من المنظمة؛ إلا أن مواقفها وتحالفاتها الأخيرة غير مفهومة، ولا تنسجم مع رمزيتها النضالية، ليس فقط في إطار مرحلة التحرر الوطني، بل في إطار هويتها اليسارية والتقدمية، وأقصد بذلك تحالفها مع حماس، وموقفها "التطهري"، "المتعالي" من الانقسام، وموقها الدائم من فتح، وكأنها تسعى للإطاحة بها! مع أن فتح بفكرها ونهجها أقرب إليها من حماس.. أعتقد أن هذا التناقض، لو استمر، سيؤدي إلى ضعف الرمزية النضالية الكبيرة للجبهة، وسيشتت وحدة قرارها، وبالتالي خسارة جمهورها اليساري الحقيقي.
أما حماس، فموقفها امتداد لرفضها التاريخي الاعتراف بمنظمة التحرير، ووحدانية تمثيلها، وقد رفضت الاعتراف بها قبل أوسلو (إذا كانت حجتهم التسوية)، وظلت تشكك بشرعية ووطنية منظمة التحرير، حتى في عز خوضها أعنف المعارك ضد الاحتلال الإسرائيلي! واعتقد انها ترفض المجلس والمنظمة من حيث المبدأ؛ فهي كحركة شمولية أيديولوجية لا تقبل الشراكة، ويؤكد نهجها منذ انطلاقتها أنها تسعى للتفرد والهيمنة، وقد اعترف خالد مشعل، أن حماس سعت طويلا لتشكيل بديل عن منظمة التحرير، وبدعم من قوى خارجية، واعترف بفشلها بمسعاها هذا، والأهم أنه اعترف بخطأ هذا المنهج، وأنه لا بديل عن منظمة التحرير، وأنه ليس أمام حماس إلا الشراكة الوطنية. لكن اعترافه لم يغير من نهج قيادات حماس الحاليين.
مشكلة حماس، كما هي الجبهة، أنها تعارض، وتشكك، وتخون، ثم تتراجع عمّا عارضته، وتسلك نفس الخط السياسي الذي اعتبرته سابقا خيانة وتفريط!
سينعقد المجلس الوطني، للأسف دون الجبهة الشعبيه ودون حماس، لكنه سينجح، وسيمر الأمر بشكل طبيعي وعادي، وسيرسم معالم الواقع السياسي الجديد، أما من قاطعه، فقد عزل نفسه. أما فتح، فستؤكد، كما هي كل مرة، أنها الأقدر على اتخاذ القرارات الصعبة، خاصة في الظروف الصعبة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق