ما القاسم المشترك بين الأصوليين
والمتعصبين من كل الديانات، ومعهم الجنرالات العسكريين والسياسيين وقادة الأحزاب،
وأمراء الحروب، وزعماء الطوائف، ومعهم كل أتباعهم المتشددين؟! طبعا جميعهم ذكور،
لكن الجواب ببساطة: موقفهم العدائي من المرأة..
هؤلاء تاريخيا، ناصبوا المرأة العداء، وهم أول من أنزلها من عليائها،
حين كانت بمرتبة الآلهة (في الحقبة العشتارية) وهم الذين حددوا لها مكانتها
الاجتماعية الدنيا، أي في أسفل السلم في النظام الاجتماعي القائم على المـُلكية
والتراتبية، وهم من فرضوا عليها تلك الأدوار والمهام الوظيفية التي صارت بمثابة
عُرف وقوانين وقيم اجتماعية، قيدت حركة المرأة في إطارها، وحددت صورتها النمطية.. وهؤلاء
خاضوا كل حروبهم ومارسوا كل جرائمهم تحت مسميات ورايات مختلفة، ولكن كانت المرأة دوما
حاضرة في خلفياتهم الذهنية، وفي عقلهم الباطن.. تحركهم إحباطاتهم الجنسية، ومشاعر
الكبت المقموعة، وأمراض العصاب الذُكوريّ النمطي، ورهابُ المرأة، تلك الأمراض التي
ضخمت فيهم مشاعر الكراهية؛ كراهية كراهية الحياة، وكراهية الآخرين، وحتى كراهية
أنفسهم..
ولكن، ما الذي جعل هؤلاء الذكور، الأقوياء جداً، والمنتصرون دوما، والذين
لا يرون أنفسهم إلا في أبهى وأنقى صورة، ما الذي يجعلهم يحمِلون هذا القدر من
الكراهية ضد النساء؟ وهم بالطبع لا يعترفون بذلك، أو لا يلاحظون.. فكيف يخاف الرجل
المتخم بكل عناصر القوة من المرأة الأضعف منه؟ الضعيفة إلى الحدّ الذي يجعلها تتلذذ
في حبّ مُعذِّبها! وقاهرها! الذي يجعلها تقبل بتلك المنزلة الدونية التي وضعها
فيها الرجل، دون اعتراض منها، بل بتماهي كامل مع هذا الدور!
وللتأكيد، على وجود كراهية مختبئة في أعماق الرجل، وهذه الكراهية
منبعها الخوف من المرأة، نلاحظ أن الرجل ومنذ فجر التاريخ، وهو لا يتوقف عن تأكيد
سلطاته الذكورية في كل مناسبة، وحتى بدون مناسبة، يؤكدها ويمارسها كل يوم، ودون
رحمة، وأحيانا مغلفة بعبارات رقيقة.. وحتى في مجالس الذكور (حين لا تكون المرأة
حاضرة) تجدهم يتباهون في احتقارهم لزوجاتهم، في تجاهلهم لهن، وفي فرض سيادتهم
المطلقة عليهن، ويتبارون في سرد قصص غزواتهم الجنسية المظفرة، وتصل درجة الاحتقار
الترفع عن ذكر أسمائهن..
"أشكرك، يا إلهي، لأنك لم تجعلني إمرأة"، هكذا يدعوا
اليهود الأرثوذكس في صلاتهم.. "الحمد لله والشكر إنه خلقنا ذكورة"، هكذا
يقول الشعر الشعبي العراقي (وأعتذر عن تكملة عجز البيت، لسفالته).. في لغتنا نقرن
الشهامة والشجاعة والبطولة بالذكورة، فعندما نريد مدح أحد نقول عنه رجل.. وبالعكس،
عندما نريد أن نذمه نصفه بالمرأة. المرأة في الخيال الذكوري مقترنة بالضعف، وقلة
الحيلة، والجبن، والعجز..
في مجتمعاتنا (التي تدعي التطهر) تُحدّد الهُوية الجِنسانيّة مصيرَ
الفرد ومكانته؛ الذكر نعمة للعائلة، والأنثى عبء! في هذه الذهنية تقترن الأنوثة
بالميوعة، والفاحشة.. وتصبح عارا مُخجلا، الموتُ أفضل منه. لذلك، ما يفعله الذكر
منذ بلوغه، وحتى كهولته الاطمئنان على فحولته، لأنها رمز قوته وهيبته..
في الحروب، المرأة هي أول وأكثر من يدفع الثمن.. يغتصبها الجنود
المنتصرون. وفي السلم، ينتقم منها الذكور الذين تهزمهم السلطة، والفقر، والحاجة..
وتلك كلها، مظاهر الكراهية،
وعلينا بعد ذلك، أن نجد العلاقة بين تلك الكراهية والخوف، والأسباب والدوافع
وراءها..
بدأت الرهبة من المرأة في عصر المشاعية الأولى، حينها كان يُعتقد
أنها هي من تهب الحياة (الولادة)، وهي منبع العطاء (الرضاعة)، وهي من تمنح الرجل
لذته ونشوته (الجنس)، وهي التي تنتظم دورتها الشهرية مع دورة القمر.. لكن هذا
العصر سرعان ما انتهى بانقلاب رهيب، تبدلت فيه الأدوار، وصارت المرأة رمزا للشر
(الإغواء)، ورمزا للخطيئة (الجنس)، وتم تحميلها كل أوزار البشر.. صحيح أنه تم
سحقها، والانتصار عليها، لكن قلب الرجل وعقله الباطن ظل يخبئ مشاعر الخوف منها،
ويكتمها، كما لو أنها خطرٌ غامض، إلى أن حول مخاوفه إلى سطوة ذكورية بقوانين رسمية.
كان ديدن الذكور ودافعهم الخفي (الجنس)، وخوفهم من انفلات نزواتهم
الجنسية، لضعف سيطرتهم عليها.. ولتوضيح ذلك، نسمع الرجال وهم يتغزلون بالنساء،
ويعبرون عن مشاعر الحب واللهفة... ولكن هل فعلا تلك عواطف حب حقيقية للمرأة لذاتها
(كإنسان)؟ أم للخدمات التي تقدمها المرأة (الجنس، الولادة، رعاية البيت
والأولاد..)؟ هل وضَع الفقهاء المتزمتين قواعدهم بناء على هذا الأساس؟ إذا مرضت
الزوجة، ولم تعد تصلح للوطء، فليس من واجب زوجها علاجها، بوسعه تطليقها، أو الزواج
عليها.. تم تحديد سن الزواج (متى صلحت الفتاة للوطء)، وليس متى كانت مهيأة (نفسيا
وعقليا وجسديا) لتقبل وتفهم معنى الحياة الزوجية والشراكة والإنجاب والتربية وتحمل
المسؤوليات.. هذه مجرد أمثلة..
المرأة كائن جميل، والإنسان يحب الجمال، ويحب النظر إليه.. ولكن،
لماذا نغضب ونُستَفز عندما نرى إمرأة جميلة في الشارع!؟ ويزداد الغضب والاستفزاز
طرديا كلما كانت أكثر جمالا، أو إذا كشفت عن أجزاء من جسدها!!
حين يلتقي الرجل بإمرأة جميلة، يتوتّر.. المفترض أنْ يرتاح قلبه لهذا
الجمال، وأن يبتهج، وبدلا من ذلك يغضب ويثور! في واقع الأمر، هو يغضب من الرغبة والشهوة
التي أثارتها فيه المرأة! لماذا؟ لأنّه لا يسيطر عليها، لأن مشاعر الشهوة، وحب
التملك والسيطرة على ما يشتهيه قد انطلقت من دواخله بقوة، ولا قبل له على التحكم
بها.. المشكلة أنه لن يستطيع فعل شيء حيال هذه المرأة، باستثناء حالات التحرش
والاغتصاب، فإذا امتنع عنها (وهو غالبا يمتنع) ستتولد في دواخله صراعات قوية بين
ما تريده غريزته (المكبوتة) وبين ما يأمره به عقله الواعي (النظام الاجتماعي).
اعتقد الرجل أن للمرأة قوة خفية غامضة، تجعله يدخل في هذه الحرب
العنيفة في داخله، مع أنها لم تفعل شيئا، ولم تسعَ لدخول أي حرب، كل ما فعلته أنها
ظهرت في العلن.. من هنا تحديدا، وجد الرجل أن الحل الأمثل، هو إخفاء المرأة خلف حُجب
سميكة. أي إلزامها البيت (هناك بوسع الذكر أن يفعل
فيها ما يشاء، وقت ما يشاء). وإذا كان لا بد من خروجها للأماكن العامة، فعليها أن
تتحجب، أي أن تخفي زينتها وفتنتها..
في الواقع، ليس الإسلام أول من فرض الحجاب، سبقه إلى ذلك المجوسية
واليهودية.. المجوسية فرضت على المرأة اللثام (الخمار) حتى لا تدنس أنفاسها النار
المقدسة.. غلاة اليهود، وحتى الآن، يفرضون على نسائهم النقاب، ويرفضون مصافحتهن...
ولكن لماذا المتزمتون (من كل الأديان) هم الأكثر عداء للمرأة؟ في
الواقع، الصعود إلى الحدود القصوى والتطرف هما سمات العُصابٌ الذكوري، وأعراض لمرض
الفحولة، وما يفعله هؤلاء أنهم يتغطون بالدين، لإخفاء أمراضهم الذكورية.. ويستقوون
به للإستقواء على المرأة..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق