أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

نوفمبر 05، 2017

انتحار جماعي للحيوانات، وللبشر

 (1)

قبل أشهر، ذكرت مصادر إخبارية محلية عن شهود عيان أن قرداً، يدعى "ريكو"، في حديقة الحيوانات برفح جنوب غزة، شنق نفسه منتحرا.. وأكدت جماعات عديدة تعنى بالحيوانات، أن ظروف تلك الحديقة بالغة السوء والقسوة..

وفي أندونيسيا، في حديقة "سورابايا" للحيوانات، والتي توصف بأنها الحديقة الأكثر قسوة في العالم؛ انتحر أسد يسمى "مايكل"، حيث حشر رقبته بين قضبان قفصه الحديدي. وفي هذه الحديقة أُعلن عن موت  43 حيوانا داخل أقفاصها بسبب سوء المعاملة، ومن بينها زرافة تناولت 20 كيلوغراما من البلاستيك.
ويرى علماء أن بعض الحيوانات لديها قابلية على الانتحار؛ العقرب مثلا، إذا استشعر بالخطر، خاصة عندما تحاصره النيران، يلدغ نفسه في ظهره ليموت على الفور.. النمر، حينما تحين منيته، ويضعف، وتخور قواه حتى لا يعود قادرا على الصيد، يُلقي بنفسه من علو ليموت منتحرا.. ومن المعروف أن طائر الكنار، الذي يعيش منذ أجيال طويلة في الأقفاص، إذا مات رفيقه في القفص يموت من بعده خلال أيام قليلة من الحزن، حيث يمتنع عن الطعام، ويفقد شهيته للحياة.. وأيضا إذا تم حبس غزال بري في قفص، فإنه سرعان ما يموت كمدا وضيقا.. لذلك تُؤخذ الغزلان وهي رضيعة بعمر أيام، ليتم ترويضها على الأسر.

في مقال على موقع "تسعة" بعنوان: الانتحار عند الحيوانات: كيف ولماذا تنتحر الحيوانات كالإنسان؟  جاء فيه نقلا عن مجلة "تايم سينس" أن دلفينا يسمى "فليبر"، نظر إلى الحاضرين وفي عينه نوع من الحزن، كأنه يرمقهم بنظرة وداع، قبل أن ينزل تحت الماء ويتوقف عن التنفس بإرادته حتى مات. ويبدو أنه تعب من العروض اليومية.. وأضاف المقال قصة انتحار كلب من نوع النيوفاونلاند، حدثت عام 1845، وكتبتها مجلة أنباء لندن، أن ذلك الكلب الجميل جرى قاصداً بركة المياه ليرمي نفسه فيها دون أن يحاول مقاومة الغرق، بل إنه استسلم ووضع رأسه تحت الماء بشكل مقصود. ويورد المقال قصة أخرى عن حصان، وهذه القصة رواها "أرسطو" نفسه، يُقال أن حصانا تعرض لخديعة من أصحابه وأجبروه على تلقيح أمه، ولما اكتشف ذلك انتحر.. ويُذكر أيضاً أن بغلاً لمجموعة من "البيشمركة" الكردية كان يتلقى معاملة سيئة، ويتم تحميله أثقالا كبيرة، وذات مرة حين كان يمر على طريق وعرة في إحدى الجبال الشاهقة، وعند أحد المنعطفات ألقى البغل بنفسه من فوق الجبل ليسقط، ويتخلص من عنائه ومن ظلم البشر.

وفي قصة حقيقية كتبها "مصطفى محمود" عن أسد في السيرك القومي المصري، يدعى سلطان، قتل مدربه "محمد الحلو" في لحظة هياج، فتملكه شعور بالندم، وحين أودع في القفص انطوى على نفسه، ودخل في حالة اكتئاب، وأضرب عن الطعام، ثم بدأ يعض نفسه، فقطع ذيله إلى نصفين، ثم عض ذراعه حتى هشمها، واستمر كذلك إلى أن مات..

ما سبق يمكن تصنيفها حالات فردية، بيد أنه هناك حالات انتحار جماعية للحيوانات.. لنبدأ بأصغر الكائنات؛ البكتيريا، والتي عندما تنتقل إلى بيئة معينة، تمر بأربع مراحل: أولها التأقلم، ثم النمو والتكاثر اللوغاريتمي، ثم الثبات، أي تباطؤ معدلات تكاثرها، وهنا تبدأ معالم الأزمة، والتي تنتهي بالموت الجماعي للبكتيريا.. بحيث لا يعود لها أثرا، والسبب أنها استنفذت مخزون الغذاء..

الفئران، وهي من أكثر الحيوانات ممارسة للإنتحار الجماعي.. تذكر المصادر أن الفئران في منطقة الهضبة السورية قرب بحبرة طبريا ازدادت أعدادها بشكل خطير قبل سنوات، لدرجة أن موارد المنطقة لم تعد تكفيها، ما يعني أنها ستواجه خطر الفناء، ولذلك أقدمت عشرات الآلاف منها على رمي نفسها من على جرف هائل لتلقى حتفها، حفاظا على البقية.. ومثل هذه الظاهرة تتكرر أيضا في النرويج، ففي كل سنة تزحف مئات الألوف من الفئران لتلقي بنفسها في بحر الشمال. 

وأيضا اعتادت حيوانات الليم الجبلية على الانتحار الجماعي، حيث تضحي مجموعة منها بقتل نفسها، لينجو الباقين، تحدث هذه الظاهرة في الشتاء القارص حين تنعدم الموارد الغذائية.

في نيوزلاندا جنح أكثر من 400 حوت إلى شواطئها في شباط 2017، استطاع المتطوعون إنقاذ نحو مائة منها، بينما نفقت البقية، بحسب ما أعلنت سلطة حماية البيئة، والتي أكدت إن هذا الجنوح الجماعي هو ثالث أكبر جنوح للحيتان يسجل في نيوزيلندا.. ومثل هذه الظاهرة تكررت عشرات المرات في مناطق مختلفة من العالم، ويرجح علماء أن السبب يعود للتضاريس البحرية التي تجعل الحيتان تعلق في المياه الضحلة. وبعضهم رجّح بأنّ السبب هو مرض قائد قطيع الحيتان، حيث وبسبب مرضه يتعرّض لتشوشّ في معرفة تحديد اتجاهاته، وأثناء هجرتهم السنويّة، يقوم بتحديد مسار رحلتهم بشكل خاطئ، ليتبعه البقيّة، ويكون الموت بانتظارهم. بينما أكد علماء آخرون أن هذا السلوك عبارة عن انتحار جماعي لأسباب ما زالت قيد الدراسة..
وقبل سنوات نشرت الصحف التركية خبرا عن قطيع من الأغنام، تساقط من فوق أحد الجبال بشكل متعمد، حسب شهود عيان، وذلك عندما قفز خاروف إلى الهاوية، ثم قفز من ورائه 450 خاروف، في حادثة غريبة، لم تُعرف أسبابها.

إذن، حيوانات عديدة، من أصغرها إلى أضخمها تمارس الانتحار الفردي والجماعي، لأسباب كثيرة، أغلبها بهدف حماية النظام البيئي.. أيضا الغابات تحرق نفسها.. فإذا استثنينا الأسباب التي يقف وراءها البشر في حرائق الغابات، التي تلتهم سنويا مئات الآلاف من الأشجار، هناك أسباب طبيعية، أهمها أن النظام البيئي يبرمج نفسه بحيث تتكرر الحرائق كل مدة معينة، ليتاح المجال لنمو أشجار جديدة، وتجديد النظام البيئي بأكمله، كما يرجح العلماء..

ما علاقة كل ذلك بالبشر؟! 
(2)

في مرحلة ما من الزمن السحيق، كان عدد سكان الأرض ضئيل جدا، لدرجة أنهم كانوا معرضين للإنقراض، وكانوا يقيمون في منطقة واحدة، على شكل جماعات متناثرة.. وكلما اقترب عدد الجماعة من الثلاثين فردا تصبح موارد المنطقة بالكاد تكفيهم، فتغادر منهم أسرة إلى منطقة جديدة تبعد نحو ثلاثين ميلا أو أكثر، لتكوّن نواة جماعة جديدة.. وهكذ انتشر البشر في ربوع العالم القديم، وتحولت تلك البقاع إلى قرى ومدن في مراحل لاحقة..

قبل قرون قليلة من الزمان، بلغ سكان العالم بضع مئات من الملايين، وكانت جائحات الطاعون والحصبة والجدري تحصد أرواح الناس حصدا، فكانت إلى جانب الحروب تخفف من حدة التكاثر السكاني اللوغاريتمي.. لذلك احتاجت البشرية قرونا عديدة حتى أتمت مليارها الأول، والذي بلغته عام 1805، ثم تسارعت وتيرة التكاثر شيئا فشيئا إلى أن اكتمل المليار السابع في العام 2011..

ومع الزيادات المضطردة في تعداد السكان، ومع استمرار استنـزاف الإنسان لموارد الأرض، وتواصل تعدّياته على البيئة، ونقصان المساحات الصالحة للزراعة، وزيادة التصحر، وشح موارد المياه، فإن المستقبل سيبدو مرعبا، وسيكون العالم بلا رحمة، ولا مكان فيه للضعفاء.. ولكن الضعفاء هم دائما الأغلبية الساحقة، لذا قد تصبح حروب البشر حينها ضرورة بيئية، وأمراً لا مفر منه، ولكنها ستكون شديدة التدمير، وسيكون ضحاياها بالمليارات.
اليوم، يواصل الخط البياني لمجمل سكان الأرض صعوده بارتفاع متزايد، على شكل متوالية هندسية. وما هي إلا مسألة وقت حتى نصل للمليار العاشر، ثم العشرين.. ولا أحد يضمن ألّا يحدث انفجار سكاني يفوق التوقعات، فيصل التعداد إلى مائة مليار إنسان، سيشكلون سكان الأرض في يوم ما في المستقبل.
الأرض فيها من الخيرات والموارد ما يكفي سكانها.. لكنَّ المشكلة في انعدام العدالة في توزيع هذه الموارد بين البشر.. هذا الظلم والخلل في التوزيع كان منذ فجر التاريخ، وما زال قائما للآن، ولا يساورني شك أنه سيظل قائما في المستقبل، طالما أن الرأسمال الجشع هو الذي يسيطر على مقدرات العالم، فئة قليلة جداً من الناس، لا تتعدى ال1% تتحكم في مفاتيح الاقتصاد والسياسة والصناعة والتجارة.. بيدها قرار الحرب والسلم، وهي التي تدير دفة هذا الكوكب.. وهذه الفئة المريضة بالنرجسية والأنانية ستقود كوكبنا إلى كارثة نهائية.. تماما كما فعل قائد قطيع الحيتان المريض، فسار بهم إلى المياه الضحلة، ليلاقوا حتفهم هناك.. وهذا الاحتمال الأول..
الأسباب التي كانت تدفع الناس لقتال بعضها في الماضي، هي نفسها التي ما زالت تولّد الحروب إلى يومنا هذا.. النتيجة سابقا هي تخفيف عدد سكان المنطقة، حتى تكفي مواردها من نجا من الحرب.. فإذا كان للحرب 99 سيئة، فإن لها حسنة وحيدة تأتي كعارض جانبي؛ هي التحكم في اندفاعات تكاثر البشر إلى حد معين.. ما يعني أن صراع البقاء في الغابة وبين الحيوانات بالرغم من وحشيته وقسوته إلا أنه يضمن تحقيق التوازن البيئي والتنوع الحيوي.. وهذا الصراع على البقاء بين البشر بالرغم من تخلفه وبشاعته يشبه تماما في الوظيفة والنتيجة صراع البقاء بين الحيوانات..
في الماضي، كان البشر يتقاتلون بأسلحة بدائية، ولم يكن المحارب حتى في ذروة غضبه قادر على قتل أكثر من عدد بسيط من أعدائه، أما اليوم, فبفضل التقدم التكنولوجي الذي أحرزته الرأسمالية صارت الحرب الواحدة توقع أعدادا هائلة من القتلى. فإذا كانت قنبلة هيروشيما قد خلّفت مائة ألف قتيل في يوم واحد، وهي بقوة 13 ألف طن ت.ن.ت، فإن القنبلة النووية الحالية قدرتها تعادل 15 مليون طن ت.ن.ت، وإذا ما نشبت حرب نووية عالمية فإنها بكبسة زر قادرة على إبادة 100 مليار إنسان، أي 15 ضعف عدد سكان الأرض الحالي.
صحيح أن البشرية حققت تقدما كبيرا في مسيرتها نحو التحضر، وتهذيب آدميتها، والإرتقاء بإنسانيتها.. إلا أنها لم تبرأ تماما من الرواسب البدائية المخزنة في جيناتها، تلك التي تجعلها ترتد إلى طبيعتها الحيوانية.. وصحيح أن النظام الدولي يضمن أو على الأقل ينظم الصراعات بين الدول للحيلولة دون وقوع حرب نووية.. وهذا ناجح بقدر ما لحد الآن، وربما هو السبب في منع انزلاق العالم إلى الحرب العالمية الثالثة. ولكن، لا أحد يضمن المستقبل.
هتلر، تسبب في الحرب العالمية الثانية، أو على الأقل يتحمل مسؤولية كبيرة في إطالتها، وحجم التدمير الهائل الناجم عنها.. زعماء كثيرون أتوا من قبله ومن بعده، كان جنونهم وطموحهم ونرجسيتهم سببا في حروب مدمرة.. العالم اليوم مليء بالمجانين..
مثلا، أكد علماء نفس أمريكيون أن "ترامب" لا يصلح لرئاسة الدولة، وأكدوا في تقرير رسمي أنه مريض نفسيا وغير قادر عقلياً ومزاجياً على إدارة البلاد، وأنه يظهر علامات النرجسية السرطانية، وهي مزيج من النرجسية، واضطراب الشخصية المعادي للمجتمع، والعدوانية والسادية.. ومثل "ترامب"، وبشكل أخطر يأتي زعيم كوريا الشمالية.. الذي يهدد بحرب نووية..
وهناك عشر دول على الأقل تمتلك أسلحة نووية، منها إسرائيل، والتي حين بوغتت بالهجوم المصري/ السوري عام 1973، كانت على وشك اتحاذ قرار استعمال السلاح النووي.. واليوم يرأسها مجنون نرجسي اسمه "نتنياهو" وهو مستعد لحرق العالم مقابل أن يظل على كرسي الحكم..
لا أعتقد أن العالم سيصل إلى حرب نووية، على الأقل في الظرف الراهن، مهما بدا لنا جنون زعماء الدول النووية.. فمثل هكذا قرار ليس بالأمر السهل.. ولكن، لا أحد يضمن عدم ظهور زعماء أكثر جنونا وتهورا.. خاصة وأن الصراع على الموارد والمياه سيكون مسألة حياة أو موت بالنسبة لشعوب كثيرة.. وأن تعداد البشر سيكون هائلا لدرجة أن التخلص من ربعهم على الأقل سيكون ضروري لاستمرار الحياة على كوكب الأرض.. وهذا الاحتمال الثاني.
بالطبع هناك احتمال ثالث، وهو حل سهل وعادل وسلمي: تعاون البشر فيما بينهم، ونبذ الحروب، وإقامة صرح السلام العالمي، واقتسام خيرات الأرض بعدالة.. وضبط التكاثر السكاني.. أو أننا سنمارس الانتحار الجماعي تماما مثل الفئران.. والفرق أن الفئران تمارسه طواعية لينجو البقية، بينما البشر يمارسونه بشكل غبي، ولتدمير الآخرين..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق