أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

أكتوبر 30، 2017

قضية الأمازيغ


من هم الأمازيغ؟ وما هي مطالبهم؟ ولماذا لم يستطيعوا بلورة خطاب موحد لطرح قضيتهم؟  هل مشكلتهم الحرية الدينية؟ أم الحقوق الثقافية؟ ما موقف الحكومات والأحزاب في المغرب العربي من قضيتهم؟ ما هو المسكوت عنه في القضية الأمازيغية في الماضي والحاضر، ما نجهله عنها، منذ مقاومة الكاهنة للجيوش العربية، إلى قمع المظاهرات الأمازيغية في الوقت الراهن؟


الأمازيغ (أو البربر) هم السكان الأصليون الذين يسكنون المنطقة الممتدة من برقة على مشارف مصر شرقا، حتى المحيط الأطلسي غربا، وعلى امتداد الصحراء الكبرى جنوبا. يقدر عددهم بحدود 30 مليون نسمة، منهم حواي 10 ملايين في الجزائر، بنسبة 22% من السكان، وحوالي سبعة ملايين في المغرب، بنسبة 34% من السكان، ونسبتهم في موريتانيا 20%، وفي ليبيا 9%، وفي النيجر ومالي 7%. ويوجد عدد محدود منهم في تونس، يعيشون في الريف الشمالي. كما أن أغلب سكان الصحراء الكبرى الرحّل هم من الأمازيغ، وهم بحدود مليوني نسمة، وينقسمون إلى ثمانية قبائل كبرى، ويطلق عليهم "الطوارق" (حراس الصحراء الملثمين). والأمازيغ عموما مسلمون، ويتبعون المذهب المالكي ولهم طرقهم الصوفية وزواياهم.

وتعود اللغة الأمازيغية لأصول سامية، وتتكون من عدة لهجات، بعضهم كتبها بالحروف اللاتينية، وهناك محاولات لكتابتها بالحروف العربية. وكلمة أمازيغ تعني بالأمازيغية "الإنسان الحر النبيل". وقد وردت كلمة أمازيغ في النقوش المصرية القديمة، وكذلك في المؤلفات اليونانية والرومانية. وكان الرومان يطلقون على القبائل المنتشرة في شمال إفريقيا اسم بربر، وأخذت كلمة "البربر" عند الرومان معنى سياسيا، وأطلقت على الشعوب التي يعتبرونها في مرتبة حضارية أدنى منهم.

وتاريخيا، اختلط الأمازيغ بالشعوب والأقوام التي قدمت للمنطقة، مثل الفينيقيين واليونانيين والإيطاليين، اختلاطا عابرا، غير أنهم اختلطوا وامتزجوا بالمصريين القدماء والعرب والمسلمين بشكل أقوى. ولما أتى الفتح الإسلامي إلى برقة عام 669م اعتبر الفاتحون أن دخول الأمازيغ في الإسلام تحريرا لهم من احتلال الرومان.

في البداية قاوم الأمازيغ جيوش الفتح الإسلامي بقيادة الكاهنة "ديهيا"، وبعد اعتناقهم الإسلام قاوموا ولاة الدولة الأموية وعمّالها، من منطلق رفض الخضوع للظلم، وليس رفضا للسلطة المركزية بدمشق. كما قاوموا العثمانيين لنفس السبب. وقد حمل الأمازيغ بعض أفكار الخوارج مما يتوافق مع فهمهم للإسلام في المساواة وشرعية الثورة على الحاكم الظالم. خاصة وأن الخوارج بعد سقوط الدولة الاموية غلبوا العباسيين، وحكموا أجزاء كبيرة من شمال إفريقيا بحدود عام 768 وأقاموا إماراتهم فيها، ومنهم الأغالبة. وفي القرن الحادي عشر وحتى الثالث عشر سيطرت قبائل أمازيغية على المنطقة وأعلنت استقلالها عن الخلافة الأموية في الأندلس. وكانت دولة المرابطين أولى تلك الدول، ثم تبعتها دولة الموحدين التي امتد نفوذها من المغرب حتى تونس. وقد استمر حكمها حتى آواخر القرن الثالث عشر الميلادي.

وعن القضية الأمازيغية، يقول نشطاء أمازيغ أن مشكلتهم الأساسية تكمن في محاولات محو الهوية والثقافة الأمازيغية من الوجود، وأن هذا النهج بدأ مع قدوم الفاتحين زمن عقبة بن نافع، واستمر بعد ذلك، وتعمق أكثر مع "إيديولوجية التعريب" التي انتهجها القوميون العرب باعتبارها وسيلة لمحاربة اللغة الفرنسية، وللحفاظ على عروبة بلدان المغرب العربي، التي خضغت طويلا للإستعمار. علما أن الأمازيغ شاركوا في النضال ضد الاستعمار، وبدلا من دمجهم في المجتمع والدولة بعدالة تم إقصاءهم.

ويعتبر هؤلاء النشطاء أن الأنظمة الشمولية وضعت لنفسها مهمة محو كل ما هو غير عربي، من عبد الناصر إلى هواري بومدين، وصولا إلى القذافي وصدام حسين، بالإضافة إلى حزب الاستقلال المغربي الذي يؤمن بأن العربية لغة مقدسة، وأن العرب ليسوا كغيرهم من الأقوام. أي أن مشكلتهم مع الفكر القومي الشوفيني، والذي يصفونه بـ"الأيديولوجية الفاشية العربية".

عموما، مطالب الحركة الأمازيغية ذات طابع ثقافي وهوياتي، تنطلق من خشيتها من انقراض الثقافة الأمازيغية، وتتطلع لنيل الاعتراف الرسمي بها، وبحق الأمازيغ التحدث بلغتهم وتدريسها، واعتبارها لغة رسمية إلى جانب العربية، وممارسة كل طقوسهم الثقافية والدينية والفلكلورية..

كما تطالب بتدريس تاريخ المنطقة "الحقيقي"، وليس التاريخ الرسمي الذي تعتمده الدول، والذي يعتبرونه تاريخيا مزيفا، أغفل تاريخ الأمازيغ، وتجاهل وجودهم المتواصل كمكون أصيل من مكونات المغرب العربي.. وتنتقد الحركة ما وصفتها محاولات محو الهوية الأمازيغية، مثل تغيير أسماء أمازيغية لمدن ومناطق إلى أسماء عربية، على رأسها اسم البلاد "المغرب" التي كانت تسمى "مراكش" أو "نواكوش" أي أرض الله بالأمازيغية، والعاصمة "الرباط" التي كان اسمها "تامسنا".

وتؤكد الحركة الأمازيغية أن قضيتهم لا يجب اختزالها في اللغة والثقافة فقط؛ بل هناك حقوق اقتصادية واجتماعية وسياسية للأمازيغ، ومن أهمها المشاركة في الحكم على قدم المساواة، والاهتمام بالمناطق الأمازيغية التي تعاني من العزلة والتهميش، ومن ظروف اقتصادية بالغة الصعوبة، وتفتقر إلى المدارس والطرق والمستشفيات.

بعد نضال طويل حقق الأمازيغ بعذا من مطالبهم؛ في العام 1996، اعترفت الجزائر بالأمازيغية في الدستور الجديد، بوصفها مكوناً للهوية الوطنية إلى جانب العروبة والإسلام. وفي العام 2002 وبعد مظاهرات دامية في منطقة القبائل أسفرت عن 126 قتيل، اعترفت الدولة بالأمازيغية كـ"لغة وطنية" ثانية، وفي العام 2009، أطلقت قناة تلفزيونية حكومية تبث بالأمازيغية. وفي 2016 أصبحت الأمازيغية لغةً رسمية، ولكن بمرتبة أقل من العربية. في المغرب، وبعد استفتاء شعبي، اعترف الدستور الجديد (2011) باللغة الأمازيغية لغة رسمية في المملكة. لكن هذا على ما يبدو لم يكن كافيا، ولم يحل مشكلة الأمازيغ، بدليل منع آباء من إطلاق أسماء أمازيغية على أبنائهم في بعض مناطق المغرب.
ما لم تعترف دول المغرب العربي بحقوق الأمازيغ كاملة، وما لم تؤمن بأن التعددية قادرة على إستيعاب وهضم كل مكونات المجتمع، وأنَّ في ذلك قوة للدولة، وحماية لها من القلاقل الداخلية.. وما لم تحترم حقوق المواطَنة كاملة دون تمييز على أساس ديني أو عرقي أو طائفي، وتسمح لكل أقلية مهما صغر شأنها أو كبر أن تعبر عن هويتها بكل حرية وطمأنينة.. ستظل مشكلة الأمازيغ قائمة، ولن يعرف المغرب العربي الاستقرار..

وطبعا هذا يسري على بلدان المشرق العربي، والتي فيها الكثير من أشكال الظلم والتمييز والإقصاء..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق