أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

أكتوبر 28، 2017

كردستان.. حلم، أم كابوس؟

رفض الأكراد كل الضغوطات التي مورست عليهم لتأجيل الاستفتاء، وأصروا على إجرائه في موعده.. دون توافق عراقي داخلي، ودون غطاء دولي.. ويبدو أنهم أيقنوا أنهم أمام اللحظة التاريخية التي طالما انتظروها، وأن الاستفتاء سيقدمهم خطوة نحو حلم الدولة المستقلة، وأنه لا مجال لإضاعة هذه الفرصة الذهبية التي قد لا تتكرر، خاصة مع بروز الدور الكردي أكثر في الإقليم وتصاعد دورهم في الحرب على داعش.


وإزاء ذلك، انقسم الشارع العربي، والفلسطيني على وجه الخصوص، بين مؤيد ومعارض، وليست هناك إحصائية تبين أي الفريقين أكبر عددا.. هذا ليس مهما، المهم أن من أيد الاستفتاء، فعل ذلك إنطلاقا من تأييده حق الشعوب بتقرير مصيرها، وحق الأكراد بأن يكون لهم دولة مستقلة، أسوة بشعوب العالم.. ومن رفضه، رفضه إما تخوفا من حسابات سياسية معقدة، ونتائج وخيمة ستنجم عن الانفصال، ستعود على المنطقة وعلى الأكراد بالضرر، وربما بالويلات.. وإما رفضا مطلقا لأي مشروع انفصالي، وباعتبار أرض العراق كلها أرض عربية.. أو لاعتبارات وطنية، خاصة بعد مشاهد رفع العلمين الكردي والإسرائيلي، وتأييد إسرائيل المشبوه للإستفتاء..   

أما دول الإقليم فقد أجمعت على رفض الاستفتاء، ورفض الاعتراف بنتائجه، والاستعداد للتدخل العسكري، أو لفرض عقوبات وحصار على إقليم كردستان، في حال بدأ بتنفيذ خطوات انفصالية، والسبب طبعا خشيتها من انتقال العدوى لبلدانها، سيما وأن ملايين الأكراد يعيشون على أراضيها.. كما رفض مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الاستفتاء... دول أخرى آثرت الصمت والترقب، لكنها بالتأكيد لن تقف إلى جانب الكرد ضد دول إقليمية كبيرة ومهمة تربطها بها مصالح وتحالفات..

وقد حاول الأكراد تبديد مخاوف بغداد، ودول الإقليم والأطراف الدولية، وطمأنتهم بأن الاستفتاء لا يعني إعلان الدولة الكردية من طرف واحد، بل هو إعلان عن تطلعات الشعب الكردي المشروعة.. ورغم تعهد رئيس الإقليم "مسعود بارازاني" بإعادة بناء العلاقات بين الشعبين العراقي والكردي على أسس جديدة بعيدا عن الحسابات الطائفية والقومية؛ إلا أن المؤشرات الأولية تظهر بأن المواجهات العنيفة والدماء والحرب هي الطريق التي ستسلكه أطراف الأزمة عاجلا أم آجلا.

ولا شك أن الأكراد تعرضوا لظلم تاريخي، وحُرموا من حق تقرير المصير، وأن الدول الأربع التي عاشوا في أكنافها أذاقتهم الويلات.. وسلبتهم حقوقهم الوطنية وحتى المدنية، وبالتالي من حقهم، وبعد التضحيات الجسيمة التي قدموها، وبعد مسيرة طويلة من الكفاح المرير، أن ينالوا استقلالهم، وأن يعيشوا بحرية وكرامة وسلام فوق أرضهم التاريخية..

ونحن كفلسطينيين، كنا وما زلنا نؤيد العراق، وتعاطفنا معه بكل صدق في الحروب العدوانية التي شُنّت عليه، بيد أننا أيضا نتعاطف مع حق الأكراد في تقرير مصيرهم، وفي حقهم المشروع في دولة قوميةـ ديمقراطية.. لأن من يناضل من أجل الحرية والاستقلال ويؤمن بعدالة قضيته، عليه أن يتضامن مع كل من له قضية تشبه قضيته، فالعدالة لا تتجزأ..  

هذا كله من حيث المبدأ، ولكن في هذا السياق أيضا يمكن طرح الأسئلة الأصعب: أيهما أهم: حق الشعوب والأقليات في تقرير مصيرها، أم المحافظة على وحدة البلاد والسلم الأهلي؟؟ أيهما أكثر قداسة: أن يكون لكل شعب أو أقلية دولة مستقلة، أم أن يعيش الأفراد والمواطنين بكرامة وأمن في دولة المواطَنة؟؟ وهل حدود الدول  أهم من حياة الناس؟ هل الانتصار في الحروب أكثر قيمة من التعايش السلمي بين الناس من مختلف المنابت والأصول؟ هل حدود العراق، وحدود سايكس– بيكو مقدّسة، وأكثر قداسة من حياة المواطنين؟؟   

ولا شك أن إجابات القيادات السياسية على هذه الأسئلة ستنطلق من محددات مصالح الطبقات الحاكمة، وبعيدا عن أي قيم أخلاقية وإنسانية، وكل ما يُقال عن مصالح الشعب وحقوقه التاريخية وهيبة الدولة، وحماية حدودها.. إنما هو لتجميل صورة الحرب والاستبداد والحكم في أعين الجماهير، بل ولجعلهم وقودا لحروب تلك القيادات السياسية.. وأقصد هنا كل القيادات السياسية لدول الإقليم.. وهذا ينطبق على جميع الأنظمة وعلى مر التاريخ..

إذن، من حيث المبدأ يحق للأكراد ممارسة الاستفتاء، على الأقل هذه ممارسة ديمقراطية، وبأسلوب سلمي حضاري.. وهو تعبير مشروع ومعتمد لمعرفة توجهات وتطلعات الشعب.. وبناء عليه وطالما أن نتيجة الاستفتاء أكدت أن أغلبية الشعب الكردي مع خيار الدولة المستقلة، فعلى العالم احترام هذه الرغبة، ودعمها.. 

ولكن، وهذا أهم ما في الموضوع، وطالما أن محاولات الأكراد للإنفصال ستقود إلى نتائج وخيمة ومدمرة.. فهذا يجعلنا نتحفظ على إصرار القيادة الكردية على المضي قدما بمشروع الانفصال، خاصة الآن، وللتخوفات التالية:

بداية، ترفض بغداد مشروع الدولة الكردية، لأنه سيعني حرمان العراق من مساحة كبيرة، في غاية الأهمية لأمنه واقتصاده، فمنطقة كردستان تعتبر سلة غذاء العراق، وفيها أهم المناطق السياحية، بالإضافة لمنطقة كركوك التي فيها أكبر وأهم منابع النفط.. كما أن بغداد تخشى أن يتبع خطوة الانفصال خطوات أخرى باتجاه تقسيم وتفتيت وحدة العراق، وربما إنهاء الدولة العراقية..

في الجانب الكردي، سيؤدي الانفصال إلى ميلاد دولة ليس لها منفذ بحري، محاطة بدول معادية من الجهات الأربع، ستكون محاصرة، بحيث لا تستطيع تصدير بترولها ومنتجاتها، ولا استيراد غذائها واحتياجاتها، وقد هددها "أردوغان" بالمجاعة..  

ولأن هذه الدولة، لا تحظى باعتراف المجتمع الدولي، ومعرضة لحرب عنيفة من قبل جاراتها، من المرجح أن تنسحب منها كافة المنظمات والهيئات الدولية، والشركات الكبرى، والاستثمارات الأجنبية.. ما سيؤدي إلى عزلتها، وانهيار اقتصادها..

ما يعني أن مستقبل هذه الدولة غير مضمون، بل أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى الإطاحة بالحلم الكردي كله، وتأجيله إلى أجل غير معلوم، وربما للأبد..

وبالتالي (وبلغة المصالح) على القيادة الكردية أن تتأنى بخطواتها، وتدير معركتها بحكمة، على قاعدة التوافق والتراضي مع بغداد أولا، ومع دول الجوار ثانيا، ومع المجتمع الدولي ثالثا، وخلاف ذلك، فإن المنطقة قد تتفجر فيها حروب قومية وطائفية لن تنتهي في المدى المنظور..

لقد عانى الأكراد كثيرا، وآن لهم أن ينعموا بالاستقلال.. كما عانت هذه المنطقة من ويلات الحروب والدمار.. وآن لشعوبها أن تتعايش معاً بأمن وسلام وكرامة.. وأن تنبذ الحروب والعنصرية والأنظمة المستبدة.. هذا يحتاج أن ننفتح على إنسانيتنا، وأن نتطلع للمستقبل..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق