أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

فبراير 17، 2017

هل الاستعمار هو الذي قسم البلاد العربية؟


دأب الخطاب السياسي العربي (الحزبي خاصة) على إلقاء اللوم على الاستعمار فيما يخص تجزأة الوطن العربي، وتحميل اتفاقية سايكس بيكو بالذات كامل المسؤولية.. فإلى أي مدى هذا الافتراض صحيح؟

تنطلق هذ الرؤية من اعتبار خريطة الوطن العربي الحالية تمثل القاعدة الجغرافية للأمة العربية، وهذا الافتراض بحد ذاته بحاجة لمراجعة، إذ أن البلدان التي تشملها الخارطة لم تكن في أي مرحلة من التاريخ متصلة ببعضها البعض تحت سيادة حكم واحد، حيث أن في أطراف الخارطة بعض الأقاليم لم تخضع يوما لحكم الخلافة الإسلامية في أي عصر من العصور.. مثل موريتانيا والسودان والصومال وجيبوتي وجزر القمر وجنوب الصحراء الكبرى.. وفي أوج اتساع الدولة العثمانية ظل جزء من الخليج العربي وعُمان وجزء من اليمن ونجد والسودان وجزء من المغرب وجنوب ليبيا والجزائر وموريتانيا والصحراء المغربية ظلت خارج سلطة الخلافة، ولم تخضع لها.. في حين كانت بلدان أخرى عديدة في آسيا وأوروبا (غير عربية) جزء أساسي منها..


وقبيل انتهاء الحكم العثماني كانت مصر والسودان والجزائر وأطراف الجزيرة العربية والخليج العربي تحت الحكم المباشر للإستعمار.. ما يعني أن الدولة العثمانية (ولا أي خلافة سابقة) لم تحقق في أي مرحلة من التاريخ ما يمكن اعتباره وحدة الأراضي العربية من المحيط إلى الخليج.. هذا كله أولا..

ثانيا، حتى البلدان التي خضعت للخلافة لم تكن متصلة مع بعضها على نحو تام، حتى وإن كانت تحت سيادة حكم مركزي، إذ أن كل منطقة قد تشكلت في ظرف تاريخي مختلف، ونمت بالمعنى السيسيولوجي بشكل متمايز، وتحت تأثير عوامل مختلفة عن جارتها، وظلت تحتفظ باسمها وبرموزها الثقافية وبلهجتها المحلية وتقاليدها وأنماط حياتها.. وكان هذا الاختلاف يتزايد كلما ابتعدت جغرافيا عن بعضها..

مثلا، تاريخيا، العراق ظل متمايزا عن بلاد الشام، من نواح عدة، وفي زمن الخلافة الراشدة والدولة الأموية ظلت حالة من الاشتباك قائمة بينهما، وكانت معركة صفين تعبيرا عن هذا التمايز، وكذلك الصراع العباسي الأموي.. اليمن كانت دولة وحضارة قبل الإسلام، وعُرفت بهذا الاسم تاريخيا.. وكذلك عُمان، والبحرين، والحجاز ونجد.. ولم يلغِ التقائها في الدين واللغة النزعات القبلية المناطقية لكل منطقة.. وفي زمن الخلافة الإسلامية المتعاقبة ظلت تحتفظ بنفس الاسم.. ومن الطبيعي أن لسكان كل منطقة منها تمايزا عن المنطقة الأخرى اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا (إلى حد ما).. ولكن ليس إلى درجة يمكن اعتبارها شعوبا مستقلة منفصلة.. ولكن هذا الأمر أوجد قاعدة موضوعية سهلت عملية تحولها إلى دول مستقلة، كما حصل في العصر الراهن.

مصر، أيضا كانت دولة وحضارة قبل الإسلام بفترة طويلة، وكذلك العراق وبلاد الشام؛ لها لغاتها وثقافاتها الخاصة، وهي وبقية بلدان الجناح المغربي من الوطن العربي لم تكن شعوبها أصلا عربية، بل تعربت بفضل الإسلام، وتعلمت اللغة العربية (القرشية) على مدى قرنين من الزمان..

 ولكن، من ناحية تاريخية، قبيل انتهاء الحكم العثماني كانت جميع البلدان التي تشملها خارطة الوطن العربي (الحالية) تتحدث لغة واحة، وتدين بدين واحد (باستثناء الأقليات الإثنية).. الأمر الذي أوجد مبررا موضوعيا لمنظري القومية العربية لاعتبار سكان هذه الدول يشكلون أمة واحدة، وبالتالي طالبوا بتوحيدها تحت سيادة نظام مركزي.. لكن هذا التوجه فشل لأسباب عديدة.. أهمها أن كل منطقة عربية استقلت عن الاستعمار في سياق نتائج الحرب العالمية الثانية، وتشكُّل نظام دولي وإقليمي جديد، بموجب التفاهمات التي صاغتها الدول الكبرى المنتصرة.

قبيل وأثناء الحرب العالمية الأولى، تمكنت الدول الاستعمارية من احتلال المنطقة العربية وتقسيمها وفقا لمصالحها.. فبينما كان "لورنس" يفكك منطقة الهلال الخصيب، ويهيء الظروف لترسيمها، كان "كوكس" يفكك جزيرة العرب وخليجها بالتعاون مع شيوخ وقبائل المنطقة.. ومع أن المنطق الاستعماري يقتضي تفتيت المنطقة إلى أكبر عدد ممكن من الدويلات، سيما وأن هناك الكثير من المبررات الموضوعية التي تساعد على ذلك؛ أي تمايز المناطق عن بعضها، وتصارعها؛ إلا أن ما حدث غير ذلك، إذ انتهت الاتفاقيات إلى توحيد مساحات شاسعة من الجزيرة العربية بكل تناقضاتها تحت حكم المملكة السعودية.. ومرة ثانية في الإمارات، فضلت بريطانيا توحيد إماراتها السبعة تحت حكم مركزي واحد، بالرغم من مطالبة كل إمارة بالاستقلال.. يبدو أن هذا الأمر أسهل لبريطانيا، أي التعامل مع إدارة وقيادة واحدة.. الأمر نفسه ينطبق على بلدان شاسعة المساحة مثل مصر والسودان وليبيا والجزائر..

هذا لا يعني أن الاستعمار بريء من جريمة تقسيم المنطقة، لكن الموضوع مقترن أيضا بتوفر ظروف ذاتية مواتية، كما أن اتفاقية سايكس بيكو كانت خاصة بإقليم الهلال الخصيب فقط..

اليوم، نسمع عن خرائط ومخططات سرية جديدة للتقسيم، والغريب أن الظرف التاريخي كان أسهل بكثير في النصف الأول من القرن العشرين لإنجاز مثل هذه الخرائط.. حيث معظم الدول العربية كانت تصلح للتقسيم، وكان بوسع الاستعمار فصل الحجاز عن السعودية، وإنشاء دولة في الإحساء، وأخرى في نجد، وتقسيم العراق إلى ثلاث دول، وغير ذلك مما نراه ونسمع عنه من مخططات وخرائط جاهزة، خاصة بعد ما يسمى بالربيع العربي..  

المهم، أن نتيجة التقسيم جاءت ب 22 دولة مستقلة، لكل دولة علم ونظام سياسي وحدود.. سواء كان هذا التقسيم جائرا، أم أن هناك ما يبرره.. السؤال المطروح: هل بالإمكان توحيد هذه الدول؟ (التي لم تكن موحدة بالمعنى الكامل أصلا)، أم أن هذا المشروع لا يغدو عن كونه خطابا إنشائيا؟

مشكلة الخطاب القومي في أوج صعوده أنه اعتمد منطقا شوفينيا استعلائيا، اعتبر فيه العرب أمة متميزة، وفوق بقية الشعوب.. (وهذا يتعارض مع الواقع بشكل فج)، ولم يستوعب الأقليات التي تعيش وسطه (الأكراد، الأمازيغ، الطوائف الدينية..).. والمشكلة الثانية أنه تجاهل أن الدولة الوطنية باتت من حقائق العصر.. بل وباتت محمية بشبكة معقدة من المصالح الداخلية والخارجية والتحالفات المختلفة لكل قطر..

ما يتوجب العمل عليه (وهو قابل للتنفيذ): تحقيق تكامل اقتصادي عربي، عبر مشاريع مشتركة، وتوزيع عادل للثروات، وتضامن سياسي حقيقي، بخطاب سياسي واحد وموقف موحد وفاعل في المحافل الدولية، وتعاون مشترك في كافة الأمور الأخرى (أهمها تسهيل تنقل الأفراد والبضائع).. هذا الأمر وحده قادر على نقل العرب نقلة نوعية، وتأمين مصالحهم القومية.. وخلاف ذلك، سنظل نركض خلف السراب.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق