أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

يناير 21، 2017

مؤامرات شيطانية


مع أواخر النصف الأول من القرن العشرين، اندلعت العديد من الثورات الشعبية ضد الهيمنة الاستعمارية في مختلف مناطق العالم، واستطاعت حركات التحرر تحقيق انتصارات مهمة وتاريخية؛ فمثلا، نالت الهند استقلالها (1947)، والصين بعدها بسنتين، ثم انتصر الفيتناميون على فرنسا (1954)، وفي الجزائر اندلعت حرب التحرير  الشعبية (1954~1962)، ثم قامت الحرب الثانية في الهند الصينية عام (1957)، وأطاحت الثورة الكوبية بنظام "باتيستا" (1959)، وفي إفريقيا أخذ الاستعمار ينكشف عن مناطق عديدة، ومعظم الدول العربية استقلت أيضا.

من جهة ثانية، كان الاتحاد السوفيتي قد امتد بنفوذه ليغطي نحو ثلثي الأرض، وكان النظام الدولي الجديد قد تشكل على أساس التوازن النسبي بين القوتين الأعظم (الأمريكان والسوفييت)، والحرب الباردة بينهما، والتي نشأ عنها عشرات الحروب بالوكالة بين حلفائهما في العالم الثالث.
وفي الوقت الذي كانت شعوب العالم الثالث تناضل للتحرر، وتحقق إنجازات مهمة، كانت الدول الكبرى تحاربها بلا هوادة؛ تارة بالقمع المباشر، وتارة بالمؤامرات. وإليكم بعض الأمثلة:
أولى المؤامرات كانت على الصين؛ فما أن أنتصرت الثورة الشعبية بزعامة "ماو" حتى انسحب إلى تايوان جزءٌ من الجيش الصينى بقيادة الجنرال «تشانج كاي تشيك» عام (1950)، وحينها فرضت أمريكا على القوات اليابانية التي كانت تحتل تايوان تسليم الجزيرة للكومنتاج (جماعة كاي تشيك) وليس لقوات الشيوعيين، بل واعترفت بتايوان بكونها تمثل الصين في الأمم المتحدة. المؤامرة الثانية كانت على الهند؛ فعشية استقلالها بيوم واحد فوجئ "المهاتما غاندي" برفيق دربه "محمد على جناح" يعلن انسلاخ الباكستان عن الهند واستقلالها، بحجة أن استقلال الهند يضر بمصالح المسلمين، طبعا مقدمات هذا الانفصال كانت قد بدأت قبل ذلك بفترة، بدعم وتخطيط من بريطانيا، لتفتيت الهند إلى خمس دول. وقد نجم عن التقسيم حروب أهلية عنيفة قُتل فيها الآلاف.
في إيران، قام الزعيم الوطني "محمد مصدق" بتأميم شركات النفط البريطانية، ونجح في خلع الشاه عندما كان رئيسا للوزراء في الفترة (1951~1953)، بيد أن المخابرات الأمريكية والبريطانية وبواسطة عميلين للإستخبارات وبموازنة متواضعة بلغت 800 ألف دولار، تمكنت من إسقاط حكومته وإعادة تنصيب الشاه في عملية أطلق عليها "أجاكس".
أمريكا اللاتينية كانت مسرحا لعمليات استخبارية معقدة، إذ اعتبرتها أمريكا الحديقة الخلفية للبيت الأبيض، ومن أجل فرض هيمنتها عليها روجت لعقيدة "الأمن القومي"، زاعمةً أن القارة تتعرض للخطر الشيوعي، فدعمت كل الأنظمة القمعية والفاسدة بهذه الحجة؛ الأرجنتين مثلا، في منتصف السبعينات كانت تخوض كفاحا اجتماعيا ضد المافيات الاقتصادية وضد الاستغلال، فبدأت المخابرات الأمريكية بدعم القطاع الصناعي وبعض الجنرالات الفاسدين لتركيز الثروة والسلطة بأيديهم، وأخذت تصفّي المنشآت الصغيرة والمتوسطة، والتآمر على النقابات العمالية، ودعمت الجنرال "خورخي فيديلا" في انقلابه الوحشي عام (1976)، في ظل صمت متواطئ من الطبقة السياسية والمجموعات الاقتصادية والأليغارشية، وخلال سنوات الديكتاتورية تضاعفت الديون على البلاد حتى وصلت إلى 160 مليار. واضطرت الأرجنتين لتسديد 200 مليار دولار أي زهاء 25 مرة مبلغ ديونها الأساسي. فى تلك الحقبة المظلمة قُتل وخُطف نحو 30 ألف أرجنتيني وأكثرهم نساء وأطفال، الأطفال المخطوفين تربوا في معسكرات خاصة ليتحولوا إلى جنود موالين، وآلاف النساء المختطفات تعرضن للاغتصاب والحمل القسرى لتربية جنود موالين للنظام. كما كان يُلقى بالمناضلين بعد إخضاعهم للتعذيب من الطائرات في نهر (ريفر بلات) حتى لا يُعثر على جثثهم.
في تشيلي، انتخب الشعب الزعيم الاشتراكي "سلفادور أليندي" عام 1970، الأمر الذي أثار قلق أمريكا، لأنه انحاز للفقراء، وتبنى سياسات وطنية مناوئة لأمريكا، فدعمت الجنرال "خوسيه بينوشيه" في إنقلاب دموي، أدخل البلاد 17 عاما من الحكم العسكري والقمع والفساد (1973~1990). ونفس الصورة تكررت في بنما، حيث أغتيل الجنرال "عمر توريخوس" الزعيم البنمي الذي كان عائقاً في وجه الهيمنة الأمريكية على القناة، وتم تنصيب "مانويل نورييغا" حاكما بديلا (1983~1990). والذي كان مع "رافائيل ليونداس" رئيس الدومينيكان، و"بينوشيه" رئيس تشيلي، أسوأ وجوه الديكتاتورية الموالية لأمريكا.
في نيكاراغوا، تمكنت "فيوليتا تشامورو" المنحدرة من عائلة برجوازية من هزيمة  الرئيس الشعبي "أورتيجا" في الانتخابات الرئاسية عام (1990)، وقد مثلت "تشامورو" الاتحاد الوطني للمعارضة المدعوم من الولايات المتحدة, وهو ائتلاف لأحزاب مناهضة لجبهة "الساندينيستا" الوطنية، التي أسسها "ساندينو" بطل المقاومة النيكاراغويانية ضد الاحتلال  الأمريكي(1927~1933)، وهي الجبهة التي حررت البلاد من دكتاتورية "سوموزا" عام (1979). وإذا كانت الولايات المتحدة قد نجحت في نيكاراغوا بخلق نظام موالٍ لها عن طريق الانتخابات (أي عن طريق دعم جماعتها بطرق ملتوية)، إلا أنها فشلت في مسعاها في الانقلاب على "شافيز" عام 2002، والذي نفذته بعض الأوساط العسكرية والمالية والنقابية بمباركة الكنيسة، وبدعم وتوجيه من المخابرات الأميركية، حيث أفشلت الجماهير الشعبية والطبقات المتوسطة الانقلاب في مظاهرات ضخمة بشوارع العاصمة وغيرها تأييدا للرئيس "شافيز" ومطالبة بعودته‏.
إفريقيا شهدت العديد من المؤامرات، أبرزها اغتيال الزعيم الوطني الكونغولي "باتريس لولومبا"؛ وكان "لومومبا" قد أسس الحركة الوطنية عام (1958) لمقاومة الاستعمار البلجيكي وحظي بشعبية واسعة، حتى فاز في إنتخابات 1960، فحاولت بلجيكا التي كانت تحتل البلاد إخفاء النتائج وإسناد الحكم إلى حليفها "جوزيف إليو"، لكن الضغط الشعبي أجبرها على تكليف "لومومبا" بتشكيل الحكومة. وفي حفل التنصيب ألقى ملك بلجيكا "بودوان" خطابا استعلائيا أهان فيه شعب الكونغو، فرد عليه "لومومبا" بخطاب رد فيه الإهانة للملك (سمي خطاب الدموع والدم والنار)، ما أغضب البلجيكيين. وبعد أسبوعين، أدخلت بلجيكا البلاد في سلسلة من الأزمات لم تتوقف حتى اليوم. حينها وجدت حكومة "لومومبا" نفسها تواجه أزمات كبرى: اضطرابات عمالية، تمرد عسكري في الجيش، وانفصال إقليم كتانغا أهم وأغنى إقليم في الكونغو. استغل "موبوتو" رئيس هيئة الأركان هذه الفوضى فاستولى على السلطة عام 1961 في انقلاب عسكري هو الأول من نوعه في أفريقيا في ذلك الوقت. واختطف "لومومبا"، لتقوم فرقة من الجيش البلجيكي بقتله وتقطيعه وإذابته في حمض الكبريتيك.
 كل تلك المؤامرات لم تكن لتنجح لولا الثورات المضادة، ولولا وجود جماعات محلية مناوئة (قوى طائفية وقبلية واقتصادية) كان يتم الاستقواء بها ضد شعوبها وقواها الوطنية, لخدمة أعداء الوطن.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق