أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

نوفمبر 21، 2016

ما الذي يريده دحلان؟


تشهد الساحة الفلسطينية حالة من التوتر والخوف، ويشوبها نوع من القلق لما يمكن أن تحمله الأيام القادمة، خاصة مع تكرار حوادث أمنية تنذر بعودة الفلتان الأمني، وتحديدا في المخيمات.. وسط اعتقاد سائد بأن سبب الأزمة هو الخلاف مع "دحلان"، الذي قد يؤدي لانقسام على مستوى الشارع، أو على الأقل على "المستوى الفتحاوي"، خاصة مع اقتراب موعد المؤتمر السابع لفتح.. والذي سيحسم مسألة تجديد أو خلافة الرئيس أبو مازن..


وفي نفس السياق، تكتسب "المصالحة" الداخلية الفتحاوية أهمية إقليمية، ودولية، فضلا عن أهميتها الوطنية. حتى أن تحالفا سياسيا عربيا نشأ خصيصا لهذا الغرض (الرباعية العربية).. بعض المحللين قالوا بأن المسألة تتعدى موضوع خلافة الرئيس، لتصل إلى مستوى إعادة تشكيل النظام السياسي الفلسطيني، في مرحلة ما بعد أبو مازن، بحيث يأخذ "دحلان" موقعا قياديا فيه، بترتيبات مع حماس.. ما يعني أن التسوية المنشودة، ستكون بسقف أقل بكثير من أوسلو، وأنها ستقتصر على غزة، مع ترتيبات معينة وتحسين لظروف الحياة في الضفة.. ولكن بما يحول دون تحقيق دولة فلسطينية..

وفي هذه الفترة، يزداد الحديث عن "دحلان"، حتى أن البعض بات يتصور بأن عودته أو غيابه ستكون هي المحك الرئيسي لاستقرار الأمور أو انفلاشها..

السؤال هنا: هل حقا يمتلك "دحلان" (عضو المجلس التشريعي "المعطل"، والعضو "المطرود" من اللجنة المركزية) عناصر القوة الحقيقية، شعبياً وتنظيمياً ودولياً؟ هل لديه برنامجاً كفاحيا أكثر تطورا من برنامج "فتح"، أو برنامجا سياسيا مختلفا عن أبو مازن؟ هل هناك مبررات موضوعية للسير خلفه؟ من جهتي أجيب على الأسئلة السابقة بِ "لا".. وباعتقادي أن قوة دحلان وقدرته المفترضة لا تعدو عن كونها وهما كبيرا، أو دعاية جرى تضخيمها منه، ومن أطراف خارجية تدعمه.. ولو أخذنا مثلا طريقته في إدارة الملفات الخطيرة التي تولاها، سنجد أن أغلبها أثبتت ضعفه وفشله، ولم يُظهر فيها أي أداء مميز؛ عندما كان هو الرجل القوي في غزة، ويتمتع بشعبية كاسحة، سيطرت "حماس" على غزة وأخرجته منها بطريقة مهينة، ومريبة، بل إنه كان ذريعة حماس وحجتها في محاربة الأجهزة الأمنية الرسمية هناك؛ وقبل ذلك، عندما كان في طليعة القيادة الفلسطينية خسرت "فتح" الانتخابات العام 2006، حيث شكل حينها قائمة موازية أثرت سلبا على القائمة الرسمية، برغم أن قائمته أُلغيت، لكن أثرها السلبي ظل قائما. حتى أن جزءاً مهما من الجمهور الذي صوَّت لحماس، فعل ذلك عقاباً لفتح على طريقة إدارتها للسلطة، متأثرين بالسمعة السيئة لدحلان (ولغيره)، والتي عملت ماكينة حماس الإعلامية على تضخيمها. وأيضا رغم مسؤوليته عن إعلام "فتح"، وامتلاكه شبكة إعلامية موازية، إلا أنه لم ينجح بإحداث أي فرق يُذكر، أو التأثير بشكل إيجابي على الرأي العام المحلي والعالمي.

نجح "دحلان" في الترويج لنفسه على أنّ وجوده مهم، وأنه قادر على أن يصنع تغييرا على الأرض، وأنه يتمتع بشبكة علاقات دولية قوية، وأنه قادر على حل الكثير من مشاكل الشباب التنظيمية والمالية.. وهذا صحيح نسبيا، فهو لا شك يتمتع بشخصية كاريزمية ساحرة، وقدرة على الاستقطاب، ولديه طاقة حيوية كبيرة، ويجيد الظهور بمظهر القوي، والمقرب من الشباب.. عدا عن كونه متحدث لبق، ومثقف، وحاد الذكاء.. وهذه صفات مهمة جدا للقائد، ولكن دحلان يفتقر لأهم صفة تلزمه ليكون زعيما، أهم شرط لم يحدث سابقا أن تنازل عنه الشعب الفلسطيني.. وهي الوطنية الفلسطينية.. أي أن تكون فلسطين وحدها إنتمائه، بوصلته، ومعياره، وديدنه، ومنتهى مبتغاه..

والحقيقة المرة هي أن كل صفات "دحلان" القيادية ليست هي التي جعلت منه شخصية مهمة، سر قوته هو المال.. فالرجل يمتلك ثروة ضخمة، وعقارات ومشاريع كثيرة (لا أصدق الأرقام الفلكية والتقارير التي تضخم ذلك).. لكنها ثروة كافية لاستقطاب الكثيرين، وقد وظفها بذكاء وسخاء.. والمؤسف والمؤلم أن من يتبع دحلان يتجاهل السؤال الأهم: من أين لك هذا؟ (طبعا هذا لا يلغي وجود أنصار له أنقياء، لم يتبعوه بسبب المال، إنما متأثرين بسحر خطاباته ومواقفه الشعبوية، والبعض وجد أداءه أفضل من عباس خاصة في القضايا الداخلية، أو لأن عباس أقصاهم أو همشهم، فوجدوا في دحلان بديلا معقولا).

كذلك الأمر، فقد تم تضخيم كل ما يخص علاقاته الدولية والإقليمية؛ سنجد مثلا أنه وراء تسليح المعارضة الليبية، وله أيدي في انقلاب تركيا، وفي "انقلاب" السيسي، وهو المسؤول عن العلاقات المصرية الإماراتية، ولديه علاقات مع حلف الناتو، ومستشار أمني لبوتين، ولديه استثمارات ضخمة في صربيا ودول أخرى، وقادر على التأثير على سياساتها...  

باعتقادي، أن ضعف القيادة، وإهمالها إقامة وتمتين علاقاتها مع دول مهمة مثل الإمارات، وضعف الحالة الفلسطينية عموما.. هو الذي فتح المجال للعديد من دول المنطقة لكي تفتح خطوط اتصال خلفية مع "دحلان".. سيما في هذه المرحلة الحساسة التي تشتد فيها الصراعات والخلافات بين دول المنطقة، وتنشأ فيها محاور متباينة.. على خلفية الأزمة السورية، والوضع في العراق واليمن.. وقد عرف "دحلان" بذكائه كيف يوظف هذه الصراعات لصالحه.. كما وجدت بعض دول المنطقة فيه وسيلة لاختراق الساحة الفلسطينية.. التي تظل دوما محورا رئيسا في الصراعات الإقليمية والدولية، وورقة هامة رابحة لكل من يعرف الإمساك بها..

ما يغيب عن ذهن "دحلان"، أن الشعب الفسطيني التفَّ من حول ياسر عرفات، لثلاثة أسباب: أنه رفع راية الكفاح المسلح، وحافظ بكل وطنية وإخلاص على بوصلته تجاه فلسطين، ودافع باستماتة عن القرار الوطني المستقل.. وهذه الأمور هي معيار قبول أو رفض أي قائد فلسطيني.. وهي سمة فتح التي جعلتها على قيد الحياة حتى الآن..

لن تفيد القيادة ذهنية التوجس والتشكيك في كل من يقترب حتى من المكان الذي يقيم فيه "دحلان"، ولن يفيدها أسلوب الإقصاء والطرد، ولا الأسلوب الأمني في معالجة الموضوع، فتح يجب أن تظل الإطار الجبهوي العريض، الذي يحتوي الجميع، والقادر على صهر كل التناقضات. ويجب أن تظل أطرها ومؤسساتها مفتوحة لكل الشعب.. فهذا هو سر قوتها..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق