أهلا بكم

على هذه الصفحة نثير التساؤلات ،، ونفكر ،، ولا نعرف حدوداً للتوقف

آخر الأخبار

يونيو 05، 2016

المصطبة الجنوبية


اسمها "الكتيبة الثامنة"، مع أنه لا يوجد قبلها سبعة كتائب متسلسلة، والكتيبة المجاورة لها، التي تبعد عنها نحو أربعة أميال لا تسمى بالكتيبة التاسعة؛ ومع ذلك اشتهرت بهذا الاسم، وارتبطت لزمن طويل بمؤسسها المقدم "نواف"، حتى أن البعض كان يسميها "كتيبة نواف"..

تقع الكتيبة على مقربة من طريق المطار، تدخلها من شارع فرعي غير معبد، لمسافة ربع ساعة بالسيارة.. ومع أنها منطقة صحرواية؛ إلا أن المقدم "نواف" قام بزراعة بعض أشجار الصنوبر والسرو على حدودها..


كان المقدم نواف شديد الحرص على مظهر الكتيبة ونظافة مرافقها.. وأشد حرصا على التقيد بالتعليمات... يعيش هاجسا مزمنا اسمه التفتيش الإداري؛ وهو تفتيش فجائي تقوم به قياد الجيش على الكتائب والمعسكرات مرة كل ستة أشهر، يتفقدون خلاله المخازن، الغرف، الملفات، الجنود، ويتأكدون من إتباع وتنفيذ الأوامر العليا، كان المقدم نواف يتوقع حضور لجنة التفتيش كل صباح، وكل ما يخشاه أن يجدوا عنده مخالفة، ولو صغيرة، حينئذ ستتأخر ترقيته، وقد يوجه إليه لوم أو تنبيه.. وقد أورث هواجسه ومخاوفه لكل الضباط والجنود الذي يأتمرون بأمره.. كل شي عالمسطرة.. من تلميع البصطار، إلى الطابور الصباحي، وحتى تفقد الذخيرة..

ذات يوم، خطرت بباله فكرة تبليط مصطبة في الركن الجنوبي للمعسكر، بجوار أشجار الصنوبر، مساحة صغيرة ثلاثة أمتار في عشرة، تثبت في مركزها سارية العلم، أُعجب بالفكرة، بل إنه دُهش من نفسه، كيف لم تخطر بباله من قبل ؟؟ وبالفعل ما أن حل المساء حتى كان جنوده قد انتهوا من تبليط المصطبة.. تفقدها، واطمئن على إنجازها بالشكل الأمثل، شكر جنوده، وقبل أن ينصرف، خشي أن يدوس أحدهم على طرف المصطبة قبل أن تجف كلياً، أو أن يمر حيوان ما في الليل فيخرب ميل البلاط.. فأصدر فرمانا عسكريا بوقوف أحد الجنود طوال الليل لحراسة المصطبة..

صبيحة اليوم التالي، جاء أمر إداري بنقل المقدم "نواف" إلى كتيبة أخرى.. وعليه التنفيذ فورا.. جمع جنوده وأبلغهم بالأمر، وقبل أن يودعهم أوصاهم خيرا بالمصطبة التي لم يكد يفرح بها.. ثم صافح المقدم "فلاح" الذي سيحل محله، تبادلا التحية العسكرية، ثم مضى كل منهم في أمره..

تفقد المقدم "فلاح" كافة الوثائق والتعليمات الإدارية، كشوفات الجنود، وإجازاتهم، شهادات الشكر، سجل الزيارات... وأثناء ذلك، عثر على الفرمان الأخير "حراسة ليلية على المصطبة الجنوبية".. خرج لرؤية هذه المصطبة، لم يجد فيها شيئا غير عاديا؛ لكنه قال في نفسه، لا بد أن في الأمر حكمة ما..


عشر سنوات كاملة، أمضاها المقدم "فلاح" في الكتيبة الثامنة.. ترقى خلالها إلى رتبة عقيد.. سار كل شيء خلال هذه المدة عالمسطرة.. حتى في ليالي الشتاء الماطرة لم يتغيب أي جندي عن مناوبته الليلية في حراسة المصطبة الجنوبية.. لأن كل شي يجب أن يكون عالمسطرة.. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق